الفصَل السَابع: اَلكيمُسُ ونِكَنُورُ

الفصَل السَابع
اَلكيمُسُ ونِكَنُورُ
7: 1- 50

أ- المُقدّمة:
ظلّت المُقاومة ثابتة ما زالت الجَبْهَةُ الداخليّة مُتماسكة. ولكن جاء من يُقَسّم الجماعة اليهودية من الداخل: إتّصل ألكيمُس، وهو من سلالة هارون، بالمَلِك ديمتريوس، فثبّته في رثاسة الكهنوت، وأمره أن ينتقم من بني إسرائيل الذين يلتفّون حول يهوذا، ويرفضون التعامُل مع اليُونانييّن.
2- وأرسل المَلِكُ أحد أصدقائه، بكيديس، مع ألكيمُس. فمَكروا بالناس، وقتلوا بعضاً، وضيّقوا على قِسْمٍ آخر، ولكنّ يهوذا ما زال يتقوّى. حينئذ أرسل الملك أحد أشهر قواده، نكانور، فحاول اختطاف يهوذا، فعرف يهوذا بحيلته، ورفض أن يلتقي به. والتقى الخَصْمان في معركة في أداسة. سقط نكانور قتيلاً وانهزم جيشه. فعيّد الشعب، وسيطر الهدوء على أرض يهوذا.
3- للهيكل مكانة هامّة في 1 مك. تحدّث النصّ كيف أنّ أنطيوخس نجّسه وسَلَبه، فأحسّ الشعب بالعار من ذلك. ويتوسّع الكاتب فيقول: "ودخل هيكل الربّ باعتزاز، وأخذ مَذْبَح الذَهَب والشَمْعدان مع جميع أدواته، ومائدة خُبْز التَقْدِمة ومساكب الخَمْر، والطاسات والمجامر الذهبيّة والحجاب، والأكاليل وجميع الزينات المُذهّبة في واجهة الهيكل. وأخذ أيضاً الفِضّة والذهب والآنية الثمينة، وما وجده من الكُنوز الدفينة" (1: 21- 23). ولكنْ سيأتي وقت يعود الهيكل إلى طهارته، وذلك بعد الانتصار على ليسياس. فيأتي يهوذا وجيشه فينظرون، ويا لهول ما رأوا: "رأوا الهيكل خاليًا، والمذبح مُنَجّسًا، والأبواب محروقة. وفي باحات الدار، وجدوا النبات كما لو في غابة أو جبل، وغُرفات الكُهّان مهدومة. فمزّقوا ثيابهم، واشتدّ نُواحهم، وذَرَوا على رؤوسهم الرَّماد" (4: 38- 39). ماذا فعلوا؟ "طهّروا الهيكل، ونقلوا الحجارة المُدنَّسة إلى موضع غير طاهر... وبَنَوا مذبحًا جديدًا على شكل الأوّل. رمّموا الهيكل وكلّ ما كان في داخله. وطهّروا باحات الدار في خارجه، وصنعوا آنية مُقدّسة جديدةً للعبادة، وحملوا الشَمْعدان ومذبح البخُور، ومائدة خُبْز التَقْدمة إلى داخل الهيكل. وأحرقوا البخُور على المذبح، وأوقدوا السُرُج التي على الشَمْعدان لإضاءة الهيكل، ورتّبوا الخُبْز على المائدة وعلّقوا الستائر" (4: 43- 51. وزادوا على كلّ ذلك بأن بَنَوا أسوارًا عالية حول الهيكل، "لئلا تجيء الأمم الغريبة، وتدُوسه كما فعلت من قَبْل" (4: 60).
وسيجعل الكاتب أنطيوخس يعرف خطيئته الفظيعة. قال: "أَخذتُ كلّ آنية الذهب والفِضّة التي كانت في الهيكل" (6: 12). عن هذا الهيكل، سيُدافع المُدافعون، ولكنّهم يُخْلُون مواقعهم بسَبَب الجوع (6: 54). وسيخاف الشعب على الهيكل من نكانور الذي قال: "ما لَمْ يستسلم يهوذا وجيشه في الحال، سأُحرِقَ هذا الهيكل، حالما أعود مُنْتصرًا" (7: 35). ولكنّه فَشِل في معركته ضِدّ يهوذا وقُتِلَ. فاعتبر الكاتب انه مات، لانه جدّف على الهيكل.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
1- حَمْلة بكيديس (7: 1- 25)
جاء ديمتريوس من رومة إلى طرابلس (في لبنان)، ومنها إلى أنطاكية، فقتل الجيش أنطيوخس الخامس وليسياس، فجلس ديمتريوس على العَرْش. ذهب إليه ألكيمُس، فجعله رئيس كهنة. وأرسل إلى اليهودية بكيديس أحد أصدقائه. إستفاد بكيديس من حضور ألكيمُس، ليأخذ الناس بالحِيلَة، ويجعلهم يرفضُون حرب يهوذا وإخوته، ويبحثون عن حلٍّ وَسَطٍ. ورُغْم كلّ المُحاولات، لم يعترف أحد برئاسة الكهنوت لأَلكيمُس.
(آ 7: 1)، سنة 151، أي: ربيع 161 ق م. ديمتريوس هو الابن الأكبر لسلوقس الرابع فيلوباتور (187-175). رج 1: 10 ح. أرسله أبوه إلى رومة، ليكون رهينة مكان عمّه أنطيوخس الرابع. وها هو الآن يعود. هرب من رومة بمُساعدة المُؤرّخ بوليبيس، وجاء إلى مدينة على ساحل البحر، هي طرابُلس بلبنان.
(آ 2- 4)، قصر آبائه الملكيّ، أي: في أنطاكية. ستنتظر رومة سنوات، قَبْلَ أن تعترف به مَلِكًا. لا أريد أن أرى لهما وجهًا. كان ذلك بمثابة حُكْم إعدام، لا يُريد أن يُنفّذه بيده. فهذان أيضاً عدوّان للعالم اليهودي، يمُوتان.
(آ 5-7)، فجاء ألكيمس الطامع في أن يصير رئيس كهنة، مع أهل الغَدْر والنفاق من بني إسرائيل، ووشوا بيهوذا: قُتِلَ، طُرِدَ... ألكيمُس هو الشكل اليونانيّ لياقيم أو ألياقيم. يبدو أنّ ألكيمُس هو من نَسْل ياقيم، رئيس الفِرْقة الكهنوتيّة الثانية عشرة (1 أخ 24: 12). إذًا أراد أن يستعيد مجد آبائه.
(آ 8- 11)، أرسل الملك بكيديس أحد أصدقائه (رج 2: 18 ح)، وراء نهر الفُرات أي ما يقع من غربيّ الفُرات إلى البَحر المُتوسّط وإلى مصر. أرسله مع ألكيمُس الذي عيّنه رئيس كهنة، بل ثبّته في هذه الوظيفة (11: 27، 57، 14: 38). وجاء الرجلان يفرضان الصُلْح ويُضمِران الشرّ.
(آ 12)، مُعلِّي الشريعة أو الكتَبة: أناس مُتخصّصون في درس الشريعة، وسيصيرون شيئًا فشيئًا، المُوجّهين الروحيّين للأمّة. يمتدح عملهم ابن سِيراخ، فيقول: الكاتب يبحثُ عن حِكمة المُعلّمين القُدماء، ويتفرّغ لدَرْس أقوال الأنبياء. يحفظ أحاديث الرجال المشهورين، ويدخل في دقائق الأقوال الحكيمة. يبحث عن خفايا الأمثال، ويتبحّر في أقوال الحِكْمة (سي 39: 1- 3).
(آ 13)، وكان الحَسِيديم (2: 42 ح)، أوّل من طَلَب الصُلْح، أي أنّهم رفضوا مَنْطِقَ الحرب الذي يسيرُ فيه يهوذا. بادِىء ذي بَدْءٍ ، إنضمّوا إلى يهوذا، ولكِنْ لمّا حصلوا على بعض الحُريّة الدينيّة، إعتبروا أنّ حربهم قد انتهت، فرفضوا أن يُطالبوا بالحرّية السياسيّة. ولهذا جاؤوا إلى ألكيمس مُسالمين. وثقوا بألكيمُس (آ 14) الآتي مع هذا الجيش، فرمَوا سلاحهم.
(آ 15-18)، كلّمهم ألكيمُس بكلام ودّي (1: 30)، ثمّ قتل ستين منهم. فتذكّر الكاتب المزمور 79: 2-3، الذي كان يُلْمِحُ إلى أحداث سنة 587، فرأى أنّ الأمور لم تتغيّر كثيرًا.
(آ 19- 20)، بيت زيت: تبعُد 6 كم إلى الشمال من بيت صور. إنتقل بكيديس إلى بيت زيت، وبعد أن انتقم أن الذين خَذلُوه، سلّم البلاد إلى ألكيمُس، وأبقى معه قوّة من الجيش.
(آ 21-22)، وأحسّ ألكيمُس أنّه ليس رئيس الكهنة، ما دام يهوذا حيًا. فأرسل رجاله ينشُرون الفساد بين بني إسرائيل.
(آ 23-25)، وتحرّك يهوذا، وشجعّ مُحازبيه، وعاقب المُتهرّبين. فلمّا رأى ألكيمُس تَعاظُمَ قوة يهوذا، ذهب إلى المَلِك، واتّهم يهوذا وأنصاره بأبشع التُهَم.
2- حَمْلة نكانور وهزيمته وموته (7: 26- 50)
دسّ ألكيمُس دسائسه، فسَمعِ له المَلِك، وأرسل نكانور أحد كِبَار قواده. جاء نكانور وأراد أن يَمْكر بيهوذا، فعرف المكّابي بحيلته، وعدل عن مُواجهته. فهدّد نكانور الهيكل. ولم يَبْقَ له إلاّ الحرب. فانكسر جيش نكانور، وسقط نكانور قتيلاً.
(آ 26)، نكانور (3: 38) هو، بحَسَب يُوسيفوس، أصدق أصدقاء ديمتريوس، وأشهر قواده. أمره أن يُبيد بني إسرائيل، كما فعل أنطيوخس الرابع قَبْلَه (3: 35- 36).
(آ 27)، عروضاً ماكرة للسلام. إذا قرأنا 2 مك 14: 15-35، يُمكننا أن نكّون فكرة واضحةً عن العِلاقات بين القائدين، نكانور ويهوذا.
(آ 28)، قال نكانور: مالنا وللقتال. هذا ما قال إبراهيم لابن أخيه لوط (تك 13: 8). لأحَدّثك وجهًا إلى وجه، حرفيا: لأراك... أحسّ يهوذا بالمَكِيدَة (آ 30).
(آ 31-32)، وكانت حرب أولى بين نكانور ويهوذا في كَفَر سلامة (قريبة من جَبْعون)، إنتصر فيها يهوذا، وقتَلَ الكثيرين من رجال نكانور.
(آ 33-35)، فصبّ نكانورغَضَبه على الهيكل، وعلى الكهنة وشيُوخ الشَعْب. أرَوه المُحرقات التي قدّموها باسم المَلِك (عز 6: 10؛ ار 29: 7؛ با 1: 11)، فأهانهم (بَصَقَ عليهم) وهدّدهم: إنْ لم يستسلم يهوذا، سالم حْرِقُ هذا الهيكل.
(آ 36-38)، فارتفعت صلاة الكهنة، طالبةً الحماية للهيكل، والانتقام من نكانور وجيشه. ليُدعى باسمك، أو ليدعى اسمك عليه (رج 2 صم 6: 2؛ 1 مل 8: 43؛ 2 أخ 6: 33؛ دا 9: 18، ألخ). ألهيكل هو بيت صلاة وتضرّع، هذا ما قاله سُليمان يوم دشّن الهيكل (رج 1 مل 8: 29- 30، 38، 45، 49).
(آ 39- 40)، وعَسْكرَ الجيشان: نكانور في بيت حُورون (رج 3: 16 ح)، ويهوذا في أداسة (أو حداشة، المدينة الحديثة، الوارد ذكرها في يش 15: 37 بم رج 2 مك 14: 15، والتي تبعُد 8 كلم إلى الشمال من أورشليم). عدد جيش يهوذا: ثلاثة آلاف. وكان مع نكانور جيش سورية.
(آ 41-42)، ورفع يهوذا صلاته، وَذَكر ما فَعَلَهُ ملاك الربّ بجيش سَنحاريب (2 مل 19: 35؛ رج اش 36-37)، وطلب من الربّ أن يُجدّد اليوم عجائبه: "حطِّم، يا ربّ، هذا الجيش الذي يُواجهنا اليوم، حتّى يعرف الباقون أنّ قائدهم نكانور، جدّف على هيكلك، فحَكَمْتَ عليه بسَبَبِ شرّه".
(آ 43-46)، ويُصوّر الكاتب المعركة بسُرعة. سقط نكانور، فألقى جيشه سلاحهم، وهربوا فتبعهم جيش يهوذا إلى جازر (4: 15 ح). تصدّى الناس للهاربين، فعادوا إلى مُلاقاة يهوذا، وما بقي منهم أحد حيّاً (خر 14: 28؛ عد 21: 35؛ يش 8: 22؛ 10: 28- 29، 37). هذا يعني انهم انكسروا شرّ كَسرةٍ.
(آ 49)، 13 أذار 151، يُوافق 28 آذار سنة 160 ق م، عُيِّد يومُ نكانور (2 مك 15: 36)، في أيّام المكّابيين، ثمّ أُلغِيَ في ما بعد، وكان مُناسبة فرح وبهجة، وبداية فترة من السلام

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM