الفصل الثاني عشر: تخلّي الله عن شعبه

الفصل الثاني عشر
تخلّي الله عن شعبه
13: 7- 13: 27

تلك هي الخبرة التي يعيشها النبيّ بعد ما حصل لأورشليم والهيكل من دمار، فيعبّر لا عن ألمه وحسب، بل عن ألم الله أيضاً. وكما كانت الأمم في الماضي عبرة ليهوذا ودعوة إلى التوبة، ستُصبح يهوذا اليوم عبرة للأمم. ومن خلال فعلة رمزيّة، سيرينا النبيّ أن الربّ استغنى عن حزامه الذي التصق به، استغنى عن شعبه بعد أن خانه هذا الشعب.

1- ترك الربّ ميراثه (7:12- 17)
نجد هنا مقطعين. في الأول (7:12- 13) يشتكي الربّ ويتألّم حين يرى المدمِّرين يدمِّرون ميراثه (رج هو 8:11- 9). وُضعت هذه القصيدة هنا بعد تشكي إرميا (12: 1 - 6)، لأنها اعتُبرت جواباً على تشكي النبيّ: إن كان الله يتأخر في معاقبة الأشرار، فلأنه يتألّم حين يعاقب البشر هو الاله المحبّ الرحيم، وهو لا يريد موت الخاطئ، بل عودته عن ضلاله ليحيا. وفي المقطع الثاني (آ 14- 17) يقدّم الربّ عقاب شعبه بشكل عبرة للأمم. هذا المقطع يكمّل 10: 25 حول تصرّف الربّ تجاه الأمم، الذي يدلّ على أن عمله في النهاية هوعمل خلاص. رج 17:3؛ 19:16- 21؛ 23:23؛ 26:46؛ أش 16:19-25؛ عا 7:9.
أ- قراءة النصّ
آ 9- "جارح" في اليونانيّة: ليس مغارة ضبع. الصعوبة تأتي من كلمة "ص ب وع ". رج قض 5: 30؛ 1 صم 18:13. بهس تتحدّث عن الصبغة، اللون.
آ 10- "ح ل ق ت ي" (نصييي). بعضهم قال "ن ح ل ت ي" (ميراثي).
آ 11- "ث م هـ. ش م م هـ". تلاعب على الحروف: جعلوه خراباً (صيغة الجمع بدل المفرد).
آ 12- اعتبر بعضهم هذه الآية شعراً. بهس ألغت عبارة "سيف يهوه يأكل" بسبب بعدها الاسكاتولوجيّ.
آ 13- "زرعوا...". صيغة الماضي. في اليونانية: صيغة الأمر. وقرأت اليونانيّة الشطر الأخير: "إخزوا من افتخاركم بسبب توبيخ أمام الربّ".
آ 14- "جيراني". لا نجد الضمير (ي) فنقرأ في اليونانية: الجيران.
آ 16- طرق شعبي (الجمع). في اليونانية: طريق شعبي (المفرد). رج طريق الأمم" في 10: 2.
آ 17- "فإن أرادوا أن لا يسمعوا". صارت في اليونانية: إن أرادوا أن لا يتوبوا. هناك من قرأ النصّ حسب الترتيب التالي: آ 16، 17، 14، 15.
ب- التفسير
آ 7- الله يتكلّم، فيعبّر عن ألمه لما حصل لمدينته. تركتُ بيتي (هو 8: 1؛ زك 8:9). وذكر "الحبيبة" (ي د د و ت) التي سلّمها إلى الأعداء، إلى البابليين.
آ 8- صورتان عن يهوذا: هو أسد يصرخ، يحتجّ على الربّ. هو طير جارح (آ 9) تجمّعت عليه الجوارح.
آ 10- الرعاة هم الرؤساء. أترى يقول النبيّ إن رؤساء الشعب أضروّا بكرمة الربّ قبل أن يصل المهاجمون؟ في أي حال، الخراب في كل مكان وليس من يهتمّ (آ 11). فالملك ذهب إلى المنفى أو قُتل، وكذلك القوّاد.
آ 12- جاء المهاجمون في طريق البرية (أش 25:42؛ 57: 1). هم يعملون لحساب الربّ (46: 10؛ أش 34: 5)، وهو الذي أرسلهم.
آ 13- حلّت اللعنة بالبشر فأضاعوا السلام. بل حلّت في الأرض التي لا تعطي حنطة، بل شوكاً كما بعد خطيئة آدم وقايين (تك 18:3؛ 12:4).
آ 14- العقاب هنا عقابان. عقاب ضد الأمم. فنصيبها لا يختلف عن نصيب يهوذا. هذا ما حدث للأدوميين والموآببين... خلال الاجتياح البابليّ. وعقاب ضدّ بني يهوذا الذين هربوا إلى الأمم المجاورة: من هناك سيُقتلعون.
آ 15- ولكن للرحمة دورها مع الأمم كما مع يهوذا وأورشليم. "أ ش و ب" (أعود، أرجع). "و ر ح م ت ي م" (وأرحمهم). "و هـ ش ب و ت ي م" (أعيدهم). الربّ هو الذي يعود أولاً. يبقى على الأمم أن تعود إليه. فإن عادت إلى الربّ، عادت إلى أرضها.
آ 16- ويضع الربّ أمام الأمم، كما وضع أمام شعبه، الموت والحياة، الشقاء والسعادة. وهي تختار. في الماضي علّمت هذه الأمم بني يهوذا عبادة البعل فدُمّرت. فإن هي تعلّمت طرق شعب الله تُبنى، وإلاّ تُقتلع اقتلاعاً (آ 17).
ج- دراسة عامة
في هذه القصيدة (12: 7- 13) نجد جواباً على دمار الهيكل والشعب والأرض. إنها ترتبط بسنة 587 (وإن فضّل بعضهم سنة 597). الله هو الذي يتكلّم هنا. ويعلن ماذا سوف يعمل. وجاءت صور مختلفة تصوّر الكارثة التي حلّت بالأمّة. لقد صارت الأرض فريسة الوحوش. ومع ذلك، فلا أحد يهتمّ، بعد أن "أهمل" الربّ ميراثه. إن آ 13 تتحدّث عن زراعة الحنطة. ولكن الجنود يدوسون الأرض فلا يبقى فيها سوى الشوك.
بعد هذا الشعر، يرد مقطع نثر في (12: 14- 17) حول الميراث الخرب، مع اعتبارات تقدّم لجيران "بيتي"، لجيراني الأشرار. قد لا يعود هذا النصّ إلى إرميا، بل إلى الحلقات الإرميائيّة. هؤلاء الجيران ليسوا الأشوريين ولا البابليين. فقد علّموا الشعب عبادة البعل، وهم يُذكرون في 26:9، وفي ف 48- 49.
يتوسّع الحديث فيصل إلى "كل " أمّة. لا إلى أمّة معيّنة. إذا تجاوبت أمّة مع إرادة الله، كانت لها الحياة وعادت إلى أرضها. وإلا اقتُلعت وبادت. فكل أمّة عرفت الشقاء بسبب هجوم البابليين، سيُعاد بناؤها (46: 26؛ 47:48؛ 6:49). يكفي أن تقول حيّ الربّ لكي تكون لها الحياة.

2- حزام الكتان (13: 1- 14)
هذه الفعلة الرمزيّة هي مثَل (يقدّمه النبيّ بشكل تمثيلية صامتة) يدلّ على تطوّر العلاقات بين الربّ وشعبه. بدأ الربّ فاقتنى حزاماً ولصقه بحقويه (آ 11). ثم تخلّص من هذا الحزام بسبب خطيئة الشعب. في مرحلة ثالثة، فسُد هذا الحزام بعقاب إلهيّ (آ 9)، ونتيجة ابتعاده عن جسم صاحبه. "بعد أيام كثيرة" رأى الناس ما حصل للحزام فدُهشوا. مثل هذه الفعلة تفتح طريقاً إلى المستقبل بالنسبة إلى الذي قام بها، وبالنسبة إلى الذين شاهدوها. هنا نفهم ردّة فعل فشحور في 2:20 (ضرب فشحور إرميا النبيّ وجعله في المقطرة): كانت فعلة إرميا خطيرة جداً. رج ف 27- 28؛ ف 32 ؛ 8:43- 13؛ 51: 59- 64.
أ- قراءة النصّ
آ 1- رج 19:17؛ ق 15: 1.
آ 3- "ش ن ي ت" (مرة ثانية، رج 1:13، 33). هذا ما لا نجده في اليونانيّة.
آ 4- الماسوري: الفرات. اليوناني: الفارة.
آ 9- "أفسد". بهس: تُفسَد (المجهول)، كما في آ 7 ب.
آ 10- "مضوا على إصرار قلوبهم". لا نجد هذه العبارة في اليونانيّة.
آ 11- "جميع آل اسرائيل" أضيفت على الاصل "آل يهوذا". غير أن هذه العبارة واردة في النص اليونانيّ.
آ 12- "وتقول لهذا الشعب" (اليوناني أطول من العبري: تقول لهم). ثم: "ويكون إن قالوا لك". في العبرية: "وإن قالوا".
آ 13- نقرأ في اليونانيّة "يهوذا" قبل "جميع سكّان أورشليم"
ب- التفسير
آ 1- حزام (أو منطقة). لا تضعه في الماء. فالعرق المتصبّب من جسم الانسان يكفي لكي يفسده.
آ 2- وفعلَ النبيّ ما أمره الربّ.
آ 3- كلمة الربّ. تشخّص الكلمةُ هنا فتصبح مرادفة لله. قال الله (آ 1). وهنا توجّهت كلمة الله (رج 6: 21؛ 7: 19). نلاحظ في مثل هذه العبارات، أننا نكون مرّة أمام لقاء النبيّ مع كلمة الله الحيّة (1: 4؛ 13:11)، والنبيّ نفسه يخبرنا بها. ومرّة أخرى نكون أمام كلام "ناشر" الكتاب الذي يكلّمنا عن حدث في حياة النبيّ.
آ 4- "الفرات". أو بالأحرى: وادي الفارة الذي يبعد بضعة كلم إلى الشمال من عناتوت. يبعد الفرات 600 كلم عن أورشليم. ولكن نستطيع أن نقرأ في الفرات رمزاً إلى محنة المنفى التي عاشها هناك بنو يهوذا فصاروا كمنطقة فاسدة.
آ 5- وفعل إرميا ما أمره الربّ. يروي النبيّ (أو أحد تلاميذه) ما حدث للمنطقة.
آ 9- هنا يستخلص الله العبرة ممّا حدث لهذا الحزام. صار الشعب مثل هذا الحزام: فسُد فلم يعد يصلح لشيء.
آ 11- يرتبط الموضوع كله بفعل "التصق" (تعلّق). يرتبط تعلّق الربّ بشعبه، بتعلّق الشعب بربّه. فكل الفرائض تجد ينبوعها في هذا التعلّق وهذا الالتصاق بالرب (أي لا نبتعد عنه ونسير وراء آلهة أخرى). بمَ يقوم هذا التعلّق؟ هو خوف الربّ وخدمته. ومحبّته، وسماع كلمته، وحفظ وصاياه، والسير وراءه في طريقه (تث 10: 20؛ 22:11 ؛ 13: 5؛ 30: 20). فالذين يتعلّقون بالرب يمتلكون الأرض (تث 11: 22- 25)، وينجحون (2 مل 6:18- 7)، ويحيون (خدّام البعل يفنون، تث 3:4- 4 ؛ 20:30).
آ 12- وكانت صورة ثانية (بعد صورة الحزام): الدنّ (أو: الإبريق) الذي يمتلئ بالخمر "فيسكر". هكذا سيكون وضع سكّان هذه الأرض. يتحطمون كما تتحطم الأباريق (أو: الجرار) المصنوعة من فخّار. كلهم سيسكرون من خمرة غضب الله.
ج- دراسة عامة
ونصل في 13: 1- 11 إلى قطعة نثرية يصبح فيها المتكلّم "ممثلاً على المسرح". الكلمة التي جاءت إليه من الربّ، لم تكن تعليما للشعب، بل أمراً بأن يعمل شيئاً (رج 7: 2؛ 19: 1- 2؛ 22: 1 الذي يمزج الاثنين). عليه أن يذهب ويشري حزاماً من كتان (كان غالي الثمن) ولا يغسله. ففعل ما أُمر به. وكانت كلمة الربّ ثانية. فأطاع. ولعد أيام كثيرة (آ 6) أمرتْه كلمةُ الربّ أن يستعيد الحزام.
ما معنى هذه الفعلة؟ نجد الجواب في آ 9- 11. نحن أمام تفسير اشتراعي يجمع فساد الامّة إلى عبادة الأوثان لدى الشعب. اعتُبرت يهوذا (أو اسرائيل) أنها ملك الروث (تث 18:26- 19). ولكن ارتباطها بآلهة أخرى دمّرها كمُلك للرب وجعلها بدون فائدة له.
ونقرأ في آ 12- 14 وحدة مستقلّة تتألّف من قول مأثور، من مثل: كل دنّ يمتلئ خمراً. وننطلق من فعل "امتلأ" فنصل إلى سكان الأرض الذين امتلأوا من خمرة غضب الله فتحطَموا.
3- اسمعوا قبل فوات الأوان (13: 15- 27)
ويدعو النبي أيضاً شعبه إلى السماع والعمل بوصايا الله. فإن تبعوا الآلهة الكاذبة، خانوا العهد. ولخيانة العهد عقاب. ولكن العقاب هو هنا كتأديب وتحذير. فهل ستفهم صهيون؟
أ- قراءة النصّ
آ 16- في الماسوري: فيحوّله إلى ظلمات (ص ل م و ت). في اليونانيّة: ظل الموت. "ي ش ي ت " (كت). قر: و ش ي ت: جعل.
آ 17- "ب م س ت ر ي م"، في السرّ، في الأماكن المستورة. هناك من قرأ: بإصرار. "نفسي". في اليونانية: نفسكم. "عيني". في اليونانية: عينكم. "ن ش ب هـ"، سُبي، "ببكي بمرارة". عبارة غائبة، من النص اليونانيّ.
آ 18- "قل". في اليونانية (صيغة الجمع): قولوا. "ج ب ورهـ ": الأمم الملكة (لا الملكة التي يمكن أن تكون زوجة الملك). قرأت اليونانية: الامراء (ما يقابل ج ب وري م). هناك شكل خاص للفظة "رؤوسكم" كما في اليونانية. "م ر ا ش و ت ي ك م" (بدل: م راش ك م). هناك من عاد إلى الأوغارينية: ر ش ت (رأس).
آ 19- "سُبيت (أجليت) تماماً" (ش ل و م ي م). في الارامية والسريانية: جلاء كامل (عا 1:6، 9).
آ 20- "ارفع" (كت). قر: ارفعوا (في الجمع) عيونكم. في اليونانية (المفرد): ارفعي عينيك يا أورشليم. وكذا نقول عن "انظروا" (كت مفرد. قر جمع).
آ 21- "افتقد". في اليونانية (الجمع): افتقدوا.
آ 22- كاحلاك: تورية للكلام عن العورة.
آ 24- "أشتّتهم" (ضمير الغائب الجمع). اقترحت بهس: اشتتكم (ضمير الخاطب الجمع).
آ 25- في الماسوري: قِست حصّتك مني. في اليوناني: حصّة عصيانك لي (هذا يعني أنه قرأ: م ر ك، تمرّد).
آ 26- هكذا بانت عورتها كلها، فكان الخزي كاملاً: "رفعتُ أذيال ثوبك على وجهك".
آ 27- وضعت اليونانيّة حرف العطف بين "التلال" و"البرية". في الماسوري: أفلا تطهرين؛ إلى متى بعد؟ بل: لأنك لن تطهري. فتى ستعودين (ش و ب من السريانية)
؟ ب- التفسير
آ 15- دعوة إلى السماع (أش 29: 26). ليس الانسان (إرميا) هو الذي يتكلّم، بل الربّ. لا ترفعوا رؤوسكم (ج ب هـ) بل احنوها للسماع.
آ 16- الربّ الذي فصل النور عن الظلمة، يستطيع أن يحوّل النور إلى ظلمة. (2: 6؛ أي 3: 5). يأتي العدو، يدمّر. لن يبقى بيت فيه مصباح (أش 5: 30؛ 8: 22؛ عا 9:8).
آ 17- وبعد اجتياح الأرض، يُؤخذ الناس إلى السبي. ويعود النبي إلى البكاء (14: 17 ؛ 36:48). هذا "القطيع" هو في النهاية "قطيع الربّ". أترى تخفى الله عنه؟
آ 18- ما أرادوا أن يسمعوا. فها هو العقاب. وهو يبدأ مع الملك يوياكين وأمّه (3:1). لعبت الأم هنا دوراً كبيراً، لأن ابنها كان بعدُ صغيراً (1 مل 2: 19). كانا جالسين على العرش فجلسا على الأرض، ونُزع التاج (مز 89: 40؛ مرا 16:5).
آ 19- وصلت الجيوش إلى النقب، إلى جنوب البلاد. لم يبق هناك إنسان يفتح المدينة ويغلقها. كلهم راحوا إلى السبي.
آ 20- يتحدّث النبي إلى أورشليم وكأنها شخص حيّ. وتعود صورة القطع والغنم.
آ 21- حقاً انقلبت الاحوال. والصَديق صار عدواً.
آ 22- وتحسب أورشليم أن ما يحصل لها هو من فعل البشر لا شكّ. ولكن النبيّ يشدّد بالاحرى على إثم المدينة الذي جعلها عاراً، الذي كشف عورتها بين الأمم.
آ 23- ويبدو النبيّ شبه يائس. لا تقدر أورشليم أن تبدّل حياتها. ويعطي صورتين: صاحب الجلد الأسود لا يمكن أن يبدّل جلده إلى أبيض. والنمر لا يمكن أن يزيل رقطه.
آ 25- الكلمة الأساسيّة في إر: ش ق ر: الكذب، الزور، الباطل. البعل باطل، ذب (5: 31؛ 10: 14؛ 16: 19)، وكذلك عبادته (3: 23). وشعائر العبادة في الهيكل باطلة (7: 4، 8). لهذا يندّد بها النبيّ. والحلَف الذي يُعلن الأمانة لله هو كاذب أيضاً (3: 10)، هذا عدا عن الحلف بالزور في الحياة الاجتماعيّة (7: 9؛ 9: 1؛ 37: 14؛ 40: 16). ونقول الشيء عينه عن تشويه كلمة الله (8:8)، عن الكذب في سلوك الكهنة والأنبياء (6: 13 ؛ 8: 10؛ 23: 14) الذين يتنبّأون باسم الكذب (أي بعل، 5: 31؛ 20: 6)، أو يتنبّأون كذباً باسم الربّ، أو يعلنون أشياء كاذبة من رؤى وأحلام (14: 14؛ 23: 25- 26، 32؛ 27: 10، 14- 15؛ 29: 9، 21، 23). وفي النهاية، يُعطون الشعبَ تطمينات كاذبة (28: 15؛ 29: 31).
آ 26- في آ 22، رفع البشر أذيال أورشليم فبانت عورتها. أما الآن، فالله هو الذي يفعل.
آ 27- أرادت أن تزني مع الأصنام الكاذبة... زنى على المشارف أي عبادة أوثان، بغاء مكرّس. فإلى متى سيدوم هذا الوضع؟ كأني بأورشليم لم تتعلّم حتّى بعد العودة من السبي.
ج- دراسة عامة
نجد هنا (آ 15- 17) قصيدة قصيرة تدعو الجماعة للتنبّه إلى كلام الله قبل أن يفوت الأوان. إن لم تكن حياتنا مديحاً لله، فسيتحوّل النور إلى ظلمة. بل إلى ظلّ الموت. المتكلّم يبكي كما يقول النص الماسوري، والجماعة تبكي كما يقول اليوناني. بل هو النبيّ يبكي باسم الجماعة التي ما وعت بعدُ نتيجة خطيئتها. أما السبب الأساسي لذهاب "القطيع " إلى السبي، فهو استكبار الجماعة. سيأتي وقت تنحطّ فيه فتعرف اثمها.
في آ 18، نقرأ رثاء يتجاوب مع حالة الحصار والجلاء. إذا كانت آ 15- 17 آخر تنبيه، فإن آ 18- 19 تمثّلان الهزيمة التي يرمز إليها تخلّي الملك والملكة (الأم) عن التاج. ما هو الظرف الذي قيل فيه هذا الرثاء؟ سنة 597، حين استسلم بوياكين وأمّه نحوشتا (2 مل 8:24- 17). وقد يكون مع يوياقيم وأمه زبودة (أو: زبيدة)، رج 2 مل 36:23. أو سنة 587 (38: 22- 33). لا يعطي هذا الرثاء أي تفصيل محدّد، بل يتكلّم فقط عن الهزيمة واليأس في البلاد. ذاك هو الوضع في إر: يطبَّق النصّ على أكثر من حالة لأن لا شيء خاصاً به. في عقدين من الزمن، عرفت يهوذا ثلاث أزمات بدّلت الملك وقادت الشعب إلى السبي (609، 597، 587). لهذا تنطبق آ 18- 19 على واحدة من هذه الأزمات. يبقى أن الرثاء ينطبق على ضعف المدينة، على ذلّ الهزيمة، وعلى تأثير كل هذا على الشعب.
ونصل إلى آ 20- 27. لا يبدو أننا أمام وحدة. فالشرّاح يعالجون آ 23- 24 على حدة. أما اللهجة فهي التي نراها في الخطب والمواعظ إلى الجماعة. فالشعب (= القطيع) يخضع للمحتلّ، أو هو ذهب إلى المنفى. والسبب: الإثم الكبير. ومع ذلك، تقول آ 23- 24 إن الشعب لا يستطيع أن يتبدّل، أن يعود. لذلك حلّ بالشعب والأرض ما حلّ من دمار.
د- خلاصة
رأينا هنا عملاً رمزياً يقوم به النبيّ، وسوف لْزى غيره من الأفعال الرمزية في 16: 1- 9 ؛ 19: 1-2 ب، 10- 11؛ 27: 1-12؛ 28: 10- 11؛ 8:43-13؛ 51: 59- 64. أما الفن الأدبي للفعلة الرمزيّة هنا فيبدو واضحاً: أمرُ الله (اشترِ حزاماً وضعْه على حقوبك، آ 1). النبيّ ينفّذ أمر الله (آ 2). أمر ثانٍ من قِبَل الربّ (يُخفى الحزام في الصخر، آ 3- 4). النبيّ ينفّذ الأمر أيضاً (آ 5). أمر ثالث من قبل الربّ (يذهب النبيّ ويأخذ الحزام، آ 7). ينفّذ النبيّ ويلاحظ ما حصل للحزام (آ 7). خطبة الله التي تعطي مدلول هذا العمل الرمزي (آ 8- 11).
ما نشهده في هذا العمل الرمزي هو فساد الحزام. كان جديداً حين وضعه النبيّ على خصره. وحين وضعه في الصخر. وأخيراً، لم يعد بنفع لشيء. والخطبة التفسيريّة تدور حول فعل "فسد". لقد أعلن الله للنبيّ الذي رأى كيف فسد الحزام: "كما فسد الحزام أفسد كبرياء يهوذا كبرياء أورشليم العظيمة" (آ 9). ثم نسمع هذا الاعلان: "وهذا الشعب الشرير الذي رفض أن بسمع... يكون كالحزام الذي لا يصلح لشيء" (آ 10). إن آ 10 (في جزء منها) وآ 11 تمثّلان شرحاً وتفسيراً أضافهما الناشر فيما بعد. تحدّد آ 10 حسب اتجاه عام لدى الناشر، الخطايا التي اقترفها الشعب "الشرير"، وهذا ما يبرّر العقاب الذي حلّ بيهوذا. وتقدّم آ 11 مدلولاً آخر للحزام الذي يشدّه (يُلصقه) الإنسان على حقويه. هكذا ربط الله به بيت يهوذا (وبيت اسرائيل) ليكون شعبه واسمه وكرامته ومجده. إذن، فعل الله كل شيء ليقيم علاقة متينة مع الشعب، ولكن الشعب لم يسمع لنداء الله.
لا نجد بعد ذلك في ار فعل "التصق" (د ب ق؛ رج تك 2: 24 والتصاق الرجل بالمرأة) يطبق على الله. هنا نتذكّر نصوص تث التي فيها يُدعى الشعب لكي يلتصق بالله بالأمانة للوصايا (تث 10: 20؛ 11: 22 ؛ 13: 5؛ 30: 20). إن تحديد "بيت يهوذا وبيت اسرائيل" يعود إلى النسخة المنفاوية للكتاب، لأن إرميا تطلعّ إلى مملكة يهوذا خلال مهمّته النبوية (وإن يكن قد بدأ مع مملكة اسرائيل. قي النهاية تجتمع المملكتان). ثم إن نهاية آ 11 تطابق تث 19:26 (رفضوا أن يسمعوا).
إذن، تضمّن 13: 1- 11 منظورين اثنين. تركّز الأول على الحزام الفاسد وعلى إعلان العقاب ليهوذا. والثاني على تخفي الشعب عن الله مع أن الله أراد أن يلتصق بشعبه.
ويُطرح سؤال أخير: أين يضع النبيّ الحزام؟ للوهلة الأولى في الفرات. ولكن إن كنا أمام عمل واقعيّ ومحدَّد، يبدو من الصعب أن يذهب النبيّ مرتين من فلسطين إلى الفرات. لهذا، جُعل في "وادي الفارة" الواقعة جنوبي عناتوت، والتي تبعد بضع ساعات عن أورشليم. ونعرف من يش 23:18 بوجود قرية الفارة في أرض بنيامين. غير أنّ المهمّ هو أن اسم المكان فتح الطريق أمام تلاعب على الألفاظ: عقاب يهوذا يأتي من الشمال، من الفرات، من حيث انطلقت الجيوش فاجتاحت اسرائيل ويهوذا (رج 1: 13- 14).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM