الفصل التاسع: اقتناء الحكمة حياة

الفصل التاسع
اقتناء الحكمة حياة
4: 1 – 27

الفصل الرابع هو تحريض نظري عن قيمة الحكمة، وهو يبدو بشكل تنبيهات ثلاثة يقدمها أب لابنه. الحكمة إرث الأب (آ 1- 9)، الحكمة نور الحياة (آ 10- 19)، الحكمة رفيقة الاستقامة (آ 20- 27). يبدأ النصّ (آ 1) بالتحدّث إلى البنين (بصيغة الجمع ودون ضمير المتكلم. رج 7:5 ؛ 24:7؛ 32:8). ثم يذكّر ابنه بشبابه، ويوجّه إليه حديثه.

1- اقتناء الحكمة (4: 1- 9)
أ- المضمون
يتّخذ هذا التنبيه شكل حديث حميم. فالأب الشيخ يُفرغ قلبه، وهمّه أن ينقل إلى ابنه الذي سيتركه خبرةَ حياته. كان شابًا، لا خبرة له، وها هو يتذكّر (آ 3): أورثه والده أكثر من غنى (آ 7 ب)، أورثه هذه التوجيهات السامية (آ 4 أ، آ 5 ب). وها هو يورثها لابنه (رج 1:8). يوجّه حديثه إلى قلب ابنه (آ 4 ب) ليجعله يقبل التضحية حتى يقتني الحكمة (آ 5 أ) والفطنة. فإن اقتناها عاملها كرفيقة حياته (7: 4)، فيحبّها (آ 6 ب) ويعانقها ويضمّها (آ 8) ولا يطلّقها ابدًا (آ 6 أ). والحكمة تتصرّف بدورها كزوجة أمينة ولطيفة. هي تحرس الذي اختارها وتسهر عليه (آ 6)، ترفعه وتمجّده (آ 8)، وتزيّنه كأمير بتاج النعمة وإكليل البهاء (آ 9، رج 1: 29؛ أش 28: 5؛ 3:62؛ سي 6: 31؛ حز 16: 11- 15؛ 23: 42). ينقل الحكيم تقليدًا اختبره واقتبله (آ 3) فأوصله إلى ابنائه ودعاهم إلى الاهتمام باقتنائه (آ 2- 7). هنا لا تنفصل الحكمة عن الفهم، وهما وجهتان لواقع واحد (آ 7 و 8 ؛ خر 36: 1 ؛ 1 مل 7: 14؛ أم 10: 23؛ 17: 24؛ 21: 35؛ 23:23). ويصوّر الكاتب هذا الواقع وكأنه شخص محبوب لا كفكرة مجرة. نحن نرغب في الحكمة وندفع لها مهرًا يمكن أن يكون كل ما نملك.

ب- تفسير الآيات
(4: 1- 5) يُبرز الكاتبُ دورَ معلّم الحكمة. هو يعلّم تلاميذه ويحلّ محلّ والديهم. سلطة الأنبياء من الله. أما سلطة الحكيم فمن التقليد الذي تعلّمه بكده وجهده (أي 8:8-10 ؛17:15-19؛ سي 9:8؛ 5:16).
(آ 6- 9) ويصوّر لنا قيمة هذا الإرث لنعرف قيمته. ونحن نقتنيه فندفع لامتلاكه كلّ ما لنا (23:23؛ مت 13: 44- 46). هذا الارث هو ضمانة للحياة وينبوع سعادة ومجد. إنّه كالعروس أو الزوجة الامينة.

2- تنبيه من الأشرار (4: 10- 19)
أ- المضمون
ويقدّم الحكيم نصائح من أجل انطلاقتنا في الحياة. هناك كلمات تتكرّر: طريق، سبيل، درب، تقدّم، ركضَ، سلكَ، أسرع. وينصح الأب ابنه بالحكمة والاستقامة (آ 11)، ليحفظهما بأمانة (آ 13 أ) بسبب منافعهما: إطمئنان في مسيرة الحياة (آ 12؛ رج 3: 23 ؛ أي 18: 7؛ مز 18: 27)، سنوات عديدة (تقول السبعينية في آ 10: وسنوات حياتك تكثر لكي تصبح طرق الحياة لك عديدة)، نور يزداد سطوعًا (آ 18؛ رج 2 بط 1:19 ؛ أش 8:58)، وكل هذا هو نتيجة حياة فاضلة (آ 10 ب، 13 ب، 18).
وقبول التأديب ضرورة ملحّة لكي نتجنّب طريق الأشرار (آ 14؛ مز 1: 6). وتستعيد آ 16، 17، 19، موضوعًا تحدّثنا عنه في 1:10-19؛ 12:2- 15؛ 3: 31- 32. والتعارضُ بين طريق الأبرار البهي النيرّ وطرق الأشرار التي تقع في تخوم الظلمة (آ 19؛ رج إر 13: 16؛ أش 59: 9) بارز في هذا التنبيه. عير أن التفاصيل قليلة، والتحذير يشدّد على ما يجب أن نتجنّب من أفعال، لا على طعم المجازاة التي يراها الكاتب روحيّة.

ب- تفسير الآيات
(آ 10- 19) الحكمة نور الحياة. يتحدّث هذا التنبيه عن وجهتَيْ الحكمة. الوجهة النظريّة: أعلم طريق الحكمة. الوجهة العمليّة: أسير في سبل الاستقامة. ويكون تماثل بين المعرفة والفضيلة والعلم والمعرفة (1: 2؛ 15: 21). وصورة السبيل الواسع والمسهّل نجدها في أي 18: 77 ؛ 30: 12- 13؛ مز 119: 32. وهي تقود إلى حياة طويلة وسعيدة. والشرط هو هو: أن لا نخسر الحكمة (سي 27:6)، أن نتجنّب طريق الأشرار. فالشرّ يصبح عادة بل طبيعة ثانية. وخبز الجريمة وخمرة العنف هما طعام الشرير. والنتائج ظاهرة: الظلمة وما فيها من أخطار، والنور وما فيه من طمأنينة.

3- تحذير من النفاق والتقلّب (4: 20- 27)
أ- المضمون
نقرأ هنا دعوة إلى السهر (آ 20- 21، رج تث 4:6- 9 ؛ 18:11، 19، يجب أن تكون كلمات الله حاضرة أمام القلب والعينين) وتذكيرًا بالخير النابع من سلوك يوافق نصائح الحكيم (آ 22): الحياة والشفاء. ويشدّد النصّ على "حفظ القلب"، مبدأ الحياة الاخلاقيّة والعقل والعواطف (آ 23 أ). ومن استقامة هذه الحياة الداخلية يخرج الكلامُ الصحيح الذي يمتدحه الحكماء، والنظرُ المستقيم والسلوكُ الثابت الذي يرفض المساومة مع الشرّ (آ 24- 27). وفي موازاة القلب يعدّد الحكيم الأعضاء التي تعبر عن الأفكار (الشفاه)، وعن النوايا بالأعمال (العيون رج 17: 24 والارجل التي لا تميل يمنة ولا يسرة، رج تث 5: 32؛ 17: 11 ؛ 28: 14؛ يش 6:23؛ 2 مل 22: 2). وإذا أردنا أن نعرف أهميّة "القلب "، عدنا إلى فتاح حوتب (قال: القلب هو ما يجعل الناس يُصغون أو لا يصغون إلى الحكمة. فالحياة والسعادة والصحة للإنسان هي القلب) وخصوصاً إلى 1 صم 7:16؛ مت 19:15.

ب- تفسير الآيات
(آ 20- 27). الحكمة مبدأ الحياة الداخلي. ليست الحكمة قاعدة حياة خارجيّة. لقد أصبحت مبدأ داخليًا للذين يتقبّلوها. وصار القلب مركز العقل والضمير الخلقي. ومن هذا المركز تنبع الحياة (أي الصحّة) كنتيجة للسلوك الصالح. فمن القلب يخرج نشاط الفم والعينين والرجلين.
تنطلق السبعينية من اختلافات الآيات السابقة (آ 25 ب، ولتمل عيناك إلى ما هو بار. آ 26 ب: ارسم خطوطاً مستقيمة لرجليك ووجّه طرقك باستقامة) فتزيد على آ 27: لأن الربّ يعرف الطرق التي هي إلى اليمين، أما التي هي إلى اليسار فهي شريرة. والربّ نفسه يقوّم خطواتك، ويوجّه مسيرتك في سبل السلام. أما السريانية البسيطة فتتبع العبرية اتّباعًا حرفيًا: لا تمل يمينًا ولا شمالاً، بل أبعد قدميك عن الشرّ

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM