الفصل السادس عشر: الخزّاف والطين

الفصل السادس عشر
الخزّاف والطين
18: 1- 23

طلب الربّ من النبيّ أن يمضي إلى الخزّاف (آ 1). ثم كشف له الأمورالتي لاحظها (آ 5). لا مبادرة إطلاقاً من قبل النبيّ الذي لا يكتشف شيئًا بعقله البشريّ. ماذا كشف له الربّ؟ الخزّاف حرّفي طينه. يصنع إناء يستطيع أن يدمّره ويصنع إناء غيره. هكذا يستطيع الربّ أن يفعل بالشعوب والأمم. وتفسّر آ 7- 12 الرمزَ في معنى يختلف بعض الشيء، وقد تكون هذه الآيات أضيفت فيما بعد.

1- النبيّ عند الخزّاف (18: 1- 12)
ذهب إرميا بأمر من الربّ إلى الخزاف ورأى. وأفهمه الربّ أنه حرّكما الخزّاف حرفي طينه. فلماذا يتعجّب شعب يهوذا من موقف الله؟
أ- قراءة النصّ
آ 3- كت: وهـ ن هـ و. قر: وهـ ن هـ. هـ و ا: فإذا هو. ويتوافق اليوناني مع قر في الماسوري: على الحجرين (على الرحوين، على الدولاب). يحرَّك حجر باليد أو بالرِجل، والثاني يكون ثابتاً. رج سي 38: 29- 30.
آ 4- "ب. ح م ر" بالطين (الأحمر). هناك مخطوطات تقرأ: ك. ح م ر. كالطين. لا نجد في اليونانية بالطين أو كالطين. في الماسوري: في يد الخزّاف. في اليوناني: في يده. هناك من يقرأ: كالطين في الخزّاف، آ 7.
آ 6- "يقول الربّ". عبارة غائبة في اليونانية (نحن نقرأها في آ 5). ولكن اعتاد الماسوري أن يوردها ليدلّ على أن هذا الكلام هو كلام الله.
آ 7- "رج ع"، في أي وقت. رج "ب رج ع" في آ 9. هناك فمن قال: في وقت... في وقت آخر تارة... طوراً.
آ 8- "الذي من أجله تكلّمت عليها". غير موجود في اليونانيّة. هناك من يربط هذه العبارة بالأمّة لا بالشر أو: "عليها تكلّمت"، اتخذت قراراً.
آ 10- هـ. ر ع هـ (كت). قر: هـ ر ع: الشرّ. كت كما في آ 8 ويتوازى مع "هـ. ط و ب هـ " (الخير) في آ 10.
آ 11- لا نجد في اليونانية "قائلاً: هكذا قال الربّ ". نقرأ في الماسوري: ها أنا أصوّر عليكم شراً. هناك من قرأ: أنا الخزّاف. وأنا أهيَّئ لكم شراً. هكذا يبقى التقابل حاضراً بين الربّ والخزاف. ولكن تبقى الترجمة ثقيلة.
آ 12- ويقولون (وأ م رو). رج13: 12. في اليونانية: وقالوا (وي ام رو). الماسوري: ن هـ ا ش: لا فائدة.
ب- تفسير
آ 1- الكلمة. قد أرسلها الربّ رسولاً إلى إرميا. هي كلمة الربّ لا كلمة البشر ولها المبادرة دوماً في حياة النبيّ.
آ 2- قُم وانزلْ. أي انزل حالاً. نحن هنا أمام فعلة رمزية يقوم بها النبيّ بناء على طلب الربّ.
آ 4- لم يكن الاناء صالحاً في نظر الفخاريّ. فصنع إناء آخر على حسب إرادته. هو حرّ تماماً.
آ 5- ولما شاهد إرميا كل هذا، جاءت إليه كلمة الربّ تُلقي ضوءاً على وضع يعيشه النبي وشعبه.
آ 6- وطبّق الربّ ما فعله الخزّاف على ما فعله الربّ بشعبه حين رذله. الخزّاف حر والربّ، أليس حراً؟ رجٍ أش 7:64؛ أي 8:10- 9.
آ 7- اتخذ الربّ قراره بأن يقلع (1: 10). ولكنه قد يتراجع على مثال الخزّاف. لماذا لا نريد أن يكون الربّ حراً في تصرّفاته. هذا لا يعني أن تصرّفاته اعتباطيّة، بل يعني أننا لا نفهمها.
آ 8- عادت الأمّة عن الشرّ والخطيئة، فعاد الربّ عن الشرّ والدمار. قال النبي (زك 1: 4): إرجعوا إليّ فأرجع إليكم. رج 3:26.
آ 9- اتّخذ الربّ قراره بأن يبني. ولكنه يتراجع حين يرى الشرّ (تك 6: 6- 7).
آ 11- بعد صورة الخزّاف، كانت صورة الله وتصرّفه بشكل عام. وهنا في 11، نصل إلى رجال يهوذا وسكّان أورشليم: الشرّ حاضر، وأنتم تعيشونه. فعودوا عن سلوككم الرديء (25: 5 ؛ 13:26؛ 35: 15؛ زك 1: 4).
آ 12- ماذا كان جوابهم للرب؟ لا تُتعب نفسك. نحن كذلك ونبقى كذلك.
ج- دراسة عامّة
نميّز في آ 1- 12 ثلاث قطع: آ 1- 6، 7- 10، 11- 12. تحدّد المقدّمة التدوينيّة قراءة ما يلي على أنه قول إلهي (رج 7: 1؛ 11: 1)، وترينا إرميا المتكلّم، كما في 17: 19؛ 19: 1- 2؛ 23: 1. تُعطى تعليمات لإرميا ليمضي ويفعل. عليه أن ينزل (ي رد، 22: 1، ربّما من الهيكل) إلى بيت الخزّاف، وهناك سيسمع كلام الله. الخبر هنا يختلف بعض الشيء عن تعابير تتحدّث عن تقبّل كلام الله، وفيها لا يذهب إرميا ليتكلّم، بل لينتظر (يُعطى الأمر بالكلام في آ 11). أطاع النبيّ الأمر المعطى له (في أخبار من هذا النوع، قد لا يقال دوماً إن الشخص أطاع)، فمضى ورأى الخزّاف يعمل. وهناك سيعلّمه الربّ: هو يقدر أن يفعل بأمّة أو مملكة ما صنع هذا الخزّاف. وهكذا صار نشاط الفخاريّ استعارة تتحدّث عمّا يقدر الله أن يفعله. وهي استعارة تحمل الكثير من التفاؤل من أجل المستقبل، هذا إذا أراد الشعب أن يسمع.
وحين "نُضر" الكتاب، أدرجت آ 7- 10، فأعطت فهماً مختلفاً للقطعة كلها. تحدّثت الآيات عن موقف الله في عبارات اشتراعيّة. فنقلت صورة الفخاري بما فيها من إيجابيّة، وشدّدت على الخزّاف الذي يستطيع أن يختار ما يقدّم له. في آ 6، بيت اسرائيل هو الطين. ولكن في آ 7- 10 كل أمّة أو مملكة قد تكون الطين. قد تكون ارادةُ الله تدمير هذه الأمة. ولكنه قد يتراجع. تبدّل الطينُ، فتبدّل الخزّاف. والعكس هو صحيح. قد يريد الله بناء الأمّة. ولكنها تفعل الشر.
نحن هنا أمام كلام نظريّ لا نجده سوى في سفر يونان. وقد ألّف انطلاقاً من "قلع، هدم، أهلك، بنى، غرس" (1: 10؛ 12: 14- 17؛ 6:24 ؛ 28:31، 38- 40 ؛ 42: 10). في وقت متأخّر طُبِّق هذا على كل أمّة. وإن 18: 7- 10 تعود إلى هذه الفترة التي فيها اعتُبر إرميا نبيّ الأمم. إن موضوع العودة إلى الربّ (ش و ب) هو موضوع اشتراعي توسّعت فيه التوراة، بعد سقوط أورشليم. فبعد هذه الكارثة الكبرى، لم يبقَ سوى تحنّن الربّ على الأمّة والسماح لها بالعودة إليه (تث 4: 29- 31؛ 30: 1- 10؛ 1 مل 8: 46- 53). وظهرت هذه الامكانيّة في التقليد الإرميائيّ، في خطب اشتراعيّة تدعو الشعب إلى تبديل حياته لتجنّب دمار آخر، وليُسمح له بأن يبقى في الأرض (3:7 – 7؛ 11: 2- 5؛ 18: 11؛ 26: 2- 6؛ 36: 2- 3). واستُعملت استعارة الخزّاف في آ 11، في درجة ثالثة (ارتبطت بما في آ 6 عبر آ 7- 10)، فطُبّقت على شعب يهوذا وسكّان أورشليم.
في آ 11- 12، استُعيدت زيارة إرميا إلى بيت الخزّاف، وتوجّهت إلى شعب يهوذا وسكّان أورشليم (رج 4: 4؛ 11: 2، 9 ؛ 17: 25). إلى الشعب، لا إلى أمّة أو مملكة غير محدّدة، يتوجّه هذا الكلام. فماذا يفعل والربّ مستعدّ لأن يبدّل مخطّطه؟ هل يتبدّل شعب يهوذا أو يفعل الربّ الشرّ الذي قرّره؟
سقطت أورشليم سنة 587. فكان لا بدّ من شرح. هذا ما نجده في آ 12. رفض الشعب العودة. رفض أن يبدّل طرقه. وهذا الرفض يشرح لماذا حصل ما حصل للمدينة التي صارت كالطين الذي لم يتجاوب مع الخزّاف، ويقول إن الله يقدر أن يعود عن مخطّطه حين يرجع الشعب عن شرّه.

2- فظاعة عمل بني اسرائيل (13:18- 23)
وقابل الكتاب شعب يهوذا بسائر الشعوب. شعبُ يهوذا عمل شراً فظيعاً. ولما هدّدهم الربّ، أرادوا أن يسكتوه من خلال نبثه: "لا نصغي إلى كلمة من كلماته".

أ- قراءة النصّ
آ 13- "مثل هؤلاء" (في العربيّة: مثل هذه). صيغة الجمع (ك. ا ل هـ). وهناك من وضع المفرد: مثل هذا. في أش 66: 8 نجد المفرد (ك. زوت) والجمع (ك. ا ل هـ).
آ 14- الماسوري: هل يرك (ع ز ب) ثلجُ لبنان أرض البرية؟ بهس قرأت: ع ب ر: عبر (من صخر لبنان) وقالت "ث ي ري ن" (اسم جبل حرمون، تث 3: 9؛ مز 29: 6). هناك من قال: الثلج الأبيض عائداً إلى معنى "ل ب ن" الأصليّ. في اليونانيّة: هل يخلو الصخر من النتوءات ولبنان من الثلج (أو: أهل يتأخّر التيّار الخصب عن الجريان من الصخر، هل يخلو لبنان من الثلج)؟ هل تقاوم المياه التي تدفعها الريح دفعاً؟ في الأراميّة: لا يمكن أن تتوقّف مياه الثلج الجارية على حقول لبنان. هكذا لا بتوقّف المطر الذي يسقط ولا الماء الذي يتفجّر من النبع. والتفاسير اليهوديّة: هل يتركون ما يجري من ثلوج لبنان ويخرج من الصخور في البرية؟ أيرذلون المياه الآتية من بعيد فتصل إليهم باردة؟
آ 15- يذبحون للباطل (ل. ش و ا، للسوء). أي للأصنام. رج مز 7:31، يون 2: 9. "و ي ك ش ل و م" (تعثّروا. في طرقهم). في اليونانية: ضعفوا، أخطأوا. بهس: جعلتهم يعثرون. "ش ب ي ل ي "، سبل الحياة. أقحمت بهس "ت هـ و" (فارغ، خالي) بعد "ن ث ي ب وت " (طرق).
آ 16- "ش روق ت " (كت). قر: "ش ري ق ت "، الصغير. رج 19: 8.
آ 17- أراهم. في الترجمات: أريهم. "ظهري لا وجهي". أي لا ألتفت إليهم ولا أرضى عنهم. وهذا يكون لدمارهم.
آ 18- "فقالوا". رج آ 12. هي لفظة تدوينيّة. الماسوري: باللسان. بهس: بلسانه. أي سيقتلونه بلسانه. يزلّ بلسانه فيحكون عليه. في اليونانيّة غابت النافية فصار النص: "تعالوا نتّهمه ونصغي"، فيكون ما يقوله فخاً له.
آ 19- "ي ري ب ي"، خصومي. في اليونانية: دعواي (مع اليونانيّة توازن شعري. أما الماسوري فيربط آ 19 بما في آ 18).
آ 20- "حفروا هوّة لنفسي". في اليونانية: "تكلّموا كلاماً على نفسي وأخفوا التأديب عني" (ربما: أخفوا كيف سيعاقبونني).
آ 21- رج 2:15.
آ 22- كت: ش ي ح هـ. قر: ش و ح هـ: حفرة، هوّة كما في آ 20. في اليوناني: مؤامرة (رج مز 69: 13).
آ 23- "أ ل. ت م ح ي" (لا تُمح). تُلغى الياء في العبرية لأنه خطأ في النسخ. رج 3: 6 ب (ت زن ي). قرأت بهس: ت م ح كما في نح 13: 14 (لا تنسى). "وهـ ي و" (كت). قر: و ي هـ ي و: أجعلهم (يعثرون). في اليونانيّة: ضعفهم. بهس: عثارهم (م ك ش ل ي م).
ب- تفسير
آ 13- عادة يستشهد الربّ السماء والأرض. أما هنا فيستشهد الأمم وذلك لخزي شعب يهوذا. "عذراء (ب ت ول ت) اسرائيل". يجب أن تكون للربّ، لا لأحد غيره. ولكنها تركت الربّ وسارت وراء آلهة أخرى.
آ 14- نقرأ فعل "ع ز ب" ترك. مع "الماء". هل يخلو جبل لبنان من المياه الباردة؟ أو هل تُترك المياهُ الباردة الجارية من جبل لبنان، وتؤخذ المياه الآسنة التي لا تأتي من بعيد؟
آ 15- وهذا في الواقع ما فعله الشعب. في إر، نسمع الربّ يشتكي دوماً فيدلّ على ألمه، لأن شعبه تركه، كما تترك العروس زوجها.
آ 16- وجاء العقاب قاسياً: تشتّتوا في كل مكان علّهم يفهمون أن الربّ غير راض عنهم. في 2: 27، أدار الشعب للرب ظهورهم لا وجوههم، أي ارتدّوا عنه وخانوه (رج 33:32). والآن هو يدير ظهره، لا وجهه، ليدلّ على عدم رضاه عنهم (آ 7 1).
آ 18- نحن هنا أمام قطعة جديدة من "اعترافات". إرميا. هم يتآمرون عليه لكي يزيلوه. نحن نمتلك بالكهنة والحكماء والأنبياء (ثلاث وظائف)، الوسيلةَ التي بها نعرف في كل وقت مشيئة الله (رج 8:2؛ مرا 2: 9-10). فلا حاجة إليه وإلى تعليمه. ولكنهم سيعرفون خطأهم.
آ 19- سمع إرميا ما قالوا عنه، فرفع صلاته إلى الربّ.
آ 25- بدأ إرميا فردّ على الشر بالخير.
آ 21- وهنا دعا عليهم بالشرّ: الجوع، السيف...
آ 23- وأنهى النبيّ صلاته طالباً من الربّ أن لا يغفر لهم، أن يعاقبهم عقاباً.
ج- دراسة عامّة
وترد قصيدة (آ 13- 17) فتقطع التواصل بين آ 12 وآ 18، ولكنها قد تلعب وظيفة الجواب الإلهي على ما قاله الشعب في آ 12. فالمقدّمة التدوينيّة (لهذا، هكذا قال الربّ) تسير في خط قراءة تجعل رباطاً بين آ 12 وآ 13. أما البراهين في هذه القطعة فتشبه 2: 10- 13 على مستوى الصور وعلى مستوى اللاهوت الذي يحاول أن يبرّر دمار الشعب. العذراء صفة تجسّد أمّة اسرائيل (رج 31: 4، 21 ؛ عا 5: 2) أو الشعب (14، 7) أو مصر (46: 11) أو بابل (أش 47: 1). لقد تصرّف اسرائيل تصرفاً فظيعاً، تصرّفاً يبعث على القرف (5: 30؛ 23: 14؛ 17:29). عمله "فريد" بين الأمم ويعارض طبيعة الأمور.
ما نسيَت الجبالُ والسواقي الله، أمّا اسرائيل فنسي الربّ وتبع آلهة أخرى (قدّم ذبائحه للباطل). الثلج والماء يتبعان مسيرتهما العادية، أما شعب اسرائيل فلم بفعل، فعثُر في طرق قديمة. في هذا الاتهام كثير من السخرية (رج 16:6 حيث شُجّع الشعب على مثل هذه الطرق). هناك معادلة بين عبادة الأصنام واجتياح البلاد. فعلى الشعب أن يأخذ العبرة، ولاسيمّا حين يرى ردّة الفعل عند المارين من الأمم الوثنيّة. نسي الشعب الربّ، فأدار له ظهره في وقت شدّتهم، ولم يصل صراخهم إلى أمام وجهه.
ووضع "الناشر" قولاً نثرياً كدرجة ثالثة في مؤامرة خصوم إرميا. في آ 11، يتهيّأ الشرّ على الشعب. في آ 12، اعتبر الشعب أن له مخطّطه الذي لا يبدّله. وفي آ 18، ها هو الشعب يخطّط على إرميا. وما يخطّطه هو نتيجة عبادته للأوثان.
ونجد نفوسنا في آ 19- 23 أمام تشكٍ فردفي ضدّ مقاوميّ النبي، فيه يطلب النبي الانتقام من أعدائه ومن عائلاتهم. هو في خطّ 15: 15- 18؛ 20: 7- 12. وهو يمزج عناصر تتحدّث عن براءة المتكلّم وعن شرّ المضطهدين. هذان العنصران يشكّلان أساس نداء النبيّ إلى الله لكي يبرّر ساحته. أما احتجاج "المتكلّم" فهو تأكيد بأنه تصرّف معهم للخير (آ 20). حاول أن يحميهم من غضب الله، ولكنهم ردّوا عليه الشرّ تجاه الخير. أما جواب الله على هذا الاضطهاد، فهو دعوة إلى الربّ كي يعاقبهم أقسى عقاب: يموت رجالهم في الحرب أو بالوباء. تصبح النساء أرامل وثكالى. يموت الشبّان بالسيف على يد الغزاة.
د- خلاصة
كانت زيارة إرميا إلى الخزّاف نقطة انطلاق لتفكير حول حريّة الله في عمله تجاه شعبه. فقد انتقل النبيّ من عمل الخزاف إلى عمل النبيّ وأعلن أن الله يقدر أن يفعل تجاه شعبه بالحريّة التي يتصرّف بها الخزّاف تجاه طينه.
انحصر الخبر القديم في آ 1- 6، ثم تطّب تطبيقاً ملموساً. فلا يكفي القول إن الله يستطيع أن يتصرّف بحريّة تامّة تجاه شعبه. إذن، ما هو الوضع الذي يشير إليه النبي؟ ومن هم سامعو كلمته. هذا يعني أن آ 1- 6 يجب أن تتواصل في آ 11 أ حيث يُؤمر النبيّ بأن يكلّم رجال يهوذا وسكّان أورشليم. هاجم إرميا باصم الربّ أولئك الذين يرفضون أن يسمعوا الكلمة ويرتدّوا، أولئك الذين يشكّون في أن الله يستطيع أن يحقّق ما يعلنه النبيّ من شقاء (لا يسمح له قلبه). فالله حرّفي أن يفعل كما الخزّاف بطينه.
وجاءت آ 7- 10 بشكل تفسير كتبه تلميذ من تلاميذ النبيّ لا يهمّه مصير يهوذا الذي صار إلى الأرض، بل مصير الأمم. نلاحظ في هذا التفسير المثنى الأمّة والمملكة، ثم أفعال اقتلع، قلب، فنى، بنى، غرس (رج 1: 15). هذا يعني أن الأمم تخلص إن هي ارتدّت وسمعت لصوت الله (رج 12: 14- 17). وهكذا نصبح في منظور بعد منفاويّ.
أما آ 11 ب- 12 فتعود إلى زمن المنفى. تلاحظ آ 12 بحزن أن الشعب يرفض أن يسمع لصوت الله، وهو رفضٌ يرتبط بالمنفى. لها أعلنه النبيّ قد تحقق بسبب خطيئة الشعب. وهكذا نشهد قراءة متجدّدة للنصّ على ثلاث مراحل: عنصر إرميائي (آ 1- 6، 11 أ). قراءة في زمن المنفى (آ 11 ب- 12). تفسير بعد المنفى يوشح المنظور الأول فيصل به إلى الأمم التي "أرسِل" إليها إرميا (آ 7- 10).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM