الفصل الثَاني: هِلْيوُدورسُ في أوْرَشَليمَ

الفصل الثَاني
هِلْيوُدورسُ في أوْرَشَليمَ
3: 1- 40

أ- المقدّمة
كانت أورشليم آمنة عامرة تحفظ الشرائع لما كان عليه أونيا الكاهن الأعظم من التقوى والبغض للشرّ. ولكنّ سمعان الوكيل على شؤون الهيكل اختلف مع أونيا وذهب فأخبر حاكم سورية بأنّ الهيكل مليء بالأموال التي يمكن وضعها تحت سلطة الملك.
فأرسل الملك وكيل خزانته هليودورس الذي وصل إلى أورشليم فاستُقبل بحفاوة. ولمّا أعلن قصده خاف الكاهن واضطربت المدينة وتضرع المؤمنون ليحفظ الرب الودائع سالمة لأصحابها.
إستمّر هليودورس في تنفيذ مهمّته. ولكن ظهرت عجيبة عظيمة: حصان أبيض ضرب هليودورس بحوافره وشابّان جلداه حتى فقد الوعي فظنّوه مات. فجاء من يطلب إلى الكاهن أن يتضرّع إلى الله أنّ على هليودورس بالحياة. فصلّى أونيا وقدّم ذبيحة من أجل خلاص الرجل.
وبعد أن قدّم هليودورس ذبيحة رجع إلى الملك وكان يشهد أمام الجميع على ما رآه من أعمال الله.

ب- تفسير الآيات الكتابية
1- خيانة سمعان (3: 1- 6)
(آ 3: 1)، المدينة المقدّسة هي أورشليم. رج 1: 12 ح. عامرة آمنة: تنعم بسلام تام. فلا حروب في الخارج ولا قلاقل في الداخل. أونيا: هو أونيا الثالث أبن سمعان الثاني الذي امتدحه ابن سيراخ (5: 1- 21) وأثنى على أعماله.
(آ 2)، يكرمونه بالعطايا: كان سخاء الملوك للهيكل معروفًا. وهذا ما يشهد عليه الكتاب المقدّس (عز 5: 14؛ 6: 3- 5، 8- 10؛ 7: 15- 19 الخ) والوثائق الكتابية عن بطليموس الثاني وبطليموس الثالث وأنطيوخس الثالث الكبير. الهيكل. حرفيًّا المكان. رج 1: 29 ح.
(آ 3)، ملك آسية. نحن هنا أمام عبارة تضخيمية. من الواضح أنّ سلوقس (187-175) لم يكن ملك الهند والصين أيضاً. يدفع من دخله الخاص. من أجل هذه العبارة وعبارات مماثلة نقرأها عند ديمتريوس الأوّل (161- 150): رج 1 مك 10: 39- 40، 42- 44.
(آ 4)، سبط بلجة: كذا نقرأ في اللاتينية العتيقة. أمّا في اليونانية: سبط بنيامين. لا يمكن أن نقرأ سبط بنيامين لأنّنا أمام عائلة كهنوتية لا سيّما وأنّ النص (4: 24) يذكر منلاوس شقيق سمعان ككاهن أعظم. سبط تعني هنا فرقة. والفرقة الكهنوتية الخامسة عشرة كانت فرقة بلجة. علامَ قام الخلاف بين سمعان وأونيا؟ تسَلّم سمعان وظيفته من السلوقيين ولهذا كان يسمح بدخول بضائع ترذلها الشريعة إلى السوق التجاري، وهذا ما لم يرضَ عنه أونيا.
(آ 5)، أبلونيوس بن ترساوس. لا شكَّ في أنه كان قريب بطليموس بن ترساوس الذي تسلّم الوظيفة عينها في أيّام أنطيوخس الثالث. وهناك رأي آخر يقول: أبلونيوس الطرسوسي الذي من طرسوس، موطن بولس الرسول الذي يقع في كيليكية. كان أبلونيوس ابن منستاوس (4: 4، 21) وهو غير أبلونيوس قائد المرتزقة (5: 24). بقاع سورية: تقع في لبنان بين السلسلة الغربية والسلسلة الشرقية. هذا في المعنى الحصري. أمّا في المعنى العام فتدلّ على المنطقة السورية الواقعة غربيّ الفرات (كل سورية، إذا ربطنا بالآرامية العبارة اليونانية "كولي سورية").
2- هليودورس في أورشليم (3: 7- 21)
(آ 7)، أمين خزينته: حرفيًا كان على رأس مصالحه. نجد هذه الكلمة في 1 مك 3: 32 وفي كتابتين وُجدتا في جزيرة ديلس وأشارتا إلى هليودورس المذكور هنا.
(آ 10)، ودائع للأرامل واليتامى. هذه الودائع كانت مقدّسة وقد قال الرب في تث 27: 19: "ملعون من يحرّف حكم غريب أو يتيم أو أرملة".
(آ 11)، هركانس بن طوبيا. وطوبيا هو المذكور في نح 2: 10. هو العبد العموني الذي ضايق نحميا كثيرًا. أربعمائة قنطار وعشرون قنطارًا. أي 10500 كليو من الفضة، 5250 كيلو من الذهب، وهو رقم مبالغ فيه. نشير إلى أنّ جزية اليهودية السنوية كانت 300 قنطار (1 مك 11: 28).
(آ 15)، الله. حرفيًا السماء. كان المؤمنون يمتنعون عن التلفّظ باسم الله. رج 1 مك 3: 18 ح. أمّا بالنسبة إلى شريعة الودائع فنقرأ عنها في خر 22: 6- 12.
(آ 16)، ويقدّم لنا الكاتب صورة عن حالة الاضطراب في أورشليم وفي قلب الكاهن الأعظم.
(آ 18)، الهيكل: حرفيًا المكان. رج 1: 29 ح.
3- الرب يحمي هيكله ويعاقب هليودورس (3: 22- 45)
(آ 24)، رب الأرواح (عب 12: 9). هكذا يُسمَّى الله مرارًا في هذا الكتاب.
(آ 27)، فاقد الوعي. حرفيًا أو غشيه ظلام كثيف. هذا ما حدث لعليما الساحر الذي حاول أن يبعد حاكم قبرص عن الإيمان. قال له بولس: "ستضربك يد الله..." فسقطت على عينيه في الحال غشاوة سوداء (أع 13: 8- 11).
(آ 28)، هنا نجد تعارضاً بين حالتين. في الحالة الأولى دخل هليودورس في موكب حافل وفي حرّاس كثيرين. في الحالة الثانية خرج هليودورس محمولاً كالميّت بلا قوّة. أجل لقد تبدَّلت الحال تبدّلاً جذريًا.
(آ 30)، وبعد أن كان أونيا يتوسّل إلى هليودورس، صار الناس يتوسّلون إلى أونيا من أجل هليودورس الذي وصل إلى آخر رمق.
(آ 31)، العليّ: اسم الله في العهد القديم ولا سيّما في المزامير وأيّوب وابن سيراخ. أمّا الكلمة العبرية فهي عليون.
(آ 32)، خاف الكاهن أن يُتّهم بأنّه هو الذي ضرب هليودورس، وكان هذا الخوف في محلّه. فلقد اتّهم سمعانُ أونيا بأنّه هو الذي سبّب لهليودورس كل هذا الشر.
(آ 34)، واشتخلص الكاتب العبرة: أنت ترى أنَّ رب السماء هو الذي عاقبك، فأعلِنْ للجميع عن قدرة الله الفائقة.
(آ 35)، وقدّم هليودورس ذبيحة (رج 13: 23) بعد أن تعوّد الناس أن يروا الملوك الوثنيين يقدّمون الذبائح في الهيكل.
(آ 36)، كان يشهد أمام الجميع على ما رأى بعينيه من أعمال الله. هذه الشهادة تشبه ما قاله داريوس: هو الإله الحيّ القيّوم إلى الأبد، المنقذ والمنجّي وصانع الآيات في السماوات والأرض (دا 6: 26- 27). الله العظيم جدًّا. هذه الصفة كانت تعطى للإله زوش، إله اليونانيين.
(آ 39)، الذي يسكن في السماء. هذه العبارة الكتابيّة نجدها في تث 26: 15؛ 1 مل 8: 30 ي؛ اش 63: 15؛ با 2: 16.

ج- ملاحظات: الهيكل وشعائر العبادة
مسرح هذا الفصل هو الهيكل. إليه جاء هليودورس، ومن أجله يصلّي الشعب. فبعد الرجوع من المنفى، تركّزت حياة الشعب في الهيكل. وصارت رسالة بني إسرائيل الصلاة التي يجسّدها الكاهن الأعظم. مكان شعب الله ليس سهل المعركة ولا رواق الملك، بل الهيكل. وإذا عدنا إلى الوراء، إلى كتاب عزرا ونحميا، نرى أنّ الهيكل ليس فقط قلب الحياة الوطنية، بل هو قلب كل الأرض. ويشير النصّ إلى أنّ الملوك الوثنيين أنفسهم يرسلون التقدمات لهذا الهيكل الذي اشتهر في العالم كلّه.
إبتدأ العهد المسيحاني بعد المنفى. فوعى الشعب أنَّ هيكل الله هو قلب الكون. حين بُني الهيكل الأوّل، هيكل سليمان، هذا الهيكل كان معبد الملك الخاص. فالقصر كان البناء الأهمّ، وكان الهيكل جزءًا من القصر. أمّا الآن فهو كل شيء وسيكون قلب كل حياة العالم. ففي أيّام عزرا ونحميا تقدّم الذبائح في الهيكل من أجل ملوك فارس، من أجل داريوس وأرتحششتا، الذين يؤمّنون المصاريف. وهكذا نقول في 2 مك. فلقد وعى شعب إسرائيل من خلال ممارسته شعائر العبادة أنَّه الشعب الكهنوتي من أجل خلاص كلّ الأمم، كما قال سفر الخروج. لا فصل بين إسرائيل والأمم، بل اتحاد سرّي. فإسرائيل كشعب كهنوتي يصلّي، يقدّم، يشفع، يحصل على الرحمة من أجل الكون كلّه. لقد صار هيكل أورشليم المكان الذي فيه يقدر جميع البشر أن يرفعوا إلى الله صلاتهم من أجل العالم. وصار رئيس الكهنة رئيس الأمّة اليهودية، بل رئيس البشرية بأسرها. إنّ أونيا في صلاته يكفل بنوع من الأنواع حياة الأرض وسلامها.
هذه النظرة نجدها في ابن سيراخ. فالكاهن الأعظم حلّ محلّ الملوك والأنبياء، وصار الشخص المركزي في الشعب. نحن لا نتكلّم عن التاريخ المنظور، لأنّ الكاهن الأعظم لا يمارس العمل السياسي. ولكنَّ الكاهن يقدّم الذبيحة ويصلّي من أجل الشعب، وصلاته فاعلة. ويقول أيضاً سفر الحكمة (ف 18) إنّ هارون أوقفت الملاك المهلك. أمّا سفر يشوع بن سيراخ فهو، بعد أن يتحدّث عن الآباء والأنبياء والملوك، يكرّس فصلاً كاملاً ليرى صورة الكاهن الأعظم سمعان ويقدّمه في مجد وظائفه الكهنوتية (50: 1). يُرى صاعدًا المذبح بكل أبّهة، وهو متوشّح بالملابس الجميلة. فكأنّي بكل تاريخ إسرائيل مقدّمة لهذا التمجيد، لهذا الحضور. كل عظمة سمعان هي هنا. هو لا يعمل عملاً خارقًا، ولكنّ كل شيء يتمّ فيه. وأونيا يحتلّ مكانة مماثلة في 2 مك. فحضوره يؤمّن النظام والحياة. وتقواه تعطي العالم السلام، والشعب الخلاص

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM