سفر أخبار الأيام الثاني

سفر أخبار الأيام الثاني

توطئة وتمهيد.
أولاً: قلنا سابقا إنّنا لا نفصل بين السِفْر الأوّل والسِفْر الثاني من أخبار الأيام، والسِفْران في إلاّصل كتاب واحد، قُسِم قِسْمين لسُهولة إلاّستعمال في القراءة الليتورجيّة. ولكنّنا، في الواقع، أمام سِفْرين منفصلين. في السِفْر الأوّل، تعرّفنا إلى سلسلة أنساب أوصلتنا، عَبْرَ مواعيد الله، إلى داود الملك المثاليّ، الذي جهّز النُظم والقوانين لشعب الله. في السفر الثاني، الذي تمتدّ أخباره سحابة أربع مائة سنة، وتنتهي بدمار المدينة وجلاء أهلها، سنرى كيف أن خطيئة الشعب، وتخاذله أمام عطاياه، سيبرزان أمامنا وجهاً آخر، لهذا الشعب الذي يوّد أن يبني نفسه، كجماعة عبادة يكون الربّ ملكها.
ثانياً: نقرأ 2 أخ، فنُلاحظ قرابة دقيقة بينه وبين سِفري الملوك، بل تشابُها يجعلنا نتساءل: ما الزيادة التي أضافها 2 أخ على 1 و2 مل؟ ونُلاحظ أيضاً اختلافاً بين 2 أخ وسِفري الملوك، فنتساءل: ما القيمة التاريخية للمصادر التي رجع إليها الكاتب الأخباريّ، عندما ابتعد عن المعلومات الواردة في 1 و2 مل؟ لا نَشُكّ بوجود تقاليد عديدة، غير التي استفاد منها كاتب أسفار صموئيل والملوك. عاد إليها المُؤرّخ الكهنوتيّ، فأعطانا لوحة مُبتكرة عن ملوك يهوذا، منذ عهد سليمان حتى كارثة سنة 587 ق م.
ثالثاً: نسمّي كاتب سفر الأخبار "المُؤرّخ"، لأنّه، وإن استقى معلوماته من سفري الملوك ومراجع أخرى، إلاّ أنّه لم يأخذ بها بطريقة حرفيّة، بل حاول أن يعطيها تفسيراً خاصاً، على ضوء ظروف الجماعة التي يُقدّم إليها كتابه. عندما يحدّثنا عن سُليمان (2 أخ 1- 9)، فهو يُهمل كلّ ما لا يليق بالملك العظيم الحكيم، وبالأخصّ الأحداث الدامية التي رافقت اعتلاءه العرش (1 مل 1- 2)، وزواجه من النساء الأجنبيات اللواتي شكلّن خطراً على الإيمان بالله (1 مل 11: 9- 13)، وسياسته الفاشلة التي أدّت إلى ثورة يربعام (1 مل 11: 14- 40). ولكنّه، في المُقابل، يُورد أحداثاً تتوافق ولاهوت العبادة، منها الحجّ إلى خيمة الاجتماع (1: 2- 6) ونزول نار من السماء على المحرقة (7: 1- 3)، علامةً لرضى الله على مَلِكِه.
رابعاً: نكتشف في 2 أخ، فكرة المؤمنين، عن الكتب المُسمّاة "مُقدّسة". فهناك قِسْم كبير من الشريعة (توراة في العبرانية) والأنبياء السابقين (المُسماة كُتُباً تاريخية) واللاحقين (أي أشعيا، إرميا...) نُظّمَ في نصوص تُعتبر مرجعاً للعقيدة والأخلاق. ولكن هذه الكتب، وإن صارت مَرْجِعاً وحُجّة، فهذا لا يعني أنّ نصوصها أصبحت ثابتة لا تتغير. فنُلاحظ أن مقاطع تنقَّحت أو تحولّت من مواضعها، ولكنّ قيمتها، بالنسبة إلى العقيدة والإيمان، ظلّت هي هي. ويجدر القول إنّه منذ ذلك الوقت، بدأ الرؤساء والمُعلّمون، يُميزون الكتب التي تصلُح أن تكون "أسفاراً قانونية"، وتلك التي لا تتعدّى كونها "كُتُباً تقوية"، فلا تُعتبر قاعدة للإيمان.
خامساً: نُلاحظ في 2 أخ، قسمين: قِسْم أوّل (ف 1- 9)، يُحدّثنا عن نشاط المَلِك سُليمان: إعتلاؤه للعرش، صلاته إلى الربّ، الإعداد لبناء الهيكل وتهيئة العمّال وتنظيم المملكة تنظيماً دينياً ومدنياً، على غرار ما فعله والده الملك داود. وقِسْم ثانٍ (ف 10- 36)، يروي لنا خبر ملوك يهوذا: رَحَبْعام، أبيا، آسا، يُوشافاط، يُورام... حِزقيا، منسّى، يُوشيّا، يوآحاز... كان الربّ قد قال لداود بلسان ناتان: أُقِرُّ عرشه إلى الابد؛ وأكّد لسُليمان: أُقِرّ عرش ملكك، كما عاهدت داود أباك (7: 18). وها هو الربّ يُحقق وعده عبر ملوك يهوذا.
سادساً: في 1 أخ، شدّد المُؤرّخ على شخصية داود الذي أخذ أورشليم، وجعلها عاصمةَ مُلْك الله في شعبه. في 2 أخ، سيُشدّد على شخصية سُليمان الذي نفّذ وصية أبيه. ولكنّ الملوك الذين خلفوا سُليمان، لم يسيروا على خُطى داود، فجاءت نهاية أورشليم، ودمار الهيكل، وتشتّتت جماعة شعب الله. أجل، لم يشأ بنو إسرائيل أن يملك الله عليهم، فعرفوا الضيق والخراب. فليُجرّبوا الآن حُكماً تيوقراطيا، يسمع فيه الحاكم من الأنبياء (18: 12 ي) والشيوخ (10: 6 ي) والكهنة، ويسمع الشعبُ كلامَ الله.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM