الفصل الثامن: الخطيئة والعقاب

الفصل الثامن
الخطيئة والعقاب
8: 1- 23

انتهى الفصل السابق باعتبار قاسٍ حول موضوع الدفن. في آ 32، هناك مدفن في توفت. ولكن في آ 33، لن تدفن الجثث فيأكلها طير السماء ووحش الأرض. وفي بداية ف 8، ستُخرج العظامُ من قبورها، عظام الملوك والرؤساء والكهنة والأنبياء وجميع سكان أورشليم الذين تعبّدوا للكواكب وجند السماء. هي خطايا الشعب المذكورة. من أجل هذا يبكي النبيّ: "حزني لا شفاء له، فقلي في صدري عليك".

1- في ذلك الزمان (8: 1- 3)
أ- قراءة النصّ
آ 1- كت: "و ي ص ي ا و". قر: "ي و ص ا و": يخرجون.
آ 3- يكرّر الماسوري "هـ ن ش ا ر ي م" (المستبقين).
ب- التفسير
آ 1- في الواقع، يعود الكاتب إلى الماضي، إلى ما حدث على أثر سقوط أورشليم ودمار الهيكل. في العادة تُدفن عظام الموقى وتكرّم. هنا ستُخرج العظام لكي تُهان. فالمهانة التي تصيب الشعب لن تكون في حياتهم فقط، بل في مماتهم. رج 22:13 وما حدث لذلك النبيّ الذي لم يُدفن مع آبائه. رج با 2: 24 حيث يُذكر السياق عينه؟ عا 2: 1- 3؛ إر 16: 4؛ 22: 18- 19. فعدم دفن الموتى أو إخراج جثثهم من القبور رجاسة ولعنة ما بعدها لعنة.
آ 2- هناك سبب ماديّ: الحرب واحتلال البلاد. والسبب الروحيّ: تركوا الربّ وتعبّدوا للكواكب. نتذكّر"سين" القمر الذي عُبد في جنوب بلاد الرافدين. ولا ننسى أنّ كلمة "كلدائيّين" في التراث الشرقيّ ارتبطت بعبادة الكواكب. لقد دخلت عبادة جند السماء إلى فلسطين بتأثير من الأشوريّين والبابليّين. رج تث 19:4 ؛ 3:17، 2 مل 17: 16؛ 21: 3، 5؛ 23: 4- 5؛ إر 19: 13.
آ 3- بعد أن حصل ما حصل للأحياء والموقى، يفضّل الأحياء الموتَ على الحياة. هذه البقيّة التي تحمل عادة الرجاء بشعب جديد، حملت اليأس. ولكن تلك كانت فترة، وبعدها ستعود البقيّة إلى أورشليم وإلى الهيكل.
ج- دراسة عامّة
بدأ موضوع الدفن في 7: 32، وهو يتواصل في 8: 1- 3. في آ 33، لم تُدفن الجثث، أمّا في 8: 1- 3 فتُخرج الجثثُ من قبورها: جثث العظماء، جثث جميع السكان، وتُنشر لكي تَعبد الشمس والقمر والكواكب على مثال الأحياء. فلا فرق بين الموقى والأحياء، بعد أن صار الأحياء إلى الموت. تُذكر جثث وعظام الموتى مرارًا في التقليد (22:9؛ 16: 4؛ 33:25؛ رج 2 مل 37:9؛ مز 82: 10). صارت الجثث طعامًا لطير السماء ووحوش الأرض. في 16- 4 نجد الطعام والزبل. كلّ هذا يدلّ على الحالة التي وصلت إليها الجماعة. حتّى الذين ماتوا قبل أن يصل الجيش الزاحف، سيُذلّون كما تُذل المدينة فيشاركونها في مصيرها. سترى عظامُهم الشمس والقمر كلّ جند السماء. وهكذا سيعبدون في مماتهم آلهة أحبّوها وعبدوها في حياتهم.

2- يسقطون ولا ينهضون (4:8-17)
أ- قراءة النصّ
آ 4- "وتقول لهم". لا نجد هذه العبارة في اليونانيّة. جعلها الناشر هنا لتربط القصيدة بالمتكلّم (النبيّ والله من خلال النبيّ).
آ 5- في العبرّية: ما بال شعب أورشليم. في اليونانيّة: ما بال شعبي.
آ 6- أصغيتُ واستمعت، في اليونانيّة نجد صيغة الأمر الجمع: أصغوا واسمعوا. "مساعيه" (الجمع). في اليونانيّة نجد المفرد. وبدل "انقلب " (ش و ب)، يفضّل "ش ي ب " الذي يعني أسرع (في النصّ العبريّ: ش ب).
آ 7- يُذكر عدد من العصافير تختلف أسماؤها باختلاف الترجمات.
آ 8- "ع ث ه" صنع. بل "صنعها".
آ 9- "الحكمة"، بل "حكمتهم " (ح ك م ت م).
آ 10- 12= 12:6- 15. راجع ما قلنا في 12:6- 15.
آ 13- "أ س ف" تعني "جمع" كما تعني "أباد". في اليونانيّة: يجمعون غلّتهم. في الماسوريّة: "أجعل عليهم من يدوسهم". لا نجد هذا في اليونانية.
آ 14- في الماسوريّة: أخطأنا إلى الربّ. في اليونانيّة: أخطأنا إليه. رج 14: 20 ب.
آ 15- تقابل 19:14 ب.
آ 17- "يقول الربّ ". لا وجود لهذه العبارة في اليونانيّة.
ب- التفسير
آ 4- يبدو الربّ وكأنّه يدعو شعبه لكي يقوم من كبوته. لماذا يرفض العودة إلى الله؟
آ 6- "أصغيت". من يصغي؟ الله أم النبيّ؟ يعتبر الشعب أنّهم ما أخطأوا. "ماذا فعلتُ"؟ ويندفعون في عملهم كالعادة مثل الفرس في القتال.
آ 7- "أختام الربّ". أي النظام الذي وضعه الله. الطيور تعرفه، وشعبي لا يعرف.
آ 8- يقولون: معنا صريعة الربّ. ولكن هذه الشريعة قد تحوّلت، قد تشوّهت بفعل الكتبة. قد يدلّ إرميا على النشاط التشريعيّ الذي قامت به السلطة الملكيّة بعد أن صار سفر التثنية شريعة الدولة. حُفرت هذه الشريعة في الحجر (ع ط. قلم للحفر). ولكن الربّ سيحفر كلامه في أعماق القلوب (3: 33) فتزول كلّ محاولات التشويه التي لا يحرّكها روح الربّ.
آ 9- عظمة الكتبة (الحكماء) من عظمة كلمة الربّ. فإن تركوها لم يعودوا أحرارًا. صاروا عبيد كلام البشر كلمةُ الربّ وصلت بواسطة إرميا، فلماذا لا يأخذونها على محمل الجدّ؟ إذن هناك كلام وكلام. هناك كلام الله، وهناك كلام البشر فمتى يتعلّم الشعب أن يميّز؟
آ 10- لو ضلّ الشعب، نقول: هو جاهل. ولكن الأنبياء والكهنة قد ضلّوا. هم لا. يعون الخطر، لا يعرفون علامة الأزمنة. لهذا سيسقطون ويسقط الشعب معهم. كلّهم يعيشون في الكذب ويمارسون الظلم من أجل مكسب خسيس.
آ 11- بنت شعبي. رج 4: 011 البنت هي الأمّة والجماعة. إذن، جماعة شعبي. وتعود كلمة سلام (كل شيء يسير على ما يرام). فماذا نُتعب نفوسنا ونشغل ضميرنا؟
آ 12- هم لا يقرّون بخطيئتهم. نلاحظ في إر أهميّة الاعتراف بالخطيئة من أجل الخلاص.
آ 13- هنا نجد صورة قريبة ممّا في أش 5. لا ثمر في الكرمة ولا في التينة. بل ذبُل الورق. وهكذا تخفى الربّ عن شعبه.
آ 14- هل هي بداية اعتراف، أم عتاب (بل لوم) لله؟ هذا ما نكتشفه في آ 15.
آ 16- ويسمع النبيّ من البعيد ضجيج العدوّ بجياده، فترتجّ الأرض. جاؤوا يأكلون الأرض وسكانها.
آ 17- الربّ هو الذي يفعل، ولا شيء يوقفه.
ج- دراسة عامّة
هي قصيدة (آ 4- 7) عن الشعب الذي ارتدّ عن الربّ لكي يتبع طرقه. "تقول لهم" (من وضع الناشر). هناك تعارض بين التصرّف العاديّ لدى البشر ووضع الأمّة. ليس من الطبيعيّ أن تبتعد وتدير ظهرها (5: 1- 1). فلننظر إلى تصرّف الطيور التي تعرف عن طريق الغريزة ماذا يجب أن تفعل. أمّا شعب الربّ فلم يعرف أحكام الربّ (م ش ف ط في 5: 4- 5). بدل ذلك، يتصرّف الشعب "بدون نظام "كجياد تندفع إلى القتال ولا شيء يهدئها.
في آ 8- 9 نقرأ قطعة مستقلّة تهاجم الحكماء، فتأتي بعد الحكم على الأمّة التي لم تعرف أحكام الربّ. قد تكون جوابًا على آ 7. ولكن موضوعها مختلف. هي هجوم على "شريعة" هؤلاء الحكماء، لا على معرفة الشعب للنظام الإلهيّ في الكون. هذه المجموعة تمتلك الشريعة، ولكنّها تفسرها تفسيرًا كاذبًا. صارت الشريعة كاذبة بعد أن شوّهها كتبة اعتبروا نفوسهم حكماء. أنكون هنا أمام هجوم على الحلقات التي قدّمت سفر التثنية؟ ربّما.
ونقرأ في آ 10- 12 قصيدة قرأناها في 12:6- 15. أضيف الحكماء على الكهنة والأنبياء كضحيّة هجوم العدو وما يحمل معه هذا الهجوم من شرّ. ثمّ هل نقرأ آ 13 مع ما سبق (آ 10- 13) أو مع ما يلي (آ 13- 15)؟ هناك من جعلها جوابًا لما في آ 9 فربطها بما سبق (خزي الحكماء، فلم يبق شيء). وهناك من ربطها مع ما يلي فصار المقطع 13- 18. لقد أراد الله أن يقطف العنب والتين، ولكنّه لم يجد. حتى الورق ذبل، فلا حاجة إلى العمل. إذن، لن يكون قطاف في هذه السنة (آ 20). هي صورة مأساويّة تمثل الجماعة كأرض عقيمة لا تستطيع أن تثمر ثمرًا، فلا تعود تصلح لشيء. رج لو 6:13- 9؛ مت 21: 18- 20؛ مر 11: 20- 21. والحاشية الأخيرة (و إ ت ن. ل هـ م. ي ع ب رون) التي تعني: أجعل لهم من يدوسهم كما في أش 5: 5، أو: كلّ ما وهبته لهم يزول. أو: أجعلهم يخدمون (ع ب د، بدل: ع ب ر). هي تشير إلى دمار الجماعة لأنّ لا نفع منها. نشير هنا إلى صورة الكرمة كرمز عن إسرائيل في 2: 21 ؛ 5: 10؛ 6: 9؛ أش 5: 1- 7؛ هو 9: 10 ؛ 10: 1. ولكن بئس يهوذا وأورشليم من كرمة!
وجاءت قطعة (آ 14- 15) في فم الشعب كجواب على العدوّ الزاحف، كجواب فيه الكثير من اليأس: يأس الفلاح من أن يجد شيئًا في حقله. "سقانا السمّ"، أي حكم علينا بالموت. وقد نكون أمام ماء التحكيم (عد 5: 11- 13). أنكرنا أننا نخون الربّ. فلنبرهن عن ذلك. هناك اعتراف، ولكنه اعتراف قصير النفَس وفيه الكثير من التراجع.
في آ 16- 17 ظهر العدوّ في الشمال. سُمع صوته من دان (شمال فلسطين). وهو آتٍ لدمار المدينة والسكان. ارتجّت الأرض من وقع سنابك الخيل. وبالتالي سيطر الخوف على البشر.

3- خزي لا شفاء له (18:8-23)
ويعبّر إرميا عن حزنه باسم الربّ كما سبق له وفعل في 19:4- 26.
أ- قراءة النصّ
آ 18- بما أن الكلمة الأولى نُقلت إلى آ 17، فالنصّ الماسوري يقرأ "حزني مرٌ عليّ". ثمّ يقول: "قلبي مريض".
آ 19- "من أرض المسافات"، أي المسافات البعيدة (م ر ح ق ي م). من الأرض البعيدة. رج أش 33: 7. هناك من يقرأ: رحاب الأرض (حب 1: 6) أو الأرض الواسعة (22: 14). ليست آ 19 (لماذا أسخطوني بمنحوتاتهم؟) جوابًا على سؤال بلاغيّ في آ 19 ب (ألا يقيم الربّ في صهيون؟)، بل هي حاشية اشتراعيّة.
آ 21- "هـ ش ب ر ت ي"، انسحقت. هناك من فسّر: جُرح قلبي. لا نجد هذا الفعل في اليونانيّة بل "حزنّا وأخذنا المخاض كالتي تلد" (كما في 6: 24).
آ 22- "أ ر ك ت"، الصحّة. حرفيًّا: طول (اللحم). أي لحم جديد ينبت حول الجرح. رج 33: 6؛ 39: 17
آ 23- تقابل في اليونانيّة 9: 1. وهكذا يختلف الترقيم.
ب- التفسير
آ 18- الجملة العبريّة تبقى غير مفهومة. فعاد الشرّاح إلى اليونانيّة.
آ 19- بنت شعبي. رج آ 11، 4: 11. بما أنّ الله يقيم في صهيون، فما الحاجة إلى آلهة أخرى لا تقدر أن تفعل شيئًا؟ بما أنّ الربّ هو الملك (مز 96:93- 99)، فلماذا البحث عن ملك آخر؟
آ 20- مرّ الصيف ومعه الحصاد، فما استطاع الناس أن يؤمّنوا طعامهم للشتاء بسبب وجود العدوّ في البلاد.
آ 21- ويعبّر إرميا أيضًا عن ألمه. مرضه من مرض شعبه. فأين يوجد الدواء؟ نلاحظ هنا تضامن النبيّ مع شعبه. على مثال موسى الذي أخبره الربّ بأنّه سينفي الشعب ويبدأ مع شعب جديد. حينئذٍ فضل موسى الموت (عد 14: 15- 19).
آ 23- تلتقي مع آ 18 لتعبّر عن حزن النبيّ بعدما حلّ ما حلّ في الشعب من دمار.
ج- دراسة عامّة
نحن هنا أمام مرثاة على المدينة. ولكن من هو المتكلّم؟ في 4: 19- 22 قرأنا نشيدًا مماثلاً. قد تكون الجماعة (أو المدينة) هي التي تتكلّم. ولكن من يجعلها تتكلّم؟ كاهن، أو نبيّ، أو شاعر ولهذا قال عدد من الشرّاح هو إرميا. لقد تماهى النبيّ مع المدينة أو الجماعة. ألم الجماعة هو ألم المتكلّم باسم الجماعة. وجُرح الجماعة هو جرح المدينة. لا نستطيع أن نقول إن هذا الكلام يعبّر عن شعور النبيّ. بل النبيّ لبس عاطفة الجماعة.
سيطر الألم والمرض على المتكلّم، لأنّ الأرض تصرخ طالبة العون لابنة صهيون. وتطرح سؤالاً فيه الكثير من اليأس: "أليس الله في صهيون "؟ أتراه ترك المدينة كما سيقول حزقيال النبيّ؟ والكلام عن الملك يدلّ على إنسان، بل يدلّ بالأحرى على الله الذي هو الملك الحقيقيّ في صهيون. أمّا الملك الأرضيّ فمثّل له.
تبذلت الأمور. انتقلنا من الشتاء إلى الصيف، ومن الصيف إلى الشتاء، ولكن شيئًا لم يتبدّل في حياة الشعب الذي لم يعرف الخلاص. فعلى متى سوف ننتظر؟ غير أنّنا أمام سؤال بلاغي. فالمرض لا شفاء له. والمدينة قد دمِّرت. فماذا تنفع جلعاد؟ بل ماذا تنفع مصر!

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM