سِفْرا عَزرَا وَنحَميَا

سِفْرا عَزرَا وَنحَميَا

1- إسم الحب.
أوّلاً: سفر في سفرين
كانت اللائحة العبرانية لأسفار التوراة، تحتوي سِفْرًا واحدًا، هو سِفْر عزرا، وقد قُسِمَ في القرن الخامس عشر ب م سِفْرين، هما سِفْر عزرا وسِفْر نَحَمْيا. كانت اللائحة اليونانيّة، لا تعرف إلاّ كتابًا واحدًا، هو سِفْر عزرا بفُصوله الثلاثة والعشرين. ثمّ قُسمَ الكتاب قِسْمين، في مُحيط العالم اليهوديّ في الإسكندريّة. أوّل من أشار إلى وجود سِفْرين، كان أوريجانس. أمّا نحن، فسنَدْرُس في هذه المُقدّمة السفرين، وكانهـا سِفْر واحد، ثمّ نعود إلى شرح سِفْر عزرا ونَحَمْيا.
يجدُر القول هنا، إنّ السبعينية اليونانيّة تحتوي كتابًا آخر لعزرا، لا نجده في التوراة العبرانيّة. تَرجَمتْه اللاتينيّة الشعبية، وجعلَتْه بعد سِفْري عزرا ونَحَمْيا، فسُمّي عزرا الثالث. ونعرف أيضاً كتابًا منحولاً باسم عزرا، هو رؤيا عزرا، وقد دُوّن في نهاية القرن الأول ب م.
إذًا يُمكننا القول: إنّ القانون العبرانيّ يحتوى سِفْرين، هما عزرا ونَحَمْيا. والقانون اليونانيّ يحتوى أولاً سِفْر عزرا اليونانيّ، والذي سنتحدّث عنه، ثانيًا سفر عزرا الذي يَضُمّ سِفْري عزرا ونَحَمْيا العبرانيين. والقانون اللاتينيّ، يَضُمّ عزرا الأوّل (أي سِفْر عزرا في العبرانيّة)، وعزرا الثاني (أي سِفْر نَحَمْيا في العبرانيّة)، وعزرا الثالث (أي سِفْر عزرا اليونانيّ)، وعزرا الرابع (أي سِفْر عزرا المنحُول). ونُلاحظ أنّ سِفْري عزرا الثالث والرابع، قد جُعِلا في الفُولغاتا (أو اللاتينّية الشعبيّة)، بعد العهد الجديد، وكمُلْحقٍ للأسفار المقدّسة، ولم يُحسبا يومًا من الأسفار القانونيّة. والقانون السريانيّ في البسيطة، يعرف "كتاب عزرا النبيّ" وكتاب "نَحَمْيا"، ولكنّه يعتبرهما كتابًا واحدًا، بدليل ما نقرأ في نهاية سِفْر نَحَمْيا: إنتهى سِفْر عزرا الكاتب، بكلماته الألفين والثلاث مئة وإحدى وستين.

ثانيًا: سِفْر عزرا اليونانيّ.
هو ترجمة لأقسام مُهّمة من أسفار الأخبار وعزرا ونَحَمْيا، تَختلفُ عن ترجمة الأسفار القانونيّة في السبعينية اليونانيّة. زيدت عليها بعضُ المقاطع المنحولة، ومنها قِصّة الغِلْمان الثلاثة العاملين لدى داريوس. يروي عزرا اليونانيّ (1: 1- 20)، الاحتفال بعيد الفصح في عهد يُوشيا، كما قرأه في 2 أخ 35: 1- 19، ويُحدّثنا 1: 23- 55 عن موت يوشيا، وآخر ملوك يهوذا، والجلاء إلى بابل في عهد نبوكد نصّر (2 أخ 35: 20- 36: 21)، وعن نداء كُورش (2: 1- 3؛ رج 2 أخ 36: 22- 23؛ عز 1: 1- 3)، والرجوع إلى أورشليم (2: 3- 11؛ رج عز 31- 11).
ويُخبرنا عن إعادة بناء أسوار أورشليم، ورسالة حاكم يهوذا، وجواب الملك أرتحششتا (2: 12- 26؛ رج عز 4: 7- 24). أمّا في 3: 1- 5: 6 من سفر عزرا اليونانيّ، فنقرأ قِصّة الغِلمان الثلاثة العاملين لدى داريوس (لا نجد ما يُقابلها في الأسفار المقدّسة. رج أيضاً 1: 21- 22). وفي 5: 7- 7: 1، نقرأ لائحة بالمنفيّين الذين احصُوا في أورشليم، قبل إعادة بناء الهيكل (رج عز 2: 1- 4: 5). وفي 6: 1- 9: 36 (رج عز 5: 1- 10: 24)، نقرأ عن نهاية العمل في الهيكل، ووصول عزرا إلى أورشليم ونشاطه فيها. وينتهي سِفْر عزرا اليونانيّ (9: 37- 55)، فيُحدّثنا عن قراءة عزرا لسِفْر الشريعة، وعن احتفال الشعب بعيد المظالّ (رج نح 7: 73- 8: 12).
نُلاحظ أنّ سِفْر عزرا اليونانيّ، يتعدّى بمَضمُونه سِفْر عزرا العبرانيّ إذ ينقل إلينا فصلين من الأخبار، وفصلاً من نَحَمْيا، وقِصّة الغِلمان الثلاثة التي استقاها من العالم اليونانيّ، والتي ختمها بكلام يُعظّم زربابل وهيكل أورشليم وإله اليهود (رج قِصّة الفتيان الثلاثة في دا 3: 1 ي).
لغةُ عزرا اليونانيّ أكثر تهذيبًا من لُغة الترجمة السبعينية. أمّا اختياره للفصول التي اختارها، فلأنّه أراد لكتابه، أن يكون قِصّة إصلاحات ثلاثة لشعائر العبادة وتنظيم الجماعة اليهوديّة في عهد يُوشيا وزربابل وعزرا. من هنا نفهم لماذا حدّثنا عن إصلاح يُوشيا والاحتفال بالفصح، وعن إعادة بناء الهيكل والاحتفال بالفِصْح مع زربابل، وعن إعادة تنظيم شعائر العبادة والاحتفال بعيد المظالّ مع عزرا. ونفهم أيضاً أنّه لم يهتمّ بنحميا الذي لم يكن كاهنًا، فلم تكن له أيّة علاقة بالهيكل وقضايا العبادة، رُغْمَ أنّه أعاد بناء سور أورشليم.

ثالثاً: سِفْر عزرا الرابع أو عزرا المَنْحُول.
دوّنه يهوديّ في نهاية القرن الأول المسيحيّ بالعبرانية أو بالارامية، وتُرجم إلى اليونانيّة. بقي لنا من هذه الأخيرة، ترجمات إلى اللاتينيّة والسِريانيّة والحبشيّة والعربيّة والأرمنيّة والجيورجيّة. أمّا مضمون الكتاب، فسِلسِلة من الرُؤى، تقع داخل حوار بين عزرا والملاك أوريئل. يتساءل عزرا: لماذا يعيش شعب الله في التعاسة والشقاء؟ فيُجيبه أوريئل: إن أسرار الله أعمق من أن نَلِجَها، ولكنّ المسيح "سيأتي قريبًا، فيقهر الأشرار ويَمْلِكُ مع مُختاريه 400 سنة". وبعد موته وموت كلّ البشر، ستكون القيامة العامّة، والدينونة الأخيرة.
نُلاحظ أن لا قرابة البّتة بين سِفْر عزرا القانونيّ وسِفْر عزرا المنحُول، إلاّ اسم الكاهن الكاتب، الذي عَظُم اله في التقليد اليهوديّ، فصار صِنْوا لمُوسى، في إعادة تدوين التوراة، وجمعها وإعلانها على الجماعة الجديدة المُكّونة من الآتين من جلاء بابل.

رابعًا: لغة سِفْر عزرا القانونيّ.
نجد في سِفْر عزرا، كما في سفر دانيال، ولا نجد في غيرهما، فُصولاً كاملة، مُدوّنةً في اللّغة الآرامية. ففي دا 2: 4- 7: 8، نصوصٌ أرامية، لا نعرف لماذا لم تُكتب في العبرانية، وفي عز 4: 8- 6: 18؛ 7: 12- 26، نصُوصٌ أرامية، هي في الاجمال وثائق رسميّة أو رسائل دبلوماسيّة، حُفظَت لنا في لُغتها الأصليّة، يوم كانت اللُّغة الآرامية لغة بني فارس الرسمية.
2- من كتبَ سِفْر عزرا وَسِفْر نَحَمْيا؟
أولاً: يختلف الشُرّاح على زمان تدوين نَحَمْيا وعزرا. ولكن، إذا أخذنا بالافتراض القائل إنّ عزرا جاء إلى أورشليم بعد نحميا، وإنّ أرتحششتا المذكور في عز 7: 8، هو أرتحششتا الثاني، يُمكننا القول إنّ مُجمل ما دوّنه المُؤرّخ الكهنوتيّ، يرجع إلى نصف القرن الرابع ق م. ثمّ إذا تفحّصنا لوائح أنساب عُظماء الكهنة (1 أخ 3: 1 ب، نح 12: 1 ي)، نجد أنّ يدوّع عاش في بداية حُكْمِ اليُونانيين في الشرق (332 ق م). وإذا عرفنا أنّ زمن السلوقيين، كان زمن قلاقل واضطرابات، فَهِمْنا أنّ عَمَلَ المُؤرّخ سبق زمن المكابيين. وهكذا يكون قد تمّ تدوين أسفار الأخبار وعزرا ونَحَمْيا، بين نهاية القرن الرابع وبداية القرن الثالث ق م. ولكن هذا لا يعني أنّ موادّ التاريخ الكهنوتيّ، هي حديثة العهد، بل قديمة جدًا، ويعود بعضها إلى بداية تاريخ شعب الله في أرضه.
ثانيًا: لا نجد أيّ تلميحٍ عن مُؤلّف عزرا ونَحَمْيا، غير أنّ الشُرّاح يعتبرون أنّ الذي دوّن 1 أخ و2 أخ، هو الذي دوّن عزرا ونَحَمْيا. والدليل الحِسيّ على ذلك، هو أنّ آخر آيات 2 أخ (36: 32- 33)، هي أولى آيات عزرا (1: 1- 3)، وهكذا تكون لنا حلقة الاتصال بين عز و2 أخ.
ثالثًا: ما هي المراجع التي استقى منها المُؤرّخ الكهنوتيّ؟ هو لا يذكر المراجع التي استفاد منها، ليكتُب عن هذه الحقبة التي تتطرّق إلى زمن الجلاء، وإلى إعادة تكوين شعب الله. سِفْرا الأخبار رجعا إلى أسفار صموئيل والملوك، أمّا سفرا عزرا ونَحَمْيا، فرجعا إلى وثائق رسميّة في اللغة العبرانية والأرامية، وإلى ذكريات عزرا ونَحَمْيا. فمن الوثاثق الرسمية المُدّونة في اللغة العبرانية، أخذ المُؤرّخ لائحة اليهود العائدين مع زربابل (عز 2: 1 ي؛ نح 7: 1 ي)، وأسماء رؤساء الشعب (نح 10: 3- 30)، وأخذ احصاء عن شعب يهوذا (نح 11: 3- 36)، ولائحة الكهنة واللاويين، منذ الجلاء إلى نهاية العهد الفارسيّ (نح 12: 1- 26). ومن الوثائق الرسمية المُدوّنة في اللغة الأرامية، أخذ المُؤرّخ المُراسلات الدبلوماسية، المتعلّقة بترميم سور أورشليم وهيكلها (عز 4: 9- 6: 18)، وأمر أرتحششتا المتعلّق بمُهّمة عزرا (عز 7: 11- 26). وبقي لنا من ذكريات عزرا، خبر وصوله إلى أورشليم (عز 7- 8)، وإعلان الشريعة (نح 8- 9)، والإصلاح في الزواجات المُختلطة (عز 9- 10). وبقي لنا من ذكريات نَحَمْيا، ما يتعلّق بترميم سور أورشليم (نح 1- 7)، وتدشين المدينة الجديدة، والاصلاحات التي قام بها نَحَمْيا (نح 12: 27- 13: 31)، إنطلاقًا مّما ألزم به الزعماء أنفسهم (نح 10: 1 ى). أمّا ما تبقّى من نصوص، كنِدَاء كُورش (عز 1: 1 ي) وحَفْر أساسات الهيكل (عز 3: 1- 4: 7)، والاحتفال بعيد الفصح (عز 6: 19- 22)، فهي من تأليف المُؤرّخ الذي انطلق من تقاليد شفهيّة، سكبها في قالبه الخاصّ وربط الأقسام المُتعدّدة، فكان لنا تأليف مرتّب ومنسّق لمَجْد الربّ ومدينته وهيكله.
3- مضمون عزرا ونَحَميا.
أولاً: يُقسم سِفْر عزرا قسمين مُتمايزين، يُقابلان أحداثًا تفصل بينها، فترة تمتد من 70 إلى 125 سنة. يروي القسم الأوّل (عز 1- 6)، أنّ الملك كورش أَذن للمنفيين اليهود، في أن يرجعوا من بابل إلى أورشليم، وأن يُعيدوا بناء الهيكل. بدأ العائدون (اورد عز لائحة بهم) فرمموا مذبح المحرقات في أورشليم وبحثوا عن اساسات الهيكل. ولكن اعترضتهم صعوبات آتية من الحُكّام المحليّين وأعداء اليهود. حينئذ ارسلت رسائل إلى أرتحششتا، فأوقف العمل في إعادة بناء أورشليم وهيكلها. غير أنّ حجاي وزكريا، لاحقا الأمور لدى داريوس، فتمّ العمل في الهيكل، واحتفل الشعب بتدشينه بأبّهة عظيمة.
ويُحدّثنا القممم الثاني (عز 7- 10) عن عزرا الكاتب الكاهن، الذي أوكله الملك أرتحششتا بمَهمّة رسميّة. وصل عزرا إلى أورشليم مع رفاق له عديدين، فوجد البلاد في حالة يُرثى لها، من جهة العَمَلِ بشريعة الله. وإذ عرف أنّ يهودًا عديدين، تزوّجوا بنساء وثنيات، قام بإصلاح جَذري يسنُدُه الشعب، فطرد الغُرباء والغريبات إلى ما وراء الحدود، ليبقى شعب الله على نقاوته.
ثانيًا: يُقسم سِفْر نَحَميا ثلاثة أقسام، وهو يتكوّن من خبر متّصل، ترتبط أحداثه بوقت محدّد. وتتباين عناصرُه الواحد عن الآخر. في الفصل الأوّل (نح 1- 7)، نتعرّف إلى نَحَميا، الموظف الرفيع المَنزلة في بلاط أرتحششتا، الذي يكتئب ويحزن، لما وصَلَهُ من معلومات عن حال أبناء شعبه في أورشليم. طلب إذنًا من الملك فسمح له، فذهب إلى أورشليم. وبعد دورة تفتيشية على أسوارها، عَزَمَ على ترميمها. حينئذ قسم العمل بين بيُوت يهوذا فعملوا جميعًا، بل عملوا والسلاح بأيديهم بسبب وجود الأعداء. وقبل أن ينتهي من العمل في سور المدينة، أنهى نحميا قضيّة الظُلْم اللاحق بفئات الشعب، ثمّ قام بإحصاء الراجعين من المنفى، وعمل على جَعْلِ أورشليم آهلة عامرة، كما كانت عليه قبل نَكْبَةِ 587 ق م.
في الفصل الثاني (نح 8- 9)، يختفي نَحَميا ويبرُز عزرا. يقرأ عزرا الشريعة على الشعب، قراءة جهورية، ثمّ يُعيد شعائر العبادة إلى اصولها، ويُنظّم الإحتفالات بالأعياد، بحَسَب سِفْر الشريعة الذي حمله معه من بابل. جمع الشعب، وعيّد معهم عيد المظالّ، فقام وإيّاهم بحفلة توبة، رفع فيها صلاتِه إلى الله، مُتذكرًا أعماله العجيبة من أجل شعبه. ولكنّ الشعب بادله أفضال الربّ بخطايا، جعلت غضبه يحلّ عليهم، فيضربهم شَرُّ المُتسلّطين.
في الفصل الثالث (نح. 1- 13)، نحضر إحتفالاً يلتزم فيه الشعب بحفظ وصايا الشريعة وفرائضها، ثمّ نعيش مع الشعب والكهنة الذين أحصاهم نَحَميا، عَبْرَ تدشين سور أورشليم، في طوافٍ يُشبه إلى حدّ بعيد، طواف يشُوع حول أسوار أريحا، قبل أن تَسْقُط (يش 6: 1 ى). وينتهي الكتاب بجُملة إصلاحات يقوم بها نَحَميا، خلال إقامته الثانية في أورشليم، فيما يتعلّق بالعُشور والسبت والزواجات المُختلطة وأمور أخرى عديدة. لا يذكر السِفر كلّ شيء، بل يترك للقارئ أن يكتشفها انطلاقًا من شريعة موسى، وللمُؤمنين أن يطبّقوها في حياتهم ليستحقوا أن يكونوا من جماعة الله العائشة بأمان في مدينة القدس، في أورشليم، حيث هيكل الله، ومركز حضُوره وسط شعبه.
4- المسائل التاريخية في عزرا ونَحَميا.
أولاً: نُورد لوحة بالأحداث المروّية في عزرا ونَحَميا:
سنة 538 ق م، أطلق كورش نداءه، فقاد شِشبصّر قافلة أولى من العائدين، وحمل معه آنية بيت الربّ إلى أورشليم. ثمّ قاد زربابل ويشوع قافلة ثانية من العائدين، أسكناهم أورشليم وضواحيها. بدأ هؤلاء العائدون بترميم مذبح الربّ، وإقامة شعائر عبادتهم عليه، ثمّ عملوا في أساسات الهيكل، فجاءهم أمر من الملك، بإيقاف أعمال البناء (عز 4: 1- 5: 24).
سنة 520 ق م، عاد اليهود إلى بناء الهيكل، تدفعهم غَيْرة حجّاي وزكريا. أتمّوا بناء الهيكل، ورمّموا أسوار المدينة بمُباركة السُلطات الفارسيّة (عز 5: 1- 6: 15).
سنة 515، وصلت أولى الشكاوى على العاملين في سور أورشليم، فقام نَحَميا بسفرة أولى إلى أورشليم (نح 1: 1- 7: 73؛ 11: 1- 13: 3) سنة 445- 433، ثمّ بسفرة ثانية، أتّم خلالها إصلاحه الديني (نح 10: 1- 40؛ 13: 7- 31) قبل سنة 423.
سنة 397- 396، قام عزرا بسَفَر إلى أورشليم، فقرأ شريعة موسى التي حملها معه من بابل، وأتم الاصلاحات اللازمة (عز 7- 10؛ نح 8- 9).
ثانيًا: الملوك الذين عاشوا في هذه الفترة، هم:
- كورش الثاني الكبير (559-529).
- داريوس الأول (522-486).
- أرتحششتا الثأني (404-358).
- داريوس الثالث (336- 331)، آخر ملوك الفرس الذي سيخلعُه الإسكندر المقدونيّ (331-323)، ويبني القسم الأكبر من مملكته، على أنقاض مملكة فارس. كان شعب يهوذا خاضعًا لمملكة فارس، فصار تحت حُكْم الإسكندر. حُرِمَ من حياة سياسية مستقلة، فانكفأ على حياته الدينية والليتورجيّة حول كاهِنِه الأعظم، الذي كان يُسيّر أموره الدينيّة والمدنيّة.
ثالثًا: إنّ قراءة نَحَميا وعزرا تطرح مسائل تاريخيّة.
نذكر منها المسألة الأولى، وهي تتعلّق بالتوقّف عن العمل في ترميم هيكل أورشليم (عز 4: 1 ي). أمر الملك الفارسيّ أرتحششتا (465-424) بهذا التوقّف، مُتجاوبًا مع شكوى خصوم اليهود (عز 4: 6- 24). ولكنّ هذا مستحيل، لأنّ اليهود بدأوا بناء الهيكل، في السنة الثانية لداريوس (عز 4: 24؛ حج 1: 15)، أي سنة 520، وأتمّوه في السنة السادسة (عز 6: 15)، أي سنة 515. وما يَرويه عزرا (4: 6- 23)، فمُحاولة لإعادة بناء سور أورشليم، لا هيكلها. وتتعلّق المسألة الثانية، بالزمن الذي عاش فيه كلٌ من عزرا ونَحَميا. فإذا قرأنا الكتاب بشَكْلِه الحاضر، وجدنا أنّ عزرا جاء إلى أورشليم في السنة السابعة لأرتحششتا (عز 7: 7)، وأنّه بدأ عمله الإصلاحيّ (عز 8- 10) قبل نَحَميا، الذي وصل أورشليم في السنة العشرين لأرتحششتا (نح 2: 1)، وبدأ إصلاحه فيها (نح 1: 7). ثمّ يظهر عزرا من جديد لقراءة الشريعة (نح 8- 9)، ليختفي تاركًا نَحَميا يقوم بنشاطه في أورشليم، في سنة 32 لأرتحششتا. ونتساءل: هل إنّ عزرا ونَحَميا عاشا في زمن واحد، وقام الواحد بنشاط مُستقلّ عن نشاط الآخر، وكان الواحد يجهل الآخر، مع آنهما جاءا كليهما في بِعْثة رؤية من قبل الملك أرتحششتا (عز 7: 11؛ نح 2: 7- 8)؟ ولكن يبدو أنّ نشاط نَحَميا سابق لنشاط عزرا. جاء نَحَميا إلى أورشليم سنة 445، بينما جاء عزرا سنة 397، في عهد أرتحششتا الثاني. ولكن لماذا مزج المُؤرّخ الكهنوتي نشاط عزرا بنشاط نَحَميا؟ ليجعل نشاط الكاهن سابقًا لنشاط نَحَميا، الذي لم يكن كاهنًا، وليجعل قراءة الشريعة المنظِّمة للطقوس، تحتلّ مكان الصَدَارة، فلا يسبقها شيء، ولوكان تريم أسوار أورشليم، وأعادة بناء الهيكل.
رابعًا: نقرأ عزرا ونَحَميا، فنعرف كيف تكوّنت الجماعة اليهوديّة.
المرحلة الأولى هي مرحلة الرجوع: رجوع أول مع ششبصّر، رجوع ثان مع زَرُبابل (كان عدد الراجعين خمسين ألفًا)، رجوع ثالث مع عزرا (كان عدد الراجعين عشرة آلاف). المرحلة الثانية هي مرحلة الإقامة في البلاد. ترك بنو يهوذا أرضهم، مدّة تزيد على نصف قرن، ولمّا عادوا، واجهتهم الصعوبات العديدة: بيوت خَرِبة، أرض أكلها الشَوْك والعُلّيق، غِلال ضئيلة بسبب القَحْط والجفاف (حج 1: 6- 11)، مُنازعات مع الذين وضعوا يدهم على الأرض. المرحلة الثالثة هي مرحلة إعادة بناء الهيكل. منذ ساعات الرجوع الأولى، رمّم العائدون المذبح، وقدّموا الذبائح (عز 3: 3)، ثمّ وضعوا أساسات الهيكل (عز 3: 8- 13؛ حج 1: 15؛ 2: 18؛ زك 1: 16؛ 4: 9- 10). ولكنّ أهل الأرض هدّدوهم، فتوقّف العمل، وظلّت الحال على هذا المنوال، إلى السنة الثانية لداريوس. سمح داريوس بالعودة إلى بناء الهيكل، فقام بالعمل زَرُبابل ويشوع، يُحمّسهما زكريا وحَجايّ، وانتهيا منه سنة 515 ودشّنوه. المرحلة الرابعة هي مرحلة إعادة بناء أورشليم. بدأوا بها في عهد أحشويرش الأوّل (486-465)، وأرتحششتا الأوّل، وتوقّفوا ليعودوا إلى العمل مع نَحَميا الذي أنهى ترميم الأسوار في 52 يومًا، ودشّنها باحتفال. وهكذا سيعرف الناس بعض الأمان داخل المدينة المُقدّسة. المرحلة الخامسة هي مرحلة تمييز النَسْل المُقدّس. إهتمّ الرؤساء بألاّ يكون في الجماعة إلا أبناء إسرائيل الصريحون، فوُضِعَت لائحة الآنساب، وكلّ من عَجِزَ عن الإفصاح عن نَسَبه، أبْعِدَ عن الجماعة. ولكنّ العائدين امتزجوا بالوثنيين المُقيمين في البلاد، فكان إصلاح نَحَميا وعزرا بشأن الزواجات المُختلطة. المرحلة السادسة هي مرحلة تعريف الجماعة بالشريعة، وعودتهم إلى مُمارستها. هذا العمل قام به عزرا الكاهن والكاتب الحاذق.
وهكذا تنظّم اليهود داخل أسوار أورشليم وحول هيكلهم، بعد أن تنقّوا من كلّ عُنْصر غريب. عاشوا تحت سُلطة كهنتهم، في المحافظة على شريعة الله. وما فعله المُقيمون أولاً في أورشليم حول الهيكل، سيفعله حول المجامع، اليهود المُشتّتون، فيحذرون من الاختلاط بالأمم الغريبة، ويحرصُون على مُمارسة شعائر ديانتهم في أيّ مكان حلّوا.
5- الأفكار اللاهوتيّة في عزرا ونَحَميا.
لا نجد في عزرا ونَحَميا، الغنى اللاهوتيّ الذي نكتشفه في أسفار المزامير وأيّوب والأنبياء، غير أنّنا من خلال الأحداث الملموسة، تبرُز أمامنا أفكار رئيسية تتمحور حول ثلاث: الهيكل، مدينة أورشليم، جماعة شَعْب الله.
ألهمّ الأوّل للشعب العائد من المنفى، هو إعادة بناء الهيكل بحَسَب نداء كورش. فبيت الله، هو العلامة الحقيقيّة والماديّة لحضور الله وسط شعبه، وهو المكان الذي فيه يحتفل الشعب بشعائره الدينيّة. من هنا تظهر أهميّة ما يتعلّق بالكهنة واللاويين وخدام المكان المُقدّس، وما يخصّ آنية العبادة والتَقْدِمات والمذبح.
الهمّ الثاني للشعب، هو إعادة بناء أورشليم المدينة المقدّسة، والمدينة لا تفترق عن الهيكل. من أجل بناء أورشليم، جاء نَحَميا مصحوبًا برسائل من أرتحششتا، فعمل بهمّة ونشاط مع الشعب كلّه، فرمّم أسوارها، وعمل على إعمارها، عندما جلب إليها سُكانًا من الريف. واهتمّ بأن تبقى مدينة القدس، فلا يُعْمَل فيها عملٌ يوم السبت. ولكن ما قيمة المدينة والهيكل من دون جماعة شعب الله؟ هذه الجماعة التي أضعفتها سنوات المحِنة، ستؤسَّس من جديد على الطاعة لشريعة الله. خسر الشعب اليهوديّ استقلاله، فلم يَعُد لوجوده من معنى، إلاّ بصفته جماعة دينية، يرتبط وجهها الحاضر بتقليدها الماضي، جماعة الشريعة التي ستبقى علامة الجماعة اليهوديّة مدى الأجيال

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM