الفصل التاسع عشر: كتاب الأنبياء

الفصل التاسع عشر
كتاب الأنبياء
23: 9- 40

هذا الفصل (23: 9- 40) يتألّف من عناصر متنوّعة وموزّعة في الزمن. أوّلها تشكّي النبيّ (آ 9- 12) الذي اضطرب لما أوحي له: فساد الشعب وفساد قوّاده الروحيّين من كهنة وأنبياء. وسيدفعون كلهم ثمن هذا الفساد غاليًا.

1- حالة البلاد (23: 9- 22)
أ- قراءة النصّ
آ 9- "ل. ن ب ا ي م"، للأنبياء. في شأن الأنبياء. هي لفظة تدوينيّة تدلّ على مضمون هذه الآيات. بما أنّ اليونانيّ جعل آ 7- 8 بعد المجموعة، فهناك ارتباط بين آ 6 وبداية آ 9، بحيث تُقرأ اللفظة مع آ 6 أو آ 9. مع آ 6: "صدقيا (الربّ برنا) بين الأنبياء". مع آ 9: "مع الأنبياء انكسر قلبي". "ش ك و ر" سكران. في اليونانيّة: مكسور، مدمّر (= ش ب و ر). في الماسوري: كلمات قدسه. في اليونانيّة: سموّ مجده (= هـ د ر. ك ب و د و)
آ 10- لا نجد في اليونانيّة "لأنّ الأرض امتلأت من الفسّاق". رفضت بهس نهاية آ 19 (حسب اليونانيّ) كما هي، فأقحمت "الأشرار" قبل "الفسّاق"، و"تركت "ك ي" (لأن، الماسوري)، وفهمته كبداية كلمات الله. رج هو 7: 4: "لأنّهم كلّهم فسّاق".
آ 11- "في بيتي". الله هو الذي يتكلّم. إذن، في بيت الله.
آ 12- "يُدحر، يُدفع". بهس: يشتّتون في الظلمة. آ 12 ب: رج 23:11 ب: "أجلب شرًّا على رجال عناتوت، في سنة افتقادهم" (في السنة التي أعاقبهم فيها).
آ 13- "ففي أنبياء السامرة". رج آ 14: "وفي أنبياء أورشليم". وهكذا تَقابلَ القولان.
آ 14- "ش ع روره"، اقشعرّ، رج 5: 30. "السلوك في الكذب" أي في طريق بعل. وهكذا تكون آ 13= آ 14، بحيث صارت أورشليم مثل السامرة (رج 3: 11). يردُ الفسق مع الكذب في علاقة مع الأنبياء في 23:29. "شدّدوا الأيدي". رج 38: 4 كصورة معاكسة (أرخوا الأيدي).
آ 15- رج 9: 15. "ح ن ف هـ"، الكفر (خ ن ف). أي من لا إله له. من صار وثنيًّا. رج مز 35: 16؛ أش 33: 14.
آ 16- هناك من يعتبر آ 16- 17 نثرًا. والبعض شعرًا. "الذين يتنبّأون لكم" غير موجودة في اليونانيّة. بهس ألغتها ليَظهر الشعر. يبدو أنّها تعود إلى العالم الاشتراعي. "يملأونكم بآمال باطلة" (يخدعونكم). في اليونانيّة: "لأنّهم يرون لأنفسهم (رؤى) كاذبة". لا نجد ضمير المخاطب المتكلّم (يملأونكم).
آ 17- "يقولون قولاً". في اليونانيّة: يقولون. الماسوري: "للذين يهينونني قد تكلّم الربّ". في اليونانيّة: "للذين رذلوا كلمة الربّ". الماسوري: "لكل من يمضي بإصرار قلبه، قالوا". في اليونانيّة: "إلى جميع الذين سلكوا حسب مشيئتهم، كل من سار في ضلال قلبه، قالوا". في اليونانيّة (حسب الاسكندراني والسينائي) لا نجد "قالوا".
آ 18- من وقف؟ أضافت بهس "لهم". من بينهم وقف؟ رج آ 22 (لو وقفوا). الماسوري: "رأى وسمع". غابت "سمع" في اليوناني. بهس: "رآه وسمع كلمته". "و ي ش م ع". استمعها أو بالأحرى أعلنها.
آ 19- آ 19- 20= 30: 32- 34 مع بعض الاختلافات.
آ 20- "تفهمون فهمًا". نجد فهمًا (ب ي ن ه) في اليونانيّة لا في 24:30.
آ 22- " اسمعوا". أي: أعلنوا. في اليونانيّ (الاسكندراني والفاتيكاني): لو سمعوا. في الماسوري: شعبي. في اليونانيّ جُعلت اللفظة مع الجملة التالية: ردّوا شعبي. لا نجد في اليونانيّ "عن طريقهم الشرّير".
ب- التفسير
آ 9- ما يحرّك النبيّ هو هذه الإيحاءات ومضمونها. أصبح كرجل سكران (رج دا 8:10).
آ 10- ماذا رأى النبيّ؟ الفسق (رج 8:5؛ 9: 1) حتى لدى الأنبياء (آ 14؛ 29: 23)، اللعن (4: 28)، الشرّ، وعدم الاستقامة.
آ 11- ويتوقف النبيّ عند كفر الأنبياء والكهنة (مرا 13:4).
آ 12- عند ذاك يأتي العقاب. نجد هنا فعل "ف ق د" (افتقد، عاقب، أدّى حسابًا). نجد هذا الفعل مرارًا في إر: 2:8 1؟ 0 5:11، 1 23:1، 23: 2 1، 21:46، 44:48 ؛ 27:55 ؛ 18:51.
آ 13- في آ 13- 15 يشدّد إرميا على خطورة إثم أنبياء أورشليم: فقد أضافوا الفسق على الانحراف الدينيّ لدى أنبياء السامرة (رج 3: 11). يتنبّأ الأنبياء في السامرة باسم بعل وهكذا يُضلّون الشعب.
آ 14- وأنبياء أورشليم بالكذب (13: 25) أي ببعل. وهكذا يلتقي أنبياء الشمال وأنبياء الجنوب. صاروا مثل سدوم وعمورة. رج تث 32:32 ؛ أش 1: 10؛ تك 20:18- 21؛ 19: 1- 9؛ حز 49:16.
آ 15- هؤلاء الأنبياء يموتون بعد أن خرج منهم الكفر.
آ 16- هم أنبياء كذبة يخدعون الناس برؤاهم (14: 14؛ مرا 2: 14) مع أنّ ما يخرج من فهم ليس من عند الربّ.
آ 17- يلعبون لعبة الحيّة مع آدم وحواء. الله يهدّد، وهم يطمئنون الناس: ما يقوله الله بواسطة نبيّه ليس بصحيح.
آ 18- كيف عرفوا كلام الربّ؟ كيف يحقّ لهم أن يحملوا كلمته؟ رج آ 19:15:22 هل وقفوا في مجلسه وعرفوا مخطّطه (آ 20 ؛ عا 7:3؛ رج 1 مل 19:22 – 22؛ أش 6: 1 ي)؟ هل رأوا تدخّله وعقابه على مثال ابراهيم (23:18- 32؛ عا 7: 1- 6 ؛ رج إر 15: 1؛ 18: 20)؟ كل هذا بعيد عن أولئك الذين اعتبروا نفوسهم أنبياء وما هم أنبياء. لهذا، يهاجمهم إرميا.
آ 19- هنا يظهر غضب الله. والعقاب الذي يصيب المخطئين الكاذبين، ليس نتيجة عمل اعتباطيّ حصل فجأة، بل برنامجًا محدّدًا سيُفهم فيما بعد (في نهاية الأيام كما تقول اليونانيّة). إنّ وجود آ 19- 25 (= 30: 23- 24) بين أقواله على الأنبياء الكذبة، يفهمنا أن هؤلاء الأنبياء يجهلون برنامج الله، لأنّهم يعلنون السلام حالاً والحرب تحيط بالشعب. ما أغباهم!
آ 20- أجل، حين ينفّذ الربّ برنامجه، يفهم هؤلاء الأنبياء خطأهم. ويكونون أوّل من يعاقبهم بغضبه.
آ 21- من أرسل هؤلاء الأنبياء؟ لم يرسلهم الربّ. من علّمهم كلام الربّ؟ ولكن الربّ لم يكلّمهم.
آ 22- لو أقاموا في مجلس الربّ (23: 18)، لسمعوا كلامه وحملوا هذا الكلام إلى الشعب وردّوهم عن طريق الشر ولكنّهم لم يعرفوا مجلس الربّ. ولو عرفوا، لما استفادوا شيئًا لأنّ ما يهمّهم هو "المكسب الخسيس" لا كلمة الله التي هي سيف ذو حدّين، والتي ستحرقهم كما أحرقت إرميا. فهل هم مستعدّون لكي يتقبّلوها؟
ج- دراسة عامّة
ترتبط هذه القصيدة الأولى (آ 9- 12) بالأنبياء، ولكنّها تبدو قولاً عامًّا حول ردّة فعل النبيّ على حالة الأرض. تعتبر العناصرُ النبوبّة في آ 11- 12 الأنبياء كجزء من هذه الحالة، وهذا ما يبرّر وجود النصّ هنا. ويتمّ الانتقال في هاتين الآيتين من شكوى النبيّ إلى كلام الله.
أوّل إشارة محدّدة إلى الأنبياء تظهر في آ 13- 14، حيث يُقابل أنبياء أورشليم مع أنبياء السامرة. هكذا كانت مقابلة بين يهوذا وإسرائيل. سيُعاقب هؤلاء الأنبياء بالعلقم والسمّ (8: 14؛ 9: 15). جعلوا السمّ في كلامهم للناس، فسيُعاقَبون بما به أخطأوا.
وتتوحّد آ 16- 22 حول مواضيع اشتراعيّة: فالأنبياء يتكلّمون من عندهم. فما سمعوا كلام الربّ، ولا وقفوا في مجلسه. وكان الهجوم على الأنبياء في آ 16- 17، 21 (رج 13:14- 15). وتُعطى الجماعة أمرًا بأن لا تسمع. في آ 19- 20، نفهم أنّ لا أمل في إعلان "السلام"، فغضبُ الله آتٍ على رؤوس الأشرار. وحين يحصل هذا، يفهم الشعب كذب الأنبياء. ولكن سيكون قد فات الأوان. ويُهاجَم الأنبياء أيضًا في آ 21. تكلّموا دون أن يكلّفهم أحد بذلك. هم لم يقفوا في مجلس الله (آ 2)، فكيف يقدرون أن يعرفوا مخطّطه؟ فيا ليتهم وقفوا وسمعوا، لكانوا بدّلوا كلامهم إلى الشعب وردّوه عن سلوكه الشرّير.

2- حكم الربّ كل هؤلاء الأنبياء (23:23- 40)
ويأتي الله بكلّ قدرته، فيُفهم هؤلاء الأنبياء أنّ التبن ليس الحنطة، وكلمة الله غير الأحلام الكاذبة. ويعلن لهم أنّه سينساهم وينبذهم مع المديّنة، ويُلحق بهم عارًا أبدئا وخزيًا دائمًا لا يُنسى.
أ- قراءة النصّ
آ 23- "هل أنا إله من قرب". يقابلها: "ولست إلهًا عن بعد". في اليونانيّة: "أنا إله في متناول اليد، يقول الربّ، لا إله عن بعد". لا نجد في اليونانيّة الاستفهام الذي نجده في العبريّة. هناك من قرأ: الإله القريب، الإله البعيد.
آ 24- لا نجد في اليونانيّة أول مرّة "يقول الربّ" (هناك مرّة ثانية في ذات الآية).
آ 25- يعتبر معظم الشرّاح آ 25- 32 نثرًا. بهس: آ 28، 29= شعر.
آ 26- إلى متى (ع د. م ت ي) سيكون في قلب الأنبياء "نبوءات الزور"؟ هناك من قرأ (مع بهس) (ع د. م ت ي) على أنّها: "ح ل م ت ي" (حلمتُ). وهكذا نجد في نهاية آ 25 وبداية آ 26 ثلاث مرّات: حلمت. رج آ 25؛ 7: 4؛ 22: 29.
آ 27- "تجعل شعبي ينسى اسمي". في اليونانيّة، "شريعتي" بدل "اسمي". السريانيّة: "ويضلّون شعبي باسمي".
آ 28- (الذي عنده حلم) "ليقصّ الحلم". في اليونانيّة: حلمه (مع الضمير).
آ 29- "أليست كلمتي هكذا كالنار"؟ نجد قراءتين في اليونانيّة: "هكذا هي كلماتي، يقول الربّ: أليست كلماتي مثل نار متقدة"؟ (= صارت "ك ه" = "ك وه- في العربيّة: كوى، اتّقد).
آ 31- "أخذوا ألسنتهم" أي استخدموا. في اليونانيّة: يُخرجون نبوءةَ لسانهم.
آ 32- "ها أنا على نبوءات أحلام الزور، يقول الربّ". في مخطوطات عديدة: أنبياء أحلام. في اليونانيّة: "على الأنبياء الذين يتنبّأون".
آ 33- اعتبرت بهس "أو نبيّ أو كاهن" إضافة أُخذت من آ 34. في الماسوري: فتقول لهم: أي وقر؟ ولكن الأفضل: أنتم وقر.
آ 38- لا نجد في اليونانيّة "فإن قلتم، وقر الربّ".
آ 39- "أنساكم نسيانًا". في السريانيّة: أرفعكم (= ن ث أ). لا نجد "عن وجهي" في اليونانيّة (في آخر الآية). وهناك "ن ث أ"، رفع الثقل، العبء.
آ 40- بعد آ 40، وضع اليونانيّ آ 7- 8. في هذا الموضع تُقابلان دمارَ الشعب (الهائل والمتواصل) حين تتكلّمان عن عودة الشعب إلى أرضه.
ب- التفسير
آ 23- ليس الربّ إلهًا نحصره في زمان وفي مكان. هو إله كلّ الأزمنة كلّ الأمكنة. نستطيع أن نقرأ "أنا إله عن قرب ولست إلهًا عن بعد". شدّدت الأراميّة (مع قحمي) على الوجهة الزمنيّة فقالت: "أ أكون إله زمن ولا أكون إله كلّ زمن"؟ رج تث 17:32.
آ 24- من يختبئ من وجه الله (مز 7:139- 12) الذي يملأ السماء والأرض؟ رج حك 1: 7.
آ 25- ويبدأ هجوم الله على "الأنبياء المتنبّئين باسمي زورًا". هذه أفضل طريقة لكي يجعلوا شعبي ينسى اسمي. هكذا فعل آباؤهم: تعلّقوا بالبعل فنسوا اسم الربّ. والأنبياء تعلّقوا بالزور (أي البعل) فجعلوا الشعب ينسى اسم الله.
آ 28- من جهة، هناك حلم يُروى، ومن جهة ثانية، هناك كلمة حقيقيّة من عند الله. هناك التبن وهناك الحنطة. ألا نعرف أن نميّز؟
آ 29- كلمة الربّ كالنار. رج 5: 14؛ 15: 14؛ 20: 9. كلمة الربّ كالمطرقة. فمن يقف في وجهها.
آ 30- ويعلن الربّ خصومته لهؤلاء الأنبياء: لم أرسلهم. لم آمرهم. لا فائدة منهم.
آ 33- تدور آ 33- 40 حول كلمة "م ث ا" التي تعني القول النبويّ (الذي يعلن دمار الأعداء وخلاص إسرائيل، رج أش 13: 1) وتعني "الوقر، الثقل، العبء". منع الربّ الخصوم من استعمال هذه اللفظة، وإلاّ صاروا "ثقلاً" على الله، فتخلّص منهم سريعًا. "ما هو "م ث ا" الربّ"؟ وحي الربّ؟ عبء الربّ؟ النبيّ صار بوحيه (بقوله النبويّ) عبء الله على الشعب الذي لا يريد أن يسمع. أجل، كلمة الله عبء لمن لا يربد أن يسمعها. وهكذا يصبح الشعب عبئًا على نفسه.
آ 35- بما أن الأنبياء قد شوّهوا كلام الله الحيّ، صار وحيُه عبثًا عليهم.
آ 39- نجد هنا تلاعبًا على كلمة "ن ث أ" (عبء، ثقل). الربّ يحملهم كما يُحمل الثقل (الشيء الثقيل) ويرميهم من أمام وجهه.
ج- دراسة عامّة
نجد في آ 23- 34 ثلاثة أقوال إلهيّة: (1) أ أنا إله عن قرب، لا عن بعد؟ (2) أيختبئ إنسان؟ (3) أما أملأ السماء والأرض؟ وفي كل مرّة نجد: "قال الربّ". الله هو القريب وهو البعيد معًا. هو الإله المتسامي، المتعالي، الذي يرى الجميع ولا يخفي شيء عليه. فكيف يهرب الأنبياء الكذبة من وجهه؟
تنطلق آ 25- 32 من آ 21، وتُواصل هجومَ الله على الأنبياء. أمّا موضوع هذه الوحدة فهو إعلان الأنبياء أنّهم حلموا حلمًا. ويُعلَن هذا الحلمُ باسم الله فيُضلّ الشعب. وما يقابل الحلم هو كلمة الله. هذان الشكلان من الوحي الإلهيّ (الحلم والكلمة) يتميّزان بصعوبة في عدد من الحالات.
والوحدة الأخيرة في هذه المجموعة (آ 33- 40) تصيب الأنبياء أيضًا وهي تنتهي بكلمة دينونة على الشعب الذي لا يميّز النبيّ الحقيقيّ من النبيّ الكاذب. يبدو المتكلّم أنّه يهوه في آ 33، ولكننا لا نتعرّف إلى الشخص الذي يتكلّم. إذ كان إرميا هو الذي يوجّه هذا الكلام، فهو شخص في المجتمع يسأله الأفراد والمسؤولون (21: 1- 2؛ 1:42- 6). يبقى عليه أن يحمل الوحي كعبء الله ويضعه "على أكتاف الشعب"، كالنير الذي يتحدّث عنه يسوع في الإنجيل. فإن قبلوا بهذا النير صار خفيفًا، ولم يعد الوحي عبئًا على الناس. أمّا إذا رفضوا أقوال الله، فستصبح هذه الأقوال عبثًا، بل هم يصبحون عبثًا على الله فيقذفهم من أمام وجهه

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM