الفصل الثاني والأربعون: الرب إله الأبرار

الفصل الثاني والأربعون
الرب إله الأبرار

يصوَّر الربّ في أم قريبًا من الأبرار، من الذين يخافون الله ويثقون به ويخضعون لتعاليم حكمته. هذا ما نحاول أن ندرسه في أم، في سائر أسفار العهد القديم، وفي عالم الحكمة كما عرفها جيران إسرائيل في مصر وبلاد الرافدين.

1- الرب إله الأبرار في أم
أ- الأبرار وما يقابلهم
هناك عدد من العبارات المختلفة تدلّ على الإنسان المرتبط ارتباطاً خاصاً بالربّ في أم. نتوقّف عند "البار أو "الصدّيق ". فالإنسانُ يعطى هذه الصفة (بار) مرارًا في أقوال ترتبط بالربّ. "لعنة الربّ في بيوت الأشرار وبركته في بيوت الصدّيقين " (33:3). "الربّ لا يقاوم رغبة الصدّيقين، وأما هوى الأشرار فيصدّه " (3:10). "الربّ يبتعد عن الأشرار ويستمع إلى صلاة الأبرار" (15: 29). "إسم الربّ برج منيع، يهرع إليه الصدّيق فيأمن " (18: 10). ونقرأ في 9:15: "طرق الشرير يمقتها الربّ ويحب من يتبع البرّ". وفي 3:21: "أن تصنع البرّ وتقضي بالانصاف أفضل عند الربّ من تقديم ذبيحة".
إن كلمة "صدّيق " (أو: بار) ترد حوالي ستين مرة في هذه الأقوال المأثورة، فتدلّ على شخص يحيا حياة جدّ مستقيمة فيختبر النجاح وينال البركة.
من المعروف أن البار يتحدّث حديث الحكماء (10: 11: فم الصديق ينبوع حياة، 10: 20: لسان الصديق فضّة نقيّة، رج آ 21، 31- 32؛ 5:13؛ 15: 28)، ويعرف كيف يتدبّر ممتلكاته (10: 16: رزق الصديق للحياة، 15: 6: بيت الصديق حصن عظيم)، وهو رجل معتبر (12: 10: الصديق يصون حتى حياة بهيمته). وهكذا يعرف أن يتحمّل الشرّ ويفلت منه.
إن عبارة "بار" تدلت على إنسان يعرف كيف يتجنّب السوء ويحيا حياة مستقيمة. في هذا المعنى تبدو البرارة مرادفة للحكمة، والبار هو الحكيم. غير أن معنى "الصديق " لا يتوقف عند السلوك المستقيم. فكلمة "صديق " وكلمة "شرير" تجعلاننا في جوّ التقوى اليهوية. ففي سياق لا يكون اللاهوت فيه واضحًا، ترتبط لفظة "صديق " بمعنى ديني. فالصديق يعيش باستقامة لأنه خاضع لله ولتعليم الحكماء. وهذه الميزة تنطبق على كل رجل قريب من الله، "يخاف الله ".
وترتبط "مخافة الله "، بالحكمة في 1:7 (رأس المعرفة مخافة الربّ، والحمقى يحتقرون الحكمة والفهم) و 9: 10 (بدء الحكمة مخافة الربّ والفهم هو علم القديسين) حيث مخافة الربّ تحمل وظيفة النموّ في الحكمة (15: 33؛ أي 28:28؛ مز 111: 10). ترد العبارة عددًا من المرات في أم (7:1، 29؛ 2: 5 ؛ 13:8؛ 9: 10؛ 10: 27...) فتدلّ على الموقف الصادق الذي يقفه الإنسان تجاه الله وتجاه الحياة. نجد هذه العبارة في مختلف أقسام الكتاب وهي تغيب فقط في ف 25- 29 حيث ندرة المراجع اللاهوتية تمنعنا من أن ننسب أي مدلول إلى غيابها.
شدّد بعض الشراح على أن "مخافة الله " هي مدلول خاص بالأدب الحكمي. وقالوا إن هذه العبارة تُفهم في معنى واسع (كما في الإخبار الالوهيمي) كطاعة لإرادة الله، كتسليم للربّ ومعرفة له. الخائف الله هو شخص يعيش في علاقة من الطاعة والثقة تجاه الربّ. والبار هو الذي يحيا أسلوب حياة وينعم ببعض الصفات الاجتماعيّة والخلقيّة.
وهناك ألفاظ أخرى تدلّ على الإنسان القريب من الربّ. هناك المستقيم الذي يسير في طريق الكمال، والورِع أو التقي كما في 2: 7- 8: "يوفّر للمستقيمين عونًا وحماية للسالكين في الكمال. يرعى مسالك المنصفين ويحرس طريق أتقيائه ". وهناك "المساكين " بالمعنى الروحي الذين يسكب الربّ عليهم نعمته (3: 34). والذين يجعلون ثقتهم بالربّ. "المتكّل على الربّ يغتني " (25:28) "المتّكل على الربّ يأمن " (25:29).
"البار" و"الخائف الله " يعيشان حسب تعاليم الحكمة وفي علاقة وثيقة مع الله. ويقابلهما الشخص الذي "يبعده " الله عنه. هناك الشرير الذي يعارض البار في عدد كبير من الآيات (33:3 ؛ 10: 3، 16، 24، 25؛ 11: 5، 8، 31...). وهناك رجل العنف (3: 31) والمراوغ (3: 32) والساخر (3: 34) وفاعل الاثم (10: 29). نحن هنا أمام علاقة سلبيّة مع الله.

ب- الرب يحامي عن الأبرار
الربّ يعمل كإله شخصي فيحامي عن الأبرار. هذا ما نجده في ف 2 الذي هو تعليم موحّد وإن غابت عنه صيغة الأمر وبرزت صيغة الشرط (إن تعلّمت... إذا دخلت الحكمة). هذا التعليم يتوجّه إلى "ابني"، أي إلى كلّ إنسان يريد أن يتعلّق بهذه الأقوال. تنبّه المقدّمة القارئ إلى هذا التعليم وتدعوه ليبحث عن الحكمة بكل قلبه. ويتواصل الكلام في آ 5 مع صيغة الخاطب (تبيّنت مخافة الربّ، وجدت) المفرد، فيربط هذه المعرفة وهذه الحكمة بالتقوى ومخافة الله ويشكّل جسرًا إلى الآيات الثلاث التالية المبنية في صيغة الغائب المفرد (الربّ يهب الحكمة...).
تقول هذه الآيات إن الربّ يمنح الحكمة وهو يعين ويوجّه ويحفظ الشخص الذي يعيش بحسب مشيئته.
"تبيّنتُ مخافة الربّ ووجدتُ معرفة الله. هو الربّ يهب الحكمة ومن فمه المعرفة والفهم. يوفّر للمستقيمين عونًا وحماية للسالكين في الكمال. يرعى مسالك المنصفين ويحرس طريق اتقيائه " (2: 5- 8).
هذا هو مثال الحكمة: المستقيم، السائر في الكمال، الحافظ طريق النزاهة، الأنقياء. كلّ هؤلاء ينعمون بحماية الربّ، ويعيشون حياة دينيّة وأخلاقيّة. والربّ يصوَّر على أنه المخلّص (أش 28: 29؛ مي 6: 9 ؛ أي 5: 12؛ 13:6؛ أم 3: 21؛ 8: 14 ؛ 18: 1) وأنه الترس الذي يحمي من العدوّ، والحارس والمحامي. هذه الألفاظ الأربعة تؤكد للعائش حياة قريبة من الله أن الأمان والطمأنينة هما حصّته.
ويسير التعليم في 3: 21- 35 في طريق تقليديّة مع تحريض للتعلّق بهذه التعاليم وتأكيد للنتيجة التي سنحصل عليها. "عاين الرأي والتدبير يا ابني، ولا تدعهما يغيبان عن عينيك، لأن فيهما حياة لنفسك وقلادة تزيّن عنقك، فتسير في طريقك آمنا فلا تعثر فيها قدمك. إذا جئت لتنام فلا ترتعب، بل تنام ويحلو نومك. لن تخاف من رعب مفاجئ ولا من إساءة تأتي من الأشرار، لأن الربّ يكون سندًا لك ويحرس قدمك فلا تعثر" (3: 21- 26).
الموضوع الرئيسي في هذا التأكيد المعطى للإنسان الخاضع للربّ، هو الطمأنينة التي يختبرها في كل وقت حتى عندما يحلّ الرعب والضيق بالآخرين. وتنهي آ 26 هذا المقطع فتحدّثنا عن الاتكال على الله الذي يحامي عن المكرّسين له. هناك ألفاظ تصوّر الحياة بشكل طريق نسير فيه. ونجد في 10: 29 صورة متعارضة عن نظرة الله إلى الأبرار وإلى الأشرار: "الربّ حصن للصالحين وهلاك لفاعلي الإثم ".
الإنسان الكامل (التام، بمعنى أنه يتمّ الوصايا) هو السائر في طريقه بالكمال. لا عيب في سلوكه أمام الله وأمام البشر أما "فاعل الاثم " فيصوّر أولئك الذين يعيشون في الكذب والشرّ وعبادة الأوثان. والتعليم الرئيسي في هذه الآية هو أن كل فئة ترى الله بطريقة مختلفة. فهو للفئة الأولى عزّ وحصن، ملجأ وحماية، في وقت الشدّة والخطر. وهو للفئة الثانية هلاك ودمار. هكذا يبدو الله المجازي. إنه "يدمّر" الأشرار وهذا ما يدلّ على مصير سيّئ لا مفرّ منه. ويكافئ الأبرار فيرعاهم ويحميهم.
وهذه الحماية لا تتوقّف عند الفرد بل تتضمّن العائلة من بنين وبني بنين. "في مخافة الربّ طمأنينة وعزّ، والربّ حمى لأبنائه " (14: 26)0 الربّ نفسه هو العزّ وهو الطمأنينة. حضوره يعطي الأمان. ولهذا تكمل 27:14: "مخافة الربّ ينبوع حياة، وبها تبتعد عن أشراك الموت ". ونقرأ في 13: 14 آية تشبهها: "نصيحة الحكيم ينبوع حياة، وبها تبتعد عن أشراك الموت ". إذن، يُفلت الإنسان من سوء الحظّ حين يعيش حياة التقوى. إنه يتجنّب اشراك الموت والدمار الذي يهدّد حياة الأشرار. لهذا سنجد في 1: 10- 19 و 2: 16- 19 نصائح للابتعاد عن رجل العنف وعن المرأة الغريبة. فكلاهما يقودان إلى الدمار.
ونجد صورة عن الربّ الذي هو ملجأ أمين في 18: 10: "اسم الربّ برج منيع، يهرع إليه الصديق فيأمن ". قال "اسم الرب " ولم يقل "الرب". نجد هذه العبارة في الحلقات الاشتراعية. والإنسان التقيّ ينال وعدًا بحياة طويلة ويجد حماية من كل أنواع الشرّ. "مخافة الربّ تؤدّي إلى الحياة، وصاحبها يشبع ولا يحلّ به سوء" (19: 23). وسنجد "الشرَك " في 25:29: "من يسرع يقع في الشرك، والمتّكل على الربّ يأمن ". وهناك ترجمة بديلة: "الخوف من الناس يقع في الشرك ". فالاتكال على الله هو موقف الانقياء الذين يخافون الربّ. إنهم بعيدون عن الذين يخافون البشر وهكذا نفهم أن مخافة الربّ ليست ارتعاد العبد أمام سيده، بل هي عاطفة ارتباط بالله واتكال عليه، وخوف من أن لا نكون متجاوبين مع ندائه وعاملين بوصاياه. هذا ما يقوله أجور عن الله الذي لا يُدرك فيزيد: "كلام الله نقيّ كله، والله درع للمحتمين به، للمتّكلين عليه " (5:30).
"كلام الله " هو كلام الوحي المكتوب. كلام الله هو الله بالذات. فالله هو درع لمن يلجأ إليه. ونحن نقرأ في مز 18: 31: "الله طريقه كامل، الربّ كلامه نقيّ وترس للمحتمين به " (رج 2 صم 22: 31). ثم إن الاسم الالهي هو "إلواه " في هذا المقطع، بينما هو يهوه في سائر الكتاب. فأجور ليس من أرض إسرائيل، لهذا كان الاستعمال العام لاسم الله كما في سفر أيوب.

ج- الرب يمنح النجاح والصحّة للأبرار
هناك عدد من الأقوال تُبرز الطريقة التي بها يكافئِ الله أولئك الذين يتوكّلون عليه. هذه هي الوجهة الأساسيّة في علاقة الإنسان بالإله الشخصي.
فالتعليم في أم 1- 9 يحمل الكثير من اللاهوت ولاسيّما 3: 1- 12، بل آ 5- 10. نجد عددًا من التحريضات التي تشير إلى التقوى، والتي تدلّ على نتيجة الطاعة والتقوى في حياة المؤمن.
"بكل قلبك اطمئن إلى الربّ ولا تعتمد على فطنتك. اينما سرت تعرَّف إليه فييسِّر لك طريقك. لا تكن حكيمًا في عينيك، واتّق الربّ وانصرف عن الشرّ. في ذلك صحّة لجسدك وتخفيف لجميع آلامك. أكرم الربّ من مالك ومن بواكير جميع غلالك، فتمتلئ مخازنك قمحًا وستفيض معاصرك خمرًا" (3: 5- 10).
فالإنسان الذي يتكلّم على الربّ، يتأكد أن الرب يمهّد له طريقه، فيزيل المعوقات والصعوبات. فالصحّة وقوّة الجسم تُعطيان لمن يتّقي الربّ، والذي يُشرك الآخرين في أمواله يعرف النجاح. نحن هنا أمام فكرة فردية عن التقوى حيث تكون الصحة أمرًا عارضاً بالنسبة إلى علاقة الإنسان مع ربه.
وينتهي 3: 21- 35 مع تأكيد لاهوتي يدلّ على موقف الله تجاه فئات الشعب. "لعنة الربّ في بيوت الأشرار، وبركته في بيوت الصديقين. بالساخرين يسخر الربّ، وعلى المساكين يسكب نعمته " (33:3- 34).
هناك تعارض في آ 44 بين اللعنة لمساكن الأشرار والبركة لمساكن الأبرار. أما في آ 34، فقد بُنيت على ردّة فعل الله على أعمال الناس. يحمل الصلاح للصالح، ويحمل الدمار إلى الشرير. وإن بركة الله لمساكن الصديقين تجد تطبيقًا على الفرد وعلى كل ما يملك فتدلّ على الازدهار والحماية والكرامة والعافية. والعبارة القائلة بأن الربّ يرضى عن الأنقياء، يدلّ على ظهور الإنسان في عين الربّ (3: 4) بمظهر إيجابي. وهذا ما يتضمّن أن الإله الشخصي يحميه ويعينه في كل جهد يقوم به.
"يراقب " الربّ التقي ولا يسمح بأن يشقى. "الربّ لا يقاوم رغبة الصديقين، وأما هوى الأشرار فيصدّه " (3:10). هذا يعني أن الله لا يلبّي رغبة الأشرار، بينما يهتمّ اهتمامًا شخصيًا بالشخص القريب منه. وفي إطار نظرة إلى الحياة لا تعرف الآخرة، كان العمر الطويل علامة مهمّة تدلّ على البركة الالهيّة. والحكماء يرون في طول العمر نتيجة حياة من التقوى والخضوع لله. "من يخاف الربّ فأيامه تطول، أما سنو الأشرار فتقصر" (10: 27). وما نجده في 14 :27 (مخافة الربّ ينبوع حياة) لا يمنعنا من القول إن الحياة الطويلة لدى خائني الله والحياة القصيرة لدى الأشرار يرتبطان بالنظرة إلى الربّ الكامل العدالة في هذا العالم.
ويتضمّن تعليم الحكماء أيضاً تحريضاً يدعو فيه القارئ لأن يسلّم كل شيء إلى الربّ. "فوّض إلى الربّ أعمالك، فتتمّ جميع مقاصدك " (3:16). نجد هنا صيغة الأمر، وهي تبدو بشكل خاتمة لمقطع يضم 16: 1- 3 ويرتبط بمخطّطات الله وطرقه في علاقتها مع الربّ. نشير هنا إلى أن 16: 1- 3 غابت من السبعينية اليونانية، وهذا ما يدلّ على أنها شكّلت في الأساس مقطعًا منفصلاً عن النصّ. "للإنسان ما يدبّر في قلبه... سلوك الإنسان مبرّر في عينيه... ".
إن النصيحة التي نقرأها في الشطر الأول (فوّض إلى الربّ أعمالك) والتي تدعو الإنسان لكي يسلّم نشاطه إلى الربّ، يتبعها تأكيد يؤكّد لنا النجاح في الشطر الثاني. فاعل الشطر الأول هو "الأعمال " (المشاريع الحالية). وفاعل الشطر الثاني هو المشاريع وما يفكّر به الإنسان وما يخطّط له. والانشداد واضح: حين يسلّم الإنسان كل مشروع إلى الربّ، فالربّ يشرف على الوضع كلّه ويعمل كل شيء وهو يفكّر في هذا الشخص. وهكذا يجعل هذا التحريضُ علاقة واضحة بين التقوى والورع لدى البار والنجاح الذي يمنحه الله له. "المتعقّل في أمره (من يسمع كلمة الربّ) يجد خيرًا، ومن يتكّل على الربّ يهنأ") (هنيئًا له، طوباه، ما أسعده) (16: 210).
إن عبارة "المتعقّل في أمره " في الشطر الأول تجمع الحكمة (أو التنبّه) مع "دبر" العبرية التي تعني أيضاً الكلمة (كلمة الرب) فتدلّ على كلام الأنبياء (إر 18: 18). وقد تدلّ هنا على كلمة الكتبة. فاستعمال لفظة "دبر" (كلمة)، ولفظة "توره " (تعليم) ودلالتها على تعليم الحكماء، يبيّن لنا أن الكتاب لا يميّز تمييزًا تامًا بين عالم الحكمة والشريعة والنبوءة. "المتعقّل " يجد خيرًا، ينجح في كل مجالات حياته. ونجد ما يوازي هذا القول في الشطر الثاني مع "التطويبة" التي نجدها مرارًا في أم (3: 14 ؛ 8: 32؛ 14: 21؛ 28: 14؛ 18:29) وفي مز (1: 1؛ 5:65؛ 84: 5 ؛ 89: 16؛ 119: 1؛ 128: 2 ؛ 8:137 ؛ 15:144 ؛ 5:146).
فالخضوع لتعاليم الحكماء والاتكال على الله يكمّل الواحد الآخر فالذي تتميّز حياته بهذا الخضوع وهذا الاتكال، يتأكّد له النجاح والسعادة في كل ظروف حياته. والحكماء يعتقدون أن هذه النتائج الايجابية تصل إلى الأفراد بيد الربّ نفسه. ونحن نقرأ عن هذا النجاح لدى الشخص الواثق بالله في 28: 25: "المتكل على الربّ يصير غنيًا". هذا الشطر يصوّر الإنسان الذي وازى بين موقفه وما في الأشياء من إيجابيات، والذي جعل مسرّته الأولى في التقوى والخضوع لإرادة الربّ. إن الإنسان يؤثر على الوضع، وهذا ما لا شكّ فيه. ولكن اهتمام الربّ بأتقيائه يبقى العاملَ الحاسم.

د- الصداقة والحب والتأديب
ينتهي التعليم في 3: 1- 12 في آيتين تُعتبران مقطعًا منفصلاً، وتقدمان نظرة جريئة تؤكّد على حماية الله للإنسان التقي. "يا ابني، لا ترفض مشورة الربّ ولا تكره توبيخه لك. فمن يحبّه الربّ يوبّخه ويرضى به كأب بابنه " (3: 11- 12). لقد وعى الحكماء أن الربوبيّة تطرح عددًا من المسائل الهامّة حول المقاربة الفرديّة من المجازاة. ونستطيع القول إنه، منذ البدء، لم تكن مواعيد الحماية والأمان والتحرّر من كل شرّ، بعيدة عن كل تساؤل. وتقدّم هاتان الآيتان موضوع التوبيخ كتفسير لصعوبات يختبرها الأبرار. فمفردات "مشورة" و "توبيخ " و"وبّخ " ترد مرارًا في أم (2:1، 3- 7، 8؛ 3: 11؛ 4: 1، 13... ؛ 1 :23، 25، 30؛ 3: 11؛ 5: 12... ؛ 3: 12؛ 9:7-8؛ 15: 12...)، وتصوّر النشاط التربويّ الذي يقوم به المعلّم (أو الوالد) فيبدو نموذجًا لله الذي يؤدّب هو أيضاً أولاده.
هنا نرى ابرازًا للعلاقة بين الأب وابنه. هكذا نقرأ 3: 12: "فمن يحبّه الربّ يوبّخه ويرضى به كأب بابنه ". إن قراءة هذه الآية تعبّر عن العلاقة الوثيقة بين الفرد وإلهه. لا علاقة العبد بسيّده. بل علاقة حميمة بين الأب وابنه. ويبرز الحنان في هذه العلاقة بواسطة لفظة "أحب " التي نادرًا ما تستعمل في أم أو في سائر أسفار التوراة لتصوّر شعور الربّ تجاه الإنسان.
وتبدو العلاقة وثيقة بين الربّ والبار بشكل وخاص في الشطر الثاني من 3: 32: "المراوغ يمقته الربّ. ولكن هناك صداقة بينه وبين المستقيمين ". في هذه الآية، يبدو المستقيم جزءاً من مجلس الله أو شخصاً في حلقة اصدقائه. نجد هنا كلمة "سود" العبرية وارتباطها بالوسادة والمتكأ والجماعة التي يجلس أعضاؤها معًا. فالعلاقة بين الله والمستقيمين تصوّر هنا بشكل رباط شخصي وحميم بين الله والإنسان.
ونتوقف أخيرًا عند آيتين بين رفض الربّ لحياة الأشرار وذبائحهم ومحبته للأبرار ورضاه عن صلاة المستقيمين. "ذبيحة الأشرار يمقتها الربّ، وصلاة المستقيمين تحظى برضاه. حياة الشرير يمقتها الربّ، ولكنه يحبّ من يمارس البر" (8:15- 9). وهنا نفهم أيضاً ان الله يحبّ الإنسان الذي تتميّز طرقه بالبرّ. ونرى تعبيرًا عن عاطفة الله تجاه الإنسان وارتباطه الوثيق به. وتستعمل آ 8 "رصون " (رضى) لتدلّ على تقدير الله للإنسان ولطرقه، ولتعارضه مع لفظة ترد مرارًا: مقت (كره).

2- مقابلة بين أم وسائر تقاليد العهد القديم
علّمتنا هذه المقاطع من أم عن العلاقة بين الربّ والأبرار على أنها علاقة شخصيّة بين الإنسان وربّه. والآن سنقوم بمقابلة مع سائر أسفار التوراة في هذا المجال.

أ- تقاليد الحكمة
إن صورة الله كالمحامي عن الأبرار نجدها أيضاً في سائر الأسفار الحكمية في العهد القديم. فنحن نجدها في سفر أيوب على شفتي أيوب كما على شفاه أصدقائه. تلك هي الطريق التي آمن بها أيوب. اختبر إلهه عبر حياته، وما زال يتشبّث بهذا الاعتقاد مع أن وضعه الواقعي لا يقابل لاهوته (أي 29: 2- 25؛ 31: 1- 4: نظر الله طرقي وأحصى جميع خطواتي). فالله الذي كان له في الماضي الحمى والطمأنينة، ظهر له الآن عدوًا قاسيًا (أي 9: 12، 16- 17؛ 10: 3- 22؛ 16: 12- 14؛ 8:19- 11 ؛ 30: 21). وأصدقاء أيوب الذين ركّزوا كلامهم على بليّة الأشرار وضياع الأمان لهم، تحدثوا بطريقة تقليدية على أن حضور الله في حياة الأبرار هو وحده الينبوع الأكيد للحماية من السوء. "ينجّيك ستّ مرات من السوء وفي السابعة لا يمسّك سوء. في المجاعة يفديك من الموت، وفي القتال من حدّ السيف... " (5: 19- 27؛ 11 :18- 20).
أما سفر الجامعة فلا يجد سندًا لنظرته إلى الله كمحام خاص للأبرار. بل حين يحاول أن يتفحّص الموضوع، يصل إلى نتيجة تقول إن لا فرق بين الاثنين: فالمصير واحد للبار والشرير. "المصير واحد للصديق والشرير، للصالح والطالح، للطاهر والنجس " (جا 9: 1- 3). أجل، كلهم في النهاية يصلون إلى الموت.
وإذا عدنا إلى ما يسمّى المزامير الحكمية فهي تعتقد أن الله يحمي الأبرار (34 ؛ 37؛ 49؛ 91؛ 112). ويتوقف مز 37 بشكل خاص عند هذا الموضوع، فيعلن عقاب الله للأشرار وحمايته للأنقياء، وانتصار الواثق بالربّ حتى في الصعوبات الزمنية. ويعلن المرتل أن هذه النظرة تتوافق مع خبرة حياته الطويلة. "كنت صبيًا والآن شخت وما رأيت الصديق يُهمل ولا ذرية له تلتمس خبزًا... الربّ يحبّ الانصاف ولا يتخلّى عن أتقيائه بل إلى الأبد يحرسهم، لكنه يعاقب الآخرين ويقطع ذرية الأشرار. أما الصديقون فيرثون الأرض ويسكنونها إلى الأبد... من الربّ خلاص الأبرار وهو حصن لهم في الضيق. ينصرهم الربّ وينجّيهم لأنهم به يحتمون " (مز 25:37- 40).
وصورة الربّ كذلك الذي يمنح النجاح والراحة، ترتبط بوظيفته كمحامٍ عن الأبرار. هذا ما نجده في سائر الأسفار الحكمية. فلا يتذكّر أيوب فقط حماية الله، بل هو يعود إلى الوراء وينظر إلى الأيام التي كانت تسير فيها الأمور على ما يرام، حين كان الجميع يكرِّمونه، وحين كان ناجحًا في كل مساعيه. "ليت الشهور السالفة تعود، أيام كان الله حارسي. يضيء سراجه فوق رأسي فأسلك بنوره في الظلام. أيام كنت في عزّ حياتي، ورضى الله على مسكني، والقدير بعد ساكن معي، وأولادي يحيطون كلهم بي. أغسل باللبن (الحليب) قدميّ، والصخر يفيض أنهار زيت. أخرج إلى باب المدينة (أي: ساحة المدينة)، واتخذ في الساحة مجلسي. يراني الشبان فيحيدون، والشيوخ فينهضون واقفين. يمسك الأمراء عَن الكلام، ويجعلون أيديهم على أفواههم " (أي 29: 2- 9).
يتحدّث هذا النصّ عن الصداقة ليدلّ على خبرة أيوب مع الله. ويستعمل النصّ الماسوري لفظة "س و د" العبرية التي قرأناها في أم 3: 32 فدلّت على "رفقة" بين الله والإنسان.
ويعلن أصدقاء أيوب أن النجاح والسعادة والطمأنينة والحماية هي نتيجة حياة مستقيمة مع الله. هذا ما نكتشفه بشكل خاص في أقوال اليفاز الذي يعدّد بركات الله للأبرار: ينجو من كلّ شرّ، ينال الاتفاق والسلام والازدهار والأولاد العديدين والصحّة وطول العمر. "ينجّيك ستّ مرات من الضيق، وفي السابعة لا يمسّك سوء. في المجاعة يفديك من الموت، وفي القتال من حدّ السيف. من سوط اللسان تستتر، ولا تخاف العدوان إذا جاء. تضحك على العدوان والجوع ولا تخشى وحوش الأرض. تعاهدك حجارة الحقل، وتسالمك وحوش البرّ. تجد خيمتك في سلام اكيد، وقطيعك كاملاً حين تتفقده. ترى ذريتك تزداد كثيرًا، ونسلك ينمو كعشب الأرض. تدخل القبر في تمام الشيخوخة كما يرفع الحب في أوانه. كل هذا اختبرناه وهو حق، فاسمعه واعمل به لخيرك " (أي 5: 19- 27).
ويعلن الحكيم في سفر الجامعة أن الإنسان ينال الأمور الحسنة كهديّة من يد الله فينعم بها (جا 24:2-25؛ 12:3-13 ؛ 17:5-19 ؛ 15:8؛ 7:9-9). هذا ما يعود بنا إلى بركة فرديّة ينالها المؤمن من إله شخصي يتّصل بأصدقائه. ولكن ما يبرز في الكتاب هو عجز الإنسان عن فهم الله وطرقه، لهذا نراه يعود الى السعادة اليوميّة بما فيها من محدوديّة.
لا شكّ في أن البار ينجح (مز 1) ولكنه قد يجد عقابًا من الله لا يفهمه. هذا ما يعلنه سفر أيوب. مثل هذا العقاب هو تأديب من الربّ كما يقول اليفاز وأليهو (أي 17:5- 18؛ 33: 19- 24؛ 34: 23- 37؛ 36: 7- 15).

ب- سائر تقاليد العهد القديم
إن العلاقة الحميمة بين الله والبار، والتي فيها يفعل الله بطريقة شخصيّة، فيحمي ذاك الإنسان وينجحه ويسهّل طريقه، هذه العلاقة ليست محصورة في الأسفار الحكمية. هناك خلاص الله للآباء ابراهيم واسحق ويعقوب ويوسف. قد يمرّ الصدّيق في مضايق، قد يخطئ، ولكنه في النهاية ينال بركة الله. ضاع ابراهيم في حلّه وترحاله وبدا "حقيرًا" تجاه ملك جرار (تك 20). ولكنه في النهاية هو النبي الذي يتشفع بملك الفلسطيين كما تشفّع بأهل سدوم وعمورة. ومرّ يعقوب في صعوبات عديدة سواء مع أخيه أو خاله. ولكن لقاءه بالربّ في مجاز يبوق منحه بركة من الله فكثر أولاده وزاد غناه جدًا فاحترمه حتى "فرعون "ملك مصر.
ولم تتوقّف هذه البركة عند زمن الآباء، بل وصلت إلى داود الملك وسلالته. باركه الربّ كما بارك ابنه سليمان. ولكن حين أخطأا كان لهما العقاب تأديبًا. عرف داود شيخوخة سعيدة. أما سليمان فانقسمت مملكته كرمز إلى ما سيحدث لبني إسرائيل سنة 587 والذهاب إلى المنفى. هذا ما يعلنه المؤرخ الاشتراعي حين يتحدّث عن أسباب سقوط السامرة (2 مل 7:17 ي).

3- مقابلة بين أم وحكمة الأمم
قد أشرنا إلى الإله الشخصي في حضارة مصر وبلاد الرافدين. يبقى علينا أن نلقي نظرة سريعة على هاتين الحضارتين لنقابل ما فيهما من غنى مع أم.

أ- مصر
لاحظ الشرّاح أن لفظة "ن ط ر" ترد مرارًا في تعاليم الحكماء فتدلّ على علاقة بالإله الشخصي الذي يمنح الإنسان النجاح في مجهوداته. وهكذا حين يقرأ المؤمن هذه التعاليم، فهو يستطيع أن يطبّق على نفسه ما يتعلّق "بإلهه الشخصي ". هذا الكلام ارتبط في البداية بلفظة "معط " من أجل حياة توافق النظام العام. ثم وصل بالناس إلى "التقوى الشخصية". فالإنسان الذي استحقّ رضى إلهه، يتميّز بأنه عاش حياة أخلاقيّة مستقيمة وأكرم الآلهة. فالإنسان الذي يكون من هذه الطينة، يقول له التعليم بأن الله ينجح عمله ويعطيه ملء الحياة والسعادة.
نلاحظ في تعليم فتاح حوتب أن كل ما يعطى لنا هو نعمة من الربّ، وان الله هو "المسؤول " عن تقدّم الإنسان وازدهاره. "إن كنت تحرث فيحصل نموّ في حقلك، فالله ينجح أعمال يديك... إن كنت انسانًا ذا قدر وحصلت على ولد بنعمة الله... هو الله يعطيك أن تتقدّم. فاستعمال السواعد لا يساعد. أسند اصدقاءك بما عندك، فقد حصلت عليه بنعمة الله. إن صرت عظيمًا بعد أن كنت وضيعًا، لا تتكل على عافيتك التي حصلت عليها كهدية من الله. الابن الصالح هو عطية من الله " (الأقوال رقم 9، 12، 13، 22، 30، الخاتمة).
أما تعليم أمينوفي فيعود إلى الصلاة ونتائجها لكي يبيّن علاقة الإنسان بالإله الشمس، وليؤكد أن الله يلي حاجات الإنسان التقي ويعطيه الأمان. "عليك أن تصلي إلى الشمس حين تشرق وتقول لها: أعطني الراحة والصحة. هي تعطيك حاجاتك من أجل هذه الحياة وتكون في مأمن من الخوف " (12:10- 15).
والتعاليم التي وردت في الديموتية المتأخرة، ولاسيّما بردية انسنجر تقول إن الحماية والصحّة والسعادة تنبع من صداقة شخصيّة مع الله. "اخدم ربك فيحفظك. لا تقل: أنا أملك الصحة، فلا اتعبد لإله ولا أتعبد لإنسان. للصحة نهاية وعبادة الله تخلقها من جديد. كل صلاح هو من يد الله. وإذا كانت امرأة في أمان مع زوجها، فهذا من تأثير الإله ".
وتشدّد بردية انسنجر على أن كل شيء في حياة البشر يأتي عبر الله الذي يحدّد حياة البشر هذا ما نجده في ردّة (أو= قرار) يعود مع اختلافات بسيطة في نهاية الفصول 32 التي تشكّل الكتاب كلّه: "جاء القدر والخطر، والله هو الذي يرسلهما". وتنسب البردية الحماية والازدهار إلى الله. "إن الله هو الذي يهب الصحة، والإنسان الحكيم يحافظ عليها...". "الله هو الذي يعطي الصحة وان لم يكن لك دخل... الله يهب الحماية للحكيم بسبب خدمته له... لا حماية حقّة إلا في عمل الله. الله يبارك فيعطي الثقة والحماية. الله يعطي الصحة للحكيم من أجل سخائه ".
قد يقاسي الحكيم والتقي الصعوبات، غير أن الله يحوّل الشرّ خيرًا (كما فعل مع يوسف بن يعقوب) للتقي إن هو ثبت صابرًا في إيمانه. "الله هو الذي يعطي الصبر للحكيم في الشقاء... لا تكن محزون الفؤاد إذا كنت مسجونًا. فعمل الله عظيم. وإنسان (يخاف) الله يكون في السجن من أجل ربح وفير".
وهكذا علّم حكماء مصر منذ القديم أن النجاح والسعادة يرسلهما الله للإنسان. وقد ارتبط هذا الاعتقاد ب "م ع ط " في البداية، وبالإنسان التقي في المملكة الحديثة، وفيما بعد صار حتمية وقدرًا. ومع ذلك، فالتعبير عن هذه العقيدة يبقى هوهو: إن حماية (ن ط ر) الله حاضرة. فالله هو المسؤول عن سعادة الإنسان في الحياة.

ب- بلاد الرافدين
نلاحظ أمرين في علاقة الإنسان بالله. أولاً، استعمال الضمير الذي يربط الإنسان بإلهه. ثانيًا، الصلاة إلى الإله وإلى الالاهة. فالإنسان ينتظر كلّ شيء من إلهه الشخصي. فلا الغنى ولا العمر الطويل يفيدان، بل الله الذي ننوكّل عليه.
تتحدّث بلاد الرافدين مرارًا عن شعائر العبادة. ولكنها لا تنسى علاقة الأبرار بالله على أساس من الحياة الأخلاقية. ففي "المجموعة الأشورية" هناك أمثال تبيّن أن من كان الله له كان النجاح له. وأن حضور الله وعونه هما الفاعل الأساسي في تحديد مصير الإنسان. "حين تجهد نفسك فالهك يخصك. وحين لا تجهد نفسك، فالهك لا يخصك ". "ما يسندك ليس الصحة، بل إلهك. ان تكون صغيرًا أو كبيرًا فالله هو الذي يسندك ". "ما أراد أن يقف بحضرة إلهه وملكه. فإلهه سيتخلّى عنه، وسيده سيبتعد، ولن يكون الله إلهه ".
وبراهين الإنسان المتألم في النصّ السومري "الإنسان وإلهه "، قد بُني على اعتقاد يقول بان الإله تخلّى عن تقيِّه لسبب أو لآخر، فجعله عرضة للمرض والألم والحزن. فجاء هذا النصّ يبرز ضرورة تدعونا بأن يكون لنا إله يسندنا ويحمينا. وهكذا برزت أهمية العلاقة بين الله والإنسان: "ليهدئ بكاؤه قلبَ إلهه. فالإنسان الذي لا إله له لا ينال طعامًا... يا إلهي أنت أبي، أنت ولدتني، فارفع رأسي... فلماذا تهملني طويلاً؟ لماذا تتركني من دون حماية"؟
والمتألّم في "لودلول بال ناماقي " اختبر أيضاً تخلّي الله عنه، بعد أن تركه وحده وبدون حماية. "إلهي تخلّى عنّي واختفى. إلاهتي وقفت بعيدة عني. الروح الخيّر الذي كان دومًا بقربي قد مضى. الروح المحامي هرب بعيدًا وبحث عن شخص آخر".
إن الإله الشخصي يعيدنا إلى الإله الذي يحمي. وفي النهاية يتأكّد المتألم أن مردوك سطح صلاته وأعاد إليه الصحّة والرفاه.
وصديق المتكلم في "الربوبية البابلية" يمثّل النظرة التقليديّة القائلة بأن المتواضعين ينتظرون الحماية والنجاح من إلههم. "من نظر إلى إلهه وجد روحًا يحامي عنه. والمتواضع الذي يتقي إلاهته يجمع الصحة. أي نجاح يكون لك إن لم تطلب إرادة الله "؟ "فالذي يحمل نير الربّ لا ينقصه طعام وان كان الطعام نادرًا. إبحث عن نسمة الله الخيّرة، وما أضعته في سنة سيعود إليك في لحظة".
ويضطرب المتألم لأن الحكّام متقلّبون ولأن تعبّده لإلهه وحياته المستقمية لم يجلبا له الازدهار والنجاح. فيعتبر أن هذا الوضع البائس قد حدّده الله منذ البداية (كالقدر): "الذين لا يطلبون الله ساروا في طريق الازدهار، بينما الذين يصلّون إلى الالاهة انحطوا وافتقروا. حاولت في شبابي أن اجد ارادة إلهي. بالانحناء والصلاة طلبت إلاهتي ولكني كنت ادفع النير في سخرة لا فائدة منها. لقد أقرّ لي الله بالفقر بدل الغنى".
وهكذا نرى في آداب بلاد الرافدين: الله هو الذي يحمل النجاح والسعادة إلى الإنسان. الله هو المحامي من كل انواع الشرور. يبقى على الإنسان أن يثق به.

خاتمة
إن الصداقة الحميمة بين الربّ والإنسان البار نجدها في أم كما في سفر أيوب والمزامير الحكمية. فالإنسان الذي يكون الله حاضرًا في حياته حضورًا شخصيًا يتميّز بالتقوى وبمستوى أخلاقي رفيع. وتؤكد النصوص للقارئ أن مثل هذا الرجل يختبر حماية الربّ والحياة السعيدة. هناك توتّر في سفر أيوب بين ما يقوله الأصدقاء وما يقوله أيوب. أما سفر الأمثال فلا يني يردّد أن البار وعائلته في السلام والسعادة بسبب حماية الله لهم. وما وجدناه في هذه الأسفار الحكمية نجده في سائر أسفار العهد القديم لاسيّما في سير الآباء وتاريخ الملك داود. كما نجده في عالم مصر وبلاد الرافدين حيث نجد أشخاصاً يصلحون مثالاً لما نقرأ في أم وأيوب وسفر الجامعة. يقرّ المؤمن بخطاياه فيحاول أن يؤثّر على الإله ويستعيد حضوره. وقد يشبه شخص أيوب فيتذمّر من ظلم الله وطريقته المستبدّة في تعامله مع البشر

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM