الفصلُ الثامن: المَلِكُ يُوَآش وَخُلَفَاؤُهُ

الفصلُ الثامن
المَلِكُ يُوَآش وَخُلَفَاؤُهُ
24: 1- 38: 37

أ- المُقدّمة
نتتبع هنا ما حدث في عهد يُوَاش (837- 800)، الذي بدأ بإصلاح ديني، قبل أن ينسى فَضل الكاهن الذي حفظ حياته، وأوصله إلى عرش آبائه (24: 1- 27)، وما حدث في عهد أمصيا (800- 783) الذي قتل الذين قتلوا أباه، قبل أن يموت على يد بني أورشليم (25: 1-28)، وما حدث في عهد عزيا (783- 742)، الذي بدأ حياته بالأمانة لشريعة الربّ، قبل أن يتعدّى على حقّ الكهنة، فيُقدّم البخور في الهيكل، فيضربه الربّ بالبَرَص (26: 1- 23)، ما حدث في عهد يوتام (750- 735)، الذي باركه الربّ، فنصره على أعدائه، لأنّه صنع ما هو قويم بنظر الربّ (27: 1- 9)، وما حدث في عهد آحاز (735- 715). الذي عرف الهزيمة له، والشقاء لشعبه بسبب شرّ أعماله (28: 1- 27)
يستفيد المُؤرّخ من 2 مل، ومن مراجع أخرى، فيُبرهن على فكرته الأساسية، القائلة بأنّ الله يُكافئ الملوك الصالحين المُكافأة الصالحة، ويُعاقب الملوك الأشرار شرّ عِقاب
ب- تفسير الآيات الكتابيّة
1- يُوآش الملك (24: 1- 27)
نجد في عهد يُوآش مثلاً آخر على الملك الصالح، الذي يخسر نعمة الله، ويأخذ بطريق الشرّ. بدأ كلّ شيء حسنًا مع يُوآش الذي قام بإصلاح دينيّ، حَسَب رغبة الكهنة الذين أوصلوه إلى عرش مملكة داود، ثم انقلب عليهم، ناسيًا فضلهم، عاملاً ما هو شرّ في نظر الربّ.
(آ 24: 1-3)، بدأ يُوآش حياته أمينًا لوصايا الله (أزال المشارف رج 2 مل 12: 4). أزوجه الكاهن يُوياداع امرأتين، ليكُون له نَسْل كبير، فالبنُون بركة من الله، ولا سيّما بعد أن قتلت عثليا أفراد العيلة المالكة.
(آ 4-14)، كان 2 مل قد قال إنّ يُوآش طلب من الكهنة أن يستعملوا تقادُم المؤمنين، لحاجات العبادة وإصلاح الهيكل. رفض الكهنة أن يُذعنوا لأمر الملك، فوبخَّهم على ذلك، ثمّ جعل صُندوقًا على باب الهيكل لاعمال الترنم، وبتي للكهنة المال المُخصّص لذبائح التكفير. أما 2 أخ، فاعتبر أنّ ما تهدم من الهيكل، كان من قِبَل عثليا وبنيها (آ7). لذلك طلب الملك من الشعب، أن يحملوا تقادمهم كما فعل آباؤهم، يوم بنى موسى خَيْمَة الموعد (آ 6، 9)، وأمر الكهنة واللاويين أن يجمعوا هذه التقادم، إلا أنّ تأخيرهم جعل العمل يتأخّر، والملك يغضب (آ 5-6)، لهذا جعل صُندوقًا على باب الهيكل، ليجمع تقادم المؤمنين من أجل أعماله الترميم، وصُنعْ أواني العبادة (آ 14).
نحن هنا أمام عملية فَصْلٍ بين خزينة الملك وخزينة الهيكل، وأمام إصلاح ديني، يبدأ بترميم الهيكل الذي عاشت فيه عثليا فسادًا، ليكون على مِثال خيمة الاجتماع في البرية.
(آ 15-16)، ظلّ يُوآش ملكًا صالحًا، ما عاش الكاهن يُوياداع. وتبدّل بعد موت يُوياداع.
(آ 17- 22)، حينئذ بدأ الملك يميل بقلبه إلى الشرّ: رفض نصيحة النبيّ زكريا، بل أمر فقتلوه في دار بيت الربّ. ذسي الملك ما فعله يُوياداع من أجله، فقتل ابنه زكريا.
(آ 23- 24)، هزم جيشُ الآراميين بني يهوذا، وكانوا أقلّ عددًا منهم. هكذا أراد أن يُذِلّ الله شعبه الخاطئ (في 2 مل 12: 18- 19، نقرأ أنّ يُوآش أخذ من ذَهَب الهيكل، ودفعه إلى حزائيل، فانصرف عن أورشليم).
(آ 25- 26)، ضرب الربّ يُوآش بالمرض، وتآمر عليه عبيده (وكانوا من العمّونيين والموآبيين، لا من بني يهوذا كما يقول 2 أخ)، فقتلوه في فراشه. دُفِن في أورشليم، في مدينة داود، لا في مَقْبَرة الملوك.
نُلاحظ هنا أنّ المُؤرّخ قَسَم عهد يُوآش فترتين. فترة أولى، دامت ما دام الكاهن يُوياداع على قَيْدِ الحياة، فيها كان الملك غيورًا على شريعة الربّ، أمينًا على حِفْظِ وصاياه. وفترة ثانية، بدأت بعد موت يُوياداع: سمع الملك لنُصْح العُظماء وخان الربّ. قتل زكريا فضربه غضب الربّ، فانهزم امام الآراميين، وجُرح وقُتِلَ. وهكذا حكم الربّ على مَلِكه، ونفّذ حُكمه فيه بواسطة الغُرباء.
قِصّة يُوآش هي أيضاً قِصّة الكاهن يُوياداع، وقد بدا لنا الرجلان، وكآنهما شخص واحد. لا يتساءل المُؤرّخ إذا كانت سُلطة الملك، أرفع من سلطة الكاهن. ما دام الملك أمينًا لربّه، يَحِقّ له أن يُمارس سُلطة سياسية وسلطة دينية، فيُوبّخ الكهنة إذا احتاجوا إلى توبيخ (24: 1). في الواقع، لم يُعارض الملك سلطة اللاويين بل نبّههم إلى تقاعسهم في ترميم الهيكل، واتخذ المُبادرة، فجعل صُندوقًا على باب الهيكل لجَمعِْ التقادم. في هذا الظرف بالذات، إشترك الملك والكاهن في اتخاذ القرار المُناسب.
ولكن بعد موت يُوياداع، ضَعَفُت سلطة الملك، وقَوِيت سُلطة الكهنة. مات يُوياداع شيخًا شبع من الحياة (علامة بركة الربّ له)، فدُفِنَ مع الملوك (24: 15- 16). ومات يُوآش في العار، فلم يُدْفن في مقابرالملوك (24: 5). سيكون ليُوياداع ابن نبيّ، يَحلّ عليه روح الربّ، فيُدافع عن شريعته، ويموت على يد الملك الذي سيقتله، ناسيًا فضل والده عليه. وعندما يُطلق المُؤرّخ حُكمه، يقول إنّ الكاهن (لا الملك) عَمِلَ لخير شعب إسائيل، عَمِلَ من أجل الربّ وبيته.
2- أمصيا الملك (25: 1- 28)
كانت قِصة الملك يُوآش قسمين مُنفصلين: قسم فيه رضى الربّ، وقسم فيه ابتعاد عن رحمته. امّا قِصّة أمصيا، فمزيج من فترات فيها قبول وصيّة الربّ أو رفضها.
(آ 25: 1- 4)، قتل الملك الذين قتلوا أباه، ولكنّه عمّا عن أبنائهم، عَمَلاً بشريعة التثنية (24: 16): لا يموت الاباء لخطايا اقترفها الأبناء، ولا الأبناء لخطايا اقترفها الاباء.
(آ 5- 13)، إنتصار يهوذا على أدوم. كان أمصيا قد نظّم جيشًا من المُرتزقة المجموعين من قبائل الشمال، فجاءه نبيّ يقول له: الربّ ليس مع إسرائيل (آ 7)، فأطاع الملك رجل الله، وسرّح المُرتزقة الأتين من مملكة الشمال، فانتقموا منه: غزوا يهوذا، قتلوا ثلاثة آلاف رجل، ونهبوا مُدُنًا عديدة (آ 13). في ذلك الوقت، إنتصر أمصيا على الأدوميين، وقتل منهم عشرة آلاف طرحهم من أعلى الصخر (آ 12).
(آ 14-16)، يتجاور الإيمان والكُفْر في قلب أمصيا. يعمل ما هو قويم في نَظَر الربّ، ويستنجدُ بمُرتزقة من مملكة الشمالي، يُسرّح المُرتزقة، فينتصر على بني أدوم، ولكنّه يتعبد لآلهتهم (بنو سعير هم الأدوميون)، الذين لم يستطيعوا أن يُنجّوا الشعب الذي أكرمهم.
(آ 17- 24)، الحرب بين يهوذا وإسرائيل. إجتاح إسرائيل يهوذا، أسروا أمصيا، هدموا حُصُون أورشليم، سلبوا كنوزها. ليس الله مع إسرائيل، ومع ذلك قَهَرَ يهوذا، فهذا يعني أنّ يهوذا خان ربّه، فعاقبه الربّ على خيانته له: سلّمهم إلى إسرائيل، لأنّهم عبدوا آلهة أدوم.
(آ 25-28)، قُتِلَ الملكُ على يَدِ المُتآمرين الذين لحِقوا به إلى لاكيش. لماذا؟ لأنّه مال عن سمع كلام الربّ.
3- الملك عزيا (26: 1- 23)
حياة عزيا قسمان، قسم أول، صنع فيه ما هو قويم بنَظَر الربّ (آ 1- 15)، فأعطاه الربّ أن ينتصر على الفلسطيين والعرب والعّمونيين. وقسم ثان، تعّدى فيه على شريعة الربّ (آ 16- 21)، فضربه الله بالبَرَص. حكم عزيا يهوذا اثنين وخمسين سنة، ومع ذلك لا يقول فيه 2 مل 14: 21- 22؛ 15: 1- 7، إلا بعض الأمور البسيطة: عُمْره، مُدّة حُكْمه، اسم أمّه، حياته القويمة، رغم أنّه لم يُزِل المشارف. لا يقرل 2 مل، لماذا ابُتِليَ بالبَرَص، أمّا 2 أخ، فيقول لأنّه تعدّى وصيّة الربّ.
(آ 26: 1- 5)، بدأ عزيا كغيره من ملوك يهوذا، فصنع ما هو قويم بَنَظر الربّ. وقد كان لعزيا في شخص زكريا، من أسدى له النُصْح، فكان أمينًا لربّه الذي أنجحه في مساعيه. وكما كان يُوياداع ليُوآش، كان زكريا لعزيا.
(آ 6- 15)، كان عهد عزيا ناجحًا، فانتصر على أعدائه. أخضع قبائل الجنوب، بنى أسوار أورشليم، شيّد المُدُن، اقتنى الكثير من المواشي، اهتمّ بالزراعة، فعمّت شُهرته البُلدان. وكما عرفت مملكة الشمال الغنى في عَهْدِ يَرَبْعام الثاني (783- 743 ق م)، كذلك عرفت مملكة الجنوب الغنى في عهد عزيا، مع ما يُوافق هذا الغنى من ظُلْمٍ اجتماي (رج اش 16- 17).
(آ 16- 17)، ولكن ما إن قَويَ عزيا، وعَظُمَ شأنه حتّى خان ربّه، لا لأنّه عبد آلهة أخر، كما فعل أسلافه، بل لأنّهَ تعدّى على شريعة من شرائع العبادة، تمنع دخول المعبد إلاّ للكهنة. هل أراد عزيا أن يأخذ لنفسه امتيازات الكاهن الأعظم؟ هل أراد أن يُقدّم الذبائح كما فعل داود وسُليمان؟ هل أراد أن ينشُر سُلطته على الكهنة؟ مهما يكن من أمر، دخل الملك، فضجّ الحاضرون، وعاقبه الله بالبَرَص: بانت لعنة الله في جَبْهته، فعُزِلَ عن المُجتمع، وأمسكَ ابنُه يُوتام بزِمام الحُكْم.
(آ 22- 23)، مات عزيا ولكنه لم يدفن مع آبائه بعد ان رذله الله.
4- الملك يُوتام (27: 1- 9)
حكم يُوتام البلاد سَبع سنوات (742- 735)، وكان قبلها وصياً على العرش، في أيّام مَرَض أبيه. ولهذا كتب عنه القليل 2 مل و 2 أخ.
(آ 27: 1- 3)، لم يفعل يُوتام كما فعل أبوه، لم يدخل هيكل الربّ. صنع القويم في عين الرب.
(آ 4)، بنى الحُصُون والأبراج في أورشليم وسائر المُدُن.
(آ 5- 6)، قاتل بني عمّون وانتصر عليهم، فأَدّوا له الجِزْية ثلاث سنوات.
(آ 7- 9)، نهاية خبر يُوتام. مات فدفنوه في مدينة داود.
5- الملك آحاز (28: 1- 27)
ينطلق المُؤرّخ من النظرة القائلة: لكلَّ نتيجة عِلّة، وكلّ واقع في التاريخ، يدلّ على تدخّل الله.
يُحدّثنا 2 مل 16: 1- 20، وأشعيا (7: 1 ي)، عن الحرب الآرامية الأفرائيمية: تحالف فاقح ملك السامرة، مع رصين ملك أرام، وهدَّد آحاز ملك يهوذا (حوالي 734 ق م)، بخلعه وتنصيب طابئيل مَلِكًا على عرش أورشليم (اش 7: 6). خاف آحاب، وعِوَض أن يتّكل على الربّ، كما قال له أشعيا، لجأ إلى مَلِك اشور تغلت فلاسّر الرابع، الذي هجم على دمشق فاحتلّها، بانتظار احتلال السامرة سنة 721 ق م. ولكن 2 أخ، لا يهتمّ بالحرب الآرامية الأفرائيمية، بل يكتفي بِذكْر آحاز وخيانته لربّه: كلّ ما حدث له من عِقاب، كان بسبب سُلوكه الشرير وعبادته للأوثان.
(آ 28: 1- 4)، عمل آحاز تماثيل للبَعْل، قدّم ذبائح في وادي هنّوم (جنوبي غربيّ أورشليم حيث تُحرق النُفايات)، أحرق بنيه بالنار ذبيحة للآلهة. فهل يترك الربّ مثلَ هذه الشرور بلا عِقاب؟
(آ 5- 8)، يروي المُؤرّخ كيف انتصر عليه الآراميّون (آ 5) والسامريّون (آ 6- 8)، الذين أخذوا الأسرى العديدين، والأسلاب الكثيرة. وسيُهاجمه أيضاً الأدوميّون والفلسطيّون (آ 17- 19).
(آ 9- 15)، قام نبيّ في مملكة إسرائيل، وطلب إلى أهل السامرة، أن يردّوا إخوتهم، أسرى يهوذا، وإلاَّ حلّ غَضَبُ الله عليهم. حمع بعضهم له، وأعادوا الأسرى: ألبسوا العُراة، اعتنوا بالمَرضى، جعلوا الجرحى على حمير وأعادوهم إلى يهوذا.
إنّ هذه الحَميّة عند أهل السامرة، وطاعتهم لرجل الله، ورغبتهم في أن لا يُغْضِبُوا الربّ، ونظِرتهم إلى بني يهوذا على أنّهم إخوتهم (آ 8- 11، 15)، كلّ هذا بيّن للقارئ أنّ شعب السامرة يستطيع أن يرجع إلى الربّ، ويلتقي وإخوته في أورشليم، لعِبَادَةِ الله الواحد.
(آ 16- 21)، تدخّل ملك أشور كخَصْمٍ لا كصديق، فقدّم له آحاز الهدايا، ولم يحصل على حمايته.
(آ 22- 27)، إنهزم آحاز أمام الآراميين، فتعبّد لآلهتهم، علّه يحصُل منهم على عون، ولكن حصل عكس ذلك فزاد غضب الله عليه. ولمّا مات شابًا (36 سنة)، دُفِنَ في أورشليم، لا في مقابر المُلوك. خان ربّه، فلم يعرف إلاّ المِحَن. أمّا شعب السامرة، فكان في يد الله أداة طيّعة

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM