الفصَل الثَاني: إعَادَةُ بناءِ المَذْبح وَالهيكل

الفصَل الثَاني
إعَادَةُ بناءِ المَذْبح وَالهيكل
3: 1- 6: 22

أ- المُقدّمة:
أراد اليهود العائدون من المنفى، أن يستأنفوا شعائر العبادة، فرمّموا المذبح، ووضعوا أساس الهيكل (3: 1- 13). ولكن قام من عارض بناء أسوار أورشليم وهيكلها، فتوقّف العمل (4: 1- 23). بعدها جاء حجّاي وزكريا، فشرعا في بناء بيت الله، ثمّ كتب شيوخ اليهود رسالة إلى الملك داريوس (5: 1- 17)، فأجابهم داريوس بالخَيْر، وسمح لهم بمتابعة العمل (6: 1- 12)، وما زالوا على ذلك، حتّى انتَهوا من بناء بيت الله فكرّسوه (6: 13- 18)، وعيَّدوا فيه الفصح وعيد الفطير (6: 19- 22).

ب- تفسير الآيات الكتابيّة.
1- إعادة بناء المذبح، ووفع أسُس الهيكل (3: 1- 13)
ما إن وصل اليهود بقيادة يشوع وزَرُبّابل، حتّى أعادوا بناء المذبح وقدّموا المُحرقات، وعيّدوا عيد المظالّ وغيره من أعياد (آ 2- 6). ثمّ جهزوا كلّ شيء من أجل الشروع في بناء الهيكل (آ 6- 7). وفي السنة التالية، بدأ يشوع وزَرُبّابل واللاويون ببناء الهيكل: وضعوا الأسُس، ثُمّ أقاموا إحتفالاً بكى فيه بعضهم، عندما تذكّروا الماضي، وهتف البعض الآخر، يحدوهم الأمل الى متابعة العمل (آ 8- 13).
(آ 3: 1)، الشهر السابع (تشرين أوّل)، هو شهر الإحتفالات الكبيرة في أورشليم.
(آ 2- 3)، أمام رُكام الهيكل القديم. وجّه العائدون اهتمامهم إلى الأهمّ، فأعادوا بناء مذبح المُحرقات، بحَسَب فرائض شريعة موسى. كان موضع المذبح القديم معروفًا، خاصّة وأنّ الباقين في أورشليم، ظلّوا يُقَدّمون ذبائحهم على رُكامه (ار 41: 5).
خاف العائدون أن يكون المذبح قد تنجّس في غيابهم، ولهذا أعادوا بناءه، وخافوا أن تُثَبِّطَ الشعوب المجاورة عزيمتهم وتُقُلِقَهم (4: 4).
شعوب الأرض (أو الشعوب المُجاورة)، هم اليهود الذين لبثوا في أرض فلسطين، ولم يذهبوا إلى المنفى، والغرباء الذين جاء بهم الكلدانيون، ليحلّوا محلّ بني إسرائيل. كلّ هؤلاء احترزوا من الآتين الجدد، بعد غيابٍ دام قرابة قرن (9: 1- 2؛ 10: 2؛ نح 9: 30).
(آ 8)، عمر اللاويين: من عشرين سنة وما فوق (1 أخ 23: 27)، وهو عمر يُناسب بداية خدمتهم في الهيكل (في عد 4: 3؛ 8: 24 نقرأ: 25 سنة). الشباب يتحمّسون للأعمال الجديدة، بمَا فيها من مُغامرة.
(آ 10)، على حَسَبِ ترتيب داود (في آ 4 نقرأ: على حَسَب ما هو مرسوم). هناك استمرارية بين ما فعله موسى في الماضي، وما يفعله الكهنة اليوم، بين ما فعله داود وسُليمان إبّان الهيكل الأوّل، وما يفعله زَرُبّابل الآن إبّان الهيكل الثاني.
صوّر المُؤرّخ الجماعة المُتحمّسة للعودة إلى البلاد، والتي بدأت سريعًا بأعمال البناء. ولكنّ ما يُدهشنا، هو آنه لا يعود يتحدّث عن ششبصّر، بل عن زَرُبّابل (من بيت داود) ويشوع الكاهن. بدأ ششبصّر فأزال رُكام الهيكل القديم، وسوّى أرضه (5: 16)، ثمّ وضع زَرُبّابل ويشوع أسُس الهيكل الجديد.
في الواقع لم يبدأ اليهود حالاً بأعمال البناء، بل انتظروا السنة الثانية لداريوس. ولكنّ الكاتب أبرز حماس العائدين، فصوّر البداية البسيطة للعمل، وكأنّها بداية عَمَلِ سيكون عظيمًا.
2- مُعارضة بناء أورشليم وهيكلها (4: 1- 24)
(آ 4: 1- 5)، إعادة بناء الهيكل ومُعارضة الأعداء.
عرف أعداء يهوذا أنّ اليهود يُعِيدون بناء هيكلهم، فجاؤوا إلى زَرُبّابل ويشوع وشيوخ الشعب، وعرضوا لهم أن يعملوا معهم. رفض اليهود طلابهم، مُعتبرين أنّ هذا العمل امتياز خاصّ بهم. فعمل الأعداء على إفساد العمل بالوَعْد والوعيد، بالترغيب والتهديد. وظلّت الحال على هذا المنوال، إلى السنة الثانية لمُلْك داريوس.
شعب الأرض، هم نَسْل الوثنيين الذين جلاهم أسرحدّون (681-669) إلى بلاد يهوذا. عبدوا يهوه، ولم يتخلّوا عن آلهتهم (2 مل 17: 24- 41)، فشكّلوا خطرًا على إيمان الشعب. لهذا رفض زرُبّابل أن يتعامل معهم في أمر بناء الهيكل.
تأخّر العمل في بناء الهيكل، فعزا حجّاي (1: 2- 9) هذا التأخر، إلى تقاعُس المؤمنين. أمّا المُؤرّخ الكهنوتي، فعزاه إلى مُعارضة الأعداء. وهناك سبب آخر: فَقر الراجعين وبُؤسهم.
(آ 6- 23)، نحن هنا أمام سلسلة من الوثائق المُكوّنة من مُراسلات بين الملك أرتحششتا وأهل يهوذا والسامرة، وهي تتعلّق بمَا يفعله اليهود في أورشليم، وما يُشكّله عملهم من خطر على أمن البلاد.
النصّ مكتوب في اللّغة الآرامية، لا في اللّغة العِبرانيّة (4: 8- 6: 18)، وهو يدور حول بناء أسوار أورشليم، لا هيكلها. تدخّل الأعداء، فأوقفوا العمل في ترميم الأسوار.
(آ 24)، ويعود بنا الكاتب إلى الحديث عن إعادة بناء بيت الله.
3- العودة إلى العمل في بناء بيت الله (5: 1- 17)
هذا المقطع هو امتداد لما قرأناه في 4: 1 ي، وهو يروي كيف أنّ الجماعة الآتية حديثًا من المنفى، شرعت حالاً في بناء بيت الربّ.
(آ 5: 1- 5)، العودة إلى العمل.
نُلاحظ هنا ثلاثة وقائع. الأوّل يتعلّق بمَا فعله حجّاي وزكريا، ليَحُثّا الشعب على إعادة بناء الهيكل. الثاني يتعلّق بالزمن الذي بدأ العمل فيه، وهو سنة 520. الثالث يروي مُعارضة الحُكّام المحلّيين، وقد كتبوا لداريوس بهذا الشأن.
(آ 6- 17)، رسالة إلى داريوس.
تُورد الرسالة ما قاله نداء كورش في السنة الأولى لملكه في بابل، وتذكر المُهّمة التي أوكِلَت إلى ششبصّر، وهي إعادة الآنية المُقدّسة إلى أورشليم، وَوَضْعُ أسُس الهيكل.
لا يُلْمِحُ النصّ إلى اسم زَرُبّابل، ولا إلى توقّف الأعمال، لئلا يفهم داريوس، أنّهم توقّفوا كلّ هذه المُدّة عن بناء هيكلهم، وكأنّ الأمر لا يهمّهم، فيأمرهم بالتوقّف عن البناء.
نُلاحظ هنا تقارباً بين الفكر الدينيّ اليهوديّ، والفكر الدينيّ الفارسيّ. فاليهود هم عبيد إله السماوات والأرض، الذي يعبُده كورش. ونُلاحظ فكرًا لاهوتيًا مُتأثرًا بتعليم الأنبياء وأقوال سِفْر التثنية. قبل نكْبة أورشليم، كان الشعب مُتأكدًا، أنْ لا شيء يُصيب بيت الله المُقدّس في أورشليم، ولكن، بعد النَكْبة، يئس الكثيرون، واعتبروا أنّ الله تخلّى عنهم، أو عَجِزَ عن مُساعدتهم. أمّا الأنبياء فرأوا في هَدْم الهيكل، وذهاب الشعب إلى المنفى، عِقابًا من الربّ الغاضب على بني إسرائيل، بسبب خياناتهم له. وتأتي سنوات المِحْنة والألم، فيفهمون أنّ الله هو من يقود الأحداث: عاقب شعبه المُتمرّد بواسطة ملك وثنيّ، هو نبوكدنصر، وخلّص شعبه المُتخشّع المُتواضع بواسطة ملكٍ وثني آخر، هو كورش. أجل لا شيء يقِفُ بوجه مخطّط الله من أجل شعبه.
4- جواب الملك داريوس (6: 1- 12)
(آ 6: 1- 5) تذكير بنداء كورش.
هذا النداء قرأناه في 2 أخ 36: 22- 23، عز 1: 1- 4، إنّما نُلاحظ:
أولاً: إنّ العبارات المُستعملة في عز 1: 1- 4، مأخوذة من العالم اليهوديّ، فتذكر يهوه مرّتين، ويهوذا مرّتين، والبقية الباقية، أمّا عز 6: 1- 5، فيكتفي بالحديث عن هيكل الله في أورشليم.
ثانيًا: أسلوب عز 6: 1- 5 بسيط جدًا، أمّا عز 1: 1- 4، فهو يَحُثُّ الشعب ويُحرِضُه، ويذكر أنّ يهوه أعطى كورش ممالك الأرض، وأمره أن يبنيَ له هيكله في أورشليم.
آ 6- 12)، أمر داريوس.
بعد أن ذكر داريوس نداء كورش، أعطى لليهود إذْنًا رسمّيًا بمتابعة العمل، وطلب إلى الحُكّام ألاّ يتعرّضوا لهم. وزاد على ذلك، بأن خصّص قِسمًا من الفرائب الملكيّة، لتنفيذ الأعمال، والقيام بشعائر العبادة.
5- تدشين الهيكل والاحتفال بالفصح (6: 13- 22)
(آ 13- 18)، وأكملوا العمل في بيت الله ودشّنوه بفرح.
ذبحوا الذبائح العديدة، ولكنّ الرقم المذكور مُبالغ فيه، بسبب فَقْر سُكّان أورشليم.
تمّ تنظيم الكهنة واللاويين (1 أخ 23- 26)، كما ورد في كتاب موسى، للدلالة على استمرارية التقليد في شعب الله، مَنْذُ عَهْدِ موسى.
كَمُلَ العمل في اذار من السنة السادسة لداريوس (حج 1: 15)، أي بعد أربع سنوات ونصف السنة. يُورد الكاتب اسم حجّاي وزكريا، كأنّهما رافقا الشعب في عَمله، خلال كلّ هذه السنوات، إنّما الواقع هو أنّ النبيَيْن حضرا في بداية الأشغال، فحمّسا الشعب، وتركاه يُتابع العمل.
لم تُقَدَّم الذبائح من أجل يهوذا وحسب، بل من أجل كلّ أسباط بني إسرائيل. فالأمل حيّ بتنظيم الشعب كلّه، لأنّ كلّ الذين خرجوا من مصر مع موسى، هم شعب الله.
(آ 19- 22)، الاحتفال بالفصح.
إحتفل الشعب بالفصح، ليشكروا لله اهتمامه بشعبه. عيدّوا في الرابع عشر من الشهر الأوّل، أي شهر نيسان (خر 12: 1- 6؛ لا 23: 5).
ذكر المُؤرّخ الكهنة واللاويين، وأعطى اللاويين دورًا في ذَبْح حَمَل الفصح (2 أخ 30: 17- 19؛ 35: 11). أمّا في سِفْر التثنية (16: 2)، والخُروج (12: 2)، فنرى جميع المؤمنين يحتفلون بذَبْح حَمَلِ الفصح.
عيدّوا سبعة أيّام عيد الفصح وعيد الفطير. عيدّ العائدون من السَبْي، مع اليهود الذين لبثوا في فلسطين خلال سني المنفى.

ج- مُلاحظات حول الفصل الثاني.
1- ما يهمّ المُؤرّخ هو بناء الهيكل. من أجل هذا استفاد من مراجعه، دون أن يهتمّ بالتفاصيل، أو تسلسل الأمور، ليصل بنا إلى حيث يُريد. بيت الله هو مِحْور تفكيره، وما يكتُبه ليس تاريخ الشعب اليهوديّ، بل تاريخ الهيكل. في هذا الهيكل الذي دُمِّرَ سنة 587، وأعيد بناؤه سنة 520، سيجد بنو إسرائيل مركز الحياة الدينية. بعد إعادة هذا البناء، يُمكن أن تترتّب شعائر العبادة، وتتنظم جماعة المؤمنين في المدينة المُقدّسة.
2- تساءل العديدون: ما القيمة التاريخية لهذه المُستضدات الآرامية، التي يُوردها سفر عزرا؟ نجيب: أولاً: إنّ الآرامية كانت لغة السياسة والتجارة في الشرق، في زمن الفُرْس، وقد انتشرت انتشارًا واسعًا، وادْخِلَت إلى مَتْنها مفردات عديدة من العالم البابليّ أو الفارسيّ، وما يشهد على انتشارها، هو ما اكتُشِفَ في مصر من نُصوص دُوّنتْ على وَرَق البَرْديّ. ثانيًا: إنّ طريقة تعامُل ملوك الفرس مع الشعوب المغلوبة، أمر معروف، وهي مبنية على التسامُح والكرم مع اليهود وغير اليهود، وبهذا يكونون سبقوا الإسكندر في فكرة توحيد العالم، حول شخص الإمبراطور الفارسيّ، وبواسطة لُغة واحدة هي الآرامية.
3- إنّ عيد الفصح يُذَكّر الشعب بخروجه من مصر، بل يجعل من هذا الخُروج وهذا الخلاص أمرًا حاضرًا، بفعل الليتورجيا التي تنطلق من الحاضر المُؤلم، فتعود إلى الماضي الذي فعل الله فيه العظائم، وتنظر إلى المستقبل الذي تترجّاه زاهرًا، بفضل أمانة الله لشعبه ولعهده. كان بنو إسرائيل يُعيدّون الفصح كلّ سنة، ليعيشوا في جوّ هذا الخلاص الذي منحت الله إيّاه. ولكن برزت لحظات هامّة في تاريخ الشعب، سيرتدي فيها عيد الفصح طابعًا خاصاً، وسيكون له مدلوله في حياة بني إسرائيل. فهناك العيد الذي احتفلوا به في البريّة (عد 9: 1 ي)، قبل لقائهم بالربّ في جبل سيناء. وهناك العيد الذي احتفلوا به مع يشوع، بعد عُبورهم نهر الأردنّ، واستعدادهم لدخول أرض الميعاد (يش 5: 1 ي). وبعد أن قام حِزْقيا بإصلاحه الشهير (716 ق م)، دعا الجميع ليُقيموا عيد الفصح في أورشليم (2 أخ 30: 1 ي)، وكذا فعل يُوشيا (622 ق م): أنهى إصلاحه باحتفال بعيد الفصح، بحَسَبِ ما هو مكتوب في شريعة موسى (2 مل 23: 1 ي). ولمّا عادت الجماعة من الجلاء، إحتفلت بعيد الفصح، وكأنّها بذلك تهيئ نفسها لخروج جديد وخلاص جديد. قال الربّ لعبده "موسى الجديد": يكفي أن تكون لي خادمًا، فتُقيم أسباط يعقوب، وتردّ بني إسرائيل الذين بقوا على قيد الحياة. جعلتُك نورًا للأمم، فيصل خلاصي إلى أقاصي الأرض (اش 49: 6).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM