الفصَل الثَاني: تِلاوَةُ الشريعةِ أمامَ الجمَاعَةِ

الفصَل الثَاني
تِلاوَةُ الشريعةِ أمامَ الجمَاعَةِ
8: 1- 9: 37

أ- المُقدّمة
نقرأ في هذا الفصل عن الاحتفال بعيد المَظالّ. إجتماع عامّ في أورشليم، تلاوة الشريعة، تعييد يدوم سبعة أيّام، السجود والحَمْد، إعتراف الشعب بخطاياهم: ناحوا وصاموا، وصلّوا وقالوا: أنت يا ربّ وحدك صنعت السماوات وسماوات السماوات.
إنتهى العمل من بناء الهيكل، وأوّل عمل يقوم به عزرا هو تلاوة الشريعة، لآنه إن كان الهيكل مركز حضور الربّ في أرضه ومدينته، فالشريعة رمز لحضوره في كلّ مكان. وعندما ستُبنى المجامع اليهودية في مُدُن الشرق والغرب، وتعيش الجماعات المُختلفة أعيادها في كلّ أقطار الأرض، ستكون الشريعة مِحورَ هذه الاجتماعات: يقرأون معها أسفار الأنبياء والحُكماء، يُفسّرونها للشعب، " ويُترجمونها" إلى اللغة الآرامية (فكان ما يُسمَّى الترجوم)، أو إلى اليونانيّة (فكانت الترجمة السبعينية).

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
1- عزرا يقرأ كتاب الشريعة (8: 1- 18)
حمل عزرا معه الشريعة من بابل إلى أورشليم، وبعد شهرين من وصوله (عز 7: 9)، أي في اليوم الأوّل من الشهر السابع، أي في عيد المَظالّ، بدأ يقرأها على الشعب.
(آ 8: 1- 12)، يرسُم لنا الكاتب لوحة نرى فيها عزرا واللاويين، يقرأون قِسْمًا من الشريعة في أوّل أيّام العيد. تلك كانت طريقة الصلاة في المجامع اليهوديّة، يوم كتب المُؤرّخ الكهنوتيّ كتابه. يذكر مِنبر الخَشَب، وعبارة المُباركة قبل فَتْح سِفْر الشريعة، وجواب الشعب (آمين، آمين)، وحركات اليدين، والسجود إلى الأرض، وتلاوة عزرا واللاويين للشريعة. ولكنّ ما عمله عزرا، يختلف عمّا يُعْمَل في السبوت العادّية: فِقراءة الشريعة تمتدّ طويلاً، والشعب يجتمع كلّه في رواق الهيكل، والمِنبر يُصنع لهذه المُناسبة وحسب، والاحتفال ينتهي بعيد المظالّ. وهنا نتساءل: هل نحنُ في هيكل أورشليم وفيه وحده كانت تُذبح الذبائح، مع العِلْم أنّ النصّ الذي نحن بصدده، لا يُشير إلى ذبائح. (رج لا 23: 36)، أم في احد المجامع المُنتشرة في الشرق؟ لقد أراد الكاتب أن ترتبط صلوات المجامع بصلاة الهيكل، فجعل صلاة عزرا المثال الذي تحتذي به جماعة المؤمنين، أينّما وُجدوا.
ونتساءل أيضاً: أيّة شريعة قرأها عزرا؟ فنجيب: هي شريعة موسى التي يعرفها المُؤمنون، وهي تختلف عمّا تعوَّد اليهود سماعه، لهذا تأثّروا بمَا سمعوا، وأخذوا يبكون. وهي تبدو جديدة بحيث إنّ بني إسرائيل، ظلّوا يستمعون إليها سبعة أيّام العيد ولم يضجروا. أمّا النصوص، فقانون القداسة (لا 17-26)، مع ما فيها من أمور تتعلّق بالفرائض والشرائع المُدوّنة بحَسَب الروح الكهنوتية.
(آ 13-18)، يرسُم الكاتب الاحتفال بعيد المظالّ الذي امتدّ سبعة أيّام: كان عيدًا فريدًا، لم يُصنع مثله منذ دخول أرض الميعاد، منذ أيّام يشوع، فكان ذلك مَبْعَثَ فرحٍ عظيم للشعب.
2- صوم وصلاة (9: 1- 37)
(آ 9: 1- 3)، صامت الجماعة وضعت شريعة الربّ تُتلى علينا، ثمّ عاد أفرادها يحمُدون الربّ إلههم ويسجدُون له.
اليوم الرابع والعشرون يُقابل ما نقرأه في لا 23: 1 ي، أي حيثُ يبدأ عيد المظالّ في اليوم الخامس عشر من هذا الشهر، ويمتدّ سبعة أيّام، ويصل إلى اليوم الثامن حيث الاجتماع الاحتفاليّ، أي إلى اليوم الثالث والعشرين. وهكذا نكون غداة اليوم الثامن. هذه الشريعة التي تُتلى، هي غير التي نقرأها في تث 12- 30. إنّها شريعة الكهنة، كما عرفها سِفْر اللاويين آنذاك.
بعد أيّام الفرح جاءت أيّام الحُزْن والبكاء، بعد عيد المظالّ، جاء وقت الصَوْم والإقرار بالخطايا (لا 23: 1 ي).
(آ 4- 5)، إنفصلت جماعة إسرائيل عن الغُرباء، وانفصل اللاويون عن سائر الشعب، معلنين بداية الصلاة، ومرددين: مُبارك أنت يا ربَّنا (1 أخ 29: 10)، تبارك اسمُك المجيد.
(آ 6)، هنا تبدأ الصلاة (بصيغة شعرية)، وتمتدّ إلى نهاية الفَصْل. كانت موجودة في "كتاب صلاة" شعب الله. ردّدها عزرا وشاركه الشعب في تلاوتها. فيها اعتراف بالخطايا (مز 78؛ 105؛ 106)، وذِكْر لأعمال الله العظيمة، ورحمته الدائمة لشعبه المتمرّد عليه، الخائن لشريعته. هذه الصلاة تبدأ بذِكْر عَمَلِ الخَلْق.
(آ 7- 8)، نداء الله لإبراهيم: وجدتُ قلبَه أمينًا.
(آ 9- 11)، عبودية الشعب في مصر، وخلاصه بيد الله القديرة عَبْرَ البحر الأحمر.
(آ 12- 21)، الاقامة في البريّة، عمود السحاب والنار، شريعة سيناء، ألمنّ ومياه الصخرة، تذمّر الشعب، العِجْل الذهبيّ، التيهان أربعين سنة.
(آ 22- 25)، إحتلال أرض كنعان.
(آ 26-28)، القُضاة الذين خلّصوا الشعب.
(آ 29- 31)، الأنبياء الذين ذكّروا الشعب بوصايا الله، ونبهوهُ إلى خطاياه.
(آ 32- 37)، هنا يصل عزرا إلى الضيق الذي يُعانيه الشعب في الوقت الحاضر. أمّا مسؤولية ما حَدَث للشعب، فتقع على المُلوك والرؤساء والكهنة.

ج- مُلاحظات على الفصل الثاني
1- شخصيّة عزرا ونشاطه
نشاطه يتلّخص من خلال نُصوص عزرا ونَحَميا. نستطيع أن نتعرّف إلى عزرا الكاهن والكاتب والمُصلح، في عملين رئيسيّين. الأوّل: إعلان الشريعة بعد وصوله بقليل إلى أورشليم. الثاني: الإصلاح المُتعلّق بالزواجات المُختلطة. وبعد هذا يختفي عزرا عن مسرح الأحداث، فلا نعود نعرف عنه شيئًا.
شخصيته: كان كنَحَميا يهوديًا مُتعلّقًا بشعبه، عائشًا إيمانه بإله إسرائيل، إله الأباء. وكان مُوظّفًا رعيًا في بلاط فارس، الذي سمح له بأن يقوم برسالة مُحدّدة في أورشليم.
كان كاهنًا، عكس نَحَميا، وكان حاذقًا في معرفة شريعة الله، فصار أبًا لكلّ الكتبة في شعب إسرائيل. قام برسالة التعليم والتنظيم، وهو الرجل العالِم المُثقّف الفَطِن، الذي يهّمه العمل بمُوجب الشريعة بحذافيرها (إختار للقافلة اثني عشر لاويًا، على عدد أسباط بني إسرائيل). أمّا ذكاؤه وجدّيته، فأثّرا في الملك الذي صح له أن يقوم بالمُهّمة التي طلبها.
عاش عزرا (عكس نَحَميا) بعيدًا عن الشعب، فكان الرجل المُتزمّت، الذي لا يُظهر عن حرارة في مُعاطاته مع الآخرين. عاش في ظلّ الشريعة، لا يبُوح بعواطفه، ولا يترك سرّه يظهر إلى الخارج. فعندما عرف بقضية الزواجات المُختلطة، ظلّ هادئًا رزينًا: مزقّ ثيابه، سَجَد إلى الأرض، صلّى، ثمّ اتخذ قراره. هذا لا يعني أنّه غير صادق في ما يقوم به من أعمال، بل يعني أنّ الكاهن مثال لشعبه بهدوئه ورصانته. تضامن مع شعبه، فأضحت صلاته صلاة شعبه، وصلاة شعبه صلاته. أما هكذا تصرّف الأنبياء؟
كان عزرا رجلاً تقيًا ومُخلصاً، وكان رجل صلاة، ولكنّه كان قبل كلّ شيء رجل الشريعة (نح 8: 1 ي). عندما اتخذ إجراءات بالنسبة إلى الزواجات المُختلطة، فقد اتخذها من الزاوية العِرقيّة، مُشددًا على الطهارة الطقسيّة. وكان لإجرائه الجَذريّ هذا، أثره الاجتماعيّ العميق، في جماعة اليهود الصغيرة. ولكنّه رُغم قساوته في تطبيق القانون، ظلّ الرجل الذي نجح في مهمّته، وقد قال فيه التقليد اللاحق أطيب كلمات المديح. واعتبره اليهودي من درجة موسى، ونسبوا إليه تأليف مُجْملِ أسفار الشريعة.
2- الشريعة
يُشدّد المُؤرّخ الكهنوتي على دور داود وسليمان، في تنظيم شعائر العبادة، ويُشدِّد أيضاً على دور موسى وأهمّية الشريعة. فاسم موسى يَرِدُ فقط اثنتي عشرة مرّة في أسفار صموئيل والملوك، ولكنّه يرد إحدى وعشرين مّرة في التاريخ الكهنوتيّ. وترد كلمة شريعة (توراة في العبرانية) اثنتي عشرة مّرة في أسفار صموئيل والملوك. أمّا في 1 أخ، و2 أخ، فترد أربعين مّرة. يرجع المُؤرّخ الكهنوتيّ سبع مّرات إلى شريعة موسى، بينما لا يرجع إليها الكاتب الاشتراعيّ إلا مّرتين.
يُشدّد المُؤرّخ الكهنوتيّ على الشريعة ككتاب مكتوب، ويُشير إلى أنّها كتاب الربّ، كتاب الله، كتاب الربّ الإله، ويعتبرها كلامًا ثابتاً، ويضع كلام شريعة موسى، على قَدَمِ المُساواة مع أوامر داود. نقرأ في 2 أخ 23: 18: وأقام يُوياداع مُناظرين في بيت الربّ، تحت أيدي الكهنة واللاويين الذين وزّعهم داود على بيت الربّ، ليُصعدوا محرقات الربّ، كما كُتِبَ في شريعة موسى، يُصعدونها بترانيم الفرح، كما رسم داود.
بجد عند المُؤرّخ الكهنوتيّ فرائض عديدة، ترتبط بشعائر العبادة المُتنّوعة. هناك إيعاز بإصْعاد المُحرقات (1 أخ 16: 40؛ 2 أخ 23: 18)، التي لأجلها بَنى عزرا مذبحًا خاصاً (عز 3: 2). إحتفل نَحَميا بعيد المظالّ، كما في شريعة موسى (نح 8: 14). يكون الحطب كافيًا للإيقاد (نح 10: 34)، وتقدمة البواكير تتمّ بالفرح، بحَسب كلام الشريعة (نح 10: 34). خلال العيد يقف المُحتفلون في المكان المُخصّص لهم بحَسَب الشريعة (2 أخ 30: 16).
للشريعة أهمية كبُرى كأداة تعليم، تقود الجماعة في سبيل العبادة الحقّة. أرسل حزقيا وُفودًا تعلّم شعب يوذا، فأخذت معها كتاب شريعة الربّ (2 أخ 17: 9) الذي حمله عزرا معه من بابل (نح 8: 1)، وقرأ فيه على مسامع الشعب (نح 8: 8).
وعمل عزرا ليتفّهم الشعب واللاويون والكهنة كلمات الشريعة (نح 8: 13). تخصّص في شريعة الربّ (عز 7: 6)، ووجّه قلبه لاقاسها (عز 7: 10)، وجعل الكهنة واللاويين مُفسرّين لها، بعد أن كرّسوا نفوسهم لهذا الأمر (2 أخ 31: 4). في الأعياد، تُقرأ فصول من الشريعة على مسامع الشعب (نح 8: 18)، فتُشكّل قسمًا من شعائر الطُقوس والعبادة (نح 9: 3).
كانت الشريعة المقياس الرسميّ لحياة ونشاط الجماعات والأفراد. فداود حثّ ابنه سُليمان على العمل بشريعة الربّ، ليكون مُلكه مُوفّقًا (1 أخ 22: 12). وأمصيا (لما صار ملكًا) قتل قاتلي أبيه (2 أخ 25: 4)، ولكنّه عفا عن أولادهم، عملاً بشريعة موسى (تث 24: 6)، ويُوشيا أعطى الشريعة حصّة من اهتمامه (2 أخ 34: 14 ي)، فصارت برنامج إصلاح، وكيَّف حياته بحَسَب فرائضها (2 أخ 35: 2). وفي عهد نَحَميا ارتبطت الجماعة بعَهْد وقَسَمٍ، أن يسلكوا في شريعة الربّ، كما وصلت إليهم على لسان موسى عبده، وأن يحفظوا جميع وصايا الربّ الإله، وأحكامه وفرائضه، ومنها: لا نُعطي بناتنا لأمم الأرض، لا نشتري في السبت، نترك المُطالبة بكلّ دَيْنٍ في السنة السابعة (نح 10: 30- 31). وهكذا صارت مُمارسة الشريعة، علامة تُميّز اليهوديّ عن سائر شعوب الأرض (نح 10: 28).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM