الفصل السادس: الدورة الثانية

الفصل السادس
الدورة الثانية
4 :5- 6: 30

مازلنا في المجموعة الأولى (2: 1- 6: 30) التي تتضمّن قصائد متفرّقة تتوجّه إلى يهوذا وأورشليم. شدّدت الدورة الأولى (2: 1- 4: 4) على ارتداد الأمّة عن إلهها، وإمكانيّة عودتها إن هي قبلت أن تعترف بخطاياها. وها نحن نتوسّع في الدورة الثانية (4: 5- 6: 35) التي بُنيت حول موضوع الكارثة الآتية من الشمال. مقاطع عديدة في هذه الدورة، ونحن نوردها كما يلي: إنذار إلى يهوذا (4: 5-10). تحريض أخير إلى أورشليم (آ 11- 18). تمزق النبيّ (آ 19- 22). عقاب صهيون (آ 27- 31). إعلان الحكم (5: 1- 19). نظام الخلق (آ 20- 31). بداية الهجوم وعقاب المدينة (6: 1- 15). ثمرة رفض الربّ (آ 16- 30).

1- إنذار إلى يهوذا (4: 5- 10)
أ- قراءة النصّ
آ 5- الأفعال في آ 5- 6 هي في صيغة الجمع. وهكذا يتوخه الكلام إلى الشعب. لا إلى المنادي.
آ 6- نقرأ في العبريّة "ن س" الراية. فقرأت اليونانيّة: أهربوا.
آ 7- الشطران الأخيران إضافة مأخوذة من 2: 15.
آ 9- هناك من اعتبر آ 9- 10 نثرًا، وهناك من اعتبرهما شعرًا.
آ 10- رج 13:14. "فقلت" (أ م ر). في اليونانيّة: قالوا. اعتبر بعضهم أنّ عبارة "هذا الشعب وأورشليم" قد أخذت من آ 11، فقرأوا ضمير المتكلّم الجمع: خدعتنا.
ب- التفسير
آ 5- يتوخه الإنذار إلى يهوذا وإلى أورشليم. فالغزو يهدّد مملكة الجنوب. انفخوا بالبوق. هي بداية الحرب والتجمّع للقتال أو ربّما للهرب (أش 13:27). وقد يعلن النفخ بالبوق مجيء الربّ (خر 19: 16 ؛ زك 9: 14) من أجل الدينونة (أش 13:27).
آ 6- شراً من الشمال. رج 6: 1؛ 12:15؛ 3:50 ؛ يوء2: 20. لا نعرف أي تهديد يشير إليه إرميا. فقد يكون انطق من هجمة الجيوش الاشورية (أو: الاسكوتيّة). رج 4:20.
آ 7- الأسد. رج 2: 15، 29؛ 5: 6؛ 49: 19 ؛ 50: 44؛ أش 5: 029 ارتبط الأسد بعشتار، إلاهة بلاد الرافدين، وصوِّر كذلك على الرايات. لهذا، فحين يذكر النصّ الأسد، فهو يلمّح إلى العدوّ الآتي من الشمال.
آ 8- جاء الدمار فعمّ الحزن البلاد. فعبّر الناس عن حزنهم بالمسوح والولولة والنواح. والسبب الأول هو غضب الله. أما جيوش بابل فهي السبب الثاني والربّ هو الذي يثيرها.
آ 9- عندئذ عمّ الضياع البلاد: الملك والرؤساء (أو الوزراء)، الكهنة والأنبياء.
آ 10- خدعتنا. هناك تفسيران. أو أن إرميا ظن أن الأنبياء الذين تحدّثوا بالسلام هم أنبياء حقيقيون قد أرسلهم الربّ (رج 14: 13؛ 6:28). أو أنه تبنّى ردّة فعل الشعب الذي خدعه الأنبياء الكذبة. في اليونانية: الأنبياء قالوا فاتهموا الربّ لأنه خدع شعبه.
ج- دراسة عامة
هذا الكلام عن الجحود والارتداد فتح الطريق أمام اجتياح خاص لا يرحم، وجيش يحمل الرعب والدمار إلى أرض يهوذا ومدينة أورشليم (آ 5- 8). ستكون عديدة صوَرُ الهجوم والاجتياح والعار واليأس والهزيمة في هذه القصائد، وأرضيّتها التهديد البابليّ لفلسطين منذ سنة 605 ف. م. حاول الشرّاح أن يقسموا هذه الدورة بين قصائد من "النبي" وشرح من "الناشر"، فاختلفت الآراء حول بداية كل وحدة ونهايتها (في ف 4- 5). مثل هذا الاختلاف في الآراء يصل إلى الاختلاف في التفسير.
تعلن هذه القصائد أن الدمار آتٍ من الشمال، أن أمّة مدمّرة قد خرجت. فأنذرت الجماعة بالالتجاء إلى المدن الحصينة. وفي هذا انذار إلى أورشليم التي يجب أن تلبس المسح وتبكي تجاه غضب يهوه.
جوابان على هذا الاجتياح المدمّر يتبعان القصيدة الأولى حول المدمِّر الآتي من الشمال (آ 9- 10، آ 11- 12)0 الاثنان يبدآن بكلام يدلّ على الوقت (في ذلك اليوم، في ذلك الزمان) فيبيّن لنا أنهما أضيفا إلى القصيدة كجواب لها. الجواب الأولى (آ 9- 10) هو قول نبويّ حول ردّة الفعل على الكارثة من قِبَل الطبقة الحاكمة. ضاعوا لدى اجتياح أورشليم ودمارها. خاب أملهم بسبب الربّ الذي لم يحفظ مدينته. حتى الأنبياء أنفسهم أحسّوا بالخيبة وهم الذين بشّروا "بالسلام" مع أن التهديد البابليّ على الأبواب.

2- تحريض أخير إلى أورشليم (4: 11- 18)
إن أورشليم تعرف التهديد المدمّر. فماذا سوف تفعل؟ هو النبيّ يحضّها للمرّة الأخيرة على غسل قلبها من كل شرّ، على تبديل سلوكها وأعمالها.
أ- قراءة النصّ
آ 11- اعتبر عدد من الشرّاح أن آ 11- 12 شعر لا نثر. نقرأ في الماسوري: ريح لافحة. في اليونانية: روح ضلال. في الماسوري: قي البرية. اقتراح: آتية من البرّية. "بنت شعبي". هناك من اعتبر أننا أمام بدل: ابنتي، شعبي. والإبنة (كالمرأة) تدلّ على الأمّة، على الشعب. رج أش 47: 1.
آ 12- "من هذه" سقطت في اليونانيّة. فد نكون أمام تكرار"م ل ا" ثم "م ا ل هـ". "لي" أي تقدَّم لي.
آ 16- "اذكروا للأمم ها". هناك من ترجم: هذه الأشياء. هناك من قال: أَنذروا بنيامين (حيث توجد أورشليم والهيكل). أو: أنذروا يهوذا.
آ 18- "طريقك" (المفرد). تقرأ الترجمات صيغة الجمع: طرقك. "وهو مرّ" (ك ي. م ر. ك ي). هناك من قال "م ري ا ك " أي تمردك.
ب- التفسير
آ 11- بنت شعبي. رج 26:6؛ 8: 11، 19، 21-23؛ 6:9؛ 17:14. هي البنت التي لها حصّة في الميراث، شأنها شأن الابن (3: 9). هي تدلّ على شعبي.
آ 12- تهبّ لي، من عندي. أو تهبّ من هناك. ويدلّ النبيّ على الجهة التي منها تهبّ الريح.
آ 13- ويصوّر النبي المركبات والجياد، ويتخيّل الدمار الذي سيصيب البلاد.
آ 14- ونقرأ نداء إلى أورشليم كي تتخلّص من شرّها.
آ 15- ويبدأ النداء من الشمال، من دان، ويمرّ في إفرائيم، ليصل إلى أورشليم ومدن يهوذا.
آ 17- السبب: لا لأن أورشليم ثارت على بابل، بل لأنها ثارت على الربّ. كل هذا هو ثمرة شرورها. فالله هو السيّد الأول الذي يقود الاحداث. والملوك أداة بين يديه.
ج- دراسة عامة
بعد الجواب الأول (آ 9- 10)، ها هو الجواب الثاني (آ 11- 12) يتوجّه إلى الشعب في شخص أورشليم شعبي (6: 14، 8: 11؛ ابنتي، شعبي، 26:6؛ 19:8، 21، 22؛ مرا 2: 11؛ 48:3؛ 3:4، 6، 10). الصورة التي ترسم ما حدث للشعب هي صورة ريح لافحة تحمل الرمل معها. لا نستطيع أن نستعمل هذا الرمل لنغتسل. كله حرّ وضيق، فلا يحمل الحياة إلى الشعب ولا الخصب إلى الأرض.
ويأتي مقطع شعري قصير (آ 13- 14) فيصوّر الجيش الزاحف بصور مأخوذة من عالم الفلك: الغمام، الزوبعة. وتجز المركبات جيادٌ أسرع من النسور. عندئذ يأتي الجواب: "ويل لنا، فقد دُمِّرنا". ويأتي معنى هذا الاجتياح. على جماعة أورشليم أن تغتسل كي تنجو من الشرّ الآتي.
وترد قصيدة ثالثة (آ 15- 18) هي جواب الزاحفين: لقد وصل التحذير إلى أرض أورشليم ومدن يهوذا، وصل من الشمال فأعلن أن العدوّ الآتي من مكان بعيد هو في طريقه. أما سبب الاجتياح فتوضحه آ 17: "لأنهم تمرّدوا عليّ"، أنا الربّ.

3- تمزّق النبيّ (9:4-22)
رأى النبيّ شقاء أورشليم ويهوذا، فتمزق ألماً من الداخل. صار وجعُ أورشليم وجعه، والضيق الذي يحلّ بالناس، ضيقه.
أ- قراءة النصّ
آ 19- "م ع ي" أي أمعائي. هي موضع الشعور والعواطف. رج 31: 20. "ل ب ي" أي قلبي. هو مركز الفكر والإرادة. "أتقلّب (أ ح ي د هـ) من الوجع. "ش م ع ت ي. ن ف ش ي". قد نكون هنا أمام صيغة المؤنث. أو: سمعتْ نفسي. أو: سمعت أنا بنفسي. يبدو إرميا كأمّ تتألّم لألم أولادها. لهذا كان تقارب بين إرميا والمراثي، مع أن المراثي ليست من تأليف إرميا.
آ 20- "ر ج ع" (لحظة). ظن البعض أننا أمام مصدر: اضطرب بعنف. في اليونانية: تمزّق إرباً.
آ 21- "ن س": راية. في اليونانية: حرب.
آ 22- "ب ن ي م"... "ن ب و ن ي م". نجد هنا تلاعباً على الحروف كما في سجع: الأبناء والأنبياء. في اليونانية: رؤساء.
ب- التفسير
آ 19- أحسّ إرميا بصوت البوق يعلن الحرب والدمار، فيدخل إلى أعماقه ويحمل الألم والوجع.
آ 20- قال النبي: "خيامي" أنا، "مساكني " أنا. فالأرض أرضه. لقد أحسّ وكأن بيته الخاص قد خرب.
آ 22- وتحدّث النبيّ باسم الله، أو هو أورد بلسانه كلام الربّ: شعبي جاهل لا يعرفني... يفعل الشرّ لا الخير. هو لا يطلب الله (عا 5: 4، 6، 14)، لا يطلب الحكمة ينبوع كل الفضائل (حك 7:8) والتي بدونها لا نستطيع أن نرضي الله (حك 14:7، 28)، ولا أن نفهم طرقه (9: 11؛ هو 14: 10؛ مز 107: 43).
ج- دراسة عامة
هذه القصيدة تقدّم جواباً مليئاً بالعاطفة تجاه الاجتياح والدمار. يصرخ النبي من الألم والضيق (2 مل 4: 19؛ رأسي، رأسي)، كردّ على الانذار بالحرب. هي الأرض (يهوذا) تصرخ، والمدينة (أورشليم). رج 30: 12- 15. صوتها هو صوت النبيّ، صوت الجماعة التي تفكّكت وتضعضعت أمام العدوّ الآتي من الجنوب. هذه القصيدة هي أول اعتراف في "اعترافات" إرميا (رج 11: 8-20). لقد تماهى إرميا (صيغة المتكلم المفرد، أنا) مع شعبه، فصارت آلام الشعب آلامه (رج 10: 9- 20).
مع هذه القصيدة وما فيها من ضيق في زمن الحرب، نجد آ 22 التي تتحدّث عن الشعب بفم الله. هي تشبه 10: 21 (رعاة شعبنا أغبياء)، ولكنها تعتبر الشعب كله غبياً، جاهلاً. في النص اليوناني، تشير 22:4 و 10: 21 إلى الرؤساء فقط.

4- عقاب صهيون (23:4- 31)
لاحظ النبيّ الدمار الذي حلّ بالبلاد، ففهم أن كل هذا هو عقاب من الله. غدرت صهيون (يهوذا وأورشليم) بعشاقها (البابليّين) فعاقبوها على غدرها.
أ- قراءة النصّ
آ 23- "ت هـ و. و ب هـ و". رج تك 1 :2: خالية خاوية. لا نجد في اليونانية "و ب هـ و"، بل "أوتن".
آ 26- "هُدمت" (ن ص هـ). وقرأت مخطوطات: أحرقت (ي ص ت). رج 2: 15 ؛ 9: 10، 12؛ 46: 19. في اليونانية نجد "فماذا هي مدمّرة" بعد "وحدّة غضبه" (دمّرت بحضور شدّة غضبه).
آ 27- "لكني لا أفني" (لا أريد أن أضع حداً). فصُحّح النص: سأضع حداً لها، سأفنيها. رج آ 28 ب (تكلّمت وعزمت). رج عا 7: 14.
آ 28- نجد آ 28 ب اليونانية في ترتيب مختلف عن النص الماسوري: تكلّمتُ ولن أندم. عزمتُ ولن أتراجع.
آ 29- "كل مدينة". في اليونانية: الأرض كلها (استباق آ 29 ب: ك ل هـ. ع ي ر: كل مدينة). قال الماسوري: توغّلوا في الغاب. واليوناني: دخلوا إلى المغاور وخبّأوا نفوسهم.
آ 30- "و أ ت ي ". أنتِ في المؤنث. والصفة "ش د و د" في المذكر (خرب. لفظة غير موجودة في اليونانية). نقرأ في اليونانية: وأنت ماذا تصنعين؟
آ 31- "ك ح و ل هـ": كامرأة في المخاض. هناك من تحدّث عن "الضيق" (ح ل هـ).
ب- التفسير
آ 23- بعد ضجيج الكارثة (آ 19- 21)، شاهد إرميا في رؤية نبويّة عودة مخيفة إلى الخواء الأولاني (تك 1: 2؛ نا 7:2). أرض خربة. سماء مظلمة لا نور فيها. جبال ترتعش، تلال تتزعزع (آ 24)
آ 25- أُحرقت المدينةُ (آ 26) فما عادت جنّة بل قفراً. وغابت العصافير. كل هذا، لشدّة غضب الله.
آ 27- أجل، الله هو الذي نفّذ هذا الأمر فعاقب شعبه. قال ولن يتراجع (آ 28). وترد جملة قاطعة. نستطيع أن نقرأها في الصيغة الإيجابية: سوف أفنيها. وهكذا تتوافق العبارة مع السياق. ونقرأها في صيغة سلبيّة: لا أفنيها.، فنرى في هذه العبارة "تراجعاً" من قبل الله الذي أحبّ المدينة المقدسة، وعاقبها، ولكن عقابه لم يَعُد بها إلى العدم. وقد تكون هذه العبارة أضيفت فيما بعد بيد الناشر الاقتراح الثاني يتماشى مع النص اليوناني.
آ 29- جاء الجيش، فهُجرت المدنُ، وهرب السكان، ومع ذلك ظلّت أورشليم متعلّقة بعشاقها غير أن العشّاق (مصر وبابل) يحتقرونها، يطلبون حياتها (آ 30).
آ 31- ويسمع النبيّ صراخ ابنة صهيون (رج 2:6، 23 ؛ 24:46؛ 42:50 ؛ 51: 33).
ج- دراسة عامّة
نجد في آ 23- 26 قصيدة مميّزة تعكس اجتياح الأرض، ولكنها ليست نتيجة هجوم البابليين. هي تُصوّر دماراً كونياً من خلال الكلام عن أورشليم، بحيث اعتبر الشرّاح أن إرميا لم يكتبها. انطلقت جماعة بعد المنفى من خبرات ثلاث، اجتياح نبوخذ نصر للبلاد، سقوط أورشليم، عودة الخواء، فقدّمت صورة جليانيّة عن عودة الكون من النظام إلى ما يشبه العدم.
في أربع آيات رأى المتكلّم الكون والبشريّة في حالة تفكك. وهكذا تتقابل هذه القصيدة مع تك 1. هناك الأرض، الخواء، السماء، الجبال، التلال، الجنس البشري (تُذكر معه الطيور). إن غياب الطيور يدلّ على الدمار والألم (9: 10 ؛ 12: 4). وحضورها كآكلة الجثث يدلّ على انتشار الموت.
وجاءت كلمة الله (آ 27- 28) تُوقف هذه الاعتبارات حول مشهد الخراب كما في آ 23- 26، وتؤكّد للجماعة أن الدمار لن يكون كاملاً. لا، لن تدمّر أورشليم كلها. ولن تدمّر الأرضُ فيصيبها ما أصابها مع الطوفان.
كيف تعامل الشعب مع الاجتياح؟ هرب واختبأ حيث استطاع (آ 29- 31 ؛ رج أش 19:2- 21). نحن بعيدون عن صوَر للمدينة تحت الحصار (رج 6:5؛ 3:6- 6 ؛ 8: 14؛ 17:10). ونجد صورتين عن أورشليم، ابنة صهيون (آ 31). في الصورة الأولى، هي امرأة تتزيّن من أجل عشاقها. غير أن عشاقها رذلوها وطلبوا حياتها. والصورة الثانية هي صورة امرأة في المخاض. هي تلد ابنها الأول، فتخاف من هذه الخبرة. ويربط النص الماسوري صورة الولادة مع "القتلة" المذكورين في آ 31.

5- إعلان الحكم (5: 1 -19)
آ 1- تنتهي الآية في اليوناني: قال الربّ (= ن ا و م. ي هـ وهـ). هذا يدلّ أن المتكلّم هو يهوه لا إرميا.
آ 2- نجد "ل ك ن " في العبرية: لهذا. في السريانية: أكن، أي حقاً.
آ 3- توجّعوا. هناك من اقترح: كلّهم (ك ل هـ م)، أو أفنى (ك ل ل ت م).
آ 4- "هـ م" وُضعت مع الشطر الأول: "أنا قلت هم قوم مساكين"، لا مع الشطر الثاني: "هم يجهلون".
آ 6- "ذئب العشاء" (عربوت، الغروب في الترجمات، حسب 1: 8 ؛ صف 3:3). أو "ذئب البريّة". في اليونانية: ذئب (يدمّر) البيت.
آ 7- كت: ا س ل و ح. قر: صيغة المتكلّم: أصفح. "حين أشبعتهم". رج 16: 6؛ 41: 5؛ 47: 5 ؛ تث 14: 1 (هشَّموا أنفسهم، رج 1 مل 28:18 وعادة الكنعانيين).
آ 8- "أحصنة معلّفة". هذا إذا عادت "م ي ز ن ي م" إلى "ز ن" (زاد) أو "م ز و ن" (طعام). أما إذا عادت إلى العربية فهي تعني الزنى.
آ 9- تقابل آ 29؛ 9: 9. إن مس أضافت "ب م" (بهم) في 9: 9.
آ 10- "أسوارها". إذا عدنا إلى "ش و ر". أما إذا عدنا إلى "ش و رهـ " فتعني: الكرمة. أما اليوناني ففهم النصّ بشكل مختلف: "إصعدوا أسوارها ودمّروها. لكن لا تقضوا عليها. اتركوا حناياها فهي للرب". رج آ 18 ؛ 27:4.
آ 12- "ل ا. هـ و ا": ليس هو. في اليونانية: ليست الأمور هكذا.
آ 13- "هـ د ب ر": من يقول، أو الكلمة. في اليونانية: كلمة الربّ. نقرأ في العبرية (لا في اليونانية): هكذا يُصنع لهم.
آ 15- لا نجد في اليونانية: أمّة قوية. أمّة قديمة. "لست تعرف لسانها". رج تث 49:28.
آ 16- لا نجد في اليونانيّة سوى: كلهم جبابرة. والباقي سقط.
آ 19- "ت ا م ر و": تقولون... الأفضل: يقولون. أي الشعب يقول.
ب- التفسير
آ 1- يبدو الله وكأنه يتوجّه إلى ملائكة طلب منهم أن يقوموا بتحقيق في أورشليم (تك 6:18- 21: في سدوم، حز 9). وسُمح للني بأن يدخل في مجلس الملائكة السماوي (23: 22؛ 1 مل 22: 19- 22؛ أش 6: 1 ي ؛ عا 7:3: الله يكشف سرّه لعبيده الأنبياء). من أجل هذا، شارك إرميا في التحقيق (حول خطيئة أورشليم) الذي أراد الله أن يقوم به قبل أن يلفظ حكمه (27:6: 30؛ تك 11: 5- 7 وبرج بابل، 18: 1 ي؛ 19: 1 ي). "هل تجدون انساناً". انساناً حقيقياً. هو الذي يعيش بحسب الحقّ في سلوكه الشخصي ونشاطه العلنيّ. رج مي 8:6 (أخبرتك يا انسان ما هو صالح، وما أطلب منك: أن تصنع العدل وتحبّ الرحمة وتسير بتواضع مع إلهك)، إر 23:9 (من يفتخر فليفتخر بمعرفتي)؛ 13:22 (ويل لمن يبني بيته بالظلم). "يصنع العدل"، أو: الحقّ. فيثق الناس به وبأمانته. رج خر 18: 21؛ نح 7: 2. من أجل هذا الانسان، يستعدّ الربّ أن يعفو عن المدينة. رج ما يتعلّق بسدوم (تك 18: 20- 22). رج أش 53 وعبد يهوه؛ حز 22: 30.
آ 2- يحلفون ولكنهم يكذبون. يقولون ولا يعملون.
آ 3- لا شكّ في أن الربّ ضربهم، ولكنهم لم يقبلوا التأديب. صاروا أقسى من الصخر.
آ 4- بدأ النبي مع صغار القوم. هم لا يعرفون طرق الربّ ولا شريعته.
آ 5- عند ذاك ذهب إلى العبء، فما كانوا أفضل من الصغار.
آ 6- لهذا سيأتيهم العقاب. ويذكر النص الحيوانات المفترسة: الأسد، الذئب، النمر.
آ 7- كيف يسامح الربّ المدينة، كيف يسامح أبناءها. المدينة فاسدة وأبناؤها يعيشون الزنى. كل يصهل على امرأة صاحبه... (آ 8). لا بدّ من العقاب. "هكذا يقول الربّ ". يدلّ النصّ مرّة أخرى أن هذا الكلام هو كلام الربّ (آ 9).
آ 10- دمِّروا المدينة ولا تقضوا عليها... أفسدوا الكرمة (رج أش هـ). لقد خانت الربّ.
آ 12- بما أن الله لا يعاقب، فهو غير موجود. قد يكون الأنبياء قالوا هذا القول.
آ 13- لهذا جاء التهديد على الأنبياء: لم تكن كلمتهم كلمة الربّ.
آ 14- هنا يتميّز إرميا (في فمك) عن سائر الأنبياء الذين تكلّموا بهذا الكلام على الله. أما لفظة "النار" فتدلّ على حضور الله. أرادوا أن يقاوموا الله والله لا يُقاوَم. أرادوا أن يجعلوا الله "كاذباً". فسوف يرون.
آ 15- عقاب مثلّث: السيف، الجوع، السبي.
آ 16- جعبتهم كقبر مفتوح. فالسهام التي فيها تحمل الموت ولا تخطئ.
آ 17- يأتي العدو. يستولي على كل شيء. يدمّر الحصون. لن يعود للشعب سلام ولن تعود له حياة كريمة.
آ 18- السبب: تعبّدوا لآلهة غريبة في أرضهم، فسوف يُستعبَدون للغرباء. ومع ذلك تبقى كلمة الرجاء حاضرة: "في تلك الأيام لا أفنيكم ". رج آ 10.
ج- دراسة عامّة
سنعود إلى موضوع العدو الآتي من الشمال في آ 15- 17. ونحن الآن أمام وحدات تبرّر تدمير الأمّة بواسطة ذاك العدوّ. وهكذا يقدّم النبيّ نظرة إلى الله. إن طرق الله في ما يخصّ تدمير أورشليم، تطلب تبريراً: لماذا عامل الله مدينته كعدوّ؟ لا شكّ في أن هذه القصيدة انطلقت من أول اجتياح بابلي سنة 597، وأعيدت قراءة النصّ على ضوء ما حدث سنة 587.
الوحدة الأولى (آ 1- 6) تطرح السؤال: لماذا الحرب؟ هي حوار بين الله ومتكلّم لا يُذكراه (قد يكون أورشليم، أو إرميا). في آ 1 يبحث الله عن انسان (صف 1: 2). هل هناك ما يُسند الغفران أو عدم الغفران؟ وفي آ 2- 5 تظهر جماعة اسرائيل غير قادرة على تقديم ما يطلبه منها الله. لهذا، فهي ستُعاقَب. قد يكون دُوّن هذا الكلامُ في زمن المنفى وبعد دمار المدينة. هكذا دمّر الربّ سدوم. وهكذا دمّر أورشليم.
وجاء عنصر جديد (آ 7- 9) يثبت فهمنا لما في آ 1- 6، كهجوم على الجماعة لممارستها عبادة الأصنام فلا يمكن أن يُغفر لها. هناك البغاء المكرَّس (تث 17:23؛ هو 4: 14)، وهناك الزنى العادي. لا تمييز بين الاثنين عند هوشع وإرميا وحزقيال والتقليد الاشتراعي.
الصورة في آ 10 هي صورة الكرمة (يهوذا واسرائيل) التي لم تعد تخصّ يهوه. إذن، سوف تدمَّر وليس هناك من يحميها (2: 21؛ أش 5: 5- 6). سوف تدمَّر وتدمَّر معها أغصانُها. ويطبّق الكاتب الصورة على الشعب (في آ 11) الذي كان غادراً تجاه الربّ
في آ 12، نجد صيغة الغائب الجمع: أنكروا. قد يعني الشعب. وقد يعني الأنبياء (آ 13). أنكروا التهديد: لا كارثة تصيب الشعب. لا اجتياح ولا سيف ولا جوع يصيب الشعب.
ويلخّص موضوعُ الجيش المهاجم في آ 15- 17. هي أمّة قديمة، عريقة، بعيدة، غريبة بلغتها وكلامها، لا تُقاوم. هي تأتي على اسرائيل لكي تلتهم كل ماله على مثال الجراد. سيدمّر الشعب، سواء هرب من المدن (4: 29) أو اختبأ في الحصون.
ويأتي الدرس الاشتراعي (آ 18- 19) بعد آ 15- 17، فيبرّر ما عمله الربّ. أما البقيّة فقد أبقي عليها لتستخلص العبرة ممّا جرى، وتُخبر الجيلَ الآتي.

6- نظام الحلق (5: 20- 31)
دُمّرت أورشليم لأنها تجاهلت عمل الله. ونظامُ الخليقة سوف يتزعزع، لأن البشر لم يعرفوا مقاصد الله، لم يكتشفوا أعماله.
أ- قراءة النصّ
آ 22- أمواجه تلتطم. صيغة الجمع (في العبرية) والفاعل هو الأمواج. في اليونانية، البحر هو الفاعل (صيغة المفرد): يعجّ ويبقى عاجزاً.
آ 23- هناك من ألغى "عاصٍ" (مأخوذة من تث 18:21، 20) لأنها تحطّم الإيقاع. لا يستطع البحر أن يدمّر شريعة الله الأبديّة، ولكن شعبه يقدر (تُرك: ي ل ك، مضى. وأخذ: ي ك ل، استطاع).
آ 24- كت: رأى. قر: خاف، خشي. هناك من اعتبر "المبكر والمتأخر" إضافة، فقرأ: لنخف الربّ إلهنا الذي يمنح المطر ويحفظ لنا أسابيع الحصاد في مواعيدها.
آ 26- يكنون للطريدة كالصيّادين. في اليونانية: وضعوا الفخاخ ليدمّروا البشر وأمسكوهم.
آ 28- ترك اليوناني: سمان لا معون... أعمال الشر.. مخصبون. فصارت الجملة: تجاوزوا قاعدة حكمي، لا يقضون دعوى اليتيم، ولا يقضون دعوى الأرملة.
آ 29- ق آ 9.
آ 31- "ش ق ر" هو تشخيص لبعل. رج 8:2؛ 13:23.
ب- التفسير
آ 25- قد يعني يعقوب قبائل الشمال تجاه يهوذا المقيم في الجنوب. وقد يكون مرادفاً ليهوذا.
آ 22- ألا تخافونني؟ رج 19:2. رأس الحكمة مخافة الله: "جعلت الرمل حداً للبحر". هذا ما يدلّ على قدرة الله على البحر. هو لا يحتاج إلى السدود، بل إلى قليل من الرمل. هذا البحر يعجّ، ويقابل الأمواج.
آ 24- جعل الربّ نظاماً في الكون على مستوى المطر والجفاف، الزراعة والحصاد.
آ 25- غير أن خطايا الانسان بلبلت هذا النظام كما في الطوفان (رج تك 8: 22).
آ 28- يظلمون الناس وينجحون. رج مز 3:73-12.
آ 29- وهكذا يبرّر الله العقاب الذي به حكم على شعبه.
آ 31- الزور هو كالخزي والعار اسم البعل (3: 24 ؛ رج 8:2؛ 13:23). لا يتنبّأ الأنبياء باسم الله الذي هو صدق، بل باسم البعل الذي هو زور. "الكهنة يتسلّطون بأيديهم" أي يجمعون ما تصل إليه أيديهم. أو: يقدّمون تعليمات يستنبطونها ولا يعودون إلى الربّ.
ج- دراسة عامّة
الموضوع الأساسي في ف 5، هو عبادة الأوثان وأشكال خاطئة من العبادة، مع كلام عن العدوّ الآتي من الشمال، وأقوال الله. أما العبرة التي تتعلّمها الأمّة من دمارها فتتعلّق بعبادة الآلهة الغريبة. بعد هذا، نرى طرق الجماعة التي ليست طبيعيّة. مع أن هذا المقطع (آ 20- 25) يتوجّه إلى يعقوب ويهوذا، إلا أننا نجهل إلى من يتوجّه الكلام. صوِّر الشعب: أحمق، فاقد الحسّ، أعمى وأصم مع أن له عينين واذنين. رج أش 6: 10 وما قيل عن الاوثان في مز 115: 4- 7. وهكذا ترتبط الجهالة بعبادة الأوثان ورفض لفهم الاله الحقيقيّ (مز 94: 7- 9). بما أن شعب يهوذا صار عابد أوثان (وبالتالي: عابد أكاذيب)، فهو لا يستطع أن يفهم الطبيعة المخلوقة. ويعطي النصُّ مثلين من نواميس الطبيعة كجزء من البرهان ضد الأمم ودلالة على أنها عمياء صمّاء. البرهان الأول: الرمل حدّ للبحر أبدي لا يتجاوزه (آ 22). وأسابيع الحصاد في مواعيدها (آ 24)0 استمراريّة في الطبيعة، لا استمراريّة وتقلّب في يهوذا الذي تعدّى الحدود التي وضعها الله.
وجاء مقطع (آ 26- 29) متأخّر يتحدّث عن "شعبي" (شعب الله)، بعد حديث عن "هذا الشعب" مع لهجة سخرية. بين الشعب هناك الأخيار والأشرار، الأغنياء والفقراء. وكان هجوم على الأشرار الذين جعلوا من الضعفاء طريدة لهم، الذين أنموا غناهم على حساب الفقراء. رج أش 1 :23 (هجوم بعد منفاوي على السلطات في المدينة). يندّد النبيّ باستغلال الناس تاركاً الكلام عن ارتداد الشعب عن الربّ في عبادة الأوثان.
ويهاجم النصّ أخيراً (آ 30- 31) رؤساء الجماعة على مستوى شعائر العبادة: الأنبياء والكهنة. رج 8:2، 26 ؛ 4 :9 ؛ 13:6= 8: 10؛ 23:23؛ 7:26، 8، 11، 16. لا فصل بين الشعب ورؤسائه كما في آ 26- 28. كلهم واحد في حياة الجماعة الدينيّة (عا 4: 5). أيكون هذا الكلام قد دوّن بشكل نهائيّ في حقبة ما بعد المنفى؟ الأمر ممكن.

7- بداية الهجوم وعقاب المدينة (6: 1- 15)
ها قد بدأ الهجوم على المدينة، ولا شيء يدافع عنها. فماذا يُنتظَر من أناس قساة القلوب؟ أترى ستبقى بقيّة، وجميعهم يطمعون بالكسب الخسيس ويمارسون أعمال الزور؟
أ- قراءة النصّ
آ 1- هناك تلاعب على الألفاظ مع "بني بنيامين"، "بتقوع تقعو أي انفخوا بالبوق"، "شأو مشأة" أي ارفعوا علامة. رج 4: 6.
آ 2- هناك من يقرأ: "هل أنتم مثل مرج جميل "؟
آ 4- قدّسوا. أي تهيّأوا. رج 1: 5. قد نكون أمام طقس مقدّس يستعدٌون به للقتال.
آ 6- إقطعوا خشباً (تث 29: 19). كلام سخرية. في اليونانية: المدينة الكاذبة (ش ق ر، بدل: ف ق د، افتقد).
آ 7- تجعل اليونانية "مرض وضربة" مع آ 8: تتأدّبين بمرض وضربة. في هامش النص الماسوري حاشية تقول إن آ 7 هي منتصف النصّ العبريّ.
آ 9- صيغة الغائب الجمع (يقطفون) أو صيغة الأمر (أقطف). إنه يشير إلى البابليين (آ 4-6).
آ 10- آذانهم غلف. أي لم تُختن. لم تُفتح لكي تسمع كلام الله.
آ 11- "امتلأتُ من سخط الربّ". هناك من يضيف: وأنا (مي 8:3). في اليونانية: "أسمح لغضبي أن يمتلئ". هو الربّ يتكلّم.
آ 12- إن 8: 10 أ يقابل هذه الآية. آ 13- 15= 8: 10- 12 مع اختلافات لغويّة طفيفة. في 8: 10 تُعطى أراملهم للآخرين، وحقولهم للمحتلّ. لا تذَكرالبيوت. وغابت آ 12 ب.
آ 14- في الماسوري: ليس سلام. في اليوناني: فأين السلام.
ب- التفسير
آ 1- كان إرميا قد دعا الناس ليلجأوا إلى أورشليم (4: 5- 6). وها هو يدعوهم ليهربوا من أورشليم، التي ستُهاجَم هي أيضاً (29:4- 31)، ويمضوا نحو الجنوب. تقوع: تقع جنوب أورشليم (عا 1: 1). وهناك تلاعب على الألفاظ مع "ت قع و" أي انفخوا. "بيت الكرم"، رج نح 3: 14. قد تكون قريبة من بيت لحم. "من الشمال"، من هناك يأتي الزحف البابلي. رج 1:13- 15؛ 4: 6؛ 6: 22.
آ 3- الرعاة بقطعانهم. أي رؤساء بابل وجيشهم.
آ 4- هي حرب مقدّسة على أورشليم.
آ 6- ويستحلف الربّ أورشليم مرّة أخيرة: تأدّبي، خذي العبرة، اتّعظي (آ 8). ولكها تحتفظ بالشرّ فيها كما تحتفظ بالماء في آبارها (آ 7).
آ 9- ويحاول الربّ المحاولة الأخيرة علّه يجد واحدا يسمع كلامه. الشعب كرمة، والرب يبحث في هذه الكرمة عن لقاطة، عن حبّة عنب باقية عل الأغصان. ونحسّ بألمه وخيبة أمله. هو لا يريد أن يعاقب. ولكنه يجد أمامه قلوباً قاسية لا تستحقّ إلاّ العقاب.
آ 10- يريد الربّ السماع، يريد الإصغاء. ولكن الآذان مغلقة والقلوب أيضاً.
آ 11- هنا يتدخّل النبي ويأخذ على عاتقه غضب الربّ. هولا يتوسّل مثل موسى، بل يترك الله يفعل. هو غضب على الجميع، هو عقاب على سكّان الأرض، على البيوت والحقول.
آ 12- خطيئة مثلّثة: المكسب الخسيس لدى الكبار، أعمال زور وكذب لدى الأنبياء والكهنة. بل كلام كذب: يقولون سلام والحرب هي هنا.
ج- دراسة عامّة
ويظهر من جديد العدوّ الآتي من الشمال في قصيدة تنبّهُ الشعب لكي يهرب من أورشليم. وموضوع "الهرب" (6:4؛ 8:50) هو جزء من إعلان نبويّ حول الحرب المقدّسة، مع سمات لم نعتد عليها (آ 1- 5). فالإشارة إلى بنيامين أمر خاص (1: 1؛ 17: 19)، وموضوع أورشليم كهدف العدوّ (لا حديث قوّة غريبة كموضوع هجوم يهوه)، ليس النوع العاديّ للحرب المقدّسة. فالتهديد البابليّ لأورشليم يتطلّب تبديلاً في أساليب الفكر التقليديّة. وفي هذا الوقت يجب على اليهوذاويين أن يهربوا أولاً من أورشليم بعد أن اجتاحها البابليون (4: 6؛ 6: 1)، ثانياً من بابل كمنفيّين ساعة تأتي قوّة عظمى من الشمال وتواجه العدوّ (8:50- 10 ؛ 6:51، 45؛ رج أش 48: 20).
أعمال الهرب والنفخ بالبوق ونصب الرايات، كل هذا يشير إلى قوّة مجتاحة تهدّد أورشليم. فابنة صهيون مرج الجمال، لم تعد تلقى الاهتمام. في آ 2- 3 نجد صورة المراعي والرعاة مع قطعانهم. في آ 4- 5، نجد حواراً دراماتيكيًّا يصوّر بداية الهجوم على المدينة، بشكل طقوس مقدّسة ترتبط بالقمر. وهكذا يكون الهجوم في الليل فيزيد رعباً على رعب.
ويأتي قول نبوي (آ 6- 8) بعد القصيدة حول الكارثة من الشمال، ويشرح لماذا أورشليم محاصرة. إن أدوات حصار أورشليم هي جواب على أوامر الله. فالعدوّ الآتي من الشمال جاء تلبية لدعوة الربّ. والسبب في تبدّل موقف الربّ هو طرق المدينة الشرّيرة: الظلم، العنف، السلب. ومع ذلك، فالرب يريد أن يؤخّر العقاب ويطلب من المدينة أن تتّعظ (آ 8).
هناك عدد من الشّراح يقسمون ف 6 إلى خمس وحدات (آ 1- 8، 9- 15، 16 - 21، 22- 26، 27-30). فالصعوبة تقوم في تحديد الموضع الذي فيه يبدأ القول والموضع الذي فيه ينتهي. وجزء من هذه المشكلة يتعلّق بالتعرّف إلى المتكلّم في هذه المقاطع المختلفة. ثم في إن آ 12- 15 تشبه 8: 10- 12. أما نحن فقسمنا ف 6 إلى مقطعين كبيرين، وتوقّفنا عند الوحدات الصغيرة. أمّا القول النبوي في آ 9 فيعود إلى صورة قطاف العنب كصورة عن دمار اسرائيل الأخير (لم تبقَ حبّة واحدة في هذه الكرمة). والأمر بالقطاف هنا يُفهم أمراً بالكلام. ولكن لمن يتكلّم؟ أللبقية التي في آ 9؟ ولكن آ 10 تقول لنا إن ليس من يسمع ولا من يُصغي. فلا يبقى إلاّ العقاب.
ونصل إلى آ 12- 15. فعبارة "قال الربّ" في نهاية آ 12، تشير إلى أن آ 11- 12 تشكلاّن وحدة، وآ 13- 15 وحدة أخرى تنتهي أبضاً بعبارة "يقول الربّ". ولكن وجود اختلافة آ 12 في 8: 10 أ، مع تكرار 13:6- 15 في 8: 10 ب- 12، دفعنا إلى جعل آ 12- 15 وحدة مستقلة أضيفت إلى آ 11. هي تعرض كلمة الدينونة في آ 11، متحدّثة عن مصير الجماعة، ومفسرّة لماذا يتألم الناس في يوم افتقاد الله لمدينته. ما يملكه الشعب من بيوت وحقول وأرامل، سيُصبح مُلك القوى المهاجمة، لأن الربّ جرّد يده (قوتّه) على العائشين في هذه الأرض. والجميع يتألمون لأنهم كلهم جزء من هذا الظلم الذي يصيب المساكين وصغار القوم، والكذب الذي يعمّ المدينة حول السلام ساعة يتحدّث كل شيء عن الحرب.

8- ثمرة رفض الربّ (16:6- 30)
ماذا انتفع الشعب من كل هذه الأعمال؟ لا شيء سوى أن رفضه للرب جلب عليه الدمار.
أ- قراءة النصّ
آ 16- قفوا في الطريق وانظروا. اقترح بعضهم: قلت على طرق القديم. أو: قفوا على طرق القديم.
آ 18- إعلمي ايتها الجماعة. في اليونانية: أطعموا قطيعهم. "ماذا يصيبهم". هذا ما لا نجده في اليونانيّة.
آ 19- "أفكارهم". في اليونانية: ارتداداتهم.
آ 20- "يأتيني". في اليونانية: يؤتيني، يحمل إليّ.
آ 21- يهلك (كت). في قر هلك (في الماضي).
آ 22- آ 22- 24= 50: 41- 43 (ما عدا اختلافات طفيفة). واحدة موجّهة إلى أورشليم والأخرى إلى بابل.
آ 23- "هو" قاسٍ . (صيغة المفرد). في بعض المخطوطات: هم قساة (صيغة الجمع).
في الماسوري: كانسان (ك. ا ي ش). في اليوناني: كالنار (ك. ا ش).
آ 25- كت: تخرجين (المؤنث. يتوجّه إلى المدينة). قر: تخرجون (الجمع. الشعب). يبدو أن كت أفضل من قر.
آ 26- "المدمّر" (أو: الدمار). في اليونانية: الألم، الصعوبة.
آ 27- "م ب ص ر"، حصن. حاشية أضيفت. هناك من ترجم: ممتحن.
آ 28- "متمرّدو المتمردين" (أكثر المتمرّدين). في اليونانية: كلهم عصاة. وقالت الترجمات: متمردون عصاة. "نحاس وحديد". حاشية أضيفت من 1: 18 (رج حز 18:22، 20 حيث يدلّ على بيت يهوذا).
آ 30- "يُدعون". في اليونانية: "أدعُهم".
ب- التفسير
آ 16- يطلب الربُّ من شعبه أن يعود إلى خبرة الأجيال السابقة التي علّمها كلامُ الله (18: 15؛ مز 139: 24). هذه الأجيال وجدت طريق السعادة، فماذا لا تتبعوها.
آ 17- رقباء. هم الأنبياء الذين كُلّفوا باعلان العقاب بعد أن رأوا ما رأوا، ودعوا الشعب إلى التوبة (حز 3: 16- 21؛ 33: 1- 9؛ رج عد 3:23؛ أش 21: 6- 12؛ هو 8:9؛ حب 2: 1). ولكن هؤلاء الرقباء رفضوا أن يقوموا بواجباتهم.
آ 18- حينئذ توجّه الربّ مباشرة إلى الشعب لينظر ماذا بُحاك في الأمم. النص الحرفي الماسوري: فاسمعوا أيها الأمم، واعرفي يا جماعة هذا الذي بهم (أو فيهم). صار في اليونانية: بسبب هذا سمعتْ الأممُ وهي أيضاً رعت قطعانها (وهذا ما لم يفعله الأنبياء).
آ 19- بعد أن استشهد الربّ الأمم، ها هو يستشهد الأرض لترى ماذا يفعل بشعبه الذي لا يُصغي إلى كلمته.
آ 25- شبأ. في عرابية الجنوبية (أش 60: 6). كانوا يصدّرون البخور الذي يدلّ على الفرح (خر 34:30)، وعلى مستوى رفيع من التقدمات. في لا 13:16 نفهم أن ارتفاع البخور علامة على حضور الله. ولكن لا رباط هنا (3: 4) بين طقس خارجي وقلب متمرّد في العمق، قلب لا يريد أن يسمع.
آ 21- هكذا قال الربّ (رج 3:4؛ 13: 1 ؛ 35:23، 37؛ 25: 15). عبارة نقرأها في بدابة كلام الربّ. ترد 78 مرّة في إرميا في هذا الشكل، ويضاف 20 مرّة مع "القدير" (هكذا قال الربّ القدير). لم تحافظ عليها الترجمة اليونانيّة مراراً.
آ 22- يصوَّر العدوُّ الآتي من الشمال. يشبَّه بموج البحر. بنت صهيون (آ 23) أي مدينة أورشليم.
آ 24- ردّة الفعل: استرخت ايدينا. قنوط ويأس (50: 43؛ رج 38: 4 ؛ 3:47).
آ 25- ما العمل؟ الاختباء. فالرعب هو في كل مكان.
آ 26- ماذا يبقى؟ الحِداد كعلامة التوبة. الربّ يهدّد بالدمار. فهل يتّعظ الشعب؟
آ 27- هنا نقرأ نداء أخيراً إلى التوبة. ولكن الشعب معدن لا يتنقّى، بل يحافظ على زغله.
ج- دراسة عامّة
إن آ 16- 21 نص يطرح أكثر من مشكلة. وفيه عدد من العناصر الاشتراعيّة مع مواضيع متعدّدة: توجيهات وتحذيرات، هجوم على شعائر العبادة الذبائحيّة، انتقاد الجماعة التي تخفت عن شريعة الربّ. أجزاء متعدّدة ضمّها "ناشر" اشتراعي فجاءت بشكل عظة لجماعة لا تعرف الخجل ولا الحياء (آ 5). إن الحوار في آ 16- 17 (يثبه عناصر 2: 5- 4: 4) يصوّر الشعب الذي رفض كل التوجيهات والتحذيرات التي أعطيت له. ونجد الخاتمة في آ 21: رفضوا أن يسيروا في الطرق القديمة، طرق الوصايا، فعثروا في طرق اختاروها بأنفسهم.
والكارثة الآتية هي ثمرة مشروع الشعب، هي نتيجة رذل شريعة الربّ (أو الكتابات الاشراعيّة). في إطار العدوّ الآتي من الشمال، يعود هذا النصّ إلى الهجوم البابليّ. ولكنه يصلح أيضاً كحديث بعد سقوط أورشليم. بعد أن تركت الجماعة شريعة الربّ (8:2؛ 8: 8)، فماذا تنتفع من عبادتها وذبائحها، ماذا تنتفع من البخور مهما عُذبت رائحتُه؟ فهو ما عاد يدلّ على حضور الله.
إن القصيدة الأخيرة (آ 22- 26) في مجموعة تتحدّث عن العدوّ الآتي من الشمال، تستعمل قصيدة وجدت في دورة الأقوال حول الأمم (55: 41- 43). الأولى تتوجّه إلى ابنة صهيون، والأخرى إلى ابنة بابل. هذا يعني أننا أمام مادة مقولبة. في هذه القصيدة يأتي العدوّ من الشمال، من أقصى الأرض. جيش قويّ وقاسٍ . وقعُ أقدامه كموج البحر. يُطب من المدينة أن تبقى في الداخل، لأن العدوّ هو في الخارج، في كل مكان. وبعد أن حلّ الخراب في الأرض، لا يبقى لصهيون سوى الحزن والحداد.
والوحدة الأخيرة في هذه الدورة الثانية (4: 5- 6: 30) والمجموعة الأولى (2: 1- 6: 30) تبدو وكأنها تأثرت بما في 1:18. وهكذا ربط الكاتب بين المطلع والمجموعة الأولى. هذا يعني أن 6: 26- 30 جاءت متأخرة. لقد جعل الله "المتكلّم" شخصاً يمحّص الشعب كما يمحّص الصانع المعادن. أما النتيجة فستكون باطلة لأن الربّ رفضهم

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM