الفصل الحادي عشر: خيانة العهد

الفصل الحادي عشر
خيانة العهد
11: 1- 12 :6

هذا الفصل ولا سيّما آ 1- 14 هو عظة جعلها التقليد الاشتراعي هنا. فإذا قلنا إن دعوة إرميا كانت سنة 626، نربط هذا الكلام بمعطيات من سيرة النبيّ. ففي عهد يوشيا، بدأ الاصلاح الاشتراعيّ، وقد يكون إرميا لعب دوراً في هذا الاصلاح الذي تأسّس على كتاب العهد بعد أن اكتُشف في الهيكل سنة 622. ولكن النبيّ سوف يخيب أملُه بسبب الشعب أولاً الذي لم يدُم ارتداده طويلاً. وسبب موت يوشيا الذي حصل سنة 609، فعادت الأمر إلى نقطة الصفر مع يوياقيم وإحكام السيطرة البابليّة على البلاد. وتبدأ هنا "اعترافات إرميا"

1- إسمع كلمات العهد (11: 1- 14)
العهد اتفاق بين إثنين. ألزم الربُّ نفسه. بادر إلى قطع العهد. وفرض شروطَه. يبقى على يهوذا أن يلتزم هو بدوره، ويتمِّم متطلّبات العهد. وإلاّ جاءه العقاب على ما كان يحدث بين الملوك الكبار والملوك الصغار في هذا الشرق الأوسط.
أ- قراءة النصّ
آ 1- رج 7: 1؛ 14: 1؛ 18: 1؛ 30: 1. عبارة تدلّ على تقبّل النبيّ لكلمة الله التي جاءت إليه.
آ 2- "إسمعوا، كلّموا". في اليونانية: المفرد. من هم الذين يسمعون؟ في المفرد، هو إرميا الذي يسمع ويكلّم.
آ 4- "إسمعوا لصوتي واعملوا بكل". تُحذف "ا و ت م" مع اليونانية والسريانية (كانت الجملة: اعملوه بكل). رج آ 6 (تأثّرت بها آ 4).
آ 6- لا نجد في اليونانية "كل" (هذه الكلمات).
آ 7- لا نجد آ 7 في اليونانيّة.
آ 8- لا نقرأ: في اليونانية من آ 8 سوى "ولم يعملوا". في العبري: نبّهتهم باستمرار، نبّهتهم باكراً، رج 13:7، 25.
آ 9- "ق ش ر" مؤامرة، فتنة (أفضل من تمرّد).
آ 10- في العبرية: هـ م هـ (وهم). في اليونانية: وها هم (ما يقابل: وهـ ن هـ. هـ م هـ).
آ 13- آ 13 أ= 28:2 ب (عدد آلهتك على عدد مدنك). لا نجد في اليونانية: "مذابح للخزي". قد يكون الماسوري اختلافة "مذابح يُقتَّر عليها للبعل". مذابح للخزي أي مذابح للبعل.
آ 14- رج 16:7 الذي يشبه آ 14 مع "ب ع د. ر ع ت م" بسبب ضيقهم.
ب- التفسير
آ 2- إذا أخذنا بصيغة المفرد، يبدو إرميا وكأنه موسى جديد يقطع عهداً مع الله باسم شعبه.
آ 3- وينتهي هذا العهد بتحذير يشبه ما في تث 26:27. ويعود إرميا إلى عبودية مصر و"تنّور الحديد" (تث 4: 20)، أي الوضع الميأوس منه الذي عرفه العبرانيون قبل الخروج. كانت "العبوديّة" في مصر منقّية للشعب قبل خروجه، كالمعدن في الكور. يا ليت هذه المحنة تنقّي اليوم جماعة أورشليم ويهوذا (آ 4). هناك شرطان: سماع الكلمة، العمل بها عندئذ تكونون شعبي وأكون إلهكم. رج 7:24؛ تث 20:4 ؛ 60:7 ؛ حز 14: 11.
آ 5- إذا قام الشعب بالتزاماته، قام الله أيضاً. مشروع الإيمان نداء وجواب. نداء الله يلقى جواب الإنسان. وجواب الإنسان يجسّد نداء الله (تث 11: 8- 9؛ مز 105: 8 - 11). نلاحظ عبارة "أرضاً تدرّ لبناً وعسلاً" التي ترد مراراً في البنتاتوكس. في نهاية آ 5 تأتي قاطعة (كما في هذا اليوم)، فتدلّ على أن الشعب لم يذهب إلى المنفى (وهذا هو المعقول)، أو هو عاد من المنفى وهو يقيم اليوم في الأرض. أجاب إرميا: آمين. وافق النبي باسم الشعب الذي سيقول لموسى: "كل ما تكلّم به الربّ نعمله ونأتمر به " (خر 7:24).
آ 6- وأرسل الربّ النبيّ في مهمّة محدّدة: العهد الذي يسمعونه ويعملون به (23:7- 26).
آ 7- وعاد إلى زمن الخروج والآباء. الآباء تعني شعب الخروج والبرية، كما تعني الآباء المباشرين في أيام الملك منسّى مثلاً.
آ 8- ولكنهم لم يسمعوا (35: 15). هنا نشير إلى أن آ 1- 14 تكوّنت في الاصل من آ 6، نهاية آ 8، آ 9- 12. فلا نجد آ 7- 8 في اليونانيّة. وتكوّنت آ 2- 5 من عبارات اشتراعيّة. وهكذا نكون أمام تدوينين بل ثلاثة تدوينات. الأصل الذي قد يعود إلى إرميا. تدوين ثانٍ نجد أساسه في اليونانية. تدوين ثالث نقرأه في النصّ الماسوريّ. أيكون هذا النصّ انعكاساً لآمال الاصلاح الذي قام به يوشيا، ولخيبات الأمل تجاه هذا الاصلاح؟ في البداية، عاد النبيّ إلى عهد سيناء، وألحّ على معاصريه أن يلتزموا به (آ 2 – 8؛ رج 2 مل 3:23). بعد ذلك (بعد سنة 609 وموت يوشيا)، لاحظ أن الأمور عادت إلى ما كانت عليه في الماضي (آ 9- 14. رج آ 15- 17). وهكذا حفت الخيبة القريبة من اليأس بعد الأمل المشرق، على أثر حُكم دام خمسين سنة فكاد يزيل عبادة يهوه من الشعب.
آ 9- تكلّم الربّ كما يتكلّم ملك كبير خانه تابعه. تكلّم عن فتنة، بل عن مؤامرة.
آ 10- يذكر النصّ هنا الآباء الأولين ثم يذكر الآباء وحدهم. في أي حال، عاد أهل يهوذا واسرائيل إلى عادات أبائهم السيّئة، فعبدوا آلهة أخرى. نستطيع القول إن هناك عهداً واحداً بين الله وشعبه، وكأنه يتجدّد الآن.
آ 11- هل تكون هذه المحنة بداية التجديد على ما كانت عبوديّةُ مصر بدايةَ العهد؟
آ 12- من خلّص الشعب من مصر ومن يخلّص اليوم مدن يهوذا وشعب أورشليم؟ إذن، لماذا يطلبون عون الآلهة؟
آ 13- يتوجّه النبيّ إلى أورشليم موبّخاً (28:2) في عبارة قرأناها في 3: 24. هنا يتقابل في النص الماسوري: الخزي والبعل. أضاف العبري "الخزي".
آ 14- ويكرّر النصّ هنا ما قرأناه في 16:7؛ 14: 11. لا حاجة لتشفعّ بالشعب. فالربّ لا يسمع. هدّد الربّ شعب البريّة (خر 32: 10) ولكن موسى لم يرضَ. أترى إرميا يرضى؟
ج- دراسة عامة
هذه القطعة تقدّم إرميا كارزاً بالعهد. فإذا جعلنا 3: 16 (التي هي آية ثانوية) جانباً، هي المرة الأولى يُذكر فيها العهد في إر، وفي خطّ اشتراعي (7: 1- 3:8). "كلمات هذا العهد" (آ 2، 3، 6 ؛ ق تث 29: 1، 9؛ 2 مل 3:23). "ملعون... آمين" (آ 3، 5؛ رج تث 15:27- 26). "اتون النار" (آ 4؛ ق تث 4: 20 ؛ 1 مل 8: 51). "أرض تدرّ لبناً وعسلاً" (آ 5؛ رج 22:32 ؛ ق تث 3:6؛ 11: 9؛ 9:26، 15؛ 3:27؛ 20:31). "تبع آلهة أخرى" (آ 10 ؛ رج 6:7، 9؛ 10:13؛ 16: 11؛ 6:25؛ 35: 15؛ ق تث 6: 4؛ 8: 19؛ 11: 28؛ 13: 2 ؛ 28: 14). إن تكرار هذه الجمل يدلّ على الطابع الاشتراعي. إن تقديم إرميا كارزاً بالعهد ومتكلّماً عن الشريعة، يجعله قريباً من موسى. "في هذه العظة، يبدو أنّ الكارثة قد حلّت (آ 8، فجلبتُ عليهم...) تنبيهًا للأمّة. وهكذا توجّهت العظة إلى الذين يعيشون بعد دمار المدينة والهيكل، فتحذرهم من نتائج العصيان. إنها تمثّل تأويناً لكلمة الله بلسان النبي، من أجل الجيل البعد المنفاوي.
نستطيع أن نقصم هذه القطعة إلى عدّة وحدات صغيرة: آ 1- 5، 6- 8، 9- 13، ثم آ 14 كإضافة تدوينيّة (هناك من قسم: آ 1- 3 أ، 3 ب- 5، 6- 8، 9- 14). هذا القسمة المثلّثة تتبع ظروف كلام الله. في آ 1: "الكلمة التي كانت". آ 6: "قال لي الربّ". آ 9: "وقادني الربّ". والمواضيع: إعلان شريعة يهوه (آ 3- 7). عصيان اسرائيل (آ 8-10). دينونة يهوه لاسرائيل (آ 11- 17). رج القسمة عينها في 34: 8- 22. هذا التقسيم يتبع التقديم الاشتراعي للتاريخ في إطار كلمة الله، واعلانه لاسرائيل، وتقبّل الكلمة (عادة، لا تُقبل الكلمة فيأتي العقاب). ما تشدّد عليه هذه العظة الاشتراعية في إر، هو تقبّل الكلمة ورفضها لدى يهوذا (3:7؛ 11: 10؛ 23:17؛ 34: 14، 17).
قدّم الشرّاح تحاليل مختلفة لما في 11: 1- 14 مع أنهم أقرّوا بأن هذه العظة هي اشتراعيّة على مستوى اللغة والاسلوب. وطُرح سؤال حول الزمن الذي فيه قيلت. للوهلة الأولى، وبسبب التقارب بين آ 2 و 2 مل 3:23، ترتبط العظة بإصلاح يوشيا. ولكن بما أن العهد نُقض ولعبت المؤامرة لعبتها، اعتبر بعض الشرّاح أن العظة تعود إلى زمن يوياقيم. لن نطرح السؤال: هل هو عهد سيناء أو عهد يوشيا؟ ليس إلاّ عهد واحد هو عهد موسى. وهو يتجدّد في إطار اشتراعيّ، كما في إصلاح يوشيا.

2- يهوذا زيتونة خضراء (15:11- 23)
ويشبَّه شعب يهوذا بزيتونة خضراء جميلة. غير أن هذه الزيتونة ستُقطع. ذاك الذي زرعها هو الذي يقطعها. وهكذا تلتقي هذه الصورة بصورة الكرمة التي نقرأها في أش 5. وسيكون إرميا هذه الزيتونة التي يحاول الشعب أن يقطعها. يتآمر عليها وبالتالي يتآمرون على الربّ. رفض إرميا (كما رفض موسى في الماضي). وإذ رفض هو، رفض الربّ معه.
أ- قراءة النصّ
آ 15- هناك من يرى شعراً في آ 15- 16. نقرأ في الماسوري: "م هـ. ل ي د ي د ي"، ما لحبيبي. قرأت بهس: "ما تعني لي سلّتك". رج 24: 1 ؛ 2 مل 7:10. في الماسورة "ع ث و ت هـ" (عملها). صارت "ع ث ي ت"، صنعتَ، كما في اليونانيّة. في الماسوري: المكايد. في اليونانية: الرجس. في الماسوري: "هـ. رب ي م"، الكثيرون. في اليونانيّة: ينذر (اقتراح: النذراء، ن د ري م). "من عليك بسبب شرك". هناك من يقول: أعمالك الشرّيرة عنك (كما في اليونانية). "حينئذ تفتخر". في اليونانيّة: "هل تهرب من هذه الأشياء". بهس: هل أعلنك طاهرة؟ هناك من يعتبر هذه العبارة حاشية تُلغى. أو يضع آ 16 ب بعد آ 15.
آ 16- "ثمر أنيق". لا نجد هنا "ثمر" في اليونانيّ. بعضهم قال: جميلة الثمر رج 46: 20. "سمّاك الربّ ". غابت كلمة الربّ، فصار النصّ: دُعي اسمك. "صوت عاصفة كبيرة". هي الريح التي تشعل النار في الأشجار. رج صوت الاجنحة في حز 1: 24. "أضرم فيها ناراً" (أي الله). في اليونانية: أُشعلت. قرأت بهس: في أوراقها.
آ 18- "و ي هـ وهـ" (والربّ كما في آ 17). لا وجود للواو في اليونانيّة والسريانيّة. نحن هنا في عبارة تدوينية ترتبط بما في آ 17. في الماسورية: عرّفني (في الماضي) فعرفت (في الماضي). في اليونانية: يعرفني (في الحاضر). بهس: عرفته (أضاف الضمير، الهاء). في الماسوري: أريتني. في اليوناني: رأيت. نقلت بهس 12: 6 إلى نهاية 18:11 كتفسير لما أراه الله للنبيّ. وهناك من نقل 12: 1- 6 (أو: 12: 1- 4) بعد 18:11- 20.
آ 19- "نتلف الشجرة مع خبزه". في اليونانية: "تعال ولنضع الخشب في خبزه ". اقترحت بهس: في ماويتها، في نضرتها. رج تث 7:34؛ حز 21: 3 (هذا ما يقابل الشجرة اليابسة).
آ 20- رج 20: 12 مع بعض الاختلافات. تمتحن الصديق أو تمتحن بالصدق، ناظر أو ممتحن. الكلى والقلوب أي العواطف والأفكار. أدخلت بهس 12: 3 بعد آ 20 أ. في الماسوري: كشفت. بهس: سلّمت. رج مز 22: 8؛ 37: 5. هناك من يعتبر آ 18- 19 نثراً، وآ 20 شعراً.
آ 21- في اليونانية: حياتي (نفسي). وهكذا صار المتكلّم إرميا لا الله. في الماسوري: "و ل ا"، لكي "لا". في اليوناني. "ولكن إن لم" (تفعل).
ب- التفسير
آ 15- يتساءل الربّ: لماذا تقيمُ أمّتُه في بيته مع أنها صنعت الشر (7: 11؛ أش 1: 12)؟ وماذا تنفع النذور ولحوم الذبائح؟ ومع ذلك، فهي لا تزال "حبيبته" (ي د ي د ي، من أودُّ، من أحبُّ).
آ 16- كانت زيتونة خضراء (هو 7:14؛ مز 52: 10). هكذا سمّاها الربّ، فدلّ أنه مسلّط عليها. ولكن أغصانها كُسرت وأوراقها أحرقت.
آ 17- الربّ زرع والرب يقتلع (1: 10). السبب: أحرقوا التقادم لبعل.
آ 18- هنا يبدأ مقطع وينتهي في 6:12. هو يحتوي العناصر الأولى لما سُمّيت "اعترافات إرميا". نحن هنا أمام اعتبارات شخصيّة. ولكن هذه الاعتبارات تندمج في كرازة النبيّ فتدلّ على الثمن الذي يدفعه مرسل الربّ (آ 19؛ 12: 5- 6؛ 15: 10، 17-18؛ 18:18؛ 20: 10، 14-18 ؛ 9:23). ليست دعوة إرميا نتيجة طموح شخصيّ، بل هي ترتبط ارتباطاً وثيقاً و"مكرهاً" بإرادة متسلّطة تصل من شخص آخر (7:25- 9، رج 1 :6؛ خر 13:4). فالنبيّ الحقيقيّ لا يستخرج شيئاً من ذاته حين يمارس رسالته (6:28، 11 ؛ رج 6:23 1). إنما يحرّكه كله قرارٌ من الله لم يكن يتوقّعه (12:28 ؛ عد 12:24-13 ؛ رج 1: 9: جعل الله كلامه في فم النبيّ).
في آ 18- 23، نعرف أن مؤامرة تحاك على إرميا من قِبَل أفراد عائلته (رج 12: 6). والسبب هو مشاركة إرميا في إصلاح يوشيا في خط تثية الاشنراع (آ 2- 8): أزيل المعبد المحلّي، كما أزيلت سائر المعابد، لتبقى أورشليم المعبد الوحيد، فعارض الأمرَ أهلُ عناتوت ولا سمّا الكهنة (لا ننسى إن إرميا انتمى إلى عائلة كهنوتيّة). غير أننا نحدّد موقع هذا الحدث في أيام يوياقيم، بعد هجوم النبيّ على شعائر العبادة التي تمارَس في الهيكل (ف 7، 26). قد يكون إرميا في ذلك الوقت قد هرب إلى عناتوت، فلاحقه الكهنة في ملجأه.
قد تكون هذه المقطوعة (18:11- 6:12) تألّفت من عناصر تقود إلى حقب مختلفة، فجُمعت في ترتيب كرونولوجي أو لاكرونولوجيّ. مثلاً، هناك من اندهش حين رأى المقطع الذي فيه يعبّر إرميا عن حيرته أمام نجاح الأشرار (12: 1- 2)، يأتي بعد المقطع الذي فيه يُعلن له الربّ عقاب خصومه القريب (11: 21- 23).
آ 19- كان إرميا قد اكتشف مؤامرة خصومه (1 مل 14: 5). ولكنه يتصرّف بسرعة، بل كان مثل خروف وديع (أش 53: 7) يُساق إلى الذبح. وهناك صورة ثانية هي صورة الشجرة التي تُقطع وهي في ملء الحياة. وأخيراً، هناك الاسم الذي ينقطع ذكره بموت صاحبه (مز 13:109؛ سي 41: 11).
آ 20- رأى النبيّ ما رأى، فرفع صلاته إلى الله. فاحص الكلى والقلوب (17: 10 ؛ 20: 12؛ 1 صم 7:16؛ مز 7: 10؛ 26: 2؛ 1 أخ 28: 9. أي: فاحص المشاعر والأفكار). ترك إرميا الربّ ينتقم له، فسلّم إليه أمره (12:20).
آ 21- وجاء جواب الربّ العارف بتهديد أهل عناتوت. جاء حاملاً التهديد (آ 22 - 23). أو بالأحرى نحن أمام قراءة لاحقة لما حصل لأهل عناتوت على ضوء ما هدّدوا به إرميا.
ج- دراسة عامة
ارتبطت بالعظة، قصيدتان قصيرتان وقول حول غضب يهوه. القصيدة الأولى تسأل الشعب لماذا هو في الهيكل (الحبيبة، رج آ 14). نجد أيضاً صورة يهوذا كمحبوبة الربّ في 7:12 (رج أش 5: 1). والمعنى هو سؤال فيه الكثير من السخرية: ماذا جاءت تفعل المحبوبة في الهيكل؟ ألتقدم لله ما قدّمته للبعل؟
والقصيدة الثانية القصيرة تشير إلى يهوذا في صورة زيتونة خضراء (مز 8:52؛ 92: 12- 14). أو بالأحرى، هكذا سُميت يهوذا. غير أن هذه الزيتونة ستُحرق وتفنى. رج 17: 5- 8. ولكن لماذا كل هذا الدمار؟ لماذا ذبائح لا فائدة منها؟ لأن الذي زرع الشجرة (ربّ الجنود) قد تكلّم بالشرّ على الشعب (16: 10؛ 15:19). والسبب (15: 4؛ تث 15: 10؛ 18: 12). بسبب الشرّ الذي صنعه اسرائيل ويهوذا.
إن آ 18 ترتبط بما في آ 17 بلفظة "ويهوه". وآ 19 تشارك في مواضيع آ 16-17. إن آ 20 (رج 20: 12) تلعب دوراً تدوينياً يضمّ الوحدتين. إن النداء إلى الله لكي ينتقم يتماهى مع ما سبق. هو رثاء حول الاضطهاد والمؤامرات (7:20- 11). غير أن الرثاء في آ 18- 19 لا يساعدنا على التعرّف إلى المتكلّم وإلى الشخص الذي يتكلّم النصّ عنه. ما ينكشف للمتكلّم في السياق الحاضر هو أعمال شريرة تصيب الشجرة الخضراء. ونعرف في آ 19 أن هذه المؤامرة تصيب المتكلّم، تصيب إرميا الذي لا يقدر أن يقف بوجه أفكارهم الشريرة.
وتأتي قطعة نثرية (آ 21- 23)، فتفهمنا أن من تكلّم عنه النص في آ 19 هو إرميا. فقد ذكر موطنه عناتوت. وسبب المؤامرة هو أن النبي تكلّم باسم الربّ (26: 9، 16). والعقاب الذي ينتظر أهل عناتوت: يموت الشبّان بالسيف، وبنوهم وبناتهم بالجوع.


3- عادل أنت يا ربّ (12: 1- 6)
نقرأ هنا مجادلة بين الله والنبيّ. أخذ النبيّ "الأمان"، وأراد أن يحاجج الربّ. انطلق من وضعه الحاضر وما فيه من فشل، فقدّم تعليما عاماً حول نجاح الأشرار. وهو تعليم يشبه ما في مز 73. لم يُعطِ الربّ جواباً لإرميا، ولكنه بيّن له أن هذا الفشل الأول (تجري مع المشاة) يجب أن يهيّئه لفشلٍ ثان ولصعوبات كبيرة (كيف تسابق الفرسان؟).
أ- قراءة النصّ
آ 2- "ي ل ك و"، ذهبوا أي نموا. رج "هـ ل ك" في هو 14: 7. في اليونانية: ولدوا أولاداً. هناك من قرأ: كانوا نضرين. "بعيد عن كلاهم". أي عن شعورهم وعواطفهم. رج 11: 20؛ 12:20 أ.
آ 3- "وأنت يا رب عرفتني ورأيتني". رج 18:11. بهس: تجعل آ 4 بعد آ 2، لأنها جعلت آ 3 بين 11: 20أ و 11:2 ب. في اليونانية، لا نجد "رأيتني". ولا "أفرزهم كغنم للذبح".
آ 4- تركت بهس آ 4 (ما عدا الشطر الأخير) لأنها اعتبرتها في غير محلّها. في الماسوري: لا يرى عواقبنا. في اليوناني: لن يرى الله طريقنا (أرح، بدل، أ ح ر).
آ 5- "تثق بأرض آمنة". هناك من يقول: لا تثق. في الماسوري: غور الأردن. حرفياً: فخر الأردن. هي خضرة دائمة وأشجار تختبئ فيها الأسود (49: 19 ؛ 50: 44؛ زك 3:11)، فتشّكل خطراً على الناس (5:12).
آ 6- "صرخوا صراخاً عظيماً ضدك". رج 4: 5. قالت بهس: "تآمروا كلهم عليك"، كما في اليونانيّة. إن بهس جعلت هذه الآية بين 18:11 و 19:11.
ب- التفسير
آ 1- عادل أنت. صادق. يمكن أن نركن إلى كلامك إن أعطيتنا الآمان. وأخذ النبيّ الأمان لنفسه قبل أن يُفرغ ما في قلبه. وطرح إرميا الموضوع الذي يُدمي قلبه كما يدمي قلب الذين لم يؤمنوا بعد بالحياة الأخرى، فرأوا الأدوار مقلوبة رأساً على عقب: الأبرار يتألّمون. والأشرار ينجحون (حب 1: 13؛ مز 73: 3- 12؛ أي 12: 6).
آ 2- زرعتهم. تجذّروا. أثمروا. ماذا ينتظرون بعد ذلك؟ ألا تعرف يا رب ما في قلبهم (7:9 ؛ مز 62: 5)؟
آ 3- ويقابل النبيّ نفسه مع الأشرار، تاركاً الرب يراه ويمتحنه (11: 20؛ مز 139). فماذا تنتظر يا رب لكي تعاقب الخطأة؟ هكذا قال بوحنا المعمدان حين رأى يسوع يهتمّ بالمرضى والخطأة (رج 10: 25؛ 7:22).
آ 4- الأرض نفسها حزنت (23: 10؛ هو 3:4؛ يوء 1: 10). كادت تموت من شرّ الأشرار (5: 25؛ 6: 19 ؛ 9: 9). هم جهّال يُنكرون الله ويقولون: لا يرى عواقبنا. بل: لا يرى طرقنا. صار الله مثل الأصنام.
آ 5- اشتكى النبيّ في آ 1- 4، فجاءه الجواب في آ 5- 6. لم يهوّن الربّ على النبيّ ولم يطمئنه. بل وعده بصعوبات أعظم. قابل بين الذي يمشي على رجليه والفارس (على الفرس). بين المقيم في أرض آمنة والمقيم في الأدغال بين الأسود. هناك تقليد فهم (49: 9) النصّ كما يلي: حين يرتفع الأردن، ترتفع مياهه.
ج- دراسة عامة
قصيدة لا نعرف من يتكلّم فيها، كما لا نعرف الإطار الذي قيلت فيه. قد تنطلق من أرض عناتوت فتصل إلى يهوذا. المتكلّم هو النبيّ، والخصم هو الجماعة، جماعة يهوذا. أما إذا كان المتكلّم هو جماعة يهوذا، فحينئذ يكون الخصم بابل. في أي حال، نستطيع أن نقرأ النصّ بصورة عامة كما فعل مز 73 فقال: "رأيت سلام المنافقين. لا أوجاع لهم. أبدانهم سمينة. ليسوا في ضرر كالناس".
تتحدّث آ 4 عن الأرض النائحة بسبب المقيمين فيها. هل نحن أمام عنصر من عناصر التقليد (14: 2- 6) أم أمام استعارة حول نتائج الاجتياح البابلي وما ترك وراءه من دمار؟ في أي حال، هي خبرة مؤلمة سبّبها شرُّ البشر والذين قرأوا آ 5 كجواب لرثاء إرميا الفردي، يفسّرونها تنبيهاً للنبيّ. ستتفسّر الأمور. فتوقّف (يا إرميا) عن التشكّي، واستعدّ لصعوبات حقيقيّة. أما آ 6 فقد ربطها الشراح بما في آ 1- 5 في موازاة مع 11: 21- 23: متآمرون على إرميا. هي عائلته التي تريد له الشرّ.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM