الفَصل الثَالِث: تجديدُ العهْد وَإعْلانُ سِلسلةٍ مِنَ الفَرائض

الفَصل الثَالِث
تجديدُ العهْد وَإعْلانُ سِلسلةٍ مِنَ الفَرائض
10: 1- 13: 31

أ- المُقدّمة
وقطع الشعب عهدًا مع الربّ، بعد قراءة الشريعة، ووعدوه أن يكونوا أمناء له، فلا يخونوه ولو قُطِعَت رؤوسهم. إطمأنوا إلى الربّ، رغم الحالة التي يُعانونها، فقرّروا أن يمحضوه ثقتهم، ويعملوا بوصاياه.
نقرأ في هذا الفصل، نصّ العهد الذي وقّعه الرؤساء واللاويون والكهنة باسم الشعب (10: 1- 40)، ثمّ نتعرّف إلى لوائح بأسماء الزعماء والكهنة واللاويين. سيرجع إليها نَحَميا قبل أن يدعو سكّان الريف إلى السَكَن في أورشليم (11: 1- 12: 26). وبعد أن يُدشّن الهيكل على مثال سليمان (12: 27- 43)، يتخذ إجراءات يمنع بمُوجبها الغرباء من مُشاركة اليهود في شعائر عبادتهم (12: 44- 13- 3)، وإجراءات تمنع الناس من العَمَل يوم السبت، وتُعاقب الذين أخذوا نساء غريبات عن شعب الله (13: 4- 31).

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
1- عَهْد الربّ وأمانه (10: 1- 40)
أجل، أخذ الشعب عهدًا على نفسه، بأن يحفظ الشريعة ويعمل بها.
(آ 15: 1)، نحن نقطع عهدًا، ورؤساؤنا يختُمون.
(آ 2- 28)، لائحة بالأشخاص الذين وقّعوا، وجعلوا خَتْمهم في أسفل الكتاب.
(آ 29- 30)، ألزم الرؤساء نفوسهم بحفظ وصايا الربّ والعمل بها.
(آ 31- 40)، نقرأ هنا لائحة بالفرائض التي ألزم الشعب نفسه بها:
أولاً: لا زواجَ بين اليهود والوثنيين (آ 31؛ رج خر 34: 16؛ تث 7: 3؛ نح 13: 23-27).
ثانيًا: لا تجارةَ يوم السبت (آ 32؛ رج خر 20: 8؛ تث 5: 12؛ نح 13: 15- 22).
ثالثًا: السنة السبتية (آ 32؛ رج خر 23: 110؛ تث 15: 1- 3).
رابعًا: ضريبة الهيكل (آ 33، 34). لا نجد لهذه الفريضة أثرًا في أسفار موسى الخمسة. وهي تَهْدُفُ إلى تلبية حاجات العبادة من خُبْز القُربان (لا 24: 5- 9)، والتقدمة الدائمة، ومُحرقات يوم السبت، وذبائح التكفير عن الشعب، وأعمال الإصلاح في الهيكل.
خامسًا: تقدمة الحَطَب للإيقاد على المذبح (آ 35؛ رج نح 13: 31).
سادسًا: تقدمة البوا كير والأبكار (آ 36- 38؛ رج خر 23: 19؛ 34: 26؛ تث 26: 1-11).
سابعًا: إقتطاع العُشر (آ 38- 40)، وكيفيّة اقتطاعه (13- 12).
ثامنًا: إلتزام بعدم إهمال الهيكل (آ 40)، إن من جهة الاحتفالات، وإن من جهة إعالة الأشخاص المُقامين على خدمته (13: 11).
2- توزج السُكّان في أورشليم (11: 1- 12: 26)
نقرأ هنا لائحة إحصائية تُورد أنساباً، وتُسمّي مناطق جغرافية، أقام فيها الراجعون من المنفى.
(آ 11: 1- 2)، إتّخذ نَحَميا إجراءات ليجعل الناس يسكنون في أورشليم. كانت المدينة كبيرة (7: 4)، وسُكانها قليلين، فسعى نَحَميا إلى زيادة عدد سُكّانها. أولاً: دعا إلى أورشليم المُتطوعين الذين يرغبون في الإقامة بالمدينة. ثانيًا: ألقى القُرعة، فاختار واحدًا من عشرة من سُكّان الريف، ليُقيم في المدينة المُقدّسة. فالمكان الذي فيه الهيكل، يجب أن يكون كبيرًا، ليليق بسَكَن الربّ فيه. ولكن لماذا رفض اليهود الإقامة في أورشليم؟ الأسباب عديدة، منها: بيُوت مُهدّمة، خوف من الأعداء، ظروف اقتصاديّة صعبة وفرائض قاسية.
(آ 3- 19)، وانطلق نَحَميا في عَمَله، من لائحة إحصائيّة للساكنين في أورشليم من بني يهوذا وبنيامين (آ 3- 9)، ومن الكهنة (آ 10- 14)، واللاوّيين (آ 15- 18)، والبّوابين (آ 19). هذه اللائحة نقرأها أيضاً في 1 أخ 9: 4- 26، مع استبعاد بني أفرائيم ومنسّى، بسبب عداء اليهود لبني السامرة في عَهْد نَحَميا.
(آ 20- 24)، لائحة مُلحقة تضمّ خُدّام الهيكل، ووكيل اللاويين، ومُستشار مَلِك الفُرْس.
(آ 25- 36)، مُدُن يهوذا وبنيامين إلى حبرون (قرية أربع، رج قض 1: 10).
(آ 12: 1- 9)، لائحة بالكهنة واللاويين، الذين جاؤوا من السَبْي مع يشوع.
(آ 10- 11)، لائحة رؤساء الكهنة من يشوع إلى يدّوع، الذي كان عظيم الكهنة في زَمَن داريوس الثالث، آخر ملوك الفُرْس (335- 320).
(آ 12- 26)، لائحة الكهنة واللاويين في عهد يُوياقيم، خَلَف يشوع، وأبي الياشيب الكاهن الأعظم، في عَهْد نَحَميا.
في آ 22- 23، نجد المراجع التي استقى منها المُؤرّخ معلوماته. تشكل آ 26 خِتامًا للآيات 12- 26: هؤلاء كانوا في أيّام يُوياقيم...
3- تدشين أسوار أورشليم (12: 27- 43)
بعد أن انتهوا من بناء السور دشّنوه. أمّا الاحتفال فتمّ على الشكل التالي: جمع نَحَميا اللاويين الموجودين في أورشليم وفي الريف مع الكهنة، فقاموا بَعَمل التطهير، وقدّموا الذبائح التي تفرضها الشريعة. ثمّ صعد الجميع إلى الأسوار، فساروا عليها في طَوافٍ ليُطهّروها، ويُحيطوا المدينة المُقدّسة بحزام من الحماية، يقيها شرّ أعداء يهوذا.
وقف المؤمنون عند باب الوادي، في الجنوب الغربيّ من المدينة (2: 13)، وانطلقوا جوقتين، تتألّف كلّ منهما من سبعة كهنة بأبواقهم، وثمانية لاويين بآلاتهم المُوسيقيّة، ورئيس يسير وراءه نِصْف رؤساء الشعب. كان نَحَميا مع الجوقة السائرة نحو الشمال، وهوشعيا مع الجوقة السائرة نحو الجنوب. والتقت الجوقتان في بيت الله، فشارك الجميع في فرحة العيد، وذبحوا الذبائح، عِرفانًا لجميل الربّ الذي غمر شعبه بالفرح، وساعد نَحَميا على إتمَام العمل الذي بدأ به، رُغْمَ مُعارضة الخُصوم له.
هكذا فعل سُليمان يوم دشّن هيكل الربّ الذي بناه: ذبح الذبائح ورفع الصلوات، وعيّد مع الشعب الذين عادوا إلى منازلهم فرحين، لأجل جميع ما صنعه الربّ لداود عبده (آمل 8: 64- 66). وعلى خُطى سُليمان، عيّد نَحَميا بعد الانتهاء من بناء أسوار المدينة التي يقوم فيها هيكل الربّ. فعّم الشعب الفرحَ (ترد الكلمة خمس مّرات) بعد الضيق الذي عانوه في المنفى، بعيدًا عن أورشليم التي كادوا ينسونها، لو طالت أيّام ضيقهم (مز 137: 5).
4- إجراءات نَحَميا الأخيرة (12: 44- 13: 31)
تمّت هذه الإجراءات خلال إقامة نَحَميا مّرة ثانية في أورشليم. كان قد مكث في مدينته المُقدّسة اثنتي عشرة سنة، ثمّ عاد إلى الملك أرتحششتا، ولبث عنده ما يُقارب الثلاث سنين. ولكنّ الفوضى عادت، من جديد، بين اليهود الذين أهملوا مُمارسة شرائع دينية عديدة. فعاد نَحَميا مّرة ثانية إلى أورشليم، وعمل على استئصال الشرّ بالطرق العنيفة التي اعتاد عليها.
(آ 12: 44- 47)، ما الذي يجب أن يُعطى للكهنة القائمين على خدمة الهيكل؟ ما كان يُعطى لهم في عهد داود وسُليمان.
(آ 13: 1- 3)، ما سيكون موقف المُؤمنين من العمّونيين والمُوآبيين؟ موقف العداء بعد أن قالت الشريعة إنّهم لم يستقبلوا العِبرانيين بالخُبْز والماء، بل استأجروا عليهم بَلعام ليلعنهم (تث 23: 3- 6).
(آ 4- 9)، كان طوبيا خَصْم نَحَميا في الهيكل، وقريب ألياشيب الكاهن، يُقيم في إحدى غرف الهيكل، مع أنّه ليس كاهنًا ولا لاوياً ولا يهوديًا، بل غريبًا عن شعب الله. فكيف يُسمَح له أن يُقيم قي الهيكل؟ طرده نَحَميا، ورمى أمتعته خارجًا، وطهّر المكان.
(آ 10- 14)، أهمل الشعب كهنته ولاويّيه، فأُجبروا على تَرْك الهيكل للعمل في الحقول، ليقوموا بأمور حهـياتهم، ففرغت غرف الهيكل، فأقام فيها الغُرباء. وبّخ نَحَميا ولاة الهيكل، واستدعى الكهنة واللاويين، وعيّن مُراقبين لجَمعْ العُشُور. ولكنّ العمل لم يكن سهلاً، ولهذا يهتف نَحَميا: لا تَنْسَ يا ربّ حسناتي نحو بيتك.
(آ 15- 22)، شريعة السبت. نَمَت المدينة، وزادت أعمال التجارة فيها، فأهمل الناس حِفْظ شريعة السبت في أورشليم، كما في الريف. فخاصم نَحَميا وُلاة الأمر، وذكَّرهم بشريعة الربّ، فرفضوا السماع له. حينئذ أمر بإغلاق أبواب المدينة، من الجُمعة مساًء إلى السبت مساءً، فلا يمر عَبْرَ أبواب المدينة أيّة حاجة بَيعْ أو شراء. وهكذا عادت ليوم السبت قُدسيّته.
(آ 23- 27)، الزواجات المُختلطة. عاش اليهود بين الوثنيين، فزاوجوهم مُتخطّين شريعة الربّ (تث 23: 3- 6). حينئذ دخلت العبادة الوثنية إلى عبادة الله الواحد. نسي الأولاد لغة الآباء (العبرانية)، وأخذوا باللّغة الآرامية. ولكن كيف لجاهل العِبرانية، أن يقرأ شريعة الربّ، ويُشارك في احتفالات الهيكل؟ إنّ من يترك اللغة العبرانية المُقدّسة، يبتعد عن ديانة الآباء، ويتخلّى عن الإيمان. إذا كانت النساء الأجنبيات سَلَبْنَ قلب سُليمان، وأبعدَنْهُ عن عبادة الله، فما يكون مصيرنا إن نحن ساومنا، وعرّضنا نفسنا للخطر.
(آ 28- 29)، تزّوج ابن يُوياداع بن ألياشيب الكاهن، من ابنة سنبلط. هل يتراخى معه نَحَميا، لأنّه تزّوج فتاة وثنية، وابنة عدوّ لدود لليهود؟ لا، بل سيطرده، ولو كان ابن كاهن.
هناك رواية عند المُؤرّخ يوسيفوس (37- 95 ب م)، تدعو ابن يوياداع منسّى، وابنة سنبلط نيكاسو. لمّا طُرِدَ منسّى ذهب إلى السامرة، وبنى هيكل جرزيم، المُعارض لهيكل السامرة.
(آ 30- 31)، تنظيم الكهنة واللاويين. بعد كلّ هذه الإصلاحات، وضع نَحَميا نظامًا يتعلّق بالوظائف الكهنوتية، والتبرّعات وتقدمات البواكير.
ألزم الرؤساء نفوسهم بعهد مع الربّ، فنفذّ نَحَميا هذا التعهّد باسم الربّ، وعمل على قَطعِْ دابر الفوضى من داخل شعب الله.
ويتوقّف سِفْر نَحَميا في هذا المكان، فلا يقول لنا شيئًا، بعد ذلك، عن نَحَميا ولا عن أورشليم. كان هدف المُؤرّخ الكهنوتي، أن يُعطينا لا تاريخ الشعب اليهوديّ، بل تاريخ أورشليم، المدينة المُقدّسة. والآن، وبعد أن حدّثنا عن إعادة بناء هيكل أورشليم وأسوارها، وعن تنظيم العبادة في الهيكل، وجعل المدينة عامرة، والشعب عاملاً بوصايا ربّه، لم يَعُد له شيء يقوله. المهمّ لا شخص عزرا أو نَحَميا، بل العمل الذي قاما به لمجد الله، الذي ذكرهما بالخير، ورحمهما رحمة عظيمة.

ج- مُلاحظات على الفصل الثالث.
1- شخصيّة نَحَميا ونشاطه
أولاً: كان نَحَميا موظّفًا لدى ملك فارس، ويهوديًا مُتعلقًا بإيمان شعبه.
كان ساقي الملك أرتحششتا، فأمِنَه الملك وَوَثِقَ به، وأذِنَ له أن يُقيم مّرة أولى، ومّرة ثانية في أورشليم. وأعطاه الرسائل والحَرَس، والأوامر التي تفتح أمامه كلّ الأبواب. ولمّا شكاه أعداؤه الكاذبون، بأنه يُريد أن يُعلن نفسه مَلِكًا على يهوذا، لم يسمع لهم الملك. أجل، إنّ الحياة في البلاط الملكيّ، علّمت نَحَميا الخُبرة والحِذْق في السياسة والتنظيم، من أجل هذا جعله المَلِك، حاكم أورشليم، وحدّد له وظيفته، وسلّمه المسؤوليات العِظام.
وكان نَحَميا يهوديًا من بين المنفيين في بابل، وكان قلبه مُفعمًا بإيمان عميق. تملأ فكره شريعةُ ربّه، ويُسيطر على اهتماماته تنظيم جماعة بني إسرائيل في المدينة المقدّسة. من أجل هذا قام بعمله بعَزْم لا يعرت الكَلَل. وهكذا كان صادقًا مع ربّه ومع ملكه، فجمع الدين والدنيا في يده.
ثانيًا: كان نَحَميا رَجُلَ العمل ورَجُلَ الصلاة.
عرف نَحَميا وَضْع شعبه، فبكى وصلّى وصام وعزم على العمل، فنجح في مهمّته. تمهّل قبل أن يبدأ، ولكنّه حين بدأ بترميم السُّور، لم يكن لأحد أن يثنيه: لا نوايا بعض العظماء، ولا تراخي الشعب، ولا هُزء الأعداء وتهديدهم، ولا مُحاولات النيل منه ونَصْبِ الفخاخ له. عمل واثقًا بنفسه، وتشدّد في تنفيذ ما يُريد: نتَفَ شَعر بعض اليهود المُتزوجين من وثنيّات، ورمى بأمتعة طوبيا من غُرفة من غرف الهيكل أقام فيها. طرد حفيد الكاهن، لأنّه تزّوج من امرأة غريبة. واندفاعه هذا سينتقل كالعدوى، إلى الشعب الصغيرالضعيف: يعمل نَحَممِا فلا يتوقّف، فيعمل مثله العاملون، يحرُس فلا ينزع ثيابه عنه، حتّى ينتهي العمل، فيقتدي به الحراس. وحين رأى الظُلم مُستفحلاً في الجماعة، عرف أن يتصرّف بلباقة، فجعل الأغنياء يُعيدون إلى الفُقراء ما سلبوهم، ولا يطلبون منهم شيئًا.
كان نَحَميا رجل عمل، وكان أيضاً رجل صلاة، لأنه آمن بقُدرة الله الذي لا يُريد أن يكون شعبه، موضع هُزء من الأمم الوثنية. صلّى قبل أن يُحدِّث أرتحششتا في أمر رسالته، وصلّى قبل أن ينطلق إلى أورشليم، وصلّى وقت الصُعوبات التي واجهته في عَمَل ترمم الهيكل، وصلّى وقت قام بإصلاحه، طالبًا من الربّ رحمته فلا ينساه. أمّا عبارات صلواته، فهي تلك التي نقرأها في سِفْر التثنية، أو نبوءات الأنبياء.
لم يكن نَحَميا كاهنًا، وقد حافظ على شريعة الكهنة بدقّة، فرفض أن يدخل المكان المُقدّس المحفوظ للكهنة. قام بعمله وإصلاحاته، مُنطلقًا من روح دينية عميقة، جعلته يفعل كلّ ما يفعل من أجل الله، ومن أجل شعب الله، ومن أجل مدينة الله وبيت الله.
ثالثًا: نشاطه.
قام نَحَميا بعملين مهمّين: الأوّل: رمّم أسوار أورشليم. الثاني: فرض العدالة مانعًا الأغنياء من ظُلْم الفقراء. فبناء سُور المدينة أمر مهمّ بالنسبة إلى حياة الجماعة، فلا تبقى أبواب أورشليم مُشرعة، فتسمح لنفسها بكلّ التسويات والمُساومات التي تُعرِّض الإيمان للخَطَر. اغلِقَت المدينة فانفصل الشعب عن الخطيئة، وتطهّر بمُمارسة شريعة الله. وبعد أن بنى الحجر، نظم نَحَميا الشعب في وحدة مُتراصّة حول شريعة إلهه. من أجل هذا قام بعمله الإصلاحي، على المُستوى الدينيّ والاجتماعيّ، بهمّة ثُماثل تلك التي قام بها من أجل بناء مدينة القُدس.
رابعًا: كان خصومه من الداخل ومن الخارج، فتغلّب عليهم بعزمه وإيمانه.
أمّا خصومه من الداخل، فهم الزعماء الذين حسدوه، أو تعاطفوا مع أعدائه، فسعوا إلى إفشال عمله. رفضوا تقديم المُساعدة له، وظلموا الفقراء، وتجسّسوا عليه، وتغاضوا عن الإهمال في خدمة الهيكل، وسمحوا بالزواجات المُختلطة. ولكنّ نَحَميا لا يُحابي الوجوه. وسيعرف كيف يُسكتهم، عندما ينتهي من العمل الذي بدأ به.
أمّا خصومه من الخارج، فهم سنبلط وطوبيا وجاسم ورجالهم، الذين لجأوا إلى كلّ الوسائل، ليُثْبطوا الحاكم الجديد عن عَزْمه. فطوبيا هو من أصل يهوديّ، وعابد للربّ، وقد يكون رفض روح التزمّت عند نَحَميا، ودعا إلى تحرّر، يجعل اليهوديّ قريبًا من الوثني. أصحابه عديديون حتّى داخل الهيكل، بحيث يضع يده على غُرفة من غرفه. ولكنّ تدخّل نَحَميا القاسي، وضع حدًا لتأثيره. إنّه رمز إلى هؤلاء الذين بقوا في أرض الربّ، وما ذهبوا إلى المنفى، فلمّا عادت بقية المنفيين، وبدأت بعمل الإصلاح، لم يرضَ الآخرون، بل انفصلوا عنهم وعادَوهم. أمّا سنبلط وجاشم، فهما غريبان عن الشعب اليهوديّ، ولهذا كان عداؤهما لنَحَميا سافرًا.
2- وجه الربّ في نظرة المُؤرّخ
أولاً: إنّ النظرة اللاهوتيّة عند المُؤرّخ الذي دوّن 1 أخ، 2 أخ، عز، نح، لا تختلف عن نظرة الكاتب الاشتراعيّ الذي دوّن قض، يش، 1 صم، 2 صم، 1 مل، 2 مل. فالله هو إله بني إسرائيل، وبنو إسرائيل هم شعبه. والعبادة هي هي في زَمَن التقليد اليهوهيّ والألوهيمي، كما فيما بعد الجلاء. وشريعة موسى حاضرة، ووصايا الربّ هي هي، وإن أخذت وجهًا خاصاً، على ضوء تعليم الأنبياء، والظروف التي عاشها الشعب بعد الرجوع من المنفى.
ثانيًا: نِظْرة المُؤرّخ إلى الربّ، هي ذاتها نِظرة سِفْر التثنية. فالربّ هو الإله الفاعل الذي يهمّه أمر شعبه. الله هو إله الآباء. فالذين كانوا في عهد إبراهيم كانوا شعبه، كما أنّ العائشين في زمن الهيكل الثاني، هم شعبه أيضاً (1 أخ 19: 20؛ 2 أخ 13: 18؛ عز 7: 27). ويد الله ظاهرة مع ملوك بني إسرائيل، كما كانت ظاهرة مع موسى وهارون والقضاة. الربّ هو من يُثير الفلسطيين على يُورام (2 أخ 21: 16 ى)، وهو من يسبب هلاك أحزيا (2 أخ 22: 27)، وهو الذي يُعِينُ شعبه على عَدوّه، وهو الذي يُسْقِطُ العدّو (2 أخ 25: 8).
ثالثًا: الربّ ديّان شعب إسرائيل، وديّان سائر الشعوب (1 أخ 16: 33؛ 2 أخ 6: 23). يُساعد شعبه (1 أخ 12: 18) عند الحاجة، ويدعوهم ليثقوا به، لأن المُساعدين الاخرين باطلون لا يُوثق بهم. الربّ ينصر شعبه على أعدائهم (1 أخ 11: 14؛ 2 أخ 13: 15 ي)، ويحفظ عهده لهم (2 أخ 1: 8 ي)، ومايقوله يُتمّه (1 أخ 17: 27؛ عز 1: 1)، لأنّه يهتم بحياة ومصير شعبه.
رابعًا: الربّ هو الإله الساكن وسط شعبه (1 أخ 23: 25)، وهو الإله السامي الرفيع. مَسْكِنُه في السماوات (2 أخ 20: 6)، وعينُه على شَعْبِهَ. الله هو إله الهيكل (1 أخ 28: 3؛ 2 أخ 20: 8- 9)، وهو يتّصل بشعبه عَبْرَ روحه (1 أخ 12: 18؛ 2 أخ 15: 1؛ نح 9: 20، 30)، الذي هو قوة وزخم يَحلّ على المؤمن، فيجعله يقوم بأعمال عظيمة (قض 4: 6- 19)، في ظروف غيرعاديّة (1 صم 10: 6- 10).
خامسًا: الربّ هو الإله القُدّوس، وشعبه شعب مُقدّس (عز 8: 28)، وأورشليم المكان الذي اختاره ليُحلّ فيه اسمه (موضع سُكناه)، هي المدينة المُقدّسة. والتقدمات التي تُقدّم إليه، هي مقدّسة، وكذلك الآنية وَمَتاع الهيكل. تابوت العهد مُقدّس، وعلى حامليه أن يكونوا قدّيسين. لهذا على اللاويين، أن يحفظوا نفوسهم من كلّ نجاسة، لأنّ الإله الذي يعبدونه، هو إله الحُسْن والبهاء (1 أخ 16: 29؛ 2 أخ 20: 21). الله هو إله الكون كلّه، وما عداه لا إله (2 أخ 2: 5 ي) وهو يسود على شعبه، كما على الوثنيين، فيستعملهم كأداةٍ يُؤدّب بها شعبه.
سادسًا: للصلاة دورها عند المُؤرّخ الكهنوتيّ، وإليك نصوصاً لا نجد ما يُقابلها عند الكاتب الاشتراعيّ. صلاة يعبيص (1 أخ 4: 10) وبني رأوبين (1 أخ 5: 20) وداود عند نهاية حياته: مبارك أنت أيّها الرب... لك العظمة والجَبَروت.. نعترف لك ونُسبّح اسمك المجيد (1 أخ 29: 10 ي؛ رج 2 أخ 14: 11 ي: صلاة الملك آسا؛ 20: 6- 12: صلاة يُوشافاط، 33: 13، 19: صلاة منسّى). وعبد الصلوات العديدة في سِفْر عزرا (6: 10؛ 8: 23؛ 9: 6- 15، 10: 1) ونَحَميا (1: 4- 11؛ 2: 4؛ 4: 6- 37؛ 11: 7). إنّ الربّ هو الإله الذي يسمع صلاة عبيده، فيستجيب لهم ويأتي إلى معونتهم، لأنّه إله يُحبّهم (2 أخ 2: 11؛ 9: 8)، وقد ارتبط معهم بعَهْدِ الحُبّ والرحمة (نح 1: 5).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM