الفصل السَابع: تابوُتُ العَهْدِ

الفصل السَابع
تابوُتُ العَهْدِ
13: 1- 16: 43

أ- المُقدّمة
يُحدّثنا هذا الفصل، عن عَزْمِ داود على نقل تابوت العهد إلى أورشليم (13: 1- 14)، حيثُ يُقيم داود بعد انتصاره على الفلسطيين (14: 1- 17). وحين بدأ الاحتفال الطقسيّ بنَقْل تابوت العهد إلى أورشليم (15: 1- 16: 6)، علّم داود آساف وإخوته، فسبّحوا الرب، ورفعوا إليه المدائح (16: 7- 36). ثمّ نظّم العبادة الدائمة في أورشليم وجبعون (16: 37- 43).
يُشكّل نقل تابوت العهد عملاً دينيًا هامًا. إستند المؤرّخ إلى 2 صم 6: 1- 11، وزاد مَقْطعًا خاصاً، فأعطانا 1 أخ 13، ثمّ استند إلى 2 صم 6: 12- 23، فأعطانا ف 15- 16. وهكذا احتلّ خبر نقل تابوت العهد، ثلاثة فصول، أقحم بينها ف 14، الذي يُحدّثنا عن انتصار داود على الفلسطيين.
ب- تفسير الآيات الكتابية.
1- الاستعداد لنقل تابوت العهد إلى أورشليم (13: 1- 14)
(آ 13: 1- 4) المُقدّمة: هذه المُقدّمة الخاصّة بالمُؤرّخ، تدلّنا إلى هدفه: نَقْل تابوت الربّ.وهذا النَقْل هو عَمَل كلّ إسرائيل، كلّ الجماعة (آ 2-4-5) الذين يُمثّلهم رجال داود الثلاثون ألفاً، والكهنة واللاويون (لا يذكرهم 2 صم 6: 1 ي) الذين سيلعبون دوراً هاماً، فيما بعد (آ 2).
(آ 5- 8) وحملوا تابوت الله.
لا يقول المؤرّخ شيئاً عن قصّة تابوت العهد، ولا يروي لنا الأحداث التي جعلت الفلسطيين يأخذون تابوت العهد ثمّ يردّونه، ثمّ يضعونه في قرية يعاريم (1 صم 4- 7). ما يهمّ المؤرّخ هو أن يذكر ما فعله داود، حين نقل التابوت إلى أورشليم، وأن يدين زمن شاول حيث لم يكن أحد يسأل عن تابوت العهد (آ 3). ولكنّ داود اهتم بتابوت الله، منذ بداية عهده وقدّم له الإكرام اللائق به.
(آ 9- 14) ومد عزّا يده.
يروي المُؤرّخ حادثة عزا، كما وردت في 2 صم 6: 6- 11، ولا يزيد عليها شيئاً. في الماضي، كان مَنْ يَلْمُس الآنية المقدسة، يتعّرض للموت، بسبب قُدْرة الله الرهيبة. قداسة الله مُخيفة، ومن اقترب منها كان جزاؤه الموت. لهذا لم يُوضع التابوت في بيت عوبيد (رج 2 صم 6: 10)، بل في مكانٍ قرب بيت عوبيد (النصّ العبرانيّ يقول "عم" أي بالقرب، بينما تقول اليونانيّة والسريانيّة: في بيت عوبيد).
نوى داود أن يُمجّد الله ويكرم تابوت عهده، ولكنّه عرف أنّه رغم عطايا الله له (والمُلك إحدى عطاياه)، لا يستطيع أن يتعامل مع الله، مُعاملة النَّد للنَّد. فبين الله القُدّوس، وبين الإنسان، هُوّة يستحيل على الإنسان رَدْمُها. وهكذا نفهم خوف داود، حين امتنع عن نَقل تابوت العهد إلى أورشليم (آ 12- 13). ولكن هذه الهُوّة يردُمها الله: هو يضرب ولكنّه يُبارك، وقد بارك بيت عوبيد (آ 14).
2- انتصار داود على الفلسطيين (14: 1- 17)
يتوقّف المُؤرّخ عن الحديث عن تابوت العهد، فيروي انتصارات داود على الفلسطيين، مُستفيداً من الثلاثة أشهر التي بقي فيها تابوت العهد عند عوبيد أدوم.
يتبع هذا المقطع 2 صم 5: 11- 25، ولكنّه يزيد أو ينقص بحسب نظرته اللاهوتيّة. فداود اتخذ زوجات لا سرايا. ملك داود منذ البداية على كلّ إسرائيل. لم يختبئ في القلعة بل خرج لمحاربة الفلسطيين. أحرق آلهة الفلسطيين ولم يأخذها معه. إتسعت شهرته، فخافته جميع الأمم.
الربّ ملك عظيم جداً. ومُلك داود على بني إسرائيل تتميمٌ لإرادته.
3- الاحتفال بنَقل تابوت العهد (15: 1- 16: 6)
نُلاحظ اهتمام المؤرّخ بنقل تابوت العهد إلى أورشليم على يد داود، عندما نُقابل ما كتبه (72 آية)، بمَا كتبه 2 صم 6: 12- 20 (9 آيات). هو ينطلق من نصّ صموئيل، ولكنّه يُحَوّل مُقدّمته الصغيرة (2 صم 6: 12)، إلى عَرْضٍ عن تنظيم اللاويين، والاستعدادات لحَمْل التابوت (15: 1- 24). كما يُدْخِلَ في الخاتمة شروحاً عن تنظيم العبادة، ويورد مقاطع من المزامير (16: 4- 42).
نقرأ في 2 صم 6: 12- 20، أن الربّ بارك بيت عوبيد، فأعلن داود عن عزمه على نَفْلِ التابوت إلى أورشليم. فنقله وسط الابتهاج وتَقْدِمة الذبائح. رَقَصَ داود فرحاً، فاستهانت به امرأته ميكال التي كانت تنظر إليه من شُرفتها، ووبّخته على ما فعل عندما رجع إلى البيت. سينطلق المُؤرّخ من هذا الخبر، ويُعطيه وُجْهَةً لاهوتيّة.
أولاً: بمَا أن التابوت سيكون في خيمة في أورشليم (على مثال خيمة البريّة)، فداود الذي بنى له بيوتاً في أورشليم، سينصُب بيده الخيمة لتابوت العهد. ثمّ إنّ داود ليس وحده (2 صم 6: 12)، بل يُرافقه شيوخ بني إسرائيل، وقُوّاد الألوف (15: 25).
ثانياً: ترك المُؤرّخ جانباً حادثة ميكال (2 صم 6: 20- 27)، واكتفى بالقول إنّها ازدرت زوجها. ثمّ لم يذكر المُؤرّخ أنّ الملك رقص عُرياناً، بل لبس حُلّة كتان طويلة كالتي يلبسُها اللاويون في احتفالاتهم (15: 27).
(آ 15: 2)، اللاويون خُدّام الله، وخُدّام تابوت عهده (عد 1: 5، 4: 15).
(آ 4- 10)، الأسماء الواردة في هذا النصّ، نقرأها في عد 3: 1 ي.
(آ 11)، يذكر الكتاب صادوق وأبياتار معاً (2 صم 8: 17 ي)، وقد كانا كاهنيين يخدمان تابوت العهد (2 صم 15: 24- 29). بعد موت داود يُطرد صادوق إلى عناتوت (1 مل 2: 26- 27)، ويَحِلُّ أبياتار محلّه. ولكن سيأتي وقت يُصبح فيه أبناء صادوق الكهنة الشرعيين الوحيدين. ولكنّ المُؤرّخ جعل المُصالحة تتم بين العائلتين الكهنوتيتين المتنازعتين، لأنّ أباهما واحد، وهو هارون (24: 3).
(آ 13)، لم نلتمسه أو نعبده حسب ما أمر الربّ. أي لم نلتمس الربّ ونعبده. ويُمكننا أن نقرأ: لم نلتمس، لم نسأل تابوت العهد كما يجب (13: 3).
(آ 17)، هيمان وآساف وإيتان. راجع 6: 31- 47.
(آ 18)، واختاروا لمساعدتهم. تعني هذه العبارة ثلاثة أمور: إشارة إلى درجات ومراتب خلال شعائر العبادة (الأول، الثاني)، إشارة إلى درجات القرابة (إخوة من الدرجة الثانية)، تلميح إلى 12 أخا، والأسماء المذكورة اثنا عشر اسماً.
4- المدائح والتسابيح عند نقل تابوت العهد (16: 7- 36)
بعد المُقدّمة (آ 7)، يُورد المُؤرّخ ثلاثة مقاطع مأخوذة من المزامير. المقطع الأوّل (آ 8-22)، من مز 105: 1- 15، المقطع الثاني (آ 23- 33)، من مز 96: 1 ي، المقطع الثالث: (آ 34- 36)، من مز 106: 47- 48.
هذه المزامير هي مزامير مديح الله. مز 105، يُحدّثنا عن وعد الله، وعهده مع الآباء، وينتهي بذكر الأرض الموعود بها. يترك المُؤرّخ ما تبقى من المزمور، أي الإقامة في مصر، الخروج والإقامة في البرية. مز 96، يعلن فرح الشعب، لأنّ الله ملك يسود الأمم كلّها. مز 106، يُورد إقرار الشعب بخطاياه، وعِقاب الله ورحمته له. ولكنّ الساعة ساعة فرح، لا ساعة حزن وتوبة، لهذا لم يُورد المُؤرّخ من هذا المزمور الا آ 1: "إعترفوا للربّ لأنّه صالح، لأنّ إلى الأبد رحمته" ثم (آ 47- 48)، خلّصنا وأنقذنا من الأمم الغريبة، مبارك الربّ من الدهر إلى الأبد.
ترد مقاطع هذه المزامير بصورة متواصلة، فتبدو وكأنّها تُشكّل مزموزاً واحداً. حوّر المُؤرّخ بعض العبارات، لتتوافق وزمن داود. فلم يذكر الهيكل وأروقته (قابل مز 96: 6- 8 و1 أخ 16: 27- 29)، ولا الرجوع من الجلاء (قابل مز 106: 47 و1 أخ 16: 37). وجعل "ذُريّة إبراهيم" (مز 105: 6) ذُريّة اسرائيل (1 أخ 16: 37)، فأعطى النصّ بُعْداً وطنياً.
5- تنظيم العبادة في جبعون وأورشليم. (16: 37- 43)
تبدو هذه الآيات تتمّة لما جاء قبل النشيد (آ 8- 36).
تذكر آ 38 مرّتين اسم عوبيد أدوم. هل هناك شخصان يحملان اسماً واحداً؟ هذا مُمكن، يديتون هو يدوتون ذاته، المذكور في مز 39: 1؛ 77: 1.
في آ 39، بقي المعبد مع المذبح في جبعون، وهناك كان الكهنة يقدّمون الذبائح. أمّا التابوت، فجُعل في خيمة خاصّة (15: 1). وهكذا وبسبب وجود التابوت في أورشليم، بدت خدمة اللاويين أرفع من خدمة الكهنة. فيُمكن أن تكون العبادة الليتورجية في المجامع، أهمّ من تقدمة الذبائح في الهيكل.
في آ 43، عاد داود ليُقيم في بيته، أو ليحمل إلى بيته البركة التي بها بارك الشعب باسم الربّ (16: 2).
ج- المعنى الدينيّ لنقل تابوت العهد إلى أورشليم.
- إنطلق المؤرّخ من حادث بسيط، فأعطاه بُعْداً دينياً، يتعدّى الأفراد، ليصل إلى الجماعة. صار هذا الحادث احتفالاً طقسياً وليتورجياً، حضره كلّ شعب إسرائيل، وشارك فيه بنو لاوي كلّ بحسب وظيفته.
- نُقل تابوت العهد من عند عوبيد أدوم، لأنّ اللاويين ليسوا هناك، وهم وحدهم من يستطيعون أن يحملوه. ولم ينقل التابوت إلا بعد أن استعدّ اللاويون، فتنظّموا وتدرّبوا على عملهم، على يد داود مدّة ثلاثة أشهر.
- كان هدف داود هدفاً لاهوتياً: نظَّم شعائر العبادة، علَّم اللاويين الأناشيد والموسيقى، وأعطى لكل دوره (تث 10: 8- 9؛ عد 4: 1 ي). لا يحمل تابوتَ الله إلاّ اللاويون (15: 2).
- ولكن دور اللاويين لا يقتصر على حَمْل التابوت وأمتعته، فبينهم المُغنون والبّوابون والعازفون (آساف، هيمان، إيتان) على آلاتهم الموسيقية: يُهللون، يذكرون، يرفعون المدائح (16: 14).
- تبدو مكانة الكهنة ثانوية بالنسبة إلى اللاويين. فما يقوله المؤرّخ عن أبناء هارون (15: 4) وصادوق وأبياتار (15: 11) وبنايا ويحزيئيل (16: 6) وكهنة جبعون (16: 39)، لا يُقاس بقا قاله عن اللاويين. ثمّ إن داود هو من يُقدّم الذبائح عند وصول التابوت إلى أورشليم، فلا يستعين بالكهنة. أنكون هنا أمام نصٍّ سابق لتنظيم الخدمة الكهنوتية؟ الأمر معقول. أمّا بالنسبة إلى المؤرخ، فالعبادة الليتورجية أهمّ من عبادة الذبائح، لأنّ أورشليم حيث يقيم الهيكل، أَهمّ من جبعون، حيث تُقام الذبائح على المشارف

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM