الفصل الخامس: الثورة الأولى

الفصل الخامس
الثورة الأولى
3: 1- 4: 4

مقاطع عديدة في هذا الفصل: الحبّ الأول (2: 1-3)، ينبوع الماء الحيّ (آ 4- 13)، ألم ومرارة (آ 14- 19)، ردّ على التّهمة (آ 20- 29)، المحاكمة (آ 30- 37)، الزانية المجيدة (3: 1- 5)، اسرائيل ويهوذا (آ 6- 10)، اسرائيل التائبة (آ 11- 18)، عودة الضالة (3: 19- 4: 2)، تجديد كامل (آ 3- 4).

1- الحبّ الأول (2: 1- 3)
أ- قراءة النصّ
نقصت في اليونانيّة عبارة التقديم (في آ 1) والإشارة إلى أورشليم في آ 2. فصار النصّ: "وقال: هذا ما يقول الربّ ". في آ 2 نقرأ: "وراء قدوس إسرائيل " في اليونانيّة.
نقرأ في آ 2: "سرتِ وراثي في البريّة". نظر إرميا، شأنه شأن هو 2: 16- 22، إلى زمن البرّية من وجهة المعجزات التي أجراها الله، وترك جانبًا تمرّد إسرائيل (حز 20: 13 ؛ مز 78: 40؛ 95: 106؛ 14). نظر فقط إلى أمانة الشعب حين تبع قائده في أرض لا زرع فيها: في هذا الإطار الجافّ (لا ماء فيه ولا طعام) فرض الله حضوره بقوّة، بعد أن تجرّدت شعائر العبادة من أمور تجعلها قريبة من العبادة الكنعانيّة (7: 22؛ رج عا 5: 25). تعارضت ديانة نقيّة مع خيانات دخلت في حياة الشعب منذ دخوله في أرض كنعان (آ 25- 28). نشير إلى أنّ الريكابيّين رفضوا الدخول إلى أرض كنعان وعاشوا على حدود البرية (ف 35).
ب- التفسير
"إسرائيل قدس للربّ". هو شعب مكرّس للربّ. رج 23: 9؛ 25: 30؛ 23:31. لا يستطيع أن يتصرّف به إلاّ الله (26:36؛ مز 15:105)، لأنّط مُلك الله (خر 36:28) وحصته (11: 15؛ 31: 41). وكما أنّ الباكورة تخصّ الله، هكذا يخصّ إسرائيل الله. فمن يلمس هذه الباكورة يعاقبه الله. هنا نعود إلى الكتاب المقدّس مع ابراهيم الذي لا يلعنه أحد لأنّ الله باركه (تك 3:12)، وإلى الشعب في البريّة تجاه "نبوءة بلعام" (عد 22- 24)0 الربّ يحمي شعبه في الضيقات (تك 35: 5؛ حك 15: 11- 12) ويعاقب من يرفع يده عليه (تك 17:12؛ 3:20، 7؛ مز 105: 14؛ حك 25:15).
ج- دراسة عامّة
إنّ مقدّمة الخطبة الطويلة في 2: 4- 37، تفتح مجموعة المواد التي نقرأها في 2: 4- 6: 30، وتجعل من أورشليم تلك التي يتوجّه إليها الكلام النبويّ. إنّ العبارة التي نجدها في المقدّمة تميّز التدوين الأخير من التقليد (لا نجده في اليونانيّة)، وتعكس محاولة تقديم ينبوع أقوال المتكلّم، كما تدلن على تعليمات الله. لا يقال إلى من وجِّه هذا الكلام. هي المدينة أو جماعة أورشليم (أش 45: 1- 2). وتأتي صورة شعريّة تصوّر اسرائيل كعروس تبعت ربّها في البريّة. هي ثمرة عمل الله وبداية غلّته. نشير إلى أنّ الاستعارة الزواجيّة مهمّة جدًّا لتصوير العلاقات بين إسرائيل وشعبه، عند هوشع وإرميا وحزقيال وأشعيا الثالث، هذه الاستعارة الآتية من العالم الكنعانيّ. وهناك استعارة مأخوذة من عالم الزراعة (آ 3). رج خر 22:4؛ 26:34 ؛ لا 23: 10 ؛ تث 26: 1-4. ولكنّنا نجد وراء كلّ هذا سقوط أورشليم كسقوط الثمرة عن الشجرة.
تحدّثت آ 1- 3 عن الزمن الطيّب في الماضي، فأبانت المسافة بين أصول الأمّة وحالتها الحاضرة. نجد تعارضًا مشابهًا بين ماضي أورشليم وحاضرها في أش 1: 21. هذه العودة إلى ماضٍ خياليّ، هو بناء لاهوتيّ يحكم على المجتمع الحاضر ويتطلّع إلى مستقبل سعيد (أش 1: 26 ب). هذا الاتجاه إلى تجميل الماضي يميّز حقبة التفكّك والدمار (تث 32: 10- 14).

2- ينبوع الماء الحيّ (4:2- 13)
أ- قراءة النصّ
آ 6- إنّ القيم الأخير من هذه الآية هو حاشية أضيفت. رج 43:51؛ رج أيضًا 23:4- 26.
آ 8- الرعاة أي قوّاد الشعب.
آ 9- هناك مخطوطات تغفل "بني" بنيكم. ولكن يضيع في التوازي بين "آبائكم" في آ 3 و"بنيكم" هنا. غير أنّ النصّ الماسوري قد يريد أن يدلّ على ثلاثة أجيال لدينونة الله (7:27 ؛ رج خر 20: 5؛ تث 5 :9).
آ 11- مجده. هذه هي إحدى تصحيحات الكتبة (عددها 18) في النصّ العبريّ. نجد صيغة الجمع في هو 4: 7؛ مز 106: 20. الشكل الأصلي هو "ك ب و د ي" أي مجدي (أنا) الله.
ب- التفسير
آ 4- يتحدّث النصّ هنا عن الشعب الذي ترك الربّ الذي يشبَّه بينبوع ماء حيّ، واحتفر له آبارًا مشقَّقة لا تحتفظ بالماء. في آ 4- 13، يُفتح ملفّ اتهام إسرائيل العروس الخائنة. ومن يفتحه؟ ذاك الذي كان كلّ شيء بالنسبة إليها (آ 2- 3)، ذاك الذي كان ينبوع المياه الحيّة (آ 13). تركته والتحقت بالسراب والأوهام (رج آ 18: مياه شيحود). اعتبر الشعب أنّ الربّ أخطأ. فبيّن لهم الربّ أنّهم هم الذين أخطأوا (آ 6- 8: نجّستم أرضي)، لا هو (آ 5: أي سوء وجد آباؤكم فيّ؟). وتتوسّع المرافعة (آ 9) في براهين تدلّ على خطأ إسرائيل في شكل مقابلة (آ 10- 13): هل حدث مثل ذلك؟ هل استبدلت أمّة آلهتها؟ ومع ذلك، هذا ما فعله شعب الله. وسيأتي العقاب قريبًا (آ 17)، فيكون نتيجةَ الجحود والارتداد عن الله (آ 17، 19). ترك شعب إسرائيل طريق الربّ وأخذ طريق مصر.
آ 5- بدأ الله يدافع عن نفسه. فعاد إلى الماضي، إلى الآباء، لعلّ الأبناء يرتدّون. صاروا باطلاً. صاروا على مثال ما تعلّقوا به. تعلّقوا بالباطل، بلا شيء، فصاروا كلا شيء. رج هو 9: 10؛ مز 8:115 ؛ 18:135؛ 2 كور 18:3.
آ 6- تذكّروا مسيرتهم في الخروج بما فيها من أمور سلبيّة وتركوا الأمور الإيجابيّة: أرض قفر وحفر، أرض قحط وظلال موت. هل يمكن أن تقابَل هذه "البرّيّةُ" بغنى مصر إذن، لماذا لا نعود إلى مصر؟
آ 7- ويردّ الربّ على احتجاج الشعب فيبيّن غنى الأرض، ويتّهم أولئك الذين نجّسوا أرضه.
آ 8- أوّل المتَّهمين هم الكهنة (مي 3: 11) ودورهم هو حفظ العهد وشرح بنوده (18:18؛ لا 10: 11؛ عد 27: 21؛ تث 30: 9-13؛ 33: 10؛ حز 26:7؛ هو 6:4 ؛ ملا 7:2 ؛ سي 17:45، 26). وهناك الرؤساء (الرعاة) أي الملوك (رج مي 3: 11) الذين سيهاجمهم إرميا في 21: 1- 8:23. والفئة الثالثة هي فئة الأنبياء. طُلب منهم أن يتكلّموا باسم الربّ، فتكلّموا باسم البعل. هناك كتاب ضدّ الأنبياء (23: 9- 40). رج 13:5، 31؛ 13:6؛ 8: 10؛ 14: 13- 15؛ 27: 9، 14- 18؛ 28: 1ي ؛ 8:29- 9، 15 ؛ 9:37. حين نقابل هذا النصّ مع 13:23 (رج 1 مل 18) نفهم أنّ إرميا يصيب أنبياء مملكة يهوذا وأنبياء الشمال. في 18:18 سوف نجد الحكماء مع الكهنة والأنبياء الذين يظنّون أنّهم يحملون الخلاص إلى الشعب! "ما لا فائدة (نفع) فيه". هذا ما يدلّ على بعل الذي يمثّل الآلهة الكاذبة.
آ 9- هنا تبدأ مرافعة الربّ، فتصل إلى الأبناء وأبناء الأبناء حتى الجيل الثالث والرابع.
آ 10- كتيم. سكّان جزيرة قبرص بشكل خاص. وبشكل عامّ، الساكنون في القسم الشرقيّ من البحر المتوسّط. رج عد 24: 24؛ أش 23: 1. قيدار هي قبيلة في شمالي الجزيرة العربيّة (أو: عرابية الشماليّة). رج 49: 28 ؛ أش 21: 16. بمعنى آخر: إذهبوا إلى الغرب، إذهبوا إلى الشرق، وانظروا.
آ 11- هل استبدلت أمّة آلهتها؟ ارتبطت الديانة بالدولة، فما كانت الآلهة تتبدّل. قد يزاد إله على الآلهة في البلاد، ولكن لا تُلغى آلهة البلاد. أمّا شعب الله فاستبدل إلهه بما ليس بإله، بما لا نفع فيه. هنا نرى هجومًا على الآلهة الكاذبة. استبدل مجده. استبدل إلهه الذي هو عنوان مجده، وينبوع حياته (آ 13)، وأثمن شيء لديه.
آ 12- واستشهد الله السماء لترى جهالة شعبه. تركوا ينبوع المياه، وحفروا آبارًا مشققة.

ج- دراسة عامّة
تتوجّه هذه الخطبة الطويلة (تنتهي في 3: 5) إلى عشائر إسرائيل (3: 14؛ 31: 1). هناك بيت يعقوب وبيت إسرائيل. قد نكون في الأصل أمام قبائل الشمال. ثمّ دلّت العبارة على شعب مملكة يهوذا وقبائل الشمال. يدعو النبيّ الشعب إلى تبديل جذريّ في موقفه الدينيّ.
الوحدة الأولى تقدّم مرافعة بين يهوه وإسرائيل. نحن في إطار العائلة (آ 5، 9): قطعوا العلاقة مع الله وتعلّقوا بآلهة أخرى. قد يكون الآباء آباء الخروج من مصر، والأبناء يحاولون العودة إليها. وقد نكون هنا أمام ثلاثة أجيال الحكم البابليّ الذين يُعاقَبون لأنّهم نجّسوا أرض الربّ.
والوحدة الثانية تعود إلى الهجوم في صور وألفاظ مختلفة. تركت الأمّة إلهها، تركت يهوه ينبوع الحياة. ما فعلته غير معقول. لم يحدث ولن يحدث لدى الأمم. ومع ذلك حدث في شعب الله. ما نقرأ في آ 10- 13 يقابل ما في 13:18- 17. نحن هنا أمام صورة بلاغيّة مضخّمة، يستعملها الكاتب حتى يدلّ على فظاعة ما فعله شعبه. والنظرة إلى يهوه كينبوع الماء الحيّ تجد صدى ساخرًا في 18:15 ب: نهر كاذب، مياه لا تدوم.
3- ألم ومرارة (2: 14- 19)
أ- قراءة النصّ
آ 16- حطموا جمجمتك. في اليونانيّة: عرفوك وهزئوا بك.
آ 18- النيل. في النصّ الماسوري: شيحور. في اليونانيّة: جيحون (تك 13:2). شيحور هو رافد من روافد النيل، على حدود مصر.
آ 19- مخافتي ليست فيك. في اليونانيّة: لا أرضى عليك، لا أُسرّ بك.
ب- التفسير
تبدو آ 14- 18 بشكل معترضة داخل النصّ. يعبّر الربّ عن ألمه حين يرى شعبه يرتضي بالعبوديّة ويعود إليها. يعود إلى مصر فينهبه المصريّون الذين يهجمون عليه كالأُسد الفتيّة (آ 15)، كالأسد القويّة. ويرى النبيّ ما صارت إليه البلاد بسبب الحرب. أراد بنو يهوذا الذهاب إلى مصر، فليدفعوا ثمن اتكالهم على ملك مصر لا على الله.
16- نوف أو ممفيس: العاصمة القديمة لمصر السفلى وهي تبعد 25 كلم عن القاهرة. رج حز 13:30، 16. تحفنيس: مدينة في شماليّ شرقيّ مصر. صلَّبوا (أو: حطّموا). جمجمتك. أي أذلّوك. رج 48: 45؛ مز 80: 14. هكذا كانوا يفعلون بأسرى الحرب.
آ 18- حاولت مملكة يهوذا الصغيرة أن تستند تارة إلى مصر (مياه شيحور، أش 23: 3، قرب تحفنيس) وطورًا إلى أشور (مياه النهر، النهر الكبير، نهر الفرات، تك 31: 21؛ خر 23: 31؛ رج تك 15: 18؛ تث 1 :7؛ يش 1: 4). أمّا الأنبياء فدعوا الشعب للجوء إلى الربّ وحده (آ 13؛ حز 16:29). في نهاية القرن 8، رفض أش 30: 1 المعاهدة مع مصر (رج 20: 2؛ 28: 2) التي دفع حزقيا بسببها ثمنًا باهظًا لأشور. أمّا نا 1:9- 3:2 فتحدّث عن ضعف أشور، عن هذه المملكة السريعة العطب.
آ 19- لا تكون نحافتي فيك. ضاعت مخافة الله التي هي رأس الحكمة (تث 4: 6 ؛ أي 28:28 ؛ أم 1 :7؛ 9: 20؛ سي 1: 16). ولكن سيأتي يوم تعود هذه المخافة التي هي موقف أساسيّ بالنسبة إلى العهد مع الله (32: 40): "أجعل مخافتي في قلوبهم لئلا يبتعدوا عنّي".
ج- دراسة عامَة
تبدّلت الاستعارات والصور، ولكن التعليم ظلّ هو هو. فحالة إسرائيل الحاضرة بما فيها من دمار، تعود إلى أنّهم تركوا الربّ. تعاملت الأمّة مع الآلهة الكاذبة فخاصمها الله. وتعاهدت مع مصر وأشور، فكانت هذه المعاهدةُ في النظرة الاشتراعيّة ارتدادًا عن الله وجحودًا. فالبحث عن عون لدى ى الشعوب الغريبة، هو تعبّد لآلهة هذه الشعوب. أما فهمتْ بعدُ مملكة يهوذا ضعف مصر وعجز أشورية التي ستسقط ست حكم بابلونية؟
إنّ العودة إلى أشورية دفعت عددًا من الشرّاح إلى القول بأنّها كانت بعدُ قويّة في ذلك الوقت. وهذا يعني أنّ هذه الوحدة الأدبيّة تعود إلى سنة 625- 621، أي بداية رسالة إرميا. ولكنّنا ننسى الطبيعة البلاغيّة للعمل الشعر في. فمصر وأشورية يتقابلان دومًا عند أش 18:7؛ 25:19؛ 4:52؛ هو 7: 11؛ 3:9، 6؛ 5:11؛ 12: 1؛ رج 9:8، 13؛ أش 10: 24؛ 11: 11، 16؛ 23:19- 24 ؛ 20: 4؛ 13:27. وحين تُذكر الواحدة تذكر الثانية أيضًا. وهكذا يكون ذكرأشورية ذكرًا شكليًّا (رج مرا 5: 6؛ زك 10: 10- 11 ؛ عز 22:6) ولا يفترض أن نحدّد زمن كتابة 2: 14- 19 خلال الحقبة الأشوريّة التي امتدّت من سنة 745 حتى سنة 605 ق. م.

4- ردّ على التهمة (2: 20- 29)
في هذا القول، وعبر الصور المتكاثرة والمتجمّعة، التي تتحدّث عن "زنى" شعب العهد، نُحسّ بألم عميق في "قلب" الله من خلال قلب النبيّ. لا نبحث عن تماسك النصّ ومنطق البراهين، بل عن الحرارة التي بها يكلّم الله شعبه ويبيّن له خطيئته حين يتّبع الآلهة الغريبة.
أ- قراءة النصّ
آ 20- إنّ "ش ب ر ت ي" هي صيغة مؤنث قديمة. هي الأمّة يتوجّه إليها الكلام. نجد "ا ع ب ر"، بدل "ا ع ب د" أي أكون عبدة. الالتباس بين الدال والراء أمر معروف. "ص ع ه" فعل يرتبط بالزنى والفجور.
آ 21- حديث عن الكرمة (ج ف ن)، رج حز 17: 6، التي مالت (س ور، شوّر).
آ 22- نقرأ في العبريّة: "ادوناي (السيّد) يهوه". في اليونانيّة فقط "كيريوس" الذي يعني الربّ.
آ 23- في الوادي. كذا في العبريّة. في اليونانيّة: في المدافن. هنا يختلف النصّ اليونانيّ عن النصّ الماسوري. ضاعت الاستعارة العبريّة فصارت: "نشاط في الطريق".
آ 24- قرأت العبريّة: الفرأة (الأتانة الوحشيّة) معاودة البريّة، التي اعتادت القفار. فتبدّل المعنى في اليونانيّة: مدّت طرقها فوق مياه البريّة.
آ 25- "و ج و ر ن ك " هي خطأ كاتب (كت) كلمة "ا و ج ز ن ك "، الحلق
آ 26- بيت إسرائيل في العبريّة. بنو إسرائيل في اليونانيّة. اعتبر عدد من الشرّاح الشطر الثاني من الآية (هم وملوكهم...) إضافة إلى الأصل.
آ 27- في "كت " صيغة المتكلّم المفرد. في "قر" صيغة المتكلّم الجمع. سارت اليونانيّة مع كت فقالت: ولدتني.
آ 28- رج 13:11. نقرأ في اليونانيّة: بقدر شوارع أورشليم ذبحوا للبعل.
آ 29- نقرأ في اليونانيّة: لماذا تكلّموني؟ كلّكم كفرة كلّكم تعدّيتم عليّ، يقول الربّ.
ب- التفسير
آ 20- من القديم، أي من زمن قديم. منذ الدخول إلى أرض الموعد (رج آ 2)، وربّما منذ زمن الخروج (رج حز 20: 1 ي؛ 23: 1ي). عاد إرميا مرارًا إلى هذا الفساد العميق في إسرائيل (6: 27- 30؛ 8: 4- 7؛ 13: 23)، إلى التمرّد (عدم الاستعداد، عدم الجهوزيّة والطاعة) الذي لا يتحمّل أي إكراه، ويعتبر أنّ كل قيد لنزواته هو عبوديّة. هنا نتذكّر النبي هوشع. اضطجعت زانية. فعلت إسرائيل كما فعلت سائر الأمم (آ 11، بل إن الأمم هي أفضل منها). ظنّ شعب إسرائيل أنه يستطيع أن يعبد في الوقت عينه الربّ وبعل. فالأرض أرض بعل (الصحراء أرض الله) وهو يخصبها بمطره (رج أرض بعل، أي أرض يرويها المطر). وكانوا يعيّدون لبعل في مواضع تشير إلى الخصب: غابة مقدّسة بأشجار خضراء طوال السنة (3: 6، 13؛ دا 12: 2؛ 1 مل 14: 23؛ 2 مل 16: 4؛ 17: 10؛ أش 1: 29؛ 57: 5؛ حز 13:6: هو 13:4). أو شجرة كبيرة قرب ينبوع ماء. وكانت ممارساتُ الفجور فيما يُسمّى البغاء المكرّس، وهذا ما ندّد به الأنبياء (هو 2: 15). لا يقبل الربّ بأن يقاسمه "إله" قلب شعبه (نا 1: 2). وعلى شعبه أن ينتظر منه وحده كلّ شيء، حتّى خصب الربّ (3:3؛ 16:11 ؛ هو 9:14). كلّ ممارسة إضافيّة، ولا سيّمَا تجاه بعل، يمقتها الربّ، الذي لا يريد أن يذكر المؤمن حتى اسم البعل في فمه (هو 2: 19). عبادة الأصنام لدى الأمّة هي خيانة العروس لعريسها (آ 2؛ أش 54: 5؛ هو 18:2)، هي زنى (3: 1- 4؛ 7:5؛ 27:13؛ أش 3:57 ؛ حز 16: 1 ي؛23: 1 ي؛ هو 7:2 ؛ 4: 10).
آ 21- أجود كرمة، أفضل كرمة. حرفيًّا: س رق. قد يأتي هذا الزرع من وادي سورق (قض 16: 4). رج تك 49: 11؛ أش 5: 2؛ 16: 8. إن الكرمة ترمز إلى شعب العهد (أش 5: 1 ؛ 27: 2- 5؛ حز 6:17 ؛ هو 15: 1)، ترمز إلى الحبّ (نش 1 :6- 14؛ 2: 15؛ 8: 12). ولكن أجود كرمة صارت كرمة فاسدة الثمار، كرمة تنكرت للربّ فصارت غريبة عنه.
آ 23- تنجّست الأمّة، لها ينفعها الاغتسال بالنطرون؟ "في الوادي". يحيط الوادي بأورشليم من الغرب ومن الجنوب، وكانوا يصلون إليه عبر باب الوادي (نح 13:2، 15؛ 13:3؛ 2 أخ 26: 9). هو وادي بن هنوم (7: 31- 32؛ 19: 6 ؛ 32: 25؛ رج يش 8:15). روى 2 مل 23: 10 الممارسة الدينيّة الرجسة التي تتمّ في هذا الوادي (كانوا يُحرقون الأطفال في النار). سيصبح هذا الوادي "جهنّم" أي موضع اللعنة. رج مت 5: 22. "الناقة الخفيفة". تدلّ على التقلّب والقلق. هكذا يتقلّب شعب إسرائيل من الله إلى بعل.
آ 24- في شهرها. هي تحتاج إلى الذكر فتذهب إليه. إسرائيل هو الذي يذهب إلى الأصنام، إلى معابد البعل، مثل أتان وحشيّة. نلاحظ الصور المأخوذة من عالم الحيوان. ولا سيّمَا على مستوى الحياة الجنسيّة.
آ 25- الغرباء. قد تكون الآلهة الغريبة كما في 13:3 (رج مز 44: 21؛ 81: 10؛ زري م)، وقد يكونون بشر (ملوك) غرباء، كما في 19:5؛ 8:30؛ 51: 2- 51؛ أش 1: 7. في الحالتين، نحن أمام خيانة إسرائيل لعريسها (آ 2). هذا ما يندّد به النبيّ (آ 20؛ حز 32:16). فكيف يرضى بنو إسرائيل "بسحر" هؤلاء الغرباء؟
آ 27- مع هذه الآية نفهم أنّ لفظة "زري م" تدلّ بالأحرى على الآلهة الغريبة المصنوعة من الخشب أو من الحجر. قد نكون هنا أمام العبادة على المشارف (1 مل 3: 2) حيث كانت النصب والأوتاد (ترمز إلى الاله) التي يرفضها الربّ (تث 7: 5 ؛ 16: 21- 22). يتكلّم بنو إسرائيل هنا كما يتكلّم الوثنيّون عن علاقة الأبوّة بين الآلهة والمؤمنين (عد 27: 29؛ ملا 2: 11). أو يطبّقون على الأصنام ما يقولونه للإله الحقيقيّ.
آ 28- الآلهة على عدد مدنكم. كانت المعابد عديدة. دمّرها يوشيا في إصلاحه، بعد أن صارت مركزًا لعبادة الأصنام.
آ 29- كيف تتجرّأون بعد الآن أن تخاصموني؟ أن تقفوا في وجهي؟ كيف تدافعون عن أنفسكم؟
ج- دراسة عامّة
إن الكلام في صيغة المؤنث، كما بدأ في آ 16، يتواصل في آ 20- 22 مع ثلاثة أنواع من الصور: صورة المرأة المتحرّرة (آ 25) التي كسرت النير لتعيش الزنى، فقالت: لا أتعبّد رافضة (آ 14). فالجماعة هي أمة وعبدة. والأمّة تتمرّد على الله. الصورة الثانية هي صورة الأمّة التي انحدرت من ماضيها المجيد (أجود كرمة) فصارت كرمة سيّئة الثمار (آ 2). في آ 22، هي صورة المرأة التي لا شيء يفيد في غسلها. هي ملطخة بالإثم، والتمرّد، والانحطاط، والتلوّث. ذاك هو رضع الأمّة.
في آ 23- 25، تردّ الجماعة على الاتهام بأنّها ملطخة بالإثم. أنكرت نجاستها، ولكنّها أقرّت أنّها تطلب الآلهة الغريبة. ويستعمل النبيّ صورتين: الناقة الخفيفة، والآتان الوحشيّة. وكلتاهما ضحيّة الشهوة. الأمّة (أو المدينة، آ 2) تتجسَم في امرأة. والعلاقة بين يهوه وإسرائيل هي العلاقة بين الرجل وزوجته. في العالم القديم، تمتع الرجل بحريّة جنسيّة لم تعرفها المرأة. فالمرأة مرتبطة بزوجها. كلّ نشاط جنسيّ خارج الزواج يُعتبر زنى وينال العقاب. لهذا فالزنى هو خيانة المرأة. والأمّة هي خائنة تجاه الله الأمين دائمًا. نشير هنا إلى أنّ عبادة البعل اقترنت بالزنى في ظلّ المعابد، بالبغاء المكرّس، الذي يمثّل اتحاد السماء مع الأرض. وهكذا نفهم ارتباط عبادة الأوثان بالزنى والخيانة الزوجيّة.
جاءت لغة آ 23- 25 استعاريّة. وهي تتوضح في آ 26- 29. إسرائيل (أي يهوذا) مالت عن يهوه لتعبد آلهة أخرى، وذلك لخزيها وعارها. انتظرت أمّة إسرائيل خلاصًا من الضيق يقدّمه لها يهوه. ولكن آلهتها على عدد مدنها (آ 28). فلماذا لا تطلب منهم؟ هنا يأتي السؤال: "أين الآلهة الذين صنعتموهم لكم"؟ هذا يعني أنّهم يمرّون في وقت الشدّة والضيق (مز 3:42، 10؛ 79: 10). رج 2 مل 34:18. ومع ذلك، فالشعب يتّهم الربّ مع أنّه هو المتّهم! أو هو يبكي أمام الربّ بعد ما حلّ به من دمار.

5- المحاكمة (2: 30- 37)
بعد هذا، تبدأ المحاكمة. فيدعو الربّ "عروسه " لكي تعي أنّها تركت الربّ، مهما أنكرت ذلك قائلة: أنا بريئة (آ 35). فالربّ ما عاد يطيق هذا التجاهل وهذا اللاوعي لدى شعب ضلّ في تصرّفه ضلالاً حقيقيًّا أو مصطنعًا.
أ- قراءة النصّ
آ 30- بنيكم. هناك من يفضّل: الآباء والبنون. رج 6: 21. قال الماسوري: لم يقبلوا (الغائب). في اليونانيّة: صيغة الخاطب (لم تقبلوا). وتنتهي آ 30 في اليونانيّة: ولكنّكم لم تخافوا.
آ 31- نقرأ النصّ العبريّ حرفيًّا: أنتم جيل رأيتكم كلام يهوه. في اليونانيّة: اسمعوا كلام الربّ. هذا ما يقول الربّ. رج مز 24: 6 أ من أجل كلام يتوجّه إلى الجماعة العابدة (دور، رج مز 14: 5؛ 73: 15). هناك عدد من الشرّاح يلغي آ 31 أ على أنّها جارية أو شرح أو حاشية أضيفت. نقرأ "ر د ن و" أي نحن أحرار في أن نتصرّف. في اليونانيّة: لا نريد من يوجّهنا. واقتُرح: لقد تحرّرنا.
آ 32- "ع د ي ه" الحلية. وربّما "عادتها". رج "ع د ي م"، الطمث. أش 64: 5؛ حز 7:16.
آ 33- علّّمت طرتك "أي علّمت طرقك مع أعمالك الرديئة. نقرأ في اليونانيّة: فعلت الشرّ فأفسدت طرقك." "هـ ر ع و ت ". رج 3: 5. هناك من تحدّث عن نساء رديئات في مجتمع يهوذا: لا حاجة إلى هذه الفرضيّة.
آ 34- "أذيال". في اليونانيّة: الأيدي. وغابت لفظة "المساكين" بعد "دم". "الأزكياء" (ن ق ي ي م) تقابل الأنبياء في آ 30. "لأن على كل هذا" (زادوا: فعل). عبارة غير مفهومة. في اليونانيّة: لم أجدهم حين بحثتُ عنهم على كلّ سنديانة. رج "ا ل ه" (إيلنا في السريانيّة، شجرة) والعبادات في الحدائق (أش 1: 29؛ 17: 10).
ب- التفسير
آ 30- لم يقبلوا (أي بنيكم). وصيغة الخاطب الجمع مع "أنتم وبنيكم": لم تقبلوا. سيفكم (أنتم). هذا يعني أنّهم سيقومون على أنبيائهم. في اليونانيّة والسريانيّة: السيف (بدون الضمير) يضرب الأنبياء الكذبة كما يضرب الرعاةَ الحكماء.
آ 31- أيّها الجيل. أنظروا (افهموا) كلمة الربّ. حاشية أراد بها الكاتب أن يقول أيضًا وأيضًا: هذا الكلام هو كلام الربّ.
آ 32- كما تتعلّق الفتاة بحلاها وجهازها، كذلك يجب أن يفعل الشعب مع الربّ، فلا ينفصل عنه.
آ 34- بعد عبادة الأصنام، نجد ظلم الظالمين. قد تكون الجريمة خفيّة (أذيالك) كما يقول قمحي عائدًا إلى الآراميّة. وقد تكون ظاهرة (على يديك). وما كنت أنت في موقع الدفاع عن النفس (خر 22: 1) بعد أن ثقب السارق جدار البيت. فلا عذر لك.
آ 35- وبعد ذلك تقولين: أنا بريئة! وهكذا زادت خطيئة على خطيئة بعد أن أرادت أن تكذب الم أخطأ). لهذا، سيحاكمها الربّ. أخطأت (ح ط ا ت ي) الهدف (مرا 4: 6؛ رج قض 20: 16؛ مز 39: 2). في أم 8: 35- 36 نجد تعارضًا بين "وجد" و"أخطأ".
آ 36- مصر وأشور. رج آ 18. نحن هنا في مرحلة ما بعد زوال المملكة الأشوريّة.
ج- دراسة عامّة
احتجّ الناس فردّ الله: أنا الذي ضربت بنيكم، كما ضربت الأنبياء (عا 6:4- 11). لا نجد تلميحًا إلى حدث محدّد (26: 20- 23). بل يعكس هذا الكلامُ تقليدَ (نح 26:9) قتل الأنبياء الذي سيصبح "عقيدة" في العهد الجديد (مت 29:23- 31؛ لو 11: 47- 48؛ أع 7: 51- 53). لم يكن الشعب شرّيرًا كما قال عنه الأنبياء. من أجل هذا كانت "ضربة" الله لهم تأديبًا. ولكنّهم لم يقبلوا هذا التأديب.
إنّ الموضوع الذي بدأ في آ 23- 25 يتواصل في آ 33- 37 مع استعمال استعارات إيروتيكيّة لتصوّر المعاهدات السياسيّة مع البلدان الغريبة (الغرباء في آ 25 هم مصر وأشورية، رج آ 13، 36). إنّ الوحدة بين هذين المقطعين (آ 26- 29، 30- 32) تتعلّق بعبادة الأوثان. غير أنّ الصور الجنسيّة تدلّ على المعاهدة مع الغرباء.
داخل هذا الهجوم ضدّ الذين يطلبون عون مصر، نجد هجومًا على الجماعة لأنها تقتل الأبرياء (آ 34) وتعلن أنّها بريئة (آ 35). في النصّ الماسوري، الأبرياء هم المساكين (رج أش 3؛ 14- 15). أمّا الشكل الأساسيّ (اليونانيّ)، فقد يشير إلى أولئك المذكورين في آ 30. فمضايقة الفقراء ليست موضوعًا رئيسيًّا في إر، وهكذا نكون أمام توسّع جاء فيما بعد. وفي أيّ حال، هذا الظلم خاطئ لأنّه عن سابق قصد، وليس دفاعًا عن النفس.

6- الزانية المجيدة (3: 1- 5)
هنا يتكلّم الربّ أو النبيّ في توسّع يبدو في نقطتين. إذا سرّح رجل امرأته... وأنتِ فقد زنيتِ...
أ- قراءة النصٌ
آ 1- يبدأ العبريّ مع "ل إ م ر"، قائلاً: قد نكون مع بقيّة عبارة تقول: "وكانت إلي كلمة الربّ قائلاً" (1: 4؛ 2: 1). يبدأ اليونانيّ مع الأداة: إذا، إن (إيان). "أيرجع إليها بعد"؟ في اليونانيّة: أيعود إليها بعد كلّ هذا؟ رج تث 24: 4 الذي تأثّر به النصّ الماسوريّ. "الأرض". قالت اليونانيّة: المرأة. ولكن اليونانيّ خلط بين "غي" (الأرض) و"غيني" (المرأة). رج آ 9 والكلام عن تلوّث الأرض.
آ 2- "ش ج ل ت " (لم توطأي فيه. ضاجعتِ). كلمة تدلّ على الزنى. قال الماسوري: كالأعرابي في البادية. واليونانيّ: مثل غراب البادية (في العبرية: ع ر ب هو العربيّ وهو الغراب، رج 1 مل 17: 4 حيث العرب هم الذين يدمون إيليّا لا الغربان).
آ 3- الشطر الأول يختلف في اليونانيّة: "احتفظت بعدد من الرعاة كحجر عثار لك". امرأة زانية. لا حاجة إلى لفظة "امرأة" (إ ش ه)، فتكلّم بعضهم عن "جبين وقح" (أش 48: 4).
آ 4- "هـ ل و ا. م ع ت ه". أليس منذ الآن. قالت اليونانيّة: "أما دعوتِني كما لو كان هناك بيت "؟
آ 5- هكذا (ها أنا) قلت. ربما: قلت هذه الأشياء.
ب- التفسير
خ آ 1- هل يرجع إليها؟ حسب قوانين ذلك العصر، يحرَّم على الرجل أن يستعيد المرأة التي طلّقها فصارت لرجل آخر. فلو فعل حمّل الأرض خطيئة (تث 24: 1- 4). ويطبّق الربّ هذا الكلام على أمّته إسرائيل التي طلّقها فتعبّدت لآلهة أخرى. هل يستطع أن يسترجعها؟ تتدنّس تلك الأرض. لقد تدنست إسرائيل في زناها وتعبّدها للأوثان (2: 20). وأنتِ هل تستطيعين أن ترجعي إليّ بعد أن صرت نجسة وزنيتِ مع آلهة أخرى. ولكنّ الربّ "يكسر" القانون ويقبلها من جديد شرط الاعتراف بخطيئتها.
آ 2- تصرّفت إسرائيل كزانية، فتركها الربّ، ودلّ على عمله حين منع عنها المطر ومع ذلك، ما استسلمت وما تراجعت (آ 3).
آ 4- نجد في هذه الآية اللغة الدينيّة التقليديّة كما في آ 19 (كم أودّ أن أحسبك من البنين)؛ خر 4: 22 (اسرائيل ابني البكر)؛ تث 6:32؛ هو 2: 1؛ 11: 1؛ ملا 1:6. قد تدلّ هذه اللغة على إيمان حقيقيّ. ولكنّها تخفي أيضًا تضعضعًا عميقًا وجحودًا وارتدادًا عن الله. مثل هذا الموقف لا يقود إلى التوبة رغم القصاص الذي يهدّد البلاد (آ 6).
آ 5- هنا يتكلّم الشعب عن الله الذي يغفر ولا يحقد. فيجيبه النبيّ: ومع ذلك، ما زلتم تفعلون الشرّ وأنتم تقولون ما تقولون.
ج- دراسة عامّة
بعد خطبة طويلة فيها الكثير من التكرار، نجد عدّة اعتبارات وجدالات بُنِيت حول لفظة "ش و ب " (ثاب، تاب، رجع). في آ 1- 5، هناك الجحود والخيانة من جهة، وإمكانيّة الرجوع والتوبة من جهة ثانية. لعبت يهوذا ضدّ عريسها الربّ، وفعلت بوقاحة وباستمرار بحيث نجّست الأرض. والتباس اللغة تسبّبه استعارات مأخوذة من العالم الإيروتيكي تصوّر واجبات يهوذا تجاه يهوه، والمعاهدات السياسيّة مع سائر القوى، وبعض ممارساته الدينيّة.
سؤال بلاغيّ في آ 1 يتبعه جدال في آ 2- 05 السؤال في آ 1 يعكس أرضيّة مشتركة مع تث 24: 1- 4، بل يقاسى في سنة واحدة: لا يتزوّج أحد امرأة طلّقها فصارت لرجل آخر. والمعنى واضح: لا تستطيع يهوذا أن تعود إلى الربّ. رج 2: 5- 37. إنّ يهوذا التي تعاملت مع سائر الآلهة، لا تستطيع أن تعود إلى زوجها الأول، ولا يقدر زوجها الأول أن يعود إليها. ودمار أورشليم هو النتيجة التاريخيّة لهذا الواقع. كانت طقوس الخصب في كنعان تؤمّن دورة الطبيعة من زراعة الحقول ومطر في أوانه... كل هذا يفعله الإله بعل. أمّا في إسرائيل وفي يهوذا، فيهوه هو الذي يلعب دور البعل (هو 2: 8). وما كان طقسًا يُعطي الخصبَ، صار طقسَ القحط والجفاف.

7- العودة والتجديد (3: 6- 4: 4)
جمعنا هنا في نصّ واحد عدّة مقطوعات: اسرائيل ويهوذا (آ 6- 15)، إسرائيل التائبة (آ 11- 18)، عودة الضالّة (3: 19- 4: 2)، تجديد كامل (آ 3- 4).
أ- قراءة النصّ
آ 8- رأيتُ في النصّ الماسوري. في اليونانيّ: رأتْ. ونقرأ في اليونانيّة بعد "كتاب الطلاق": "في يديها". رج تث 24: 1.
آ 9- لا نجد في اليونانيّة نجّست الأرض.
آ 13- شعّبت طرقك. رج "درك" (طريق) في 23:2. كوّنتِ لنفسك أكثر من طريق لتصلي إلى عشّاقك. "تحت كلّ شجرة خضراء" حاشية مأخوذة من آ 6، أو عنصر اشتراعيّ (2: 20). سمعتم. صيغة الجمع. في اليونانيّة: المفرد: سمعتِ.
آ 14- هناك من يعتبر آ 14 شعرًا، وآ 15- 18 نثرًا. وهناك من يعتبر آ 14- 18 (بل آ 6-20) نثرًا.
آ 15- نقرأ في الماسوريّة: د ع ه: معرفة. في اليونانيّة: ما يقابل "رعى".
آ 18- في الماسوريّة: لآبائكم. في الترجمات: لآبائهم.
آ 19- "البنين " في الماسوريّة صارت "الأمّ " في اليونانيّة.
آ 25- كما تغدر المرأة الخائنة بزوجها (ب ج د)، هكذا غدر بي بيت إسرائيل، يقول الربّ.
آ 21- في الروابي. في اليونانيّة: من الشفتين. رج 29:7.
آ 22- نأتي إليك. في اليونانيّة: سنكون عبيدك.
آ 23- "م ج ب ع و ت. هـ م ون " (التلال الكثيرة). صارت في اليونانيّة: التلال وقوّة الجبال صارت ملجأً كاذبًا. بعضهم ترجم العبرّية كما يلي: حقًا الأماكن المرتفعة هي كاذبة (ليست ملجأ أمينًا)، والجبال ضجّة (لا نفع منها).
آ 24- أكل الخزي. أي أكل البعل.
آ 25- لم نسمع لصوت الربّ إلهنا. نحن أمام توسّع ليتورجيّ يقطع البنية الشعريّة في هذه الآية.
3:4- رجال يهوذا وأورشليم. رج آ 4.
4: 4- يهوه. في اليونانيّة: لالهنا. 4 ب= 21: 12 ج (وليس من مطفئ لأجل شرّ أعمالكم).
ب- التفسير
أولاً: إسرائيل ويهوذا (آ 6- 10)
آ 6- أعطى الكاتب اسمًا لإسرائيل: هي المرتدّة (الجاحدة). ويهوذا هي الماكرة. ارتدّت إسرائيل، ورأتها أختها يهوذا فتبعتها. كان شقاء إسرائيل درسًا ليهوذا. ولكنّ يهوذا لم تتعلّم. نجد في حز 16: 1 ي، 23: 1 ي مقابلة بين الأختين. لقد تماهت إسرائيل مع الارتداد والجحود، فما عادت تعرف العودة إلى الربّ.
آ 7- وتماهت يهوذا مع المكر والغدر.
آ 8- كتاب الطلاق. هذا ما يقابل سقوط السامرة وذهاب مملكة الشمال إلى السبي. راحت يهوذا في خط إسرائيل.
آ 9- فماذا ستكون النتيجة بعد كلّ هذا الزنى؟ لا يتحدّث النصّ بعد عن دمار أورشليم. كلّ ما يقول: نجّست الأرض. وزنت (أي عبدت) الحجر والخشب. رج 27:2.
آ 10- تظاهرت يهوذا بالعودة، ولكنها كاذبة، ماكرة، غادرة، مهما قالت إنّها متعلّقة بالربّ (23:2، 27، 35؛ 4:3؛ 8:8).
ثانيًا: إسرائيل التائبة (آ 11- 18)
آ 11- ولكن الله هو الربّ الأمين. ستتوب إسرائيل، ستعود مملكة الشمال، فيعيدها الربّ إليه. نلاحظ هنا مخيّلة إرميا الذي انطلق ممّا فعله يوشيّا يوم ضمّ جزءًا من مملكة الشمال، فتحدّث عن تجميع الشعب حول الربّ. إذا كان الشمال المشتّت قد جُمع، فما يكون الجنوب الذي مازال مملكة بقيادة ملك من بيت داود هو يوشيّا (آ 6).
آ 12- فلا يعبّس وجهي غضبًا عليك (لا أحوّل وجهي ضدّكم). وجه الله هو حضوره. وهذا الحضور لن يحمل التهديد للشعب. هو الإله الرحيم والأمين (ح س ي د).
آ 13- يكفي أن تقرّ "العروس" بإثمها ليغفر العريس لها. فالله إله لا يحقد.
آ 14- ضلّ الأبناء الجاحدون، فجمعهم الربّ وأعطاهم رعاة بحسب قلبه (آ 15). رج 4:23 (أقيم عليها رعاة يرعونهم)؛ اصم 35:2 (حسب ما في قلبي).
آ 16- لا يتحدّث النصّ عن العودة فقط، عن جمع المشتّتين، بل يقول إنّهم "يكثرون ويُثمرون في الأرض". أي يتجذّرون. ولا حاجة إلى تابوت عهد الربّ (صندوق يحتوي لوحي الوصايا) الذي يرمز إلى حضور الربّ. الذي هو عرش الربّ. صارت أورشليم "عرش الربّ". متى اختفى تابوت العهد من الهيكل بعد أن سلبه شيشق ملك مصر (1 مل 26:14)، ويوآش ملك إسرائيل (2 مل 14: 14)، ونبوخذ نصّر ملك بابل (2 مل 25: 9، 13- 17؛ إر 13:52، 17- 23)؟ غاب تابوت العهد فما انتبهوا إلى غيابه. ولم يصنعوا تابوت عهد غيره (رج 2 مك 5:2).
آ 17- ولمأذا؟ لقد حّلت أورشليم محلّ تابوت العهد. جاء الربّ إلى صهيون، إلى الهيكل. وهناك جعل اسمه ومركز حضوره (7: 10؛ تث 5:12، 11، 21). إلى هناك ستأتي جميع الأمم، وليس إسرائيل ويهوذا وحدهما. "إصرار (نيّات) قلوبهم الشرّيرة". رج 24:7 ؛ 13:9؛ 11: 8 ؛ 13: 10 ؛ 12:16؛ 12:18؛ 17:23؛ تث 18:29؛ مز 13:81. وقد تعني العبارة: انجذاب القلوب إلى الآلهة الكاذبة.
آ 18- زال تابوت العهد، مركز حضور الله، فصار الهيكلُ مركزَ هذا الحضور. الله هو الملك العظيم الذي سيعود إليه الكون كلّه. تعود الأمم بعد أن تترك عبادة الأصنام، وتلتقي إسرائيل مع يهوذا في أرض الربّ.
ثالثًا: عودة الضالّة (3: 19- 4: 4)
آ 19- إسرائيل فتاة، والفتاة لا ترث إلاّ في الظروف الاستثنائيّة (عد 27: 4- 7). وها هو الربّ يعطيها ميراثًا "ولا أجمل بين الأمم". تدعينني يا أبي. رج هو 11: 1.
آ 20- ولكن شعب إسرائيل شعب غادر. مثل المرأة الزانية. هذا ما قاله الربّ.
آ 21- فجاء جواب النبيّ عن بني إسرائيل: هم يبكون ويتضرّعون، لأنّهم حادوا عن الطريق ونسوا الربّ.
آ 22- فيوجّه الربّ كلامه إليهم: إرجعوا أيّها البنون الشاردون فأشفي شروركم. ويبدأ اعتراف الجماعة: ها نحن نأتي إليك؟ فأنت الربّ إلهنا.
آ 23- وقابل الشعب بين ما يُصنع على المشارف (الروابي) والجبال من عبادات أصناميّة فيها الضجيج والفجور (خر 32: 6؛ عد 25: 1- 3؛ 1 مل 18: 26- 29 ؛ هو 14:8، لا نفع فيها)، وما يقدّمه الربّ من خلاص لشعبه.
آ 24- العار (أو: الخزي) يدلّ على آلهة الأمم الوثنيّة (هو 2: 19). في 5: 31 سمّيت: الكذب، الزور. رج 11: 13 (الخزي أو العار). لهذه الآلهة قدّموا الغنم والبقر، بل قدّموا بنيهم وبناتهم ذبائح. رج 7: 31 ؛ 19: 5 ؛ تث 18: 10؛ 2 مل 3:16؛ 17:17.
آ 25- وينتهي هذا الكلام باعتراف بخطأ الأبناء وخطأ الآباء، لأنّهم لم يسمعوا صوت الله.
4: 1 ويعود الربّ إلى الكلام مع فعل "ش و ب" (تاب، رجع). إن رجعتِ يا إسرائل، فإليّ يجب أن ترجعي. لسنا فقط أمام رجوع إلى أرض الموعد. فهذا رجوع ماديّ. وهناك رجوع روحيّ وتوبة إلى الربّ. "أرجاسك " أي أصنامك الرجسة. رج 18:16؛ خر 3:20. "ولا. ت ن ود" أي لن تتيهي هنا وهناك. والمعنى: تكوني لي أمينة.
آ 2- عندئذٍ تكون الأمّة على مثال إبراهيم: تتبارك بها الأمم وتفتخر. رج تك 18:22؛ 26: 14
نقرأ في هذه الحالة "ب ك" (بكِ) بدل "ب و" (به). وإلاّ نقول إنّ الأمم تتبارك باسم الربّ.
آ 3- هنا تبدأ مجموعة قصائد تنتهي في آ 31، وهي حوار بين الربّ والنبيّ. يعلن الربّ وصول جيشِ مخيف من الشمال (آ 3- 7، 9، 11- 18، 22،27- 28)، فيجيبه النبيّ حاضَّا الشعب على التوبة (آ 8)، متشفّعًا من أجله (آ 10)، معبّرًا عن ألمه (آ 19- 21) وحيرته (آ 23- 26). وهكذا دلّ إرميا على أهميّة الحوار بين الله والإنسان، وإن كان ذلك بواسطة النبيّ. إفلحوا أرضكم... أي هيّئوها لسماع الكلمة، وانزعوا كلّ ما يعيق نموّ الزرع، زرع الكلمة.
آ 4- اختتنوا للربّ أي تكرّسوا للربّ، عاهدوه. فختانة القلب (تفتح القلب، تنزع الغشاوة) تجعل إرادة الإنسان جديرة بالقيام بوظيفتها. رج تث 10: 16 ؛ 30: 6. وهناك ختانة الأذنين كما في 6: 10. فالأذن اللامختونة (أي: مغلقة) لا تستطيع أن تسمع صوت الله.
ج- دراسة عامّة
* في آ 6- 11، نجد مقطعًا بُني حول موضوع الطلاق في آ 1. وموضوع الخيانة في آ 12. جُعل هنا بيد الناشر الاشتراعيّ، مع أننا لا نجد تعابير اشتراعيّة في هذا المقطع. رُبطت الآيات بزمن يوشيّا، فبانت على أنّها إضافة متأخّرة على تقليد جاء من طبقة تدوينيّة أعطت 1: 1- 3 ؛ 25: 1- 7. رأت يهوذا ما حدث لإسرائيل، ولكنّها تجاهلت هذا التنبيه. ماذا كان جواب يهوذا حين طلّق الربّ إسرائيل (الدمار والسبي على يد الأشوريّين)؟ تصرّفت التصرّف عينه، أي سارت وراء الآلهة الكاذبة. وإن تظاهرت بالتوبة، فهي في الواقع كاذبة، منافقة.
* في آ 12- 13، يتوجّه المتكلّم إلى مملكة الشمال، ويحدّثها عن غفران الله لها، شرط أن تقرّ بجحودها وارتدادها. نجد هنا كلمة "ش و ب" التي تعني العودة من السبي والعودة إلى الله. وهكذا نكون في المحيط الذي قدّم آ 6- 011 الله رحيم وأمين. فلا يبقى سوى الرجوع إليه.
* إن كان فعل "ش و ب" في آ 12- 13 قد دعا الجماعة إلى الارتداد عن طرقها الأصناميّة، فهو في آ 14 يتحدّث عن العودة إلى صهيون (دون نسيان العودة الأخرى). فالعلاقة بين يهوه وإسرائيل هي كالعلاقة بين الأبناء وسيّدهم (31: 32). إلى أي صهيون يعودون؟ إلى مدينة جميلة تختلف عن المدينة الفاسدة (2: 8). إنّ مصير "تابوت العهد" هو في خلفيّة هذا المقطع. ما الذي حدث له؟ هل سيُصنع تابوت عهد جديد؟ في الواقع، ضاع تابوت العهد مع سقوط أورشليم في حقبة من حقبات الحرب. هذا يعني أنّه لم يعد مهمًّا في مدينة الربّ.
بعد هذا نجد قطعتين حول المستقبل. ارتبطت آ 17 بما في آ 16 بعد أن اعتُبرتابوتُ العهد عرشَ الله. لقد صارت أورشليم عرش الله، وإليها ستأتي الأمم في حجّ لتعبد الربّ (أش 2: 2- 4= مي 4: 1- 3؛ زك 14: 16- 19). والقطعة الأخيرة (في ذلك الزمان، في آ 16: في تلك الأيّام) تتحدّث عن انضمام إسرائيل إلى يهوذا والعودة إلى فلسطين. نصّ منفاويّ أو بعد منفاويّ، وقد وُلد في حلقة (2:31- 6، 16- 20؛ حز 37: 15- 22) رفضت الانفصال بين المملكتين وتطلّعت إلى يوم تتّحدان فيه (زك 11: 7- 14). فالأمّتان ذهبتا إلى المنفى، إلى الشمال، الأولى إلى أشورية والثانية إلى بابلونية. وعودتهما إلى الأرض هي نتيجة عودتهما الى الربّ.
* نجد في آ 19- 20 قولاً نبويًّا يبدو للوهلة الأولى وكأنّه امتداد لما في 3: 1- 5. في الواقع، لا نستطيع القول إنّ الناشر أدرج آ 6- 18 بين آ 1- 5 و آ 19-20. نجد صورة الابنة التي لا ترث شأنها شأن الابن. ولكن الربّ سيجعلها ترث. وتتبذل الصورة في آ 20 من جوّ العائلة إلى جوّ الزواج مع المرأة التي غدرت زوجها. وهكذا نعود إلى مواضيع الارتداد والكذب والغدر والخيانة.
* اللهجة في آ 21- 25 تختلف عن اتّهام الأمّة. فالأمّة شريرة وتريد العودة. هي واعية للشرّ الذي صنعته، ولنداء الله، وللوعد بالشفاء. في هو 14، تحدّث النبيّ عن الشفاء. أمّا هنا، فعن الإقرار بالخطايا السابقة. أجابت الأمّة إلى نداء الربّ، فأقرّت أنّه إلهها واعترفت بكذبها حين اتّكلت على آلهة أخرى. أجل، يهوه هو خلاص إسرائيل. احتاجت إلى وقت طويل لتعرف هذا، وكان الدرس قاسيًا: دُمّرت المدن، خربت العائلات، وتكاثرت الآلام.
فالأمّة منذ صباها قد أكلها البعل، وحلّ العار والخزي بها. منذ زمن الخروج، بل "في هذا اليوم"، تعرف الدمار، لأنّها رفضت أن تسمع للربّ (آ 13). وهكذا نعود إلى عالم 2: 5- 9. ولكن هناك فرقًا كبيرًا: لقد وعت إسرائيل كذبها والغدر في تاريخها، وأخذت تطب شفاءها من الربّ، لا من البعل. لقد فعل الدمار (والمنفى) فعله فتبدّلت الأمور.
* في 4: 1- 2، نقرأ قصيدة قصيرة حول العودة (ش و ب) إلى يهوه، وحول الطريقة التي بها ترجع إسرائيل. الرجاسات هي الأصنام أو العبادات الكاذبة (2 مل 23: 13، 24 ؛ حز 20: 7). والعودة إلى يهوه تتضمّن إبعاد هذه الأصنام (تك 35: 1- 4؛ يش 14:24- 15) من حضرة الله، أي من المعبد (خر 3:20؛ تث 7:5). هذا يعني إعادة تنظيم العبادة، بعد أن كثرت المذابح، ونمت شعائر العبادة الكنعانيّة مع البحث عن خصب الأرض. أجل، ارتداد إسرائيل هو بداية ارتداد الأمم. فماذا تنتظر أن تفعل؟
* نجد في آ 3- 4 خطبة تختتم التعليم إلى يهوذا وإسرائيل (2: 2). هي تشبه ما في آ 1 - 2، غير أنّ الصور تختلف، ولا نجد بعدُ فعل "ش و ب". وتأثير هو 10: 12 ج هو واضح في آ 3 ب (إفلحوا، إزرعوا). وُجّه الكلام إلى شعب يهوذا وأورشليم، فطلب منه تبديل طرقه والانطلاق في مسيرة جذريّة جديدة. هذه البداية الجديدة تترك جانبًا الماضي وتفتح على المستقبل. وإمكانيّة تبديل الاتّجاه يجعلنا نعتبر أنّ الكارثة صارت وراء الجماعة، وأنّ الوقت حان من أجل مسيرة جديدة تكون علامتها الختان، وإلاّ حلّ بالباقين غضب الله وعقابه

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM