الفصَل السَادس: مَوْتُ أَنطيُوخسَ الرابع، وَحُكم أَنطْيُوخس الخَامس

الفصَل السَادس
مَوْتُ أَنطيُوخسَ الرابع، وَحُكم أَنطْيُوخس الخَامس
6: 1- 63

أ- المُقدّمة:
يروي القسم الأوّل (آ 1- 17) من الفصل، موت أنطيوخس أبيفانيوس: مَرِضَ لمّا عَلِم بانتصارات يهوذا وإخوته، وعرف أنّ ما أصابه، يعُود إلى المساوئ التي ارتكبها في أورشليم. سيروي 2 مك 1: 11- 16، مَوْتَ أنطيوخس في رواية مُغايرة: دخل الهيكل في المايس، ليتجوّز الإلهة نناية، فرجمه الكهنةُ بالحجارة من باب سِرّي، ثمّ قطعوا رأسه، وألقوه للذين في الخارج. وهناك رواية ثالثة لموت أنطيوخس في 2 مك 9: 1- 29، تذكُر المَرَض العُضال الذي أصابه: صار الدود يَفور من عيني ذلك الكافر، ولَحَمُه يتفتّت، وهو يتمزّق بالآلام والأوجاع، وصار الجيش كلّه يتقزّز من رائحته النَتِنَة (1 مك 9: 9).
2- ويروي القسم الثاني بداية حُكْم أنطيوخس الخامس (آ 14- 17). حاول يهوذا أن يستفيد من موت الملك، فحاصر قَلْعَة أورشليم (آ 18- 27). زَحَف أنطيوخس الخامس بجيش كبير إلى اليهوديّة: إنتصرعلى يهوذا في معركة بيت زكريا (آ 28- 47)، وافتتح بَيْتَ صور، وحاصر جبل صِهْيون (آ 48- 54). وَلكِنْ بلغت إلى الملك أخبار سيّئة: فلقد حاول فيلبّس (الذي أقامه أنطيوخس الرابع ليُربيّ ابنه)، أن يستوليَ على السُلطة الملكيّة. لهذا أُجْبِرَ الملك على تَرْكِ الحرب، وعَقَدَ مع اليهود صُلْحًا، أعطاهم بمُوجبه الحريّة الدينيّة (آ 55-62). أجل، لم يبق من سببٍ لاضطهاد اليهود، بعد أن مات أبيفانيوس. ثمّ إنّ النَقْص في المؤونة (آ 57)، ودسائس فيلبس (آ 56)، جعلت أنطيوخس الخامس يتراجع عن حرب اليهوديّة.
3- الرواية الأولى (6: 1- 17)، لموت انطيوخس تُطابق الرواية الثالثة (2 مك 9: 1 ي)، وهما تَدلاّن على أنّ الله يُعاقب الأشرار، حتّى في هذا العالم، ليعرفوا قُدْرته. هكذا عاقب فرعون بالضَرَبات العَشْر، فاعترف: "قد خَطِئْتُ إلى الربّ إلهكما وإليكما، والآن فاصفحا عن ذَنْبي هذه المرّة أيضاً، واشفعا إلى الربّ إلهكما، أن يرفع عنّي هذه الضرْبة" (خر 10: 16-17). وهذا ما سيحدُث لنبوكدنصّر الذي قال: "رفعت عينيّ إلى السماء، فثاب إليّ عقلي، وباركتُ العَليّ، وسبّحت وعظّمت الحيّ إلى الأبد، الذي سُلطانه سُلطان أبديّ، ومُلْكُهُ إلى جيل فجيل" (دا 4: 31). وكما مات أنطيوخس، والدُود في بَطْنِهِ، كذلك سيمُوت هيرودوس. "ضَرَبه ملاك الربّ... فأكله الدود ومات." (أع 12: 23). وهكذا اعتبر 1 مك و 2 مك، أنّ الربّ ضَرَبَ أنطيوخس، لأنّه نَجّس الهيكل، واضطهد شعب الله. أمّا الرواية الثانية (2 مك 1: 11-16)، فهي تستوحي عناصرها من موت أنطيوخس الثالث الذي عاقبته الآلهة، لأنّه سَبَى معابدها.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
1- نهاية أنطيوخس أبيفانيوس التَعيسة (6: 1- 17)
(آ 6: 1)، الأقاليم العُليا: رج 3: 37. المايس: رج عيلام المذكورة في الكتاب المُقدّس (تك 10: 22). ليست مدينة بل منطقة عاصمتُها شُوشن (نح 1: 1). يجعل 2 مك 9: 2 هذا الهيكل في برسابوليس أو عَشْتار. بلاد فارس: رج 3: 31.
(آ 2)، الإسكندر: رج 1: 1 ح. إعتاد الملوك أن يملأوا خزائنهم من سَلْبِ الهياكل. فسَلَب أنطيوخس الثالث (223-187) هيكل بال في عيلام، ومات هناك قَتْلاً. وسلوقُس الرابع فيلوباتور (187-175)، أرسل هليودوروس ليسلُب هيكل أورشليم (2 مك 3: 6- 31). وسيَسلُب أنطيوخس أبيفانيوس بنفسه هيكل أورشليم (1: 21- 24). أمّا هيكل المايس الذي سعى إلى سَلْبه، فهو مُكرّس للإلاهة نناية (أرتميس). رج 2 مك 1: 13، 15.
(آ 4)، فقاوموه بعناد. رج 2 مك 9: 2، أمّا 2 مك 41: 13- 16 فيُعطينا بعض المعلومات فهرب خائبًا وحزينًا، وهذا ما يشهد له المُؤرّخان اليونانيان، أبيفانيوس وبوليبيس.
(آ 5)، وحين كان في واحةً من واحات أصفهان حيثُ سيموت، جاء من أخبره بانكسار جيوشه في يهوذا: ابولونيوس (3: 10- 12)، سارون (3: 13- 24)، نكانور وجورجياس (3: 38- 4: 15).
(آ 6- 7)، المغانم الكثيرة: رج 3: 12؛ 4: 23؛ 5: 3؛ 22، 28، 35، 51. رجاسة الخراب التي بُنيت وُهِدمت. رج 1: 54؛ 4: 43- 46. كانت بيت صور حِصْنًا خاصاً بأنطيوخس أبيفانيوس. رج 4: 61.
(آ 8- 9)، هذه الأخبار زادت ألمه ألمًا، فارتمى في الفِراش (رج 1: 5)، تحت ثِقَل الغم (رج آ 4).
(آ 10- 13)، إستدعى أصدقاءه (2: 18 ح)، وأعطاهم سبب هذا المَرَض: إرتكب عَمَلَيْن سيّئين: سَلَب الهيكل، حاول أن يقضي على سُكّان يهوذا. وعرف أنّ ساعة موته صارت قريبةً. لقد اعترف أنطيوخس بخطيئته. وفي 2 مك 9: 12- 27، يُعلن عن استعداده، لأن يُكفّر عن خطيئته، وأن يمنح اليهود العطايا. أنطيوخس بعيد الآن عن أنطاكية، في أرضٍ لم تَصِلْها الحضارة اليونانيّة، لهذا اعتبر نفسه أنّه يموت في أرض غريبة.
(آ 14- 16)، ليس فيلبّس ذلك الفريجيّ الأصل، الذي يذكره 2 مك 5: 22؛ 6: 11؛ 8: 8، بل رفيق طفولة المَلِك وصديقه (2 مك 9: 29). عيّنه حاكمًا على كلّ مملكته. سّلمه خاتمه، وَخَتْمَهُ الذي يدلّ على صِحّة الرسائل الملوكيّة. فمن أخذ الخاتم أخذ السُلطة. هكذا سلّم فرعون إلى يوسف خاتمه (تك 41: 42)، وأحشويورش إلى هامان (اس 3: 10)، ثمّ إلى مردخاي (اس 8: 2). وعلى فيلبّس أن يُهيّئ أنطيوخس للمُلْك، وقد كان عُمره تسع سنوات، كما يقول المُؤرّخ أبيفانيوس. وكان ذللك سنة 149، أي في 1 تشرين الثاني سنة 164 ق م.
(آ 17)، لا نعرف لماذا سمّى أنطيوخس فيلبّس وصيًا على الملك. مهما يكن من أمر، فإنّ ليسياس احتفظ بالسُلطة، وسيُقاتل فيلبّس. أمّا أوباطور فعناها: إبن أبٍ مَجيد.
2- أنطيوخس الخامس في يهوذا (6: 8- 63)
(آ 18- 27)، يهوذا يُحاصر قلعة أورشليم: إستفاد يهوذا من موت الملك، وأراد أن يُزيل الخطر الذي تُشكّله القلعة دومًا في أورشليم. حاصرها في سنة 150 أي سنة 163-162. فهرب منها بعض الجنود، وانضمّ إليهم يهود، وذهبوا إلى الملك وقالوا: نحن مُحاصرون لأنّنا كنّا خاضعين لأبيك. الأعداء حصّنوا جبل أورشليم وبيت صور. فإذا لم تُسارع إلى منعهم، لا يعود بإمكانك السيطرة عليهم.
(آ 28- 31)، حملة أنطيوخس الخامس وليسياس. الفاعل الحقيقيّ هو ليسياس، لأنّ أنطيوخس، كما قلنا، هو ابن تسع سنوات. جاء السلوقيّون بجيشٍ جرّار مؤلف من مئة ألفٍ من المُشاة، وعشرين ألف من الفُرسان، وثلاثين فيلاً. ولكنَّ أصحاب يهوذا استبسلوا في الدفاع عن الأرض. جاء بجيشه من ممالك أخرى، من آسية الصُغرى (برغامة، البُنطْس...)، ومن جُزُر البحر أي جُزُر البحر المتوسّط الشرقيّ وسواحله (تك 10: 5؛ اش 41: 1، 5؛ 42: 4؛ مز 72: 10). نلاحظ أنّ الأرقام مضخّمة، وهي تختلف عّما نجده في 2 مك 13: 2. فرض الرومان في معاهدة افامية (سنة 188) بعد انتصارهم في مغنيزية على السلُوقيين، أن لا يستعملوا الفِيَلَة في حروبهم، في البُلدان الخاضعة لرومة أو المُتحالفة معها. ولكن يبدو أنّ رومة لم تُشدّد على تنفيذ كلّ بنود المُعاهدة.
زحف الجيش السلوقيّ عَبْرَ أدوم، كما في خلال حَمْلة ليسياس الأولى (4: 29)، وحاصروا بيت صور (رج 4: 29 ح).
(آ 32-42)، معركة بيت زكريا. اسمها اليوم خربة بيت زكريا، وهي تبعُد 9 كلم إلى الشمال من بيت صور، وعشرين كم إلى الجنوب الشرقيّ من أورشليم... وزحفت الفِيَلَة (دبّابات ذلك الزمان) على وَجْهها، يُدافع عن خاصِريها الجُنود... ونُحِسَّ أنّ جيش يهوذا، بدأ يتراجع رُغْمَ انه قتَلَ، كما يقول النصّ، سِتّ مثة من المُشاة.
(آ 43-47)، بُطُولة العازار: رأى أحد الأفيال مُدرّعًا بدُروع مَلكيّة، فظنّ أنّ المَلِكَ فوقه، فهجم ودخل بين قوائم الفِيل فقتله، فسَقَط عليه الفيل وأماته في الحال. العازار اوران هو أخ يهوذا (رج 2: 5 ح). أراد أن يَكْسَبَ لنفسه اسمًا خالدًا (رج 2: 51 خ).
(آ 48- 50)، وحاصر الملك بيت صور، ونَفَدت المَؤونة. فعقد أهل بيت صور صُلْحًا مع الملك. ويُشدّد الكاتب أنّ تلك السنة كانت سَبْتاً، فالحُقُول لا تُزْرَع.
السنة السبتيّة هي سنة راحة للناس وللأرض. ففي كلّ سبع سنوات، يستعيد العَبْدُ العِبرانيّ حُريّته، وتبقى الأرض بُورًا. يقول خر 21: 2: "إذا ابتعْتَ عبدًا عِبرانيّاً، فَليَخْدُمْك ستّ سنين، وفي السابعة يخرُج حراً مجانًا". ويقول خر 23: 10- 11: "ستّ سنين تزرع أرضك وتجمع أكلها، وفي السابعة أترك الأرض بورًا، وتَخَلَّ عنها فيأكل منها مساكين شعبك، وما فَضَل بعدهم يأكله وحَشُ البريّة. وكذلك تصنع بكَرْمك وزيتُونك" (رد لا 25: 1 ي).
هل مارس الشعب العِبرانيّ السنة السبتيّة؟ هذا ما نجهَلُه. ولكنّ النصّ الذي ندرسه، يقول إنّه في سنة 163-162، لم تُفلح الحُقُول ولم تُزْرَع.
(آ 51-54)، وحاصر المَلِكُ الهيكل، وكان يُشْبه قلعةً حصينةً، وبسَبَبِ السنة السبتية أيضاً، أخلاه المُحاصرون بسبب الجُوع.
(آ 55-57)، وأحسّ ليسياس أنه لا بدّ له من الرجوع إلى أنطاكية، لسببين: نَفَادُ الموونة، دَسائِسُ فيلبّس. رجع ليسياس إلى أنطاكية، ليستعيد الوظيفة التي جرّده منها المَلِكُ المائت (آ 17).
(آ 58- 61)، تعالوا نُصادق، حَرفيّاً: نمُدّ يدنا اليُمنى، أو نَعْقِد صُلْحًا (رج 11: 50، 62، 13: 45؛ 2 مك 4: 34؛ 11: 26؛ 12: 11؛ 13: 22؛ 14: 19) وهكذا تصالح المَلِك واليهود، فحصل اليهود على الحريّة الدينيّة.
(آ 62-63)، ولكنّ الملك هَدَمَ السور الذي حول الهيكل، وانصرف إلى أنطاكية. فقاتل فيلبّس واستولى على العاصمة

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM