الفصل التاسع والعشرون: صدقيا وإرميا

الفصل التاسع والعشرون
صدقيا وإرميا
37: 1- 38: 28

إنّ رفض كلمة الله في ف 36 حدّد مصير أورشليم والشعب. وجاءت هذه المجموعة من الفصول (ف 37- 45) تدلّ على نتائج هذا الرفض، وتقدّم صورة عن إرميا الذي سيعرف الآلام بيد مجموعات مختلفة. بدأ دوره المنفعل (هو لا يفعل شيئًا) مع ف 36 حين قرأ باروك كلامه على الملك والشعب، وسيظلّ دوره كذلك حتى يختفي في مصر مع الهاربين من غضبة ملك بابل.

1- لقاء سرّي مع صدقيا (1:37- 21)
لم يشأ صدقيا أن يسمع لإرميا. ومع ذلك لم يقطع معه كلّ علاقة. فهو يطلب صلاته. وإذا أراد إرميا أن يخرج من المدينة بعد أن ابتعد عنها المحاصرون، حُسب فارًا ووُضع في السجن. فأخرجه صدقيا، وكان له معه لقاء سرّي. غير أنّ إرميا لا يلين، بل هي كلمة الله تمنعه المساومة على مثال الأنبياء الكذبة.
أ- قراءة النصّ
آ 1- مس 37= سب 44. لا نجد في سب "كنيا بن يوياقيم".
آ 2- "ولم يسمع". هذا هو الموضوع المركزيّ في ف 37- 39. وهنا نجد: هو وعبيده وشعب الأرض. وهكذا تصبح المسؤوليّة جماعيّة. نجد الفئة الثالثة في 1: 18؛ 34: 19. لا نجد في سب (إرميا) "النبيّ". على لسان، حرفيا: بيد. بواسطة. رج 2 مل 9: 36؛ 17: 13، 23 (يُذكر الأنبياء).
آ 3- "وأرسل الملك صدقيا"= آ 17؛ 38: 14؛ رج 21: 1. يوكل، رج 38: 1. صفنيا بن معسيا: رج 21: 1؛ 25:29. يختلف الوضع هنا (يوكل، صفنيا) عن ذاك الذي في 21: 1 (فشحور، 38: 1، صفنيا). لا نجد في سب "النبيّ" كصفة لإرميا. "صلّ من أجلنا". رج 21: 2: "أطلب لأجلنا".
آ 4- "يدخل ويخرج بين الشعب". سب: "في وسط المدينة". "لم يكونوا قد جعلوه في بيت الحبس". هذا استباق لما في آ 13- 15؛ رج 2:32- 5.
آ 5- لا نجد في سب "الذين يحاصرون أورشليم". رج 34: 21- 2، في شأن انسحاب البابلونيّين.
آ 6- لا نجد في سب "النبيّ" (إرميا).
آ 7- "تقولون". أي الوفد أرسلكم إليّ، أنا إرميا.
آ 8- "يحرقونها بالنار". رج 34: 2؛ 3:38: تعتبر حاشية مضافة.
آ 10- "كلّ واحد إلى خيمته". سب: كلّ واحد إلى مكانه. بهس ترى حاشية في "ويحرقون هذه المدينة بالنار". رج 2 أخ 23:24- 24 بالنسبة إلى موضوع هزيمة اليهوذاويّين بعدد قليل من الأعداء. رج 2 صم 5: 6- 8 كعنصر احتقار.
آ 12- "ليأخذ حضته أمام الشعب". رج آ 4. رج فعل "ح ل ق" في يش 19: 51؛ مي 4:2؛ يوء 2:4؛ دا 11: 39.
آ 13- "سيّد الحرس واسمه يرئيا". سب: "وكان إنسان يقيم معه، سرويا". رج 20: 2 بالنسبة إلى باب بنيامين. لا نجد في سب "النبيّ" كما في آ 2، 3، 6 (هذا يعني أنّ مس أضافتها).
آ 14- يرئيا. سب: سرويا. سر: نيريا كما في آ 13.
آ 6 1- وظلّ هناك أيامًا كثيرة، رج آ 21؛ 38: 13، 28.
آ 17- "أخذه" (استقبله). سب: دعاه. نلاحظ التعارض بين اجتماع سريّ هنا في القصر، واجتماع في الهيكل، 38: 14.
آ 18- سؤال إرميا يدلّ على بساطة صبيانيّة: اعتُبر هاربًا خلال الحرب. "ألقيتموني في السجن". إذن، الملك مسؤول عن سجنه، رج 3:32.
آ 19- كت: واي و. قر: واي ه، وأين. هناك من يعتبر آ 19 تدوينيّة قد وضعها المدوّن الاشتراعيّ. رج 27: 9، 16؛ 29: 8.
آ 20- رج آ 7:36 وموضوع التضرّع (ت ح ن ه).
آ 21- رج 2:32 في شأن دار السجن. في 6:52- 7 وافقت الثغرة في السور الحاجة إلى الطعام. "فأقام إرميا في دار السجن". 38: 13- 28؛ رج 37: 16 ب.
ب- التفسير
آ 1- يتحدّث النصّ عن صدقيا وكأنّه يذكره للمرّة الأولى. جاء إلى العرش بدل كنيا (3:1) بن يوياقيم. والذي أقامه ملكًا هو نبوخذ نصر
آ 2- ويُذكر الوضعُ الذي تعيشه البلاد: الجميع يرفضون سماع كلام الله بواسطة إرميا (رج 1 :18).
آ 3- نقرأ هنا اتصالاً بين صدقيا وإرميا بواسطة وفد. لقد طلب الملك صلاة النبيّ. كانت علاقات بين صدقيا وإرميا قبل فكّ الحصار عن المدينة. رج 21: 1- 10 ؛ 34: 1 ي. يُذكر صفنيا بن معسيا (رج 21: 1). أمّا يوكل بن شلميا فلا نعرف عنه شيئًا.
آ 4- ونجد الظرف الخاص بإرميا: هو يتمتعّ بالحريّة. لم يوضع بعد في السجن. هذا ما سيحصل قريبًا.
آ 5- تبدّل الوضع السياسيّ، فظنّ الملك أنّ الأمور تتوجّه لصالحه. جاء جيش الفرعون، فرفع الكلدانيّون (أو البابليّون) الحصار. فجاءت كلمة الربّ في ذلك الإطار (آ 6).
آ 7- سأل ملك يهوذا النبيّ، فبدا النبيّ واعيًا للأمور: سيرجع جيش فرعون. وهكذا كان. وسيعود الكلدانيّون ويأخذون المدينة. وهكذا كان. نشير إلى أنّ النصّ النهائيّ دوِّن بعد سنة 587، لهذا نقرأ تفاصيل تدلّ على شاهد عيان، لا على "عرّاف" يقرأ المستقبل في كل تفاصيله.
آ 9- وكان قول إلهيّ آخر يؤكّد الأوّل فيلغي ثقة الملك بعون يأتيه من مصر: حتى لو ضعف الجيش الكلدانيّ، فسوف يحرقون المدينة (آ 10).
آ 11- حين ترك الجيش الكلدانيّ حصار المدينة، خرج إرميا ليرى الأرض التي اشتراها من ابن عمّه منحئيل بن شلوم (8:32). فاعتُبر فارًّا من المدينة وملتحقًا بالعدوّ.
آ 13- أوقف النبيّ على يد يرئيا بن شلميا بن حننيا. دافع عن نفسه فلم يُقبل دفاعه.
آ 15- أُخذ النبيّ إلى الرؤساء، فضربوه وجعلوه في السجن. "في بيت البئر" (هـ. ب ور). ونقرأ أيضًا في آ 16: "هـ. ح ن ي وت" (رج الحنيّة في العربيّة). كان ذاك البئر بشكل عقد، فوُضع إرميا فيه (لا شكّ في أنّه لم يكن فيه ماء).
آ 17- ظنّ صدقيا أنّ إرميا صار في قبضته، وأنّه يستطيع أن ينال منه كلمة سلام. لهذا ذهب إليه سرًّا وكلّمه. ولكن جواب إرميا جاء قاطعًا: "ستُسلم إلى يد ملك بابل".
آ 18- وسأل إرميا عن السبب الذي لأجله وُضع في السجن. ألأنّه قال الحقيقة؟ وقابل النبيّ كلامه مع أولئك الذين طمأنوا الملك بأنّ ملك بابل لن يأتي (آ 19).
آ 20- وطلب النبيّ من الملك أن لا يعيده إلى ذاك السجن القاسي لئلاّ يموت. فنقلوا إرميا إلى سجن القصر (أو: دار السجن)، وكانوا يعطونه كلّ يوم رغيفًا من الخبز.
ج- دراسة عامّة
نعرف في آ 1- 2 أنّ صدقيا حلّ محلّ يوياكين، كما نعرف أنّه لا يسمع لكلام إرميا. هذا العنوان يلخّص ف 37- 39 ويستبق الكلام عن سقوط أورشليم. صار صدقيا في خط يوياقيم فلم يسمع لكلام الله الذي ظلّ مسيطرًا على الخبر. في النسخة الثانية (النصّ الماسوري) برز وضع إرميا كنبيّ (رج 34: 6) الذي لا يخاف الملك حتّى وهو في غياهب السجن.
إنّ ف 37- 38 هما سلسلة لقاءات بين صدقيا وإرميا، في أشكال مختلفة. مرّة أرسل صدقيا وفدًا إلى النبيّ (21: 1- 2 ؛ 3:37). ومرّة أخرى دعا النبيّ إلى لقاء (37: 17 ؛ 38: 14). مجموعة أخبار تتحدّث عن النبيّ الذي يروح ويجيء حرًّا في المدينة (37: 4 سب). وأخرى تُبرزه سجينًا (37: 15؛ 38: 13؛ رج 31: 2- 3). هذه الأخبار هي توسّع متنوعّ حول موضوع واحد قبل أن تكون خبرًا عن أحداث مستقلّة. إذا وضعنا جانبًا 17:38، كل لقاء بين الملك والنبيّ (مباشرة أو بواسطة وفد) يصل إلى ذات النتيجة، ويبقى البلاغ الإلهيّ هو هو: سيأخذ ملكُ بابل المدينة.
في آ 11- 16 نقرأ خبرًا مختلفًا خلال انسحاب البابليّين ورفع الحصار عن أورشليم، إذ سمعوا بخبر وصول الجيش المصريّ. في 32: 2- 5، كان إرميا قد وُضع في دار السجن لأنّه أعلن أنّ الكلدانيّين سيدمّرون المدينة. أمّا هنا، فقد أُوقف بعد أن اعتبر هاربًا. نحن هنا أمام تقليدين حول مصير إرميا خلال حصار المدينة. في الأول، لا يستطيع أن يتحرّك ولكنّه يستطيع أن يستقبل الناس ويقوم "بأعمال" تجاريّة (32: 6- 15). في الثاني، هو حرّ يتحرّك في المدينة (37: 4) ويدعو الشعب إلى التمرّد (38 ؛ 1). هذا الاختلاف في التقليد يعطي سببين لسجنه وربّما لهربه واختبائه. وفي أيّ حال، ما نراه هو مصير صدقيا (34: 4- 5 ؛ 38: 7) ومصير المدينة (38: 17).
حين كان إرميا حرًّا، ترك المدينة ماضيًا إلى أرض بنيامين: أو هناك اقتسام أرض موروثة، أو نظرة إلى الأرض التي اشتراها من ابن عمّه (32: 6- 15)0 المهمّ هو شرح السبب الذي لأجله وُضع النبيّ في السجن، كيف كان له لقاء سريّ مع الملك صدقيا.
في آ 17- 21، نعرف أنّ سجن إرميا قد انتهى. كيف عرف الملك أنّ إرميا هو في السجن؟ هذا ما لا يقوله النصّ. كما لا يقول كيف انتقل النبيّ من السجن إلى القصر الملكيّ (آ 17، ب س ت ر، سرًّا). السمة الرئيسيّة في لقاء الملك بالنبيّ (آ 17- 21؛ 38: 14- 28؛ رج 34: 2- 5)، هي الحوار الهادئ. هناك تعاطف بين الرجلين، ويبدو الملك سامعًا لإرميا، ولكنّه أضعف من أن يتّخذ قرارًا.
د- خلاصة
يبدأ ف 37 (آ 1) بشكل غريب فيعلمنا بأنّ صدقيا، بن يوآش، صار ملكًا بعد كنيا (يوياكين). إذن، يَظهر النصّ وكأنّه بداية، مع أنّ القارئ قد التقى مرّات عديدة بشخص صدقيا قبل هذا الوقت (27: 12؛ 34: 1- 2). وهكذا نكون أمام معلومة جديدة تدلّ على أنّ تنم الأخبار في النصّ الحاليّ قد سبقته صياغة خاصّة بكل خبر.
وتقدّم لنا آ 2 تأكيدًا عامًّا عوّدتنا الأخبار السابقة على سماعه. "لا الملك ولا عبيده، ولا شعب الأرض سمعوا الكلمات التي قالها الربّ بواسطة إرميا النبيّ". مثل هذا الحكم يفترض بالضرورة عودة إلى الوراء. بالنسبة إلى الأحداث (هذا يعني أنّه مرّ وقت بين الحدث وتدوينه)، هذا ما يتيح للقارئ أن يُدرك السبب العميق لسقوط أورشليم الذي سيكون إرميا له شاهدًا.
ونلاحظ أخيرًا أنّه بعد ف 37، نجد نفوسنا أمام روايتين متمازجتين. تتركّز الأولى على ما حصل لإرميا خلال حصار أورشليم (آ 11- 16). والثانية تهتمّ بالأخصّ بالمواجهة الحاصلة بين صدقيا الملك وإرميا النبيّ (آ 6- 10، 17- 21). هذا التمييز الذي نكتشفه أيضًا في ف 38- 39، يساعدنا بعض الشيء دون أن يمنعنا من قراءة النصّ كما وصل إلينا. غير أنّنا نلاحظ أنّ الرواية التي تجعل صدقيا وإرميا وجهًا لوجه، تجعل ملك يهوذا مسؤولاً عن الشقاء الذي حلّ بمدينة أورشليم، وتشدّد على ضعف الملك الذي بدا غير قادر على سماع كلمة النبيّ وأخذ القرار بالنظر إلى هذه الكلمة.
كان إرميا في أورشليم ساعة حصار المدينة (آ 4)، كما شاهد الجيش البابلونيّ يرفع الحصار. عند ذاك خرج النبيّ من المدينة ومضى إلى أرض بنيامين ينظّم أمورًا عائليّة (شراء الحقل). ولكنّه ساعة عبر أحد أبواب المدينة، أوقفه الحارس واتّهمه بأنّه ماضٍ إلى الكلدانيّين (آ 13). عند ذاك جُعل إرميا في السجن وقضى فيه مدّة طويلة (آ 16 ب). وحين سأله صدقيا ما يجب أن يفعل، ظلّ النبيّ على موقفه القاسي فأعلن أمرين: سيعود البابليّون إلى أورشليم ويأخذونها (آ 6-10). سيسلّم حزقيا إلى يد ملك بابل (آ 17- 21).

2- لقاء أخير مع صدقيا (38: 1- 28)
وعاد إرميا إلى الجب الذي لا ماء فيه، بل وحل ثقيل. لم يخلّصه سكّان أورشليم، بل رجل غريب من كوش (الحبشة أو السودان)، هو عبد ملك الكوشي. وسيكون للنبيّ لقاء آخر مع صدقيا الذي أعطى الأمان لإرميا، فطلب منه إرميا أن يستسلم فتنجو حياته وتنجو المدينة.
أ- قراءة النصّ
آ 1- مس 38- سب 45. لا نجد في سب "وفشحور بن ملكيا" (21: 1). رج 3:37 بالنسبة إلى يوكل بن شلميا. وقد يكون جدليا ابن فشحور (20: 1).
آ 2- بهس تعتبر هذه الآية حاشية مضافة.
آ 3- رج 21: 7؛ 32: 28؛ 34: 2.
آ 4- مس: قال الرؤساء. سب: قالوا. "يُرخي أيدي الرجال". يقابل هذه العبارة 23: 14. رج 29: 25- 28 بالنسبة إلى موقف إرميا الانهزاميّ.
آ 5- "ها هو في أيديكم" (قال صدقيا). "ها أنا في أيديكم" (26: 14، قال إرميا). مس: "لأنّ الملك لا يستطيع أن يفعل شيئًا معكم" (بمعنى ضدكم). سب: لأنّ الملك لم يقدر أن يقاومهم. شدّدت مس على ضعف الملك، وأبرزت سب على قوّة الرؤساء (= أمراء القصر).
آ 6- لا نجد في سب "فأخذوا إرميا" و"إرميا بجبال". وقرأتْ: وكان في الوحل (مس: غرق في الوحل).
آ 7- لا نجد في سب "أحد الخصيان". رج 29: 2 حيث يكون "الخصيان" أيضًا موظفين كبارًا. في 39: 16 لا يُقال عن عبد ملك أنّه من الخصيان، مع أنّه كان كذلك في الواقع، لأنّه جزء من داخل البيت الملكيّ. قد يكون الاسم أعطي له حين صارفي خدمة الملك، عبد الملك. رج عوبديا (عبد يهوه) (1 مل 3:18- 16). مثل هذا الشخص يهتمّ ببيت الملك (بما فيه الحرم) ويخلّص الملك من الضيق. باب بنيامين: رج 13:37 (قد يكون هذا صدى لخبر آخر).
آ 9- لا نجد "سيدي الملك " في سب التي تقرأ مس بشكل مختلف: "أسأتم حين قتلتم هذا الرجل بالجوع". أمّا مس فاتّهمت الرؤساء وكأنّ آ 4- 5 ليستا جزءًا من الخبر. هناك اختلافات على مستوى مس: (أساؤوا في) كلّ ما فعلوا. أو: (حين) رموه في الجبّ. لا نجد في سب "إرميا النبيّ". نقرأ "و ي م ت" (حين دوّن النصّ كان إرميا قد مات، أمّا الآن فلا). لهذا اقترحت بهس: قد يموت. السبب: لا خبز في المدينة. ولكنّ النبيّ كاد يختنق، وهذا هو الوضع المحزن. ربّما أضيفت هذه العبارة انطلاقًا من 37: 21. حسب 52: 6- 7، انتهى الخبز مع انتهاء الحصار. أمّا 9:38 فيعكس وضعًا مخالفًا.
آ 10- مس: ثلاثين. والأصح: ثلاثة رجال. رج 2 صم 13:23. لا نجد في سب "إرميا النبيّ" (بل الضمير، وأخرجوه)، ولا "الحبشي" (بعد عبد ملك).
آ 11- "تحت يده" (ب ي د و). كانوا معه، تحت إمرته (لا نجد اللفظة في سب).
آ 12- نص سب أقصر: "وقال: ضع هذه تحت الحبال. ففعل إرميا كذلك".
آ 13- يوضع الضمير بدل "إرميا" (قال له). "وأقام إرميا في دار السجن" (أو سجن الملك)= آ 28؛ 37: 21.
آ 14- مس: "وأخذ الملك إرميا النبيّ إليه". سب: ودعاه إليه. لا نعرف موقع هذا "المدخل الثالث" في الهيكل. سب: "بيت عسليا" (عسلي) بدل "بيت الربّ" كما في مس. وهكذا يرتبط إرميا أيضًا بالهيكل.
آ 15- الحوار هنا يشبه حوارًا بين فئتين في 37: 18-20. ويُبرز الراوي الوجهة الواقعيّة للّقاء.
آ 16- "ب س ت ر"، سرًّا. رج 17:37. لا نجد اللفظة في سب. ويُسأل: لماذا السرّ؟ ولكنّنا في إطار ف 37- 38. إنّ آ 16 ب تعارض آ 5 (حول قتل إرميا). مس "حيّ الربّ (الذي صنع لنا هذه النفس)". أي أعطانا هذه الحياة. "هؤلاء الرجال"، رج آ 9 (هذا الرجل في آ 4، هؤلاء الرجال في آ 9، 16). لا نجد في سب "الذين يطلبون نفسك". رج 7:21؛ 34: 20، 21.
آ 17- لا نجد في سب "ربّ الجنود، ربّ إسرائيل". نقرأ في مس: إن شئت حقًّا أن تخرج، أي أن تستسلم. هل قبل البابليّون أن يعفوا عن الملك والمدينة بعد حصار طويل؟ مسألة فيها نظر ولكن استسلام الملك يفتح ثغرة. إنّ خيار آ 17- 18 يعكس ما نقرأ في آ 2 ؛ 8:21- 9 (يستسلم الملك فتسلم المدينة).
آ 18- لا نجد في مخبأ القاهرة "رؤساء". وفي سب "من أيديهم".
آ 19- يبدو أنّ إرميا نجح في إقناع اليهود بالهرب إلى البابليّين. ولكن تجاوب صدقيا له حدود، لهذا لم يستطع أن يتبع إرميا لئلا يخسر ماء الوجه تجاه البابليّين (39: 5- 7) وتجاه الذين خانهم.
آ 20- رج قول "السلام" في 34: 4- 5 (و ي ي ط ب. ل ك، سيكون خير لك). "لا تجعل في أيديهم". أي في أيدي اليهود الذين هربوا.
آ 21- "الذي أرانيه الربّ". قد لا يكون ذلك في رؤية علويّة (آ 24)، بل نظرة إلى ما حدث في الماضي ساعة سقطت مدينة من المدن في أيدي المهاجمين.
آ 22- رج عو 7. "أناس سلامك " أي الناس الذين سالموك ووثقوا بك، رج 10:20.
آ 23- لا نجد في سب "من يدهم" و"بالنار".
آ 24- رج آ 16. قد تكون هذه القطعة (آ 14-28) في موضعها بعد 37: 20، بسبب الإشارة إلى "بيت يوناتان" في آ 26 (رج 37: 15). وهكذا لا يتبدّل وعد صدقيا في آ 16. هذه القطعة هي نسخة أخرى لما في 37: 20- 21 وقد أضيفت إلى نهاية اللقاء وبدّلت المتكلّمين.
آ 25- مس: "ماذا قلت للملك. وماذا قال لك الملك"؟ سب: "ماذا قال لك الملك. ماذا قال لك الملك"؟
آ 26- رج 37: 20.
آ 27- أمرَ الملك (مس). في سر: أمره. مس: صمتوا لأن الكلمة لم تُسمع. سب: صمتوا لأنّ كلمة الله لم تسمع.
آ 28- رج 37: 21؛ 38: 13 ب+ "حتى اليوم الذي فيه أخذت أورشليم". ترتبط هذه الإضافة بالقطعة الجديدة التي تبدأ في آ 8 ب مع تكرار "أورشليم أُخذت" (رج 39: 1). هناك من قرأ 39: 15- 18 حالاً بعد 28:38 أ. هذا ما يعطي نشاط إرميا في سجن القصر معناه. ولكنّ ترتيب مس له أهميّته، لأنّه يجمع نجاة عبد ملك مع إطلاق إرميا حين جاء البابليّون.
ب- التفسير
آ 1- نقرأ هنا اسم عدد من الرؤساء أو موظّفي الملك. وهم الذين سيأمرون بالقبض على إرميا.
آ 2- في الواقع، يدعو النبيّ الناس إلى الهرب وتسليم نفوسهم إلى البابليّين لكي ينجوا من الموت. هذا هو الكلام الذي ما فتئ يردّده إرميا (رج 21: 9).
آ 3- والسبب: ستسلّم هذه المدينة إلى ملك بابل. يحتلّها. ونحن نعرف كيف كان يتمّ الاحتلال. من نهب وسلب وقتل وهتك أعراض ودمار وحريق. فلا نعجب أن يكون الشعب قد خاف.
آ 4- فاتّهم الرؤساء إرميا لأنّه يدمّر معنويّات المقاتلين، ويقدّم إلى الشعب الشرّ، لا الخير.
آ 5- وبان ضعفُ الملك مرّة أخرى: لا يستطيع معكم شيئًا. في اليونانيّ، تأتي العبارة وكأنّ الراوي لاحظ الأمر فكتب: لان الملك لم يستطع معهم شيئًا.
آ 7- وجعلوا إرميا في بئر موحلة. أنزلوه بحبال وتركوه هناك. "ملكيا ابن الملك"، رج 36: 26.
آ 8- باب بنيامين (رج 37: 13). تُذكر كوش التي هي النوبة (السودان والحبشة). رج أش 11: 11. تحرّك هذا الرجلُ الغريب عن شعب الله. رأى في إرميا نبيّ الله، أمّا سكان أورشليم فرأوا فيه عدوّ الله وبالتالي عدوّ الشعب فأرادوا قتله.
آ 10- طلب عبد ملك من صدقيا، فسمح له صدقيا أن يُخرج إرميا من جبِّه. يقول 2 مل 18:24 إن عمر صدقيا في ذلك الوقت كان ثلاثين سنة.
آ 14- أخرج صدقيا إرميا من الجبّ (وقد كان عالمًا بدون شكّ بوضع النبيّ)، فاعتبر أنّه أحسن إليه، وأنّه بالتالي يستطيع أن يسأله.
آ 15- عرف إرميا أنّ وضعه غير مريح لأنّه لن يقول إلاّ الحقيقة. فهو إمّا سيموت، وإمّا لن يُسمع له. فلماذا الكلام؟
آ 16- قال الملك للنبيّ: عليك الأمان. يمكنك أن تتكلّم: "لا أقتلك ولا أسلمك إلى أيدي أولئك الرجال الذين يطلبون حياتك".
آ 17- الحلّ هو الاستسلام. فتسلَم حياتُك وهذه المدينة.
آ 18- إن لم يرضَ الملك بهذا الحلّ، تسقط المدينة، وصدقيا لن يسلم.
آ 19- ولكن الملك خاف من اليهوذاويّين الذين سلّموا أنفسهم إلى البابليّين: فقد يهزأون به.
آ 20- طمأنه إرميا، وأسنده إلى كلمة الربّ: "إسمع كلمة الربّ في كلّ ما أقول لك".
آ 22- وصوّر النبيّ أمام الملك المشهد الذي فيه يتخلّى عنه أخصّاؤه (أهل سلامه، رج 20: 10، أي الذين يشاركونه حياته الخاضة). ستغرق رجلاه في الوحل، وتساق نساؤه...
آ 24- طلب الملك من النبيّ أن لا يُعلم أحدًا بهذا الكلام. وهدّده بالموت.
آ 25- إن سألوك تقول: تضرّعت إلى الملك لئلاّ يعيدني إلى بيت يوناتان. وهذا ما فعله إرميا.
آ 28- وأقام إرميا في السجن. رج 38: 13 ؛ 39: 14- 15.
ج- دراسة عامّة
الخبر الثاني الذي يروي ما حصل لإرميا قبل سقوط أورشليم، يتبع نموذج الخبر الأول في ف 37. أوقفه الرؤساء وطرحوه في جبّ موحلة. ثمّ أُخرج من هناك من أجل لقاء مع الملك، وتحسّنت ظروف سجنه. النموذج هو هو، ولكن التفاصيل تختلف: ظروف القبض على إرميا. لم يكن ذاهبًا إلى أرض بنيامين، بل كان يحاول إقناع الناس بالهرب من المدينة. في المرّة الأولى لا يُذكر الملك. أمّا هنا، فقد وُضع النبيّ في الجث بعد أن سمح الملك بذلك (رج 37: 15). في ف 38، أخرجه رجل كوشي اسمه عبد ملك. في ف 37، أمر الملك باستدعائه إليه.
في الحوار بين الرؤساء وصدقيا، نرى الملك أضعف من الرؤساء. هو لا يقدر أن يدافع عن إرميا الذي اتهم بالخيانة، دون أن يتّهمه الرؤساء هو أيضًا بالخيانة. قد تكون له بعض القدرة ليحوّل عمل الرؤساء (37: 17؛ 38: 10، 14)، ولكنه لا يقدر، مع أنّه ملك، أن يخلي سبيل إرميا الذي اعتُبر خائنًا يُضعف قوّة المحاربين. وهكذا نجح الرؤساء في إسكات إرميا، فأقنعوا الملك باب هذا الرجل خطير على سلامة (ش ل وم) الجماعة. فجاراهم الملك وجعل النبيّ في بئر لا ماء فيها. فما يهمّ الرؤساء، ليس أن يقتلوا إرميا، بل أن يمنعوه من إقناع المقاتلين والشعب بالاستسلام، وهذا ما وصلوا إليه.
في آ 7- 13، نعرف كيف أنّ عبد ملك نجّى النبيّ من البئر الموحلة. وهذا تفصيل يجعل ف 38 يختلف عن ف 37. ولكن لماذا فعل عبد ملك ما فعل من أجل إرميا؟ هذا ما لا يقوله النصّ. ولكن في 15:39-18، نفهم أنّ عبد ملك "توكل على الله"، وظهر توكّله من خلال سماع كلام إرميا.
في آ 14- 23، نقرأ عن الحوار بين إرميا وصدقيا. تمّ في الهيكل، لا في القصر الملكي. وكان السرّ كاملاً حفاظًا على حياة إرميا. في النصّ الماسوري، طلب النبيّ من الملك أن يستسلم وسلم حياته. دلّ الملك على خوفه من الذين هربوا والتحقوا بالبابليّين. في نهاية هذا الحوار (آ 24- 28) نفهم أنّ إرميا لم يعد إلى الجبّ، بل إلى حبس القصر.
د- خلاصة
نستطيع أن نعنون ف 38: الموت لإرميا. في 37: 20 أعلن النبيّ لصدقيا أنّ الموت ينتظره إن هو عاد إلى السجن. وفي ف 38 سيرد فعل "م وت " سبع مرات. أعلن إرميا أنّ الموت ينتظر كلّ من يبقى في المدينة ولا يرب إلى الكلدانيّين، فردّ الرؤساء طالبين من الملك الموت للنبيّ (آ 1- 6). قد ندهش أن نرى إرميا يتكلّم مع أنّه في السجن. ولكنّ هذا "التضارب" يعود إلى أننا أمام روايتين. هذا ما قلناه في خلاصة ف 37.
توعّدوا النبيّ بالموت، وأكّدوا له ذلك. غير أنّ إرميا سيخرج من البر بفضل تدخّل عبد ملك الكوشي. لا يهتمّ الكاتب بهذا الشخص، بل يهتمّ قبل كل شيء بشخص النبيّ (7:37- 13). كان الملك قد ساند عمل عبد الملك، لهذا طلب لقاء مع إرميا. فأعطاه النبيّ أيضًا النصح الذي سبق وأعطاه لكي ينجو بحياته (آ 14، 27). ولكنّ الملك لم يتبع هذا النصح كما لم يتبع غيره. وظل إرميا في السجن حتى سقوط المدينة (آ 28 أ).
التعارض لافت بين صدقيا وإرميا. يريد صدقيا الحياة، ولكنّه في الواقع ذاهب إلى موت محتّم. هو لا يتّكل على كلام الله. أمّا إرميا الذي قدّم حياته فيخرج سالمًا بعد سقوط أورشليم. أجل، هذا ما قاله يسوع: "من أراد أن يخلّص نفسه يهلكها. أمّا من يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فإنّه يخلّصها" (مر 35:8).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM