الفصل الثاني والعشرون: عداوة الأنبياء

الفصل الثاني والعشرون
عداوة الأنبياء
27: 1- 28: 17

قال إرميا ما قال، واعتبر الرؤساء والشعب أنّ هذا كلام الربّ، فغضب الأنبياء، وعادَوا ذاك النبيّ الذي يقول الحقّ مع أنّه يهدّد البيت (الهيكل) والمدينة (أورشليم). في ف 27، هي عداوة عامّه وفي ف 28، هي عداوة حننيا، بانتظار شمعيا النحلامي (29: 31- 32) الذي سيصل إليه تهديدُ الربّ بلسان إرميا النبيّ. ولكنّنا نترك ف 29 إلى ما بعد، لأنّ موضوعه الأساسيّ هو رسالة إلى المنفيّين.

1- إرميا والأنبياء (27: 1- 22)
ما يجمع ف 27- 29 هو الأنبياء وعلاقتهم ببابل. وهنا يقوم إرميا بفعلة نبويّة، كما اعتاد أن يفعل، ليدلّ على تسلّط بابل على ممالك الشرق: جعل نيرًا على كتفيه.
أ- قراءة النصّ
آ 1- ف 27 في مس= 34 في سب. سب أقصر من مس. هذا ما يدلّ أفضل دلالة على أنّ "النشرة" الثانية (مس) انطلقت من نصّ قصير فتوسّعت فيه. الآية الأولى هي تدوينيّة وغائبة عن اليونانيّ، وقد جُعلت على صورة 1:26 (28: 1). "في بدء مُلك يوياقيم". بعض المخطوطات والسرياني: "صدقيا" بدل يوياقيم. السنة الأولى ليوياقيم (رج 26: 1) بالنسبة إلى ما يلي (يذكر صدقيا في آ 3، 12، وبتضمّن الحديث عنه في آ 16- 22). والخطأ في الماسوريّ يطرح السؤال حول 26: 1 (قد يكون هو أيضًا خطأ). إن 26: 1؛ 27: 1 ؛ 28: 1 تبدو كأساس أخبار في السنوات الأولى للملوك (رج 28: 1). بهس: في السنة الرابعة (في خط 28: 1). رج 28: 1: في هذه السنة، أي في ذات السنة وهي السنة الرابعة لصدقيا.
آ 2- هكذا قال لي الربّ. رج 13: 1؛ 19: 1 حيث يؤمَر إرميا بأن يأخذ غرضًا. رج 25: 15 (لقب الله موسّع) حيث الغرض الذي يأخذه إرميا هو الذي يُرسَل معه إلى الأمم (كما هو الأمر هنا).
آ 3- "أرسل". نحن هنا أمام عمل رمزيّ (سحريّ، رج 15:25- 17). بهس: فترسل (و ش ل ح ت). رج اليونانيّة (النسخة اللوقيانيّة). إنّ 28: 10 يرينا إرميا حاملاً الأنيار (جمع نير). فكيف سيرسلها إلى الأمم. ولكن بما أنّ ف 28 هو خبر مختلف، فمثل هذا المنطق لا يطبَّق في هذه الحالة. الماسوريّ: الرسل. اليونانيّ: رسلهم (مع الضمير). في اليونانيّ: (الذي جاء) ليلاقيهم (في أورشليم).
آ 4- "ربّ الجنود"، لا نجد "الجنود" في اليونانيّ، وهذا ما يحصل مرارًا في إر. من أصل 19 مرّة (قال ربّ الجنود) تغيب لفظة "الجنود" في اليونانيّة 15 مرّة. وتغيب في 32 مرّة حيث نقرأ "ربّ الجنود إله إسرائيل". وهكذا تكون هذه اللفظة قد أضيفت عادة في "النسخة الثانية".
آ 15- لا نجد "مع البشر والبهائم التي على وجه الأرض". فقد تكون عين الكاتب قفزت من "الأرض" الأولى (بعد "أنا صنعت الأرض") إلى الثانية (على وجه الأرض). "حسن في عينيّ". رج 26: 4. عبارة "بقوّتي العظيمة وبذراعي المبسوطة" تعكس تأثيرًا اشتراعيًّا. رج 3: 17؛ تث 9: 29 (قوّتك أنت بدل قوّتي أنا)؟ 2 مل 17: 26 (لا نمزج ذلك مع عبارة اشتراعيّة مقولبة: "بيد قويّة وذراع ممدودة"، مع اختلافات طفيفة).
آ 6- لا نجد "والآن أنا" (وع ت ه. ا ن ك ي). نقرأ في مس: "كلّ هذه الأراضي في يد نبوخذ نصّرملك بابل عبدي". في سب: "الأرض لنبوخذ نصر، ملك بابل، ليخدمني". في سب (السينائي) لا نجد "نبوخذ نصّر" ولا "ليخدمني". نقرأ "نبوخذ نصر عبدي" في 9:25؛ 10:43.
آ 7- هي غائبة في سب.
آ 10- لا نجد في سب "لأدحركم فتهلكوا". رج آ 15. هي في غير محلّها هنا، لان نشاط العاملين في آ 9 أبعد الشعبَ عن أرضهم لا عن يهوه.
آ 11- لا نجد في سب "يقول الربّ".
آ 12- "تحت نير ملك بابل". رج آ 8، 11. غابت من سب. رج نح 3: 5 للعبارة "ضعوا نيركم تحت" أي إخضعوا.
آ 13- غابت آ 13 وقسم من آ 14 (سب)، وضمّت نهاية آ 12: وتعبّدوا له... لا تتعبّدوا لملك بابل (آ 12 ب- 14 أ). "كلّمت صدقيا ملك يهوذا بكلّ هذه الكلمات قائلاً ضعوا أعناقكم تحت النير وتعبّدوا لملك بابل لأنّهم يتنبأون لكم بالزور"
آ 15- "لأطردكم". رج آ 10.
آ 16- "ع ت ه. م هـ ره" عن قريب، الآن بسرعة. غائبة في سب. في 3:28، 11: بعد مدّة سنتين.
آ 17- غير موجودة في سب. ألغتها بهس.
آ 18- "لربّ الجنود". في سب: لي. هنا تنتهي آ 18 في سب (إذن: لا نجد "لئلاّ يذهب... " حتى النهاية).
آ 19- آ 19- 22 في سب أقصر ممّا في مس. كلّ ما نقرأ هو: أمّا الآنية الباقية التي أخذها ملك بابل لما جلى يكنيا من أورشليم، فستذهب إلى بابل، يقول الربّ".
آ 22- الآنية. رج عز 1: 7- 11؛ دا 5: 2- 3.
ب- التفسير
آ 1- يوياقيم. نجد صدقيا في بعض المخطوطات، وفي السريانيّة والعربيّة. رج آ 3- 12؛ 28: 1. أمّا ما تبقّى ففيه يُذكر"يوياقيم ".
آ 2- نحن هنا أمام فعلة نبويّة وعمل رمزيّ. رج 13: 1. أرسل. قد يكونون سفراء هؤلاء الملوك الذين جاؤوا يهنِّئون الملك الجديد، أو جاؤوا من أجل حلف مناوئ لبابل.
آ 5- الربّ هو الخالق (أنا صنعت الأرض). وهو سيّد التاريخ (أعطيتها).
آ 6- كلّ هذا في يد نبوخذ نصر ويضيف النصّ "وحوش الصحراء". هنا نتذكّر دا 22:4 (مس) أو 25:4 حيث نقرأ عن نبوخذ نصر: "ستُطرد من بين الناس وتقيم مع وحوش الصحراء".
آ 7- هذا ما يساوي 70 سنة. رج 25: 11؛ 29: 10. لا نتوقّف عند التاريخ الذي يعرف أنّه لم يكن لنبوخذ نصر "ابن ابن" أي حفيد. فالرقم 3 (هو، ابنه، ابن ابنه) يدلّ على ثبات الحكم الذي لا يمكن لهؤلاء الملوك أن يتخلّصوا منه. هل يضع النبيّ الناس أمام اليأس؟ كلاّ. ففي آ 22، يتوضّح موضوع الخلاص. "أعيد (الآنية ومعها الناس) إلى هذا الموضع".
آ 8- فمن رفض الخضوع لنبوخذ نصر، كان له الفناء. ما يقولونه لكم هو أضغاث أحلام، هو نبوءات كاذبة. وهكذا نكون أمام دعوة إلى الواقع. ماذا تنفع المقاومة؟
آ 10- أطردكم أنا. الربّ هو الذي يفعل، لأنّه سيّد التاريخ. أمّا نبوخذ نصّر فأداة بين يديه.
آ 11- ومن يخضع (رج آ 8) يبقى في أرضه يفلحها ويسكن فيها.
آ 12- في قام أول، وضع إرميا النير على عنقه كلّم الشعوب الآتية إلى صدقيا من أجل حلف على بابل. في آ 12- 15، توخه النبيّ إلى صدقيا وقال له ما قاله لسفراء أدوم وموآب وعمون وصور وصيدا.
آ 15- لا تسمعوا لهؤلاء الأنبياء. فأنا لم أرسلهم.
آ 16- وفي مقطع ثالث (آ 16- 22) توجّه النبيّ إلى الكهنة والشعب. وبدأ الحديث عن آنية بيت الله. ذهابها علامة شؤم للشعب. وعودتها ترمز إلى عودة الشعب إلى أرضه. ودعا النبيّ الجميع ألاّ يسمعوا لهؤلاء الأنبياء.
آ 18- سنة 597، أخذت آنية بيت الله. فصُنعت آنية أخرى. وهي ستؤخذ سنة 587. لهذا يقول إرميا للأنبياء أن يصلّوا (والنبيّ هو من يتشفعّ من أجل شعبه، رج 15: 1) أن لا تذهب الآتية الموجودة الآن. فذهابها يعني ذهاب الأمّة إلى بابل. وهذا ما حصل.
آ 19- العمد، البحر، القواعد. رج 1 مل 1 2، 23، 27.
آ 22- سيُذهب بها إلى بابل. رج 2 مل 13:25- 15.
ج- دراسة عامّة
في ف 27، ضمّت عناصر عديدة في علاقتها مع الموضوع الرئيسيّ في ف 27- 29، وهو الردّ على بابل. هو يبدأ بفعلة رمزيّة بقوم بها إرميا مع خمسة رسل (أو سفراء) لملوك مناطق مجاورة، وهجوم على الأنبياء والعرّافين والحالمين الذين يطلبون مقاومة بابل، وعلى موقف الملك صدقيا، وعلى أنبياء يهوذا الذين يتحدّثون عن عودة آنية الهيكل إلى أورشليم. تتضمّن هذه العناصر عددًا من السمات نجدها فيما نجدها في التقليد الاشتراعيّ. إنّ جمع الفعل النبويّ مع لائحة القوى الغريبة تجعل آ 2- 11 قريبة من كأس الخمر التي تُعطى للأمم في 25: 15- 27. ولكنّ أمر الله هنا يريد أن يُقنع الأمم بأن لا تقاوم بابل. أمّا في ف 25، فكأس الخمر تشير إلى دمار هذه الأمم.
جعل إرميا النير على كتفه، وحدّث رسل الملوك الخمسة. وفي آ 12- 15 حمل البلاغَ نفسه إلى صدقيا. وكان جدال حول آنية الهيكل التي رأى الأنبياء أنّها عائدة قريبًا. في كل هذا نلاحظ هجوم إرميا على الأنبياء الذين جعلهم مع العرّافين ومع الحالمين، فلم يكونوا يرمًا على علاقة بالربّ كلمته.
د- خلاصة
نستطيع أن نعنون هذا الفصل: عداء مع الأنبياء. فإرميا لم يترك لهم مجالاً فيه يتكلّمون. طلب من الملوك المجاورة، ومن الملك صدقيا، ومن الكهنة والشعب، ألاّ يسمعوا لهؤلاء الأنبياء. وسوف يرى الناس صدقَ كلامه حين لاحظوا الآنية التي أُخذت من الهيكل سنة 597 ولم تَعُد، بل ذهبت الآنيةُ الجديدة سنة 587 إلى بابل، وذهب معها الملك ومعاونوه وعدد كبير من الشعب.
أمّا ف 27 فيُقسم ثلاثة أقسام. آ 2- 11، 12- 15، 16- 22. يورد القسم الأول (آ 2- 11) عملاً رمزيًّا يقوم به النبيّ: يضع على رقبته نيرًا ويربطه بحبال. ويُعطي مدلول عمله في بلاغ ينقله النبيّ إلى مرسلي ملوك أدوم وموآب وعمون وصور وصيدا، الذين جاؤوا يزورون صدقيا في أورشليم. توخّى هذا الاجتماع (وهذه الزيارة) تنظيم حلف ضدّ ملك بابل. فأعلن لهم النبيّ: إقبلوا سلطة ملك بابل، ولا تسمعوا ما يقوله أنبياؤكم (آ 5- 9). إنّ مدلول هذا العمل الرمزيّ هو الخضوع لملك بابل.
ونتوقّف عند ما يقدّمه النبيّ من براهين: بدأ النبيّ وذكرهم باب الله الذي باسمه يتكلّم، هو الذي صنع الأرض بقوّته العظيمة وذراعه المبسوطة (آ 5). فالله الذي خلق الأرض له سلطان على الأمم، وهو يهب كلّ هذه الممالك إلى نبوخذ نصر، ملك بابل، "عبدي" (آ 6). فالإيمان بالله الواحد، بتضمّن كنتيجة منطقيّة سيادة الله على الكون، والخضوع لنبوخذ نصّر كأساس لمشيئة الله. فالموقف الذي اتخذه النبيّ في المجال السياسيّ، قد تأسّس إذن على المستوى اللاهوتيّ. غير أنّ هذا لا يعني أنّه لم يأخذ بعين الاعتبار السياسة الدوليّة ويقدّرها حقّ قدرها.
حين تكلّم إرميا بهذا الشكل إلى مرسلي الملوك، جعل نفسه في نقيض تامّ مع الأنبياء والعرّافين والحالمين الذين يعملون في خدمة الملوك ويعلنون لهم أن لا يتعبّدوا لملك بابل (آ 9).
في القسم الثاني من النصّ (آ 12- 15)، يُنقل البلاغ عينه إلى صدقيا، ملك يهوذا. ويهاجم إرميا في الوقت عينه أنبياء يهوذا الذين يكذبون ذات الكذب الذي يكذبه أنبياء البلدان المجاورة. وفي القسم الثالث (آ 16- 22) يتوجّه النبيّ إلى الكهنة كلّ الشعب (كما يقول النصّ الماسوريّ): يدعوهم ألاّ يسمعوا أقوال أنبيائهم الذين اعتقدوا بأنّ آنية بيت الربّ عائدة، وبالتالي يعود معها المنفيّون الذين رافقوا يكنيا سنة 597. بل إنّ إرميا يعلن كارثة تكون شرًّا من التي سبقتها. فسنة 587، سيُحرق الهيكل وتدمّر المدينة ويسير الملك ومعاونوه إلى بابل.
ما يَبرز من بناء هذا الفصل هو مقاومةُ إرميا لأنبياء عصره. لهذا عاداه هؤلاء الأنبياء. وما يبرز أيضًا تناقضُ كلمة إرميا، وبالتالي كلمة الربّ، مع كلمات أخرى تلفّظ بها أنبياء "الكذب" حول الوضع ذاته. فمن يا تراه المرسل الحقيقيّ؟ إرميا ونبوءات "الشؤم" التي يرسلها، أم هؤلاء الأنبياء الذين يتحدّثون عن السلام وعن عودة الذين ذهبوا إلى المنفى. ولكنّ الأحداث التي حصلت سنة 587 بيّنت كذب هؤلاء الأنبياء وصدق إرميا.

2- إرميا وحننيا (28: 1-17)
كان كلام إرميا في ف 27: الخضوع لملك بابل أو الدمار فوق الدمار. فقاومه الأنبياء العائشون في القصر الملكيّ. وقاومه خصوصًا حننيا الذي أخذ النير وحطّمه. فجاء كلام إرميا قاطعًا باسم الربّ: سأنفيك عن وجه الأرض وفي هذه السنة تموت. ويقول الناشر إنّ حننيا مات في تلك السنة (آ 17).
أ- قراءة النصّ
آ 1- مس 28= سب 35. "في هذه السنة"، أي كما في 27: 1. لا نجد هذه العبارة في سب. إنّ مس جعلت الخبر كلّه بين تاريخين: في بدء ملك صدقيا (آ 1؛ 26: 1). في الشهر الخامس من السنة الرابعة. كما في 9:27؛ 29: 1، 8، تستعمل سب "النبيّ الكاذب" (بسودولروفاتين) للكلام عن أنبياء غير إرميا. مثل حننيا هنا. ولكن ليس هذا الوضع موجودًا باستمرار. فنجد حننيا النبيّ في آ 1، 5. 10، 12، 17 تجاه إرميا في آ 5، 6، 10، 11، 12، 15. جبعون (موطن حننيا). قد تكون في بنيامين. رج 1 مل 3: 4- 5 حيث قدّم سليمان ذبائح ونال حلمًا.
آ 3- وبعد مدّة سنتين. أو خلال سنتين من الزمن. حرفيًّا: في سنتين من الأيام. في سب، تبدو آ 3- 4 أقصر: "في سنتين من الأيام، أعيد إلى هذا الموضع آنية بيت الربّ ويكنيا وجلاء يهوذا، لأني سأذكر نير ملك بابل". لقد توسّعت مس توسّعًا طويلاً في النصّ الأصليّ.
آ 6- "ليقم الربّ كلماتك". أي يجعلها تقوم، تتمّ. في سب وسر: كلمتك (المفرد).
آ 7- "هذه الكلمة". سب: كلمة الربّ.
آ 8- "الشرّ والوباء". تركت سب كل ما يبدو إضافة في مس. وميَّزت في آ 8- 9 بين المتنبّئين عن الحرب والمتنبّئين عن السلام. هناك من جعل "الجوع" (ر ع ب) محلّ "الشرّ" (رع ه) حسب المثلّث المعروف (الحرب والجوع والوباء). ولكن رج 8:27، 13. "أراضٍ كثيرة وممالك عظيمة". رج "أم كثيرة وملوك عظماء". رج 25: 14؛ 7:27.
آ 9- "الربّ أرسله بالحقيقة". أرسله حقًّا. لم يكن نبيًّا كاذبًا. رج 26: 15.
آ 10- "هـ. م و ط ه"، النير. في سب: صيغة الجمع. رج آ 13 ؛ 2:27. وصيغة المفرد في آ 12.
آ 11- لا نجد في سب "نبوخذ نصر" ولا "بعد سنتين".
آ 13- في مس، صيغة الخاطب: صنعتَ أنت. في سب، صيغة المتكلّم: صنعتُ أنا. ما فعله حننيا يدلّ على أنّ العبوديّة الحاضرة ستكون أقسى من العبوديّة السابقة.
آ 14- لا نجد في سب "هذه" (الأمم) ولا "نبوخذ نصر" ولا "تخدمه أيضًا بهائم البريّة التي أعطيته" رج 27: 6 ب.
آ 15- رج 14: 14- 15؛ 23: 21، 25، 27، 32؛ 27: 14- 16.
آ 16- "ش ل ح" أرسل. رج "شلح" أي رمى في العاميّة اللبنانيّة. أرسلك (أنفيك) بعيدًا عن أرض الحياة. وأرسلك إلى الموت. نحن هنا أمام تلاعب على الكلام. "ما أرسلك الله". "أنا أرسلك". لا نجد في سب "لأنّك تكلّمت بالعصيان على الربّ". رج تث 6:13. في تث 18: 20- 21 يُتهم النبيّ بأنّه قال كلمة لم يكلّمه بها الربّ. غاب هجوم سب، فدلّ على أنّ مس توسّعت بتأثير من التقليد الاشراعيّ. وسنجد الاتّهام عينه ضدّ شمعيا في 32:29 (غاب من سب).
آ 17- نقرأ في سب فقط: "مات في الشهر السابع". رج حز 13:11. هناك حننيا آخر في أع 5: 1- 6 قد مات، لأنّه كذب على الروح.
ب- التفسير
آ 1- يبدو إرميا في ف 28 متنبّهًا لكلام الربّ. كأنّي به يبحث، يفكر، يتأمّل. هو لا يتسرعّ، بل ينتظر أن تجيئه الكلمة بكلّ قوّتها. عندئذٍ يقولها فلا يخاف أحدًا. فعل حننيا ما فعل بإرميا، فما تصرّف إرميا في الحال، بل انتظر (آ 12). وقال حننيا إنّ السلام القريب آتٍ . فبدأ إرميا وأعلن "إن شاء الله. يا ليت كلامك يتحقق". ولكنّ السلام لا يأتي أبدًا بسرعة. فهو ينتظر. لا شك في أنّ الربّ هو إله السلام، ولكن لا السلام العاجل، بل السلام الذي ينتظره الشعب في التوبة والسماع لكلام الله (27: 22). نقرأ في هذه الآية تاريخَين متناقضين. "في هذه السنة" عينها، أي السنة المذكورة في آ 27، بدأ ملك صدقيا (أي سنة 597). ثمّ "في السنة الرابعة" (أي سنة 594). لا تذكر السبعينيّة سوى سنة 594. بما أنّ ف 28 هو امتداد ف 27، يجب أن نصحّح التاريخ في 27: 1.
آ 2- وتنبّأ حننيا: يُكسر نير ملك بابل، تعود آنية الهيكل. يعود يكنيا مع جميع الذين ذهبوا برفقته إلى السبي (آ 4). هذا ما يعارض نبوءة إرميا في 27:22.
آ 5- وتمنى إرميا أن يكون ما قاله حننيا صحيحًا. ولكن هذا لن يكون في الوقت الحاضر نستطع القول إنه تردّد بعض الشيء.
آ 8- ولكنّه عاد إلى المبدإ المعروف في تث 18: 22. لا يكفي أن يقول النبيّ قولاً يعتبره آتيًا من عند الربّ. يجب أن "تتمّ النبوءة". وفي الواقع، لا يرى إرميا سوى الشرّ يهدّد شعب يهوذا ومدينة أورشليم.
آ 15- قام إرميا بفعلة "سحريّة". مثل ما حدث ليهوذا وللممالك المجاورة. هذا ما فهمه حننيا. لذلك قام بفعلة "سحريّة" معارضة. كسر النير، فأراد بعمله أن يؤثّر على مجرى الأحداث، وكأنّ الأمور في يد الإنسان، لا في يد الله. ولكن حننيا سيعرف أنّه هو نفسه في يد الله سيّد الحياة والموت في الساعة المباشرة، وسيّد التاريخ في كلّ وقت وعلى المدى البعيد.
آ 12- وجاء جواب إرميا قاطعًا بعد أن سمع كلمة الربّ. سيكون النير أقسى مما توقّعه الناس. لن يكون فقط من خشب يمكن كسره، بل من حديد.
آ 15- وهدّد إرميا حننيا بالموت لأنّه اعتمد على الكذب (ش ق ر= بعل) لا على الربّ. ومات حننيا فتمّ ما تنبّأ به إرميا، أجل، سيفهم السامعون أنّ إرميا هو النبيّ الحقيقيّ، لا في الحال، ولكن بعد وقت طويل أو قصير، ولاسيّمَا بعد كارثة سنة 587. لهذا أعادوا قراءة نبوءته من أجل عهد جديد يقيمونه مع الربّ.
ج- دراسة عامّة
إنّ اللقاء بين حننيا الذي من جبعون وإرميا الذي من عناتوت، هو خبر تقويّ قبل أن يكون واقعًا تاريخيًا (هناك من اعتبره تقريرًا صحافيًّا يُقرأ في تفاصيله). يتوخى هذا الخبر (مع التفاصيل التي نجدها فيه) أنّ ببيّن حقيقة الكلمة التي يعلنها إرميا النبيّ. هناك نبيّ كاذب اسمه حننيا سيموت. وربط الكاتب موته بكذبه على الناس معتدًا أنّه يتكلّم باسم الربّ مع أنّ الربّ لم يكلّمه. في ف 26، فهم الرؤساء والشعب أن هذا الرجل باسم الربّ يكلّمنا. وها هو الربّ نفسه بضع ختمًا يدلّ به على موافقته على كرازة إرميا في ما يتعلّق بملك بابل. من أجل هذا وُضع شخص حننيا هنا (رج 26: 25-23 وشخص أوربا) ليدلّ بطريقة سلبيّة على صحّة كلام إرميا. فوت حننيا دلّ على شرعيّة البلاغ الذي أوصله إرميا، وعلى الموافقة على الكلمة التي قالها الربّ في فم نبئه.
نرى حننيا بن عزور نبيًّا يلتقي برميا النبيّ (آ 1) في الهيكل، وفي مناسبة خاصّة. لا نعرف شيئًا آخر عن حننيا كما لا نعرف شيئًا عن أوريا بن شمعيا. المهمّ شخص إرميا، كل ما يقال إنما هو لإبراز النبيّ الحقيقيّ. يلتقي حننيا مع إرميا في أنّه يعتبر نفسه حاملاً كلمة الربّ. هو يأتي من خارج أورشليم، من جبعون (في بنيامين، مثل عناتوت). هو يوجّه كلامه في الهيكل للكهنة والشعب. لهذا، يبدو للوهلة الأولى وكأنّه مرآة عن إرميا. ولكن الفرق الأساسيّ هو أن حننيا نبيّ السلام (الكاذب) وإرميا نبيّ الحرب (التي يراها أمام عينيه، فلا يريد أن يكذب على شعبه). وهكذا نكون أمام فكرين متضاربين. وسوف نرى الفكر الذي يدلّ على حضور الله. واحد حمل النير، والثانّي كسره. وفي النهاية، سيكون موت حننيا الجواب الساطع على أنّ الله لم يتكلّم فيه. وتوقف النصّ ولم يقل شيئًا عن حداد على موته، ولا عن دفنه (ف 1 مل 13- 29). فهدفُ الخبر ليس حننيا بل صدق كلمة الله. هذا ما أراد الكاتب أن يقوله لنا. أمّا الباقي فأمور بشريّة عاديّة لم يتوقّف عندها انتباهُه.
د- الخلاصة
في ف 27، كانت الصورة نيرًا على كتفي إرميا. في ف 28، سيُكسر هذا النير، ولكن سيحل محلّ نير الخشب نيرٌ من حديد. وهكذا نكون في ذات السياق التاريخيّ الذي عرفناه في ف 27، في السنة الرابعة لصدقيا (594). ونشهد مقاومة عنيفة بين نبيّين، حننيا وإرميا. فما اكتفى حننيا أن يُعلن عودة الآنية التي أخذت من الهيكل سنة 597، بل أعلن أيضًا عودة الذين مضوا إلى السبي مع يوياكين في تلك السنة عينها (آ 2- 4). أمّا إرميا فشك في هذا الإعلان، واستعمل برهانًا يبدو للوهلة الأولى غريبًا: عاد النبيّ إلى الأنبياء الذين سبقوا والذين أعلنوا الشرّ (الكارثة) بسبب خطيئة الشعب. وجعل إرميا نفسه بقوّة في خطّ هؤلاء الأنبياء. بما أنّ حننيا تحدّث عن رجوع المنفيّين فكانت نبوءته نبوءة سعادة، يجب أن ننتظر تحقيق كلمته لكي نرى إن كان حقًا مرسلاً من الله أم لا (آ 8- 9). وهكذا لا برهان حاسمًا من إرميا يردّ به على كلام حننيا سوى تحليله للوضع ويقينه أنّه مرسَل من الله. وهكذا أيضًا فئ إرميا متواضعًا وبعيدًا كل البعد عن تصرّفات الأنبياء الكذبة الذين يرفعون صوتهم ويقومون بحركات هي أبعد ما تكون عن عمل الله السرّي في القلوب. ما اعتبر هذا النبيّ نفسه يمتلك أنوارًا خاصّة حول المستقبل، لذلك انتظر الله وانتظر الزمن من أجل تمييز يرتكز على تتمّة الكلمة. وهذا ما سيفهمه تلاميذه في وقت تريب حين يموت حننيا. وفي وقت بعيد حين تؤخذ المدينة سنة 587 ويؤخذ صدقيا ولا يعود يكنيا، وتؤخذ الآنية المقدّسة (الجديدة) إلى بابل ولا تعود تلك التي أخذت سنة 597، ويذهب فوج آخر إلى السبي، ولا يعود أولئك الذين مضوا مع يكنيا خلال حصار أورشليم الأول.
وإذ أراد حننيا أن يسند أقواله "النبويّة"، انتزع نير الخشب الذي كان على كتف إرميا وحطّمه معلنًا أنّ هكذا سيحطّم النيرُ الثقيل الذي وضعه نبوخذ نصر على الأمم (آ 10- 11). وهكذا صارت كلمة حننيا ملموسة من خلال هذه الفعلة الرمزيّة.
وجاء الجواب إلى عمل حننيا: أعلن الله لإرميا أنّه يُحل نيرَ الحديد محلّ نير الخشب، وهو نير لا يُكسر وهكذا دلّ الربّ على استمرار السيطرة التي تمارسا بابل على هذه البلدان (آ 12- 14). وينتهي الصراع بإعلان موت حننيا بفم إرميا، وبتتمّة الكلمة التي قالها نبيّ عناتوت (آ 15- 17). يبقى على القارئ أن يكتشف من هو النبيّ الذي أرسله الله.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM