الفصل الأول: رسَالتَانِ إلى يهودِ مِصْرَ

الفصل الأول
رسَالتَانِ إلى يهودِ مِصْرَ
1: 1- 2: 32

أ- المقدّمة
1- كتب يهود فلسطين في كانون الأوّل سنة 124 (1: 9) رسالة أولى يتمنّون فيها الخير لإخوتهم في مصر ويحثّونهم على ممارسة الشريعة ويؤكّدون لهم أنّهم سيصلّون من أجلهم في وقت الضيق. ويذكّرونهم، كما أعلموهم في رسالة كتبوها منذ عشرين سنة (1: 7)، أنّهم نجوا من ضيقاتهم. ويدعونهم إلى الإحتفال معهم بعيد تدشين الهيكل. هذه الرسالة التي تتألّف من عناصر متنوّعة هي نتيجة الجمع بين وثيقتين مختلفتين.
2- وكتبوا أيضاً رسالة ثانية لم يؤرّخوها. ولكن آ 1: 18؛ 2: 16، تجعلاننا نعتقد أنّها دوِّنت قبل تدشين الهيكل سنة 164 ق م ببضعة أيّام. إذًا، كتبت الرسالة الثانية قبل الرسالة الأولى. ورغم عناصرها المفكّكة، فإنّ فكرة واحدة توجّهها وهي أنّ الله الذي يحامي عن شعبه قد أنقذ أهمّ ما لهذا الشعب من غنى: النار المقدّسة، آنية الهيكل، الكتب المقدّسة. لن نعتبر هذه الأقوال وثائق تاريخية لأنّها مأخوذة من الكتب المنحولة وموضوعة داخل إطار أدبي هو فنّ المدراش (شرح ووعظ لنص كتابي من أجل تطبيقه في الحياة العملية).
3- ويعرض الكاتب هدفه من هذا الكتاب: يريد أن يقدِّم إلى القرّاء ملخّصاً واضحًا ومشوّقًا لكتاب مكوَّن من خمسة مجلّدات. في هذا الكتاب روى ياسون القيريني كيف أنّ يهوذا المكّابي وإخوته خلّصوا البلاد بانتصاراتهم على أنطيوخس الرابع وأبنه أوباطور، واستعادوا الهيكل ورمّموه وأنقذوأ العالم اليهوديّ من الهجمة الهلّينية الوثنية.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
1- رسالة أولى إلى يهود مصر (1: 1-9)
(آ 1: 1)، في مصر. تعني العبارة في كلّ أرض مصر وليس في مدينة دون سائر المدن. كان في مصر جاليات يهودية عديدة وأشهرها جالية أسوان (اليفنتين) التي يرقى عهدها إلى مطلع القرن السادس ق م. التحيّة مؤلّفة من كلمتين: التقدّم (أو الخلاص) والسلام. الأولى تعود إلى العالم اليوناني، والثانية إلى العالم اليهودي.
(آ 2)، ويذكر عهده: نقرأ هذه العبارة في تث 4: 31؛ 9: 27؛ خر 2: 24؛ 6: 5؛ لا 26: 42، 45؛ مز 105: 8؛ 106: 45. يقول تث 4: 31: "الرب إلهك إله رحوم، لا يخذلك ولا يبيدك ولا ينسى عهد آبائك الذي أقسم به لهم".
(آ 3)، تعملوا بمشيئته في صيغة الجمع أو في صيغة المفرد: هذه العبارة نجدها في النصوص اليونانية في مز 15: 3؛ 39: 9؛ 102: 7، 21؛ 142: 10؛ سي 8: 15. بقلب كريم ونفس راضية. نقرأ في 1 أخ 28: 9 عبارة مماثلة: فاعرف إله أبيك واعبده بقلب سليم ونفس راغبة.
(آ 4)، وليفتح قلوبكم. نقرأ في أع 16: 14 أنّ الرب فتح قلب ليدية فتعلّقت بما قاله بولس. وفي لو 24: 45 أنّ الله فتح أذهانهم. الوصايا: هي موضوع كتابنا (2: 2، 7: 30 و1 مك 2: 68؛ 10: 14). وينعم عليكم بالسلام، أي بأن يصالحكم معه ويغفر لكم خطاياكم (آ 5). في هذا الكلام تلميح إلى شرعية الهيكل الذي بناه اليهود في ليونتوبوليس على بعد 30 كلم إلى الشمال الشرقيّ من القاهرة. ففي سنة 152، هرب أونيا الرابع بعد اغتيال أبيه فلجا إلى مصر وأقام هناك هيكلاً رغم أنّ سفر التثنية (12: 5؛ 7: 11، 13) يشدّد على وحدة المعبد.
(آ 5)، ويغفر لكم. في الأصل: يصالحكم. هي أوّل مرّة تبرز كلمة سيستعيدها بولس الرسول: "الله الذي صالحنا بالمسيح وعهد إلينا خدمة المصالحة. أي إنّ الله صالح العالم في المسيح وما حاسبهم على زلاتهم، وعهد إلينا أن نعلن هذه المصالحة" (2 كور 5: 18-19؛ كو 1: 20؛ روم 5: 10). في وقت الضيق: يشير النص إلى الاضطهاد الذي قاساه يهود مصر في أيّام بطليموس السابع فسكون (146-117).
(آ 6)، ونحن هنا نصلّي. نلاحظ هذه الأخوّة في الصلاة وهي ميزة خاصة بالعالم اليهودي في الزمن السابق للمسيح. والصلاة ضرورية لا سيّما في الوقت الحاضر بسبب وضع يهود مصر: فعبادتهم غير شرعية، وحياتهم في خطر بسبب الاضطهاد.
(آ 7)، ديمتريوس: هو ديمتريوس الثاني خلال حكمه الأوّل (145-138). سنة 169: تقابل نيسان 143- أيّار 142. حين حلّ بنا ضيق كبير أي: زمن إضطهاد أنطيوخس أبيفانيوس. خان ياسون وارتد (2: 3؛ 5: 8؛ رج 1 مك 1: 15؛ 2: 19؛ 11: 14). أمّا خيانة ياسون فاقرأها في 4: 7 ي. الأرض المقدّسة. عبارة معروفة نقرأها في زك 2: 16؛ مز 78: 54؛ حك 12: 3. المملكة هي مملكة الله في شعبه لا مملكة السلوقيين.
(آ 8)، أحرقوا أبواب الهيكل: رج 8: 33؛ 1 مك 4: 38. وسفكوا دم الأبرياء: رج 5: 42- 46؛ 1 مك 1: 24- 30. أمّا العبارة فتتردّد مرارًا في الكتاب المقدّس، وكان صاحبها يدلّ الرب على حال الضعفاء: 1 مك 1: 37؛ 2 مك 21: 16؛ 24: 4؛ اش 59: 7؛ مز 106: 38. قدّمنا حنطة: كانت الحنطة عنصرًا من عناصر القربان. وأشعلنا السرج: رج 1 مك 4: 50 ح. كل هذا يجعلنا في عيد التدشين الذي تمّ سنة 164.
(آ 9)، ليس العيد عيد المظالّ (لا 23: 34- 36، 39- 43) بالمعنى الحصري (كانوا يحتفلون به من 15 إلى 22 تشرين، أي أيلول- تشرين)، بل عيد تدشين المذبح الذي وجب الاحتفال به مدّة ثمانية أيّام (على غرار عيد المظال) بعد الخامس والعشرين من شهر كسلو (1 أخ 4: 59). كسلو: يوافق تشرين الثاني- كانون الأوّل. لماذا سمّي هذا العيد هكذا؟ بسبب أهمّية عيد المظالّ الذي كان يسمّى "العيد" (2 مل 8: 2، 65) أو عيد الرب (عد 29: 12؛ قض 21: 19). هذا يعني أنّه يجب أن تحتفلوا بعيد التدشين بالابّهة التي بها تحتفلون بعيد المظالّ. سنة 188 أي: كانون الأوّل 124 ق م.
2- رسالة ثانبة: موت أنطيوخس (1: 10- 17)
(آ 10)، سكّان أورشليم واليهودية: رج آ 1. مجلس الشيوخ أو الشيوخ: رؤساء العائلات الذين يمثّلون الشعب. رج 1 مك 12: 6؛ 13: 36؛ 14: 20؛ 2 مك 13: 13. يهوذا. أي: يهوذا المكّابي. رج 1 مك 2: 4. أرسطوبولس: يهودي من الإسكندرية اعتبر أنّ فلاسفة اليونان إستقوا تعاليمهم من كتب موسى. بطليموس هو بطليموس السادس فيلوميتور (181-146). الكهنة الممسوحون. كان الكهنة يمسحون بالزيت المقدّس وكانت هذه المسحة تمنحهم ديمومة الكهنوت المقدّس من جيل إلى جيل. الصحّة التامّة: حرفيًا سلام وعافية.
(آ 11)، خلصّنا من مخاطر جسيمة رغم النجاح الذي أحرزه يهوذا المكّابي (1 مك 3: 10- 26؛ 40: 1- 35؛ 2 مك 8: 8- 36). لم يكن أنطيوخس ابيفانيوس تخلّى عن مخطّطه في إفناء الشعب اليهودي (1 مك 3: 35- 36) ولكن عرف الشعب انه مات بحالة تعيسة (آ 12- 16) فباركوا الرب (آ 17).
(آ 12)، المدينة المقدّسة هي أورشليم. رج 1 مك 2: 7 ح.
(آ 13)، نناية (نانا البابلية): الاهة الطبيعة والخصب التي يقابلها اليونانيون بارتميس الأفسسية وأفروديت. كهنة: يبدو أنّ خدمة معبد الإلاهة كانت مؤمّنة على يد كاهنات، لا على يد كهنة كما يقول المؤرّخ اليوناني بلوتارخس.
(آ 14)، يتزّوج الإلاهة نناية. لم يكن هذا الزواج الأوّل من نوعه. فقد سبق الملك أن تزوّج أرتميس في هيكلها في هيرابوليس (أو منبج) في سورية. أصحابه: أصدقاء الملك هم جماعة مستشاريه والعائشين بقربه (رج 1 مك 2: 18). كان الملوك السلوقيون يحتاجون دومًا إلى المال، ولهذا تخصّصوا في سلب المعابد.
(آ 16)، قطعوهم وحزّوا رؤوسهم. يروي 1 صم 17: 54 ان داود قطع رأس جليات وجاء به إلى أورشليم. و 2 صم 20: 22 انّ أهل آبل قطعوا رأس شابع بن بكري، ويه 13: 15 انّ يوديت حملت إلى شعبها رأس اليفانا.
(آ 17)، رُوي خبر موت أنطيوخس (آ 13- 16) على نحو مثير. ولكن أين التاريخ وأين الخيال؟ ومهما يكم من آمر، فنهاية أنطيوخس الثالث المأساوية بعد سلبه هيكل بال أثّرت في خبر موت ابنه كما يُروى هنا. هناك روايتان لموت أنطيوخس (9: 1- 29؛ 1 مك 6: 1-16) لا تحتويان شيئًا ممّا نقرأه هنا.
3- معجزة نار المذبح (1: 18- 36)
(آ 18)، تطهير الهيكل (2: 16؛ 10: 5) أو تدشين الهيكل. شهر كسلو. رج آ 9 ح. النار: هي النار التي يجب أن تبقى مشتعلة على مذبح المحرقات (لا 6: 6). في الواقع لم يبنِ نحميا من جديد الهيكل ولا المذبح كما يقول النص هنا. فحين وصل إلى أورشليم سنة 445 كان الهيكل والمذبح قد بُنيا من زمان طويل. فالمذبح بُني سنة 538، والهيكل سنة 515 (عز 3: 3- 6، 8: 13؛ 5: 1- 2؛ حج 1: 1- 15؛ زك 6: 12- 15).
(آ 19)، سُبي آباؤنا إلى بلاد فارس: سُبي الشعب إلى بابل لا إلى فارس، ولكنّ الكاتب يعبّر عن فكرته في لغة عصره بعد أن زالت بابل من الوجود. نار هذا المذبح: رج آ 18 ح. يشير النص إلى أنّ هذه النار المقدّسة حُفظت في بئر لا ماء فيها إلى أن جاء نحميا.
(آ 20)، ماء طينيًا: أي ماء غير صافٍ لأنّ فيه ما يجعله رخوًا. هذا الماء الطيني هو النفط، والبترول الخام. هكذا يدلّ الاكتشاف على آننا في بلاد فارس كما يقول المدراش.
(آ 23) الكهنة والآخرون. أو بحسب اللاتينية الشعبية (فولغاتا): كل الكهنة. من هو يوناتان هذا؟ يستحيل تحديده بسبب انتشار هذا الاسم. وهكذا احترقت الذبائح مع حطبها فاعتبرها الحاضرون معجزة. واستعاد الشعب النار المقدسة.
(آ 24)، هذه صلاة نحميا التي ردّدها الكهنة وعلى رأسهم يوناتان، صلاة سامية تذكر الله خالق بني إسرائيل ومخلّصهم. يطلب نحميا إلى الله أن ينجّي شعبه ويجمعهم في الأرض المقدّسة، وأن يعذّب أعداءهم. قابل هذا الصلاة مع تلك التي نقرأها في سي 36: 1 ي: "إرحمنا أيّها الرب إله الجميع، وانظر وألقِ رعبك على جميع الأم...". أيّها الربّ، أيها الربّ الإله: هذا الترداد يدلّ على حرارة في التوسّل. رج مت 7: 21- 22؛ 25: 11؛ لو 6: 46؛ 8: 24. خالق كل شيء: رج 7: 23. أنت وحدك السموح، لا الآلهة الكاذبة رغم ما يُضفي عليها عابدوها من صفات.
(آ 25)، أخذتَ الآباء (رد تث 7: 6- 7؛ 10: 15؛ 14: 2؛ أش 44: 1 الخ)، وقدّستهم حين كرسّتهم لك وفصلتَهم عن سائر الشعوب، وأعطيتَهم دستور الطهارة (لا 11: 16)، وأمرتهم أن يتشبّهوا بك أنت الإله القدّوس. "كونوا قدّيسين لأنّي أنا قدّوس" (لا 11: 44).
(آ 26)، بنو إسرائيل هم شعب الله وحصّته. قال تث 32: 9: "نصيب الرب شعبه وبنو يعقوب حصّة ميراثه". إحتفظَ لنفسه بشعب إسرائيل وبسط حمايته على نسل يعقوب. رج زك 2: 16 (عن يهوذا)؛ سي 17: 17.
(آ 27)، اجمع شمل المشتتين، أو الشتات: الحدود العائشون خارج فلسطين (تث 30: 4؛ نح 1: 9؛ مز 146: 2؛ اش 49: 6؛ يو 7: 35؛ يع 1: 1؛ 1 بط 1: 1). مثل هذه الصلاة نقرأها في 1 أخ 16: 35: "قولوا: خلّصنا، يا إله خلاصنا، واجمعنا. أنقذنا من الأمم لنعترف لاسمك القدّوس ونشيد بحمدك". وفي مز 106: 47: "خلّصنا، أيّها الرب إلهنا، واجمعنا من الأمم" (رد مز 147: 2؛ سي 36: 10). والرب وعد أنّه يستجيب مثل هذه الصلاة: فقد قال في إرميا: "تدعوني فاستمع لكم، وتلتمسوني فتجدوني إذا طلبتموني بكلّ قلوبكم. وأُوَجد لديكم وأعيدكم من السبي وأجمعكم من بين كل الأمم ومن جميع المواضع التي دحرتكم إليها وأعيدكم إلى الموضع الذي أجليتكم منه" (ار 29: 12- 14؛ رج 31: 8- 10؛ تث 30: 3- 4؛ نح 1: 9).
(آ 28)، عاقب أو عذّب. رج حك 2: 19؛ 3: 1؛ 11: 9؛ 12: 23؛ 16: 1، 4؛ 17: 13؛ 19: 4؛ سي 33: 27. نقرأ قولاً مماثلاً لما في هذه الآية في سي 36: 6- 9. هذه الكبرياء خاصة بأنطيوخس أبيفانيوس (رج 5: 21؛ 7: 36؛ 9: 4، 7؛ 1 مك 1: 21، 24؛ 2: 47، 49.
(آ 29)، قال خر 15: 17: "تأقي بهم فتغرسهم في جبل ميراثك، في الموضع الذي أقمته يا ربّ لسكناك المقدَّس". ولكنّ المكان المقدّس توسّع هنا أكثر ممّا في نشيد موسى، فلم ينحصر في جبل صهيون بل شمل الأرض المقدّسة (رج 2 صم 7: 10؛ ار 24: 6؛ 42: 10؛ اش 60: 21؛ عا 9: 15؛ مت 15: 13؛ 1 كور 3: 6- 8).
(آ 32)، جاءت نار المذبح والتهمت كل شيء (2: 10) كالنار التي أرسلها الرب (رج لا 9: 24؛ قض 6: 21؛ 1 مل 18: 38؛ 1 مل 2: 26؛ 2 أخ 7: 1).
(آ 34)، سوَّر المكان وجعله مقدّسًا. هكذا كان يفعل الفرس الذين لم يكونوا يبنون الهياكل.
(آ 36)، نفطار: أي نفط أطر أو نفط ونار، لأنّ النار المطهّرة (آ 33) خرجت من النفط. أمّا النفط فكلمة فارسية.
4- إرميا يخفي أدوات العبادة (2: 1- 12)
(آ 2: 1)، ما زلنا في الرسالة الثانية. فبعد الحديث عن معجزة النار المقدّسة، ها هي الرسالة تخبر كيف أخفى إرميا أدوات العبادة. أجل، رغم دمار أورشليم والهيكل، ظلّ التواصل قائمًا بين فترة الذهاب إلى الجلاء وفترة الرجوع من المنفى وإعادة بناء المذبح والهيكل.
يتحدّث النصّ عن السجلاّت، عن الأرشيف، ولكن أي أرشيف؟ يبدو أنّها الكتب المنحولة التي نُسب منها عدد كبير إلى إرميا. نار المذبح هي نار مذبح المحرقات (رج 1: 19 ح).
(آ 2)، إنّ تنبيه إرميا الوارد هنا هو موضوع رسالة إرميا التي نقرأها في السبعينية بعد مراثي إرميا.
(آ 4 ي)، خبّأ إرميا أدوات العبادة وهي خيمة الاجتماع وتابوت العهد ومذبح البخور. الجبل: هو جبل نبو الذي يبعد 20 كم إلى الشرق من الضفة الشمالية للبحر الميّت (رج تث 32: 49؛ 34: 1). إنّ مبادرة إرميا هذه لا تتوافق مع ما نعرفه عن إرميا التاريخي. يقول ار 3: 16: "لا يعودون يتكلّمون عن تابوت عهد الرب، ولا يخطر لهم ببال، ولا يذكرونه ولا يتأسّفون عليه، ولن يُصنع مثله بعد". يبدو أنّ هذا الخبر يرتبط بمحيط يهوداوي حيث الاعتقاد بدوام العبادة (المذبح، نار الذبائح، والهيكل نفسه) يثير في نفوس العابدين تعلّقًا بهذه الأدوات الدينية فيجعلها وكانها من عالم السماء. قالوا: لم يهلك شيء ممّا استُعمل في شعائر العبادة. غابت هذه الأدوات مؤقتاً عن أعين المائتين ولكنّها ستظهر من جديد في نهاية الأزمنة لتشارك في تمجيد شعب إسرائيل.
يتحدّث النص عن ميراث الله، عن الأرض المقدّسة. رج ار 2: 7؛ خر 15: 17؛ مز 79: 1؛ سي 24: 12.
(آ 7)، سيبقى الموضع مجهولاً إلى أن يجمع الله شمل شعبه. نحن هنا أمام انتظار مسيحاني. رج 1: 27 ح. يرحمهم أو: يرضى عنهم. رج آ 22؛ 7: 37؛ 10: 26؛ رج أيضاً ار 5: 1، 7؛ 31: 34؛ 50: 20.
(آ 8)، وحين يجيء ذلك الوقت، يكشف لهم الرب هذه الأدوات (آ 4). ويظهر مجد الرب والغيم (أو الغمام) الذي يدلّ عليه. رج خر 16: 10؛ 24: 16- 18، 40: 34- 38، لو 2: 9؛ 2 بط 1: 17. هكذا ظهر مجد الرب على موسى، وفي الهيكل حين دشّنه سليمان. طلَبَ سليمان (1 مل 8: 11؛ 2 أخ 5: 13- 14؛ 7: 1- 3). الهيكل هو المكان (3: 2، 12، 18، 30، 38، 39؛ 5: 11، 17، 19، 20؛ 10: 7؛ 13: 23؛ 15: 34؛ يو 11: 48، أع 6: 14؛ 21: 28). والمكان المقدّس (1: 29؛ 2: 18؛ 8: 17؛ مت 24: 15؛ أع 6: 13؛ 21: 28).
(آ 9)، تحلّى سليمان بالحكمة (1 مل 5: 9- 14) فقدّم ذبيحة التدشين (1 مل 8: 62-66؛ 2 أخ 7: 1- 9).
(آ 10)، صلَّى موسى فنزلت النار من السماء. هكذا يقول لا 9: 24: خرجت نار من عند الرب فأكلت المحرقة والشحوم التي على المذبح، فنظر جميع الشعب وهتفوا مسبّحين وسقطوا على وجوههم إلى الأرض. أمّا عن سليمان فيقول 2 أخ 7: 1: ولمّا أتمّ سليمان الدعاء هبطت النار من السماء وأكلت المحرقة والذبائح وملأ مجد الرب البيت.
(آ 11)، تشير هذه الآية إلى الخبر الوارد في لا 10: 16- 20 والمروي بطريقة مدراشية في أحد الكتب المنحولة.
(آ 12)، لا ترتبط هذه الآية بما سبق، وهي تورد ثمانية أيّام العيد (رج 1 مل 8: 65؛ 2 أخ 7: 9).
5- مكتبة نحميا (2: 13- 18)
(آ 13)، لا نعرف شيئًا عن مذكّرات نحميا هذه، ويمكن أن تكون كتابًا منحولاً ضاع كما ضاع غيره من الكتب المنحولة. أمّا أنّ نحميا أنشأ مكتبة فأمر معقول عند هذا الذي نظَّم جماعة العائدين من السبي. نجد في هذه المكتبة: كتابات داود، أخبار الملوك، أخبار الأنبياء. لم يسّم الكاتب أسفار الشريعة لأنّه لم يورد كل الأسفار التوراتية. أمّا رسائل الملوك فتعني تدبير الهيكل والعلاقات مع السلطات الفارسية. ونحن نجد مثلها في عز 6: 2- 12؛ 7: 12-26.
(آ 14- 15)، وجمع يهوذا أيضاً بعض الكتب. فإن كنتم في حاجة إلى شيء منها، أرسلوا من يأخذها إليكم.
(آ 16)، وتعود الرسالة إلى أهمّية الاحتفال بعيد التطهير كما في 1: 18.
(آ 17)، ويعدِّد الكاتب الخيرات التي غمر الله بها شعبه يوم خلّصهم من ظلم أنطيوخس (رج خر 19: 5- 6). الأرض (حرفيًّا الميراث) أي الأرض المقدّسة. الملك والكهنوت: إنفصل الشعب اليهوديّ عن الوثنيين، وطُلب إليه أن يحافظ على شعائر عبادة الله، فإن فعل ذلك تفوّق على سائر الأمم. نقرأ في خر 19: 5: مملكة كهنة. هذه العبارة ستُنقل بطريقة مختلفة في الترجمات اليونانية (السبعينية، سِمَاك، تيودوسيون) وفي العهد الجديد، فنقرأ في 1 بط 2: 9 ملك كهنوت. وفي رؤ 1: 6، ملك وكهنة. والهيكل أو التقديس (رج 1: 25) بمعنى وسائل التقدّيس.
(آ 18)، تحت السماء: عبارة نجدها في أي 28: 24؛ 41: 3؛ جا 3: 1؛ دا 9: 12؛ أع 2: 5؛ 4: 12؛ كو 1: 23. يجمع شملنا (رج 1: 27 ح) إلى الموضع المقدّس (آ 8 ح).
6- مقدّمة الكاتب (2: 19- 33)
(آ 19)، أمّا موضوع الكتاب فيهوذا في عمله المهمّ: تطهير الهيكل وتدشين المذبح (1 مك 4: 36- 59).
(آ 20)، يضع الكاتب حدودًا لتاريخه: أنطيوخس وابنه أوباطور. في الواقع، إنّه يبدأ قبل أنطيوخس، مع أخيه الأكبر سلوقس الرابع (187-175) وينتهي بالنصر على نكانور في أيّام ديمتريوس الأوّل (161- 150).
(آ 21)، الآيات التي ظهرت من السماء: حين معاقبة هليودورس (3: 24 ي)، حين استعدّ أنطيوخس لغزو مصر ثانية (5: 2-4)، حين هزمَ يهوذا تيموتاوس (10: 29- 30)، وخلال حملة ليسياس الأولى (11: 8)، وفي معركة قرنائيم (12: 22). وحين ظهر أونيا وأرميا وهما يشجّعان شعب الله (15: 11- 16). دين اليهود. حرفيًّا اليهودية وهي تدلّ على مجموعة العوائد والنظم والمعتقدات والممارسات اليهودية. إنّ هؤلاء اليهود، مع قلّتهم، سلبوا البلاد، وذلك في أوّل أيّام الثورة (رج 8: 6- 7)، وطردوا الأعاجم. كان اليونانيّون يسمّون أعاجم كل من لم يولد ويتثقّف يونانيًا، فأعاد الكاتب هذه الصفة إلى اليونانيين على غرار ما فعل مز 114: 1 الذي سمّى مصر هذا البلد صاحب المدنيِّة الرفيعة: شعب أعجمي.
(آ 22)، الشرائع التي كانت في خطر الزوال. أجل، أُرسل الملك جيرون الاثيني ليُكرهَ اليهود على الارتداد عن شريعة آبائهم: تدنيس الهيكل، ممارسة البغاء المكرّس، عدم الاحتفال بالسبت وبسائر الأعياد (رج 6: 1- 11؛ 1 مك 1: 41- 51؛ 6: 59).
(آ 24-25)، كان مؤلَّف ياسون القيريني متشابَك الأحداث معقدًّا، تملاءه الأرقام من تواريخ وعدد جنود. فيه الأحداث وأخبار المعارك والتكرارات. فأراد ملخِّص هذا المؤلّف (هو صاحب 2 مك) أن يجنِّبنا قراءة هذا العمل الممل فقدّم لنا موجزًا واضحًا ومشوّقًا.
(آ 26)، لم تكن محاولة الاختصار عملاً سهلاً. ثعوَّد الكتّاب القدماء أن يسرّوا إلى قرائهم بصعوبة العمل الذي قاموا به. هذا ما فعل أبن سيراخ في مقدّمته (آ 31) حين نبَّه قراّءه أنَّه كرَّس لعمل الترجمة كثيرًا من السهر والعلم. وكل هذه المشقّة كانت لفائدة الكثيرين (آ 27). إنّ صاحب 2 مك اختصر بل زيَّن كتابه وزخرفه فبدَا حلوًا لذيذًا

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM