الفصَل التَاسع: الملِكُ حِزْفيا

الفصَل التَاسع
الملِكُ حِزْفيا
(715- 687)

أ- المُقدّمة
1- إذا قابلنا قِصّة الملك حزقيا في 2 مل (ف 18- 20) و 2 أخ (ف 29- 33)، لرأينا العناصر الرئيسيّة مُشتركة بين الكتابين: عُرِفَ حزقيا بإصلاحه للطُقوس، وبحصار أورشليم على يد الأشوريين سنة 701. مَرِضَ وأبَلّ من مَرضه، إستقبل وفدًا جاءه من بابل. ولكن بالنسبة إلى 2 أخ، فهو لا يهتمّ كثيرًا بِمَرَضِ المَلِك، واستقباله الوفد البابلى. إصلاح الطُقوس هو الأهمّ.
على هذا الأساس، يُمكننا أن نُقابل نصوص 2 مل بنصوص 2 أخ.
- حزقيا الملك: 2 أخ 29: 1- 36، لا مُقابل له في 2 مل.
- إصلاح الطقوس: 2 أخ 30: 1- 31: 21، يُقابله 2 مل 18: 1- 8.
- الحملة الأشوريّة: لا ذكر لها في 2 أخ؛ رج 2 مل 18: 9- 37.
- مَرَضُ حزقيا وشِفاؤه من مَرَضِه: 2 أخ 32: 33، يُقابل هذه الآية 2 مل 19: 1- 37.
- وفد بابل: لا ذِكْرَ له في 2 أخ، رد2 مل 20: 1- 19.
2- رأى المُؤرّخ في حزقيا ملكًا عظيمًا، أصلح ما أفسده آحاز. أعاد العبادة إلى نقائها الأوّل، فهدم المعابد المبنّية على المُرتفعات، واحتفل بعيد الفصح إحتفالاً عظيمًا مع كلّ الشعب. إنّ حزقيا صنع القويم في عيني الربّ، كجميع ما صنعه داود أبوه، ولكن لم تخلُ حياتُه من الخطيئة، وهذا ما يُفسّر المِحَن والتجارب التي حلّت به. غير أنّ حياته بدت بمُجملها أمينةً لوصايا الربّ فكافأه الربّ: دَفنَهُ الشعب في القسم الأعلى من مدافن بني داود، وأكرمه جميع بني جهوذا إِكرامًا عظيمًا بعد موته.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة.
1- تطهير الهيكل (29: 1- 36).
بعد آحاز جاء حزقيا، وبعد منسّى وأمون، سيأتي يُوشيّا. سيعمل كلّ من حزقيا ويُوشيّا على تطهير الهيكل والاحتفال بالفصح، وتجديد العهد ونشر الإصلاح الدينيّ داخل أورشليم وخارجها.
(آ 29: 1- 2)، بداية عهد حزقيا: حياة قويمة بنظر الربّ.
(آ 3- 17)، تنظيف الهيكل وتطهيره. كان ذلك في الشهر الأوّل، أي شهر نيسان. جمع الملك الكهنة واللاويين، والقى فيهم خُطْبة (ا 5- 10) على مِثال خُطَبِ الأنبياء، فشدّد فيها على خيانة الأباء وغضب الله وعقابه لهم، وحثّ الشعب على الرجوع إلى الله، والعودة إلى شعائر عبادته كما يشاء، وحيث يشاء. كان الملك آحاز قد أغلق ابواب الهيكل، وبنى المذابح على مشارف أورشليم، وها هو حزقيا يفتح أبواب الهيكل، ويُقدّم الذبائح على مذبحٍ تقدَّس وتطهَّر، فصار لائقًا بالله. قدِّسوا الآن أنفسكم، وقدّسوا بيت الربّ، وأخرجوا كلّ ما هو رِجْسٌ من المكان المُقدّس.
وعلامة لهذا الرجوع، جدّد الملك العهد مع الله (آ 10)، باسم الشعب، وحذّر الكهنة من كلّ تهاوُن في عملهم (آ 11). دور الكهنة مُهِمّ، وها هو المُؤرّخ يذكرهم بأنسابهم (آ 12- 14).
(آ 18- 30)، جاء كلّ الشعب، كلّ إسرائيل (آ 24)، وقدّموا الذبائح تاركين للكهنة أن يُريقوا الدم على المذبح (ستتغيّر هذه العادة، ولن يعود يَحِقّ لاحدٍ أن يذبح الذبائح إلا الكهنة). بعد أن طُهِّر الهيكل، أعيد تدشيُنه. هذا ما فعله سُليمان (1 مل 8: 1 ي)، وهذا ما فعله حزقيا: سبَّحوا الربّ بفرح وسجدوا (آ 30).
(آ 31- 36)، بعد أن انتهت حفلة التدشين وصار الهيكل مُهيأ للعبادة، دعا حزقيا الشعب ليُقدّموا تقادمهم، فكان عدد المُحرقات كثيرًا، بحيث لم يكن عدد الكهنة كافيّا، فاستعانوا باللاويين. وهكذا عادت خدمة الربّ، تتنظم في بيت الربّ. هذا ما حصل في عهد حزقيا، وهذا ما سيحصل يوم كتَبَ المُؤرّخ كتابه: بعد الجلاء إلى بابل، ودمار الهيكل، عاد الشعب وقدّموا الذبائح، تكفيرًا عن خطايا الملك والشعب. وقدَّموا مُحرقات (آ 21- 24) وذبائح سلامة وشكر (آ 31).
2- الاحتفال بالفصح (30: 1- 27)
يُصّور لنا هذا المقطع إحتفالاً بعيد الفصح في أورشليم (لا نجد له مُقابلاً في 2 مل)، على غرار ما سيفعل يُوشيا الذي أراده فِصْحًا لم يكن مثله منذ أيّام صموئيل (35: 18). أمّا حزقيا، فقد أراده على غرار ما صَنعَ سُليمان (آ 26)، فاحتفل مع الشعب بعيد دام، لا سبعة أيّام مثل يُوشيا (35: 17)، بل 14 يومًا (آ 22- 23)، واشترك في هذا الاحتفال، لا يهوذا وحسب، بل جماعات من مملكة الشمال، من أفرائيم ومنسّى. كان فصح واحد لجميع بني إسرائيل، من الشمال إلى الجنوب، من دان إلى بئر سبع. لا ننسى أنّ الاحتفال بعيد الفصح هذا، تمّ بعد احتلال الأشوريين لمدينة السامرة، وهرب المُؤمنين الأتقياء من قبائل الشمال، إلى مدينة أورشليم.
(آ 30: 1- 12)، الاستعداد للفصح. أرسل الملك رسائل إلى بني إسرائيل في الشمال يدعوهم إلى مشاركة أبناء الجنوب، في العيد الذي لم يستطيعوا أن يحتفلوا به في وقته (ربّما بسبب أحداث السامرة)، ودعا أبناء الجنوب ليستعدّوا للعيد.
تجاوب أبناء الجنوب: أعطاهم الربّ قلبًا واحدًا، فعملوا بأمر الملك على حسب كلام الربّ. أمّا أبناء الشمال فكانوا فئتين: فئة أولى، قبلت أن تعود إلى حِضْن جماعة يهوذا، بناءً على نداء الملك إليها لتعود (آ 6- 9)، فشاركت أورشليم في فرحتها بالعيد (آ 25- 26). وفئة ثانية (آ 10)، رفضت نداء الملك، وهَزِئَت بالسُعاة وسَخِرَت منهم. نجد في هذا النصّ صورة عّما عرف المُؤرّخ في عصره: حاول اليهود أن يستميلوا السامريين إليهم، فعاد بعضهم إلى أورشليم، ولكنّ القسم الأكبر اعتبروا أنفسهم العُبّاد الحقيقين للربّ، بحَسَبِ شريعة موسى، وقالوا إنّ معبد الرب الحقيقيّ هو ذلك المبنيّ على جبل جرزيم.
(آ 13- 22)، الاحتفال بالفصح. وبدأ الاحتفال في جوّ من الفرَح والحماس: ازيلت المذابح الموجودة في أورشليم، خَجِل اللاويون من نفوسهم فتقدّموا بدورهم. نُلاحظ هنا أنّ العيد كان في الشهر الثاني، لا في الشهر الأوّل. ونُلاحظ أيضاً أنّ الكهنة تساهلوا مع أبناء الشمال، فلم يطلبوا منهم أن يعملوا بكلّ السُنَن المفروضة. ونُلاحظ أخيرًا أنّ الاحتفال تّم في هيكل أورشليم. كان عيد الفطير عيدًا عائليًا، لا عيد شعب الله ككلّ، تحتفل به كلّ عائلة في البيت، لا في المعبد الواحد، كما سيقول سِفْر التثنية (16: 5- 8): ذُبِحَ الفصح في أورشليم، في الموضع الذي اختاره الربّ الإله.
(آ 23- 27)، وكان أسبوع آخر من الاحتفال بالعيد، على غرار ما فعله سُليمان (7: 8- 9). وكما توسّل سُليمان لأجل الشعب (6: 1 ي)، كذلك فعل حزقيا (آ 8- 10)، الذي أراد أن يجمع أبناء الشمال والجنوب في شعب واحد، كما كانت الحال في عهد سُليمان وقَبْلَ الانشقاق (في 31: 1 ي سيُنظّم حزقيا شعائر العبادة على مثال سُليمان).
3- إصلاح الطُقُوس (31: 1- 21)
تُبيّن لنا المُقدّمة (آ 1) كيف امتدّ الإصلاح الذي بدأه حزقيا، إلى كلّ بلاد يهوذا وبنيامين، وأفرائيم ومنسّى. وهذا ما سيحدُث في عهد يُوشيا (2 مل 23: 19)، حين يترك المُؤمنون الأصنام، والمذابحِ المبنّية على المشارف. وتُورد لنا الخاتمة (آ 20- 21) حُكمًا صالحًا على حزقيا: غارغيْرَةً على بيت الربّ، وعمل على طاعة وصاياه بثبات، فأنجحه الله في كلّ شيء. وبين المقدمة والخاتمة، نقرأ سلسلة من التنظيمات المُتعلّقة بالكهنة.
- ترتيب الكهنة بحسب فِرَقهم (آ 2).
- ترتيب الذبائح والمُحرقات (آ 3).
- تنظيم مداخيل الكهنة واللاويين (آ 4- 10).
- تنظيم خدمة الكهنة واللاويين وما يَحِقّ لكلٍّ منهم من مداخيل (آ 11- 19). إنّ ما نقرأه في هذا المقطع، يُقابل التدابير التي اتخذت في زَمَن نَحَمْيا (13: 1 ي): فرائض قديمة ترجع إلى سُليمان، بل إلى موسى وهارون. تتجذّر في تقليد قديم، فلا تُناقَشُ ولا تُعارض.
4- الزحف الأشوريّ (32: 1- 33)
يُخصّص المُؤرّخ فصلاً واحدًا، للحديث عن الزَحْف الأشوريّ، فيُلخّص ما قاله 2 مل 18: 9- 20: 21، ويُبيّن أنّ الملك حزقيا، هو ذلك الرجل الشجاع، الذي حثّ شعبه على الإيمان بالله، والذي لم يَخَف تَوعُّد ملك أشور، وما يُلقيه من كلام في مسامع أهل أورشليم، ليدفعهم إلى اليأس. وتمّ النصر ليهوذا بفعل مُعجزة من الله الذي ضرب جيش العدو، قَبْلَ أن يضرب سنحاريب فيقتله ولداه. إذًا، الله يعمل، وما على حزقيا إلا أن يتقبّل عطايا الربّ، مكافأة له على غيرته على إصلاح الطقوس وشعائر العبادة.
لم يتوقّف المُؤرّخ على ما قاله 2 مل 18: 13- 16، عن خضوع حزقيا لملك أشور، ودفعه له جزية، أخذ موادّها من كنوز الهيكل والقصر الملكيّ. ولم يذكر أنّ الملك اضطرب، عندما سمع خطاب سنحاريب، فدعا أشعيا الذي هدّأ من روعه، ثمّ حدّثه بلسان الربّ: في الطريق التي جاء منها سنحاريب يرجع، وإلى هذه المدينة لا يدخل، يقول الربّ (2 مل 19: 33). ما يهمّ المُؤرّخ هو النتيجة. كان حزقيا قد قال لشعبه: تَشدّدوا، تشجَّعوا، لا تجزعوا، لا تخافوا من ملك أشور، ومن الجيش الذي معه. من معنا، أقوى ممّن معه. معه ذراع بَشَر (أي جيش من البشر)، ومعنا الربّ إلهنا (أي قدرة الله)، الذي يُعيننا ويُحارب عنّا. ولكنّ سنحاريب قال: على من تتكلون لتُقيموا في أورشليم المُحاصرة؟ لم يقدر إله أمّة أن يُنقذ شعبه من يدي، فهل يقدر إلهكم أن يُنقذكم من يدي؟ وأنقذ الربّ شعبه من ملك أشور، فأرسل ملاكا قتل قواده وجنوده، ثُمّ قتله هو بَيدِ ابنيه (آ 21).
(آ 32: 1- 8)، الإجراءات التي قام بها حزقيا، ليُواجه سنحاريب الذي احتلّ مُدُن يهوذا، وأخذ يستعدّ لمُحاصرة أورشليم. ولكنّ يد الله وحدها، ستُنقذ المدينة المقدّسة.
(آ 9- 19)، كلام سنحاريب إلى الملك وعُظمائه: أما علمتُم ما فعلتُ بشعوب هذه البلاد؟ ثُمّ كلام سنحاريب إلى الجيش، ليُخيفهم ويُقلقهم.
(آ 20- 23)، الربّ يُنجّي حزقيا وسكّان أورشليم من يد سنحاريب: فجاء الناس يشكرون الربّ، ويقدّمون خضوعهم للملك.
(آ 24-26)، طمح قلب حزقيا فمرض، تواضع وتاب، فشُفي من مرضه.
(آ 27- 31)، كان لحزقيا الغنى والمجد، لأنّ الربّ باركه فوفّقه. ولكن لمّا استقبل الوفد البابليّ، أظهر ثِقَة قليلة بالربّ، فتركه الربّ ليمتحنه.
(آ 32- 33)، وتنتهي قِصّة حزقيا. دُفِنَ، وصُنِعَت له مَراسِمُ دَفْنِ مهيبة، لأنّه كان ملكًا عظيمًا

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM