الفَصل الثَالِث: يهُوذَا رَئيسُ اليهُودِ

الفَصل الثَالِث
يهُوذَا رَئيسُ اليهُودِ
3: 1- 60

أ- المُقدّمة:
1- بعد مديح ليهوذا المكّابي (آ 1- 9)، نقرأ خبر أعماله المُذهلة: إنتصر على أبولونيوس (آ 10- 12)، ثمّ على سارون (آ 13-26). وإذ ذهب أنطيوخس أبيفانيوس إلى المُقاطعات البعيدة، أوكل ليسياس بإفناء شعب إسرائيل (آ 27- 37). أراد يهوذا وإخوته أن يواجهوا هذا التهديد (آ 38- 41)، فاستعدّوا استعدادًا دينيًا وعسكريًا (آ 42- 60).
2- نُلاحظ كيف أنّ يهوذا وجماعته، يُحافظون على الشريعة، ويُمارسونها في دقائقها. قَسّموا الجيش حسب التنظيم القضائيّ والعسكريّ القديم. فنحن نقرأ في خر 18: 21، أنّ موسى جعل على الشعب رؤساء فئات، بين ألف ومئة وخمسين وعشرة (رج عد 31: 48؛ تث 1: 15؛ 2 صم 18: 1؛ 2 مل 1: 9- 14)، وهكذا فعل يهوذا (آ 55). وعاد يهوذا أيضاً إلى تث 20: 5- 9، ليختار جنوده، ويعفي من الخدمة من يجب أن يُعْفَى منها: من بدأ بناء بيت، أو خطب أمرأة، أو غرس كَرْمًا، أوكان خائفًا، فليرجع إلى بيته (آ 56).
3- يشير هذا الفصل إلى الصوم الذي تُمارسه جماعة يهوذا (آ 17)، وإلى الصلاة التي يرفعها المُقاتلون قَبْلَ البدء بالحرب: "فتنادى الجميع واستعدّوا للقتال، وصلّوا إلى الله سائلين الرحمة والرأفة" (آ 44). فالشعب مُتأكّد أنّه لن يقهر الأعداء بقوّته وكثرة
عدده. قال يهوذا: "سَهْلٌ أن يقع الكثيرون في أيدي القليلين، وإله السماء يُنجّي بالكثيرين أو بالقليلين، من يُريد نجاتهم. فالنَصْر في المعركة لا يتوقّف على كثرة الجنود، بل على القوّة التي تأتي من السماء" (آ 18- 19). وصلّت الجماعة كلّها في المِصفاة: "ها عبدة الأصنام اجتمعوا علينا ليُدّمرونا، وأنت تعرف ما ينوُون علينا. فكيف نَثبتُ أمامهم إنْ كنت لا تُعيننا" (آ 52- 53)؟

ب- تفسير الآيات الكتابيّة.
1- مديح يهوذا المكّابي (3: 1- 9)
(آ 1)، يهوذا المُسىّ بالمكّابي: رج 2: 4. حلّ، حرفيا: قام: رج 2: 1.
(آ 3)، جلب العِزّ أو المجد. رج 2: 51. كُتِبَ مديح يهوذا شعرًا، يلعب فيه التوازي دورًا هامًا: هو كالأسد والشِبْل، تراجع الأشرار والآثمِون... أحزن مُلوكًا، وأفرح بني يعقوب.
(آ 4)، نجد هنا صورة الأسد والشِبْل. رج 2 مك 11: 11؛ 2 صم 1: 23، تك 49: 9، (يهوذا ابن يعقوب)، عد 23: 24؛ 24: 9. يهوذا يزأر كالأسد (قض 14: 5؛ مز 22: 14؛ عا 3: 4؛ هو 11: 10)، على فريسته (مز 104: 21؛ اش 31: 4).
(آ 5)، الأشرار، حرفيا: الذين لا نامُوس لهم. وهو يُشير بذلك إلى الوثنيّين، وإلى اليهود الذين جحدوا إيمانهم، فصاروا بلا شريعة كالوثنيّين.
(آ 7)، أحزن ملوكًا كثيرين، هم أنطيوخس الرابع أبيفانيوس (175-164)، وأنطيوخس الخامس أو باتور (164- 161)، وديمتريوس الأوّل سوتر (161- 150). ولكن لا ننسى هنا الطابع التضخيميّ في هذا المديح.
(آ 8)، الكَفَرة. ترد الكلمة سَبعْ مّرات في 1 مك، وثلاث مّرات في 2 مك، وتعني اليهود الجاحدين والوثنيّين.
(آ 9)، خلّص من كانوا على حافّة الفناء: يُلْمعُ المديح إلى إعادة اليهود المشتّتين في الجليل وجِلعاد (ف 5)، أو إلى إعادة الهمّة إلى شعبه الذي بدأ يتراخى. إلى أقاصي الأرض: إستعارة كتابيّة تُضَخِّم الأمور. رج أع 1: 8.
2- الانتصارات الأولى (3: 10- 26)
يُورد الكاتب هنا انتصارين أحرزهما يهوذا المكّابي في صيف سنة 166 الانتصار الأوّل على أبولونيوس (آ 10- 12)، والانتصار الثاني على سارون (آ 13- 24).
(آ 10)، أبولونيوس (1: 29-35؛ 2 مك 5: 24)، يجعله يوسيفوس خبير السامرة الحربيّ، ويُلقّبه برئيس الفِرْقَة.
(آ 11- 12)، وسقط كثيرون: رج 1: 18 ح. أخذ يهوذا سيف أبولونيوس الذي. كان أفضل من سيفه (رج 1 صم 21: 10).
(آ 13)، سارون: كان قائد جيش البِقاع، كما يقوله يوسيفوس.
(آ 14)، أُقيمُ اسمًا وعزًا (رج 3: 14؛ 5: 57؛ 6: 44؛ 2 صم 7: 9؛ 8: 13؛ رج أيضاً 1 مك 2: 51 ح). إذًا، أراد سارون أن يُقاتل يهوذا، وتأمّل أن ينال الأمجاد، إِنْ هو قهره. أمّا جيشه فمُؤلّف من الوثنيين واليهود الجاحدين، ومن الكفرة (آ 15).
(آ 16)، بيت حورون: تبعد 20 كلم إلى الشمال الغربيّ من أورشليم، وتقع على الطريق بين هِضَاب يهوذا والسَهْل الساحليّ. كانت طلعة بيت حورون، موقعًا مليئًا بالِوديان العميقة التي تُعرّض المُهاجم لأقصى المهالك. هذا ما حصل لسستيوس غالوس، الذي قُتِلَ هناك مع جنوده سنة 66 ب م، كما يقول يُوسيفوس المُؤرّخ.
(آ 17)، رأوا جيش سارون. كان جيش يهوذا على القِمم، فأبصر جيش سارون القوّي، فخاف وتساءل: هل نقوى على هذا الحَشْد من الرجال؟
(آ 18)، إله السماء. كذا في السريانيّة واللاتينيّة. في اليونانية: ألسماء. يتحاشى 1 مك أن يذكرُ اسم الله، فيقول "ألسماء" (آ 50؛ 4: 10؛ 40، 55؛ 9: 46؛ 16: 3)، أو يستعمل الضمير. نقرأ في آ 22: هو يُحطّمهم. وفي آ 53: إن لم تكن أنت. وفي آ 60: فليصنع. رج 2: 21، 61. سَهْلٌ أن يقع الكثيرون: هذا الكلام يستعيد ما قرأناه في 1 صم 14: 6، من حوار بين يُوناتان وحامل سلاحه. رج 2 أخ 14: 11؛ يه 9: 11.
(آ 19- 22). رج أم 21: 21؛ مز 33: 16؛ اش 31: 1- 3. ليقضوا علينا: رج آ 35؛ 6: 12، 19. شريعتنا أو سُنَننا وعاداتنا: رج 1: 14، 42، 44؛ 3: 29؛ 6: 59؛ 2 مك 4: 11؛ 11: 44.
(آ 24)، في طلعة بيت حورون، أفنى الربّ ما بتي من جيش الملوك الأموريين الخمسة، بعد الهزيمة التي مُنُوا بها أمام يشوع بن نون (يش 10: 10- 11)، وهنا سقط الكثيرون (1: 18 ح). وسقط سارون أيضاً كما يقول يوسيفوس.
(آ 26)، معاركه. نحن لم نعد أمام غزوات عابرة أو مناوشات، بل أمام معارك بجيش مرصُوص الصفوف. من أجل هذا خاف الأعداءُ يهوذا (آ 25).
3- تكليف ليسياس بإدارة المملكة وسَحْقِ اليهود (3: 27- 41)
أراد أنطيوخس أن يذهب إلى بلاد فارس، ليجبي الضرائب، فكلّف ليسياس إدارة المملكة وتربية ابنه، وفوّض إليه نصف الجيش، وطلب منه أن يُؤدّب سُكّان أورشليم واليهودية، فاختار ليسياس بطليموس ونكانور وجورجياس، وأرسلهم على رأس جيش كبير إلى اليهوديّة.
(آ 28)، دل (مُسْبقًا) أجرة سنة كاملة ليربح جنوده، فلا يتخلّون عنه، أو يثورون عليه خلال حَمَلاته العسكريّة.
(آ 29)، بعد مُعاهدة أفامية (سنة 188)، وبنودها الماليّة القاسية، عرفت خزينة السلوقيّين صعوبات ماليّة. وزاد العجز الماليّ بسبب إنفاق أنطيوخس أبيفانيوس المتزايد (آ 30).
(آ 31)، فارس: أي قِسْم من مملكة السلوقيّين، يقع شرقيّ الفُرات ودجلة، وليس بلاد فارس بالمعنى الحصريّ. وأراد أنطيوخس أن يجمع المال فيسلُب الهياكل (6: 1- 4؛ 2 مك 9: 2)، وهو أسلوب معروف لدى الملوك (1: 21- 23؛ 2 مك 3: 7 ي).
(آ 33)، أنطيوخس، أي: أنطيوخس الخامس أو باتور الذي سيملك بعد أبيه، ويموت مقتولاً بعد حُكْمٍ دام أقلّ من ثلاث سنوات (164- 161).
(آ 34)، كلّ الفِيَلة (1: 17 ح). إستردّ أنطيوخس فيله، لأنّها لا تنفع في أرض فارس الجبليّة.
(آ 35- 36)، المطلوب من ليسياس أن يُفني الشعب اليهوديّ، ويجعل مكانهم غرباء في كلّ أنحاء البلاد. هذا ما حدث للسامرة سنة 721 ق م. جاءها شلمناصّر الأشوريّ، فقتل من قتَلَ وأجلى الباقين، واتى بقوم من بابل وكوت وعوا وحماة وسفروائيم، وأسكنهم في مُدُن السامرة مكان بني إسرائيل (2 مل 17: 3- 6، 24).
(آ 37)، السنة 147، أي: خريف سنة 165، الأقاليم العُليا: أي هِضَاب بلاد فارس. رج 6: 1؛ 2 مك 9: 25.
(آ 38- 39)، بطليموس، نكانور، جورجياس: نجد هذه الأداء في الخَبَر المُوازي في 2 مك 8: 8- 29. أصدقاء الملك. رج 2: 18 ح. أربعين ألفًا، نقرأ في 2 مك 8: 9: عشرين ألفا. إِذًا، كما قلنا، هناك عمليّة تضخيم للأرقام.
(آ 40)، عِمّاوس: تبعد 30 كلم إلى الشمال الغربيّ من أورشليم، وتقع في منطقة من الهَضبات بين السهل الساحليّ وجبال اليهوديّة. كانت هذه المدينة تحمي الطريق إلى أورشليم عَبْرَ بيت حورون، وتُشِكّل مع سائر المُدن، حزامًا من الحُصون، جهّزه بكيديس حول اليهودية. يُمكن أن تكون عِمّاوس هذه، تلك المذكورة في لو 24: 13.
(آ 41)، يقول 2 مك 8: 10- 11، إنّ نكانور دعا تجّار العبيد ليبيعهم الأسرى اليهود، بعد هذه المعركة المُرتقبة. (لهذا نقرأ أغلالاً وسلاسل، كما في السريانيّة، لا أولادًا، كما في اليونانيّة واللاتينيّة). وزاد على جيشه فِرقة من سُورية، وأخرى من بلاد الفلسطيين (حرفيًا: أرض الغُرباء).
4- إستعداد اليود للحرب (3: 42- 60)
رأى يهوذا الجيوش، وعرف أوامر الملك، فما بقي له إلا أن يستعد: شجعّ الشعب وجمعهم للصلاة، ولكن لا في أورشليم المُهدّمة والمُنجّسة، بل في المَصفاة التي كانت مركز صلاة لبني إسرائيل في أيّام القضاة. بعد هذا قَسّم يهوذا جيشه، وعيّن عليها قُوادًا، واستبقى المتحمّسين فقط، على غرار ما فعل جدعون (قض 7: 5 ي)، وقال لهم: تشجّعوا، وكونوا مُستعدين. في صباح يوم غدٍ، سنُهاجم هؤلاء الأُمم.
(آ 45)، نقرأ هنا نشيدًا صغيرًا عن أورشليم التي داسها العدُوّ وهيكلها، فصارت مَوْضِعَ الحُزْن والنُواح، لا موضع الفرَح والأناشيد. لم يبق فيها أحد يدخلها، أو يخرج منها أو يقوم بأيّ عَمَلٍ فيها. حلّت بها الضربة، فلبست ثياب الحداد، وامتنعت عن الغناء (أش 16: 10؛ 1 ر 48: 33؛ عا 8: 10).
(آ 46)، المِصفاة (في بنيامين): تبعد 13 كلم إلى الشمال من أورشليم. كانت موضع صلاة في أيّام القُضاة (رج قض 20: 1- 3؛ 21: 1- 8)، وفي أيّام صموئيل (1 صم 7: 6- 9).
(آ 47- 49)، لبسوا المُسُوح... هكذا كانوا يُعبّرون عن الحُزْن والحداد. ثمّ فتحوا كتاب الشريعة، ليسألوا الربّ بعد أن غاب الأنبياء. وأقاموا احتفالات دينية: قدّموا بواكير الحِنْطة وعُشْر الغلّة، واستقبلوا الناذرين الذين جاؤوا يُقدّمون ذبيحة في نهاية نَذْرهم (عد 6: 13 ي). هم لا يستطيعون أن يقوموا بهذه الأعمال الكهنوتية، في أورشليم المُدنّسة مع هيكلها، لهذا جاؤوا إلى المِصفاة.
(آ 50- 53)، هنا بدأت الصلاة: رفعوا أصواتهم إلى السماء (رج آ 18 ح)، وقالوا إنّهم لا يعرفون إلى أين يذهبون بهذا الشعب الذي أضاع هيكله: داسته الأقدام الوثنيّة ودنّسته (رج آ 45: 4: 6؛ 2 مك 8: 2).
(آ 54- 57)، ونفخوا في الأبواق إيذانًا ببدء الحرب (5: 33؛ 6: 33؛ 9: 12؛ عد 10: 2، 9). وقسّموا الجيش كما هو مكتوب في خر 18: 21، 25، وعملوا بحَسَب الشريعة (تث 20: 5- 8)، فأرجعوا إلى بيته، من يجب أن يرجع، وعسكروا في جنوب عِمّاوس (رج آ 40 ح).
(آ 58- 60)، وخطب يهوذا في رجاله يُشجّعهم، وسلّم أمره إلى الله: الله الذي في السماء، يفعل بنا ما يشاء

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM