الفصل الثامن والعشرون: مجموعة أقوال إرميا

الفصل الثامن والعشرون
مجموعة أقوال إرميا
36: 1- 32

نستطيع أن نعنون ف 36: الملك يوياقيم يُحرف الدرج الذي تضمّن أقوال إرميا، سنة 604. نلاحظ أن الترتيب الكرونولوجي تبلبل. في ف 34، نحن في زمن صدقيا. في ف 35، ننتقل من عهد صدقيا (نعود إلى الوراء) إلى عهد يوياقيم، فنقرأ حدث الريكابيين. في ف 36، نحن في زمن يوياقيم. ولكن المدلول الأساسي لهذا الحدث هو إظهار المقاومة المتنامية التي يواجهها النبيّ إرميا. أحرق الملك الدرج، فدلّ على رفضه بأن يسمع كلمة الله. وهكذا نكون قد انتقلنا إلى مرحلة جديدة: لم نعد على مستوى مدينة أورشليم وشعب يهوذا، بل نحن أمام الملك الذي هو مسؤول عن شعبه.
أ- قراءة النصّ
آ 1- مس 36= سب 43. مس: إلى إرميا. سب: إليّ. رج 32: 26؛ 35: 12. السنة 14 ليوياقيم هي سنة 605 ومعركة كركميش، مع أن الخبر يعود بنا إلى سنة 604 (آ 9). ذُكر ظرف تقبّل الكلمة، ثم الكلام الذي جاء إلى إرميا من لدن الربّ. رج 16: 1 ؛ 27: 1.
آ 2- "على اسرائيل". سب (فاتيكاني، سينائي): أورشليم. (اسكندراني): اسرائيل. تشكّل مس "النشرة" الأخيرة التي عرفت اسرائيل، يهوذا، الأمم (موضوع مثلّث في كرازة إرميا). غير أن مضمون الدرج يدلّ على أن الكلام يتوجّه إلى "أورشليم ويهوذا" (آ 9، 31). إن هدف الدرج هو بيت يهوذا (آ 3)، مع أن النظام العادي هو"يهوذا وأورشليم" في سائر العظات. "م ج ل ة. س ف ر"، درج كتاب: رج آ 4 ؛ 8:40؛ حز 2: 9.
آ 3- "أ و ل ي"، لعل. لعلّهم يسمعون. رج آ 7؛ 3:26؛ عا 5: 15. هناك من رأى نصاً اشتراعياً في آ 3، 7، 31. تدلّ آ 31 على أن الامكانية المشار إليها في آ 3- 7 زالت بموقف الملك، وإن توجّه الدرج مباشرة إلى الشعب. على هذا المستوى، التوبة (ش وب) هي التي تحدّد المصالحة (ص ل ح) والغفران، لا نعمة الله (ق 31: 31- 34 ؛ 8:33). وُجّه الدرجُ إلى بيت يهوذا، غير أن الصيغة في آ 3 هي صيغة الجمع.
آ 4- "ودعا". رج آ 18 مع "إل". باروك بن نيريا: رج 32: 12، 13. ما يتعلّق بإرميا الذي كتب شيئاً ما، رج 29: 1؛ 30: 2؛ 51: 60. أما هنا، وبعد أن طلب الربّ من إرميا أن يكتب (آ 2)، فنحن نرى باروك يكتب. لا شكّ في أن هذا يرفع من قيمة باروك (43: 2، 45). "كلّمه به". يعني: الذي به تكلّم يهوه إلى إرميا. أو الذي به تكلّم إرميا إلى باروك.
آ 5- "لا استطيع الدخول إلى بيت الربّ" (ع ص ور، رج حصر، حظر). قد يكون النبيّ مختبئاً (رج 19، 26).
آ 6- لا نجد في سب "فادخل انت"، بل نقرأ: "في هذا الدرج". نجد في مس: الدرج الذي كتبته عن في (أمليته) من كلام الربّ. "يوم صوم" (غير محدّد). أول يوم صوم (رج آ 9، أي سنة 604).
آ- 7 "لعلّ تضرّعهم (طلب الحنان) يقع": رج 37: 20؛ 38: 26؛ 42: 2، 9؛ دا 18:9، 20.
آ 8- مس: إرميا النبيّ. سب: إرميا. رج آ 10 حيث يدلّ قول مماثل على إطاعة باروك لأمر إرميا. إن آ 8 هي ملّخص يورد الخبر مرّة أولى. بالنسبة إلى آ 4- 8، رج آ 9، 26 (رج آ 9- 10، 11- 19، 20- 26 حيث يُقرأ الدرج في ثلاثة ظروف منفصلة).
آ 9- في السنة الخامسة (مس= سب، اسكندراني). أما سب (فاتيكاني، سينائي) فتقرأ: في السنة الثامنة. مس: "كل الشعب الذي جاء من مدن يهوذا إلى أورشليم". سب: "كل الشعب في أورشليم وبيت يهوذا". لا نستطيع القول إن الشعب نادى بصوم، بل المسؤولون عن شعائر العبادة هم الذين فعلوا
آ 10- رج 35: 4. هي غرفة واسعة ومفتوحة. بحيث سمع "كل الشعب" تلاوة الدرج. نحن أمام مزج بين ما يُقال في الساحة العامة (رج 7: 2؛ 26: 2) وما يقال في مجتمع حميم، في غرفة (4:35؛ 36: 10، 12، 20). جمريا بن شافان: رج 24:26. شافان أمير السر: رج 2 مل 22: 3. لم يكن جمريا أمين السر (الكاتب، هـ. س ف ر) كما تقول آ 12. الباب الجديد. رج 26: 10. وبالنسبة إلى مختلف أروقة الهيكل، رج 1 مل 12:7.
آ 12- "نزل" (من الهيكل) إلى بيت الملك. رج 22: 1؛ 26: 10. "مخدع (غرفة) الكاتب". نحن هنا في جلسة حميمة مع أشخاص قليلين. هل حننيا هو والد صدقيا أو النبيّ؟ هذا ما لا يحدّده النصّ. نجد في سب اختلافات في بعض الأسماء (بهس).
آ 14- يهودي بن نتنيا بن شلميا بن كوش: حين يذكر النصّ ثلاثة أجيال، فهو يدلّ على أهميّة الشخص (في الواقع لا نعرف شيئاً عنه).
آ 15- "ش ب"، "إجلس". في اليونانية: ش و ب، أعد (القراءة). إقرأ النص مرّة ثانية.
آ 16- "خافوا... وقالوا لباروك". لا نجد "لباروك" في سب. إن خوف الرؤساء قد أملاه جواب يوشيا حين قُرئ كتاب الشريعة (2 مل 22: 11). ولكن قد يكونون خافوا على باروك وبالتالي على إرميا بعد تدوين مثل هذه الأقوال (آ 17- 19). لا نفهم خوفهم إن كانوا قد سمعوا أقوال إرميا عن العشرين سنة السابقة (آ 2). ولكن نفهمه إن هم سمعوها للمرة الأولى كتحذير من الدمار القريب (رج ردّة الفعل في 7:26- 9).
آ 17- "إ ك"، كيف. سب: من أين. سب (فاتيكاني): أين. لا نجد في سب "عن فمه" (عن لسان إرميا). نحن هنا أمام استباق لما في آ 18، وينتمي إلى ما يعرفه باروك لا ما يعرفه الرؤساء.
آ 18- نقرأ في سب "كان إرميا يملي عليّ من فه كل هذا الكلام، فكتبته في كتاب". لا نجد في سب "بالمداد".
آ 20- "الدار". كيف يقفون في الدار والفصل فصل الشتاء والكانون متّقد (آ 22)؟ هناك من قال: المخدع. تركوا الدرج واعتقدوا أن الملك يكتفي بملخّص. وقد يكون الكاتب أراد أن يهيّئ الطريق "للقاء" الملك مع أقوال إرميا في الدرج.
آ 22- لا نجد في اليونانية "في الشهر التاسع" (تشرين الثاني إذا بدأنا العدّ مع آذار، أو كانون الاول إذا بدأنا مع نيسان). "بيت الخريف" (ح رف). رج عا 3: 15. لا نجد في اليونانية "متقد" (بعد الكانون أمامه).
آ 23- "د ل ت وت"، مقطع، عامود. "شقّ الدرج". الفاعل، على ما يبدو، هو الملك (رج آ 25).
آ 24- "لم يفزعوا". رج آ 16. رج ما فعله هؤلاء (لم يمزقوا ثيابهم، ق رع) وما فعله يوشيا حين سمع كلام الكتاب الذي وُجد في الهيكل (2 مل 22: 11). هذه الآية تحكم على الملك وعبيده (أي الموظّفون الكبير، نجد في آ 12- 16 "الرؤساء"، ش ري م).
آ 25- دلايا. سب: جدليا. في سب (فاتيكاني، سينائي) لا نجد "لا" (أمام يحرق). في سب لا نجد "فلم يسمع لهم". الناتان بن عكبور: رج 26: 22. نلاحظ تعاطف بعض الرؤساء مع الدرج كما لاحظناه في 16:26 حيث أراد الأنبياء والكهنة أن يحكوا على إرميا. وقد تشدد آ 25 على عناد يوياقيم قبل أن تشدّد على معارضة الرؤساء.
آ 26- لا نجد في سب: شلميا بن عبدئيل. مس: أخفاهما الربّ. سب: أخفيا (أو: اختفيا). نحن في مس أمام "معجزة" منعزلة في إر.
آ 27- "والكلام". سب: "كل الكلام" (الذي في الدرج). "وكانت إلي...". رج 33: 1؛ 35: 12 (لا نجد الظرف الذي فيه قيل هذا الكلام)؛ 8:43.
آ 28- لا نجد في سب "الأول" (الذي كان في الدرج) "الأول".
آ 29- لا نجد في سب "وعلى يوياقيم ملك يهوذا". "أحرقت... ليدمرنّ". هذا يعكس دمار 587. رج 9: 10- 11؛ 32: 34 بالنسبة إلى فناء البشر والبهائم.
آ 30- رج 18:22- 19 حول طرح جثة يوياقيم. مصير جسد الملك في البرد يعكس صورته وهو جالس أمام الكانون المتّقد (آ 32). في 22: 30 نجد قولاً مماثلاً عن يوياقيم الذي لن يكون له وارث على عرش داود. ومن سخرية القدر أن يوياكين ابن يوياقيم حكم بضعة أشهر، فكذّب التهديد الذي قيل ليوياقيم بأن لا يكون له من يخلفه من نسله على العرش. في ما يتعلّق بمصير الملك، رج 18:22- 19؛ 4:34- 5.
آ 31- لا نجد في سب "إثمهم". ففعل "ف ق د" يكفي لكي يدلّ على العقاب (29: 32). إدخال "سكّان أورشليم... ورجال يهوذا" (آ 3، 9) بيد الناشر هنا (نصّ اشتراعيّ) هو الاشارة الوحيدة عن ردّة فعل الشعب على قراءة الدرج. لا مكان لشجب بيت الملك. رج 15:19؛ 17:35 بالنسبة إلى الحكم على الشعب.
آ 32- مس: وإرميا. سب: وباروك أخذ درجاً آخر كتب من فم إرميا كل كلام الكتاب الذي أحرقه يوياقيم بالنار ففي آ 28 طُلب من إرميا أن يأخذ درجاً (آ 2، 4). ما الذي أضافه باروك؟ هذا ما لا نعرفه. ولكن مرّ وقتٌ بين الحدث الذي نقرأ عنه في آ 20- 26 والجواب في آ 32.
ب- التفسير
آ 1- السنة الرابعة ليوياقيم، أي سنة 605. وذُكر يوشيا، والد يوياقيم، لأننا سوف نرى موقفه من كتاب العهد (الذي هو كلام الله) وموقف ابنه من نبوءة إرميا (التي هي كلام الله أيضاً).
آ 2- خذ لك درجاً (صحيفة، لفيفة، م ج ل هـ). رج حز 2: 9. الكلام يتعلّق باسرائيل، أي بمملكة الشمال. وهكذا يكون هذا الكلام قد قيل أولاً عن مملكة اسرائيل، ثم طبّق على سكان أورشليم (رج 25: 2). لهذا نقرأ الآن: اسرائيل (أو: أورشليم كما في بعض المخطوطات اليونانية)، يهوذا، الأمم. ويعود بنا النص إلى أيام يوشيا حيث بدأت رسالة إرميا.
آ 3- سيكون هذا الكلام الذي وُجّه إلى اسرائيل نداء إلى يهوذا من أجل التوبة.
آ 4- دعا إرميا باروك لكي يكتب، ولم يكتب هو نفسه.
آ 5- لماذا مُنع إرميا من الدخول إلى الهيكل؟ رج 20: 1- 6. ق نح 6: 10 وما حصل لنحميا.
آ 6- سيحل باروك محل إرميا. يختار يوم صوم يكون الجمعُ فيه كبيراً. "لعلّهم يرجعون بعد أن يحنّ الله عليهم" (آ 7).
آ 8- وصنع باروك بما أمره إرميا.
آ 9- هنا يُذكر الظرف الزمني: تشرين الثاني- كانون الأول سنة 604، أي في الشتاء.
آ 10- قرأ باروك على مسامع الشعب كلام إرميا. نحن هنا أمام إطار تدوينيّ. فكيف يجتمع الشعب والوقت شتاء؟!
آ 11- نشير إلى أن شافان هو أحد الذين دافعوا عن إرميا (آ 25، رج آ 10، 19). رج 26: 24. إن ميخا حفيد شافان نقل كلمات إرميا كما تلاها باروك.
آ 14- فطلبوا من باروك أن يأتي بالدرج، فجاء. وطلبوا منه أن يقرأ، فقرأ (آ 15).
آ 16- خاف الرؤساء خوفاً مزدوجاً: خوفاً على نفوسهم، وخوفاً من كلام الله.
آ 17- سألوا باروك، فأجاب أن إرميا أملى عليه هذه الأقوال. فطلبوا منه أن يختبئ هو وإرميا.
آ 21- وقُرئ الدرج أمام الملك الذي أحرقه شيئاً فشيئاً أمام عبيده، وما خافوا من معاملة كلام الله بهذا الشكل. وهكذا دلّ الملك وعبيده رفضهم لكلام الله.
آ 26- أمر الملك بالقبض على إرميا وباروك. يقول العبري "أخفاهما الله". قام الله بمعجزة. أما اليونانيّ فقال "أخفيا" دون أن يقول من أخفاهما. وقد نكون هنا أمام المجهول الإلهيّ. يبقى السببُ الأخير الله الذي حفظ نبئه كما سيحفظ حياة بطرس في السجن (أع 12). تبقى الأسباب البشريّة غير معروفة. ولكن بطرس سيقول: "الآن علمت أن الله أرسل ملاكه". نشير هنا إلى يرحمئيل "ابن الملك". قد يكون شقيق يوياكين الذي خلف أباه ثلاثة أشهر (رج 1: 3). وقد يكون من النسل الملكي (رج 19:22).
آ 27- وجاءت كلمة الربّ في ظرف آخر: أحرق الدرجُ الأول. لا بدّ من تهيئة درج ثانٍ (آ 28).
آ 29- وجاء التهديد ليوياقيم ونسله وعبيده.
آ 32- ونفّذ إرميا ما أمره به الربّ. ودوّن باروك أقوال إرميا وأضاف عليها. ستكون أكثر من نسخة لأقوال إرميا، والدليل على ذلك الاختلاف الكبير بين النصّ العبريّ والنصّ اليونانيّ.
ج- دراسة عامّة
وتنتهي هذه المجموعة (ف 26- 39) كما بدأت، بمواجهة بين إرميا والجماعة في زمن يوياقيم. ولكن هناك اختلافات دقيقة بين ف 26 وف 36. في ف 26، إرميا حاضر، أما يوياقيم فلا يظهر. ولكننا نحسّ بغيابه لأنّ المدوّن أرّخ الخبر بالنسبة إليه، ولأنه جعل هنا ملحقاً (26: 20- 23) حول مقتل اوريا بن شمعيا بيد الملك. في ف 36، كان إرميا حاضراً (دون الملك) في تهيئة الدرج (آ 4- 7) وبعد حرقه (آ 27- 32). وفي المرات الثلاث التي فيها قُرئ الدرج، أن إرميا غائباً. ولكن الملك كان حاضراً في القراءة الثالثة (آ 20). ونحسّ بحضوره في القراءة الثانية (آ 16). من خلال قراءة الدرج، إرميا حاضر في غيابه (آ 17- 19، 26). واختفاء إرميا وباروك (آ 19، 26؛ رج 1 مل 3:17؛ 13:18) يعكس موضوع الملك الذي يستعدّ لقتل الأنبياء. حين نشر الناشر هذين الخبرين، توخى أن يقنع الأمّة لكي تعود إلى الله (ش و ب، 3:26؛ 3:36، 7). ودورُ مختلف طبقات المجتمع يختلف بين فصل وآخر: في ف 26، وقف الكهنة والأنبياء ضدّ إرميا، وسانده الرؤساء والشيوخ، ومال الشعب تارة مع إرميا وتارة عليه. أما في 36، فلا نعرف موقف الشعب (آ 10، 31 ب). الرؤساء هم مع باروك. الملك يعادي كل المعاداة إرميا وباروك. ولا يقول النصّ شيئاً عن الكهنة والأنبياء.
ويبقى الاختلاف الأهمّ بين ف 26 وف 36: دور باروك. مصير الملك. جاء ف 26 يبرّر إرميا، دون أن يقول هنا ماذا حدث له. أما في ف 36، فحضوره ليس بضروريّ لإيصال كلمة الله إلى الجماعة. في الخبرين، كان موضوع كلام الله واضحاً. وهذا ما رمز إليه دور باروك ككاتب يدوّن ما يقوله إرميا، وكقارئ يتلو هذا الكلام في غرف الهيكل وفي الدار. حلّت الكلمة المكتوبة محل إرميا. قد يُحرق الدرج (آ 23)، ولكنه سيُكتب ثانية (آ 32). إن كان هناك غموض لما حصل لإرميا في نهاية ف 26، فإن ف 36 واضح فيما حصل لأقوال الله: أُحرقت. رذلها الملك وبالتالي الشعب كله (آ 31). لا حاجة إلى ابراز موقف الشعب والرؤساء من الكلمة. فقد قُرئت أمام الآتين إلى الهيكل كما قُرئت أمام الرؤساء، بحيث وصل الدرج إلى الملك في القراءة الثالثة. لم يتجاوبوا مع النداء إلى النوبة وتمزيق الثياب (آ 24)، وهذا ما يحكم عليهم. لهذا جاء العقاب لأورشليم فلم يُفلت منه أحد.
د - خلاصة
بعد أن قابلنا بين ف 26 وف 36، نودّ أن نقابل بين حدث الدرج الذي أحرق (ف 36) بيد يوياقيم، ملك يهوذا، واكتشاف درج الشريعة بيد ملك آخر من ملوك يهوذا هو يوشيا والد يوياقيم (2 مل 3:23- 13). في الحالتين نجد درجاً في قلب الخبر. في الحالتين، يُقرأ الدرج مرة أولى. في 2 مل 8:22 بفم شافان، وفي ار 36: 14- 15 بفم باروك أمام الرؤساء. سمات مشتركة. ولكن التناقض سيكون كبيراً بين ردّة فعل السامعين في الحالة الأولى وفي الحالة الثانية. فحين سمع يوشيا الكلمات التي تضمّنها كتاب الشريعة، مزّق ثيابه (2 مل 22: 11، 19) وقال لعبيده الذين يحيطون به. "ما أعظم غضب الربّ علينا، لأن آباءنا لم يسمعوا لكلام هذا الكتاب ويعملوا بكل ما ورد فيه لأجلنا" (2 مل 13:22 ب). وبعد أن سأل الملك يوشيا النبيّة حلدة، اتخذ عدّة إجراءات لكي يطيع الكلمات التي تُليت عليه (2 مل 4:23- 14).
مقابل هذا، إن كان بعض موطني الملك يوياقيم قد خافوا حين سمعوا باروك يقرأ أقوال إرميا (إر 36: 16)، إلاّ أن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة إلى الملك وحاشيته. قال النصّ: "ولكن لا الملك ولا أحد من عبيده الذين سمعوا كل هذا الكلام فزع أو مزّق ثيابه" (36: 24). وعبّر تدميرُ الدرج بالنار، عن رفض الملك بأن يسمع كلام الله كما نقله إرميا. لا شكّ في أن سلطة إرميا لا تساوي سلطة موسى الذي يشرف بشخصه على كتاب الشريعة الذي قُرئ أمام يوشيا فشكّلت كلماته وصيّة للأجيال الآتية. ولكن إزالة الدرج في النار يعني بشكل رمزي إزالة كل أقوال النبيّ، بحيث يبدو أنه لم يتكلّم. ولكن تجاه هذا العمل الذي جعل كرازة إرميا باطلة (وكأنها لم تكن)، ردّ النبيّ فطلب إلى باروك أن يكتب درجاً آخر. فكلمة الله لا يمكن أن تصمت. ومهما فعل الملك فهو لن يقدر عليها.
ماذا كانت عواطف إرميا في مثل هذا الظرف؟ لن نجد الجواب، ومدوّن الكتب النبويّة لا يدرس نفسيّة أشخاصه، ولكننا نستشف بالنسبة إلى هذا النبيّ الذي دعاه الربّ لكي ينقل كلمته، أن الألم حزّ نفسه. أحسّ إرميا بفشله الخاص. ولكنه أحسّ بفشل الله نفسه من خلال عمل الملك. وفهم النبيّ نتيجة عدم تقبّل كلمة الله في حياة الشعب، كما في حياته هو الخاصة. لهذا هتف في "اعترافاته" "تسيل عيناي بالدموع ليلاً ونهاراً بغير انقطاع، لأن العذراء بنت شعبي أصيبت بجرح بليغ، بضربة لا شفاء منها" (17:14).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM