الفصل السَادس: الَمِلك دَاوُد ورِجَالُهُ

الفصل السَادس
الَمِلك دَاوُد ورِجَالُهُ
10: 1- 12: 41

أ- المُقدّمة
يُحدّثنا هذا الفصل عن موت شاول (10: 1- 14)، وعن احتلال داود لأورشليم (11: 1- 9). ثمّ يذكر كلّ الرجال (11: 10- 12: 41) الذين التحقوا بداود، وكانوا إلى جانبه. قبل أن يهيّئ مدينته، لتكون عاصمة شعب إسرائيل، ومركز ملْكِ الله في شعبه. في هذا الفصل يستقي المُؤرّخ معلوماته من أسفار صموئيل والملوك.

ب- تفسير الآيات الكتابية
1- موت الملك شاول (10: 1- 14)
نقرأ هنا عن موت الملك شاول، كما رواه اسم 31: 1 ي، مع بعض التعديلات الطفيفة. هَدَفُ الكاتب من خَبَره، أن يُبيّن للقارئ كيف انتقل المُلْك من شاول إلى داود. فم يُطِل الحديث، لأنّه افترض أنّ القارئ يعرف كلّ شيء عن شاول، أو هو لم يُرِدْ أن يُطيلَ الحديث عن مَلِكٍ خان ربّه، فمات في الخزْي، وما خلّف أحدًا بعده في الحُكم. ومهما يكن من أمرٍ، فالمُؤرّخ يُعجّل في الوصول إلى داود، الملك الأمين لربّه، والذي سيدوم نَسْله إلى الأبد.
(آ 10: 1- 7)، موت شاول ورجاله.
يروي المُؤرّخ كيف مات شاول وأبناؤه: يوناتان، أبيناداب، ملكيشوع، فلم يَبْقَ من يَخْلُفُه على العرش. إلاّ أنّ التاريخ، يُحدّثنا عن ابن لشاول اسمه أشبوشت (2 صم 2: 10)، ملك سنتين بعد أبيه، وعن حفيد اسمه مفيبوشت، ابن يوناتان (2 صم 21: 7- 9). ولكنّ المُؤرّخ أورد هذه الأسماء، في مَعْرض إيراده سِلسلة نَسَب شاول (8: 33- 36؛ 9: 39- 44)، واعتبر القِصّة مُنتهية، وكأنّ بيت شاول لم يكن.
جبل الجَلبُوع، يقع بين الأردن وسهل يزرعيل، إلى القُرْب من بيت شان. الوادي المذكور في آ 7، هو وادي يزرعيل.
(آ 8- 10)، ألعار اللاحق بشاول.
أخذ العدوّ سلاحه، علّقوا جمجمته في هيكل ألههم.
داجون هو إله الفلسطيين (قض 16: 21؛ 1 صم 5: 1).
يروي 1 صم 31: 12 ي، أنّهم ساروا الليل كلّه... ثمّ أحرقوا جثّة شاول. ولكنّ المُؤرّخ لم يُورد هذا الخبر، لأنّه تذّكر أنّ الشريعة لا تسمح أن تبيت جثّة مُعلّقة على الخشبة، بل تُدفن في اليوم نفسه (تث 21: 22- 23)، كما تذكَّر أنّ الحَرْقَ هو نصيبُ المُجرمين والزُناة (لا 20: 14؛ 21: 9).
(آ 11- 12)، دَفْنَةُ شاول.
يابيش مدينة في جِلعاد (أي في شرقيّ الأردن). تذكّر أهلها ما صنعه لهم شاول، يَوْمَ خلّصهم من الفلسطيّين (1 صم 11: 1 ي). صاموا سبعة أيّام حِدادًا على شاول.
(آ 13- 14)، سبب موت شاول وانقراض نَسْله.
لا نجد لهاتين الآيتين مُقابلاً في 1 صم 31، وهما تحتويان نِظْرة المُؤرّخ اللاهوتية التي تُفسّر أنّ الله أراد موت شاول لخياناته المتعددة (1 صم 15: 1 ي)، وبالأخصّ لسُؤاله العرّافة ومُناجاة الأرواح (1 صم 28: 1 ي). من أجل هذا أدان الله شاول، ونَقَل المُلْكَ إلى داود.
داود هو وحده الملك الحقيقيّ لبني إسرائيل، ومُلكه جاء مُطابقًا لإرادة الله. غير أنّ هذا المُلك قد سبقته في التاريخ، أحداث عديدة، يُوردها الكاتب، ولكنّه يحسبها كلا شيء. قَبْلَ أن يُحدّثنا عن ملك مثالي، أورد لنا نهاية مَلِكٍ تعيس. قَبْلَ أن يضع أمامنا صورة مَلِكٍ امين لربّه وجدير بوظيفته، أخبرنا بنهاية غير مُشّرفة، لمَلِك لم يكن أهلاً لأن يَمْلِكَ على شَعْبِ الله. أراد أن يُلقي ضَؤًا على صورة داود البهيّة، فذكّرنا بصُورة شاول البائسة.
لم يتوقّف المُؤرّخ عند رواية موت شاول، بل اكتفى بإيراد المرحلة الأخيرة من حياته، ليقول لنا إنّ كلّ ما سبق داود، ذهب من دون رَجْعَةٍ. مات شاول، وبمَوته زال بيتُه، واضمحلّ رجاله، وحُذِفت ملكيته من التاريخ. دانه الله، وكانت دينونة قاسية، بحَسَب مبدأ الثواب والعِقاب الذي يُطبّقه المُؤرّخ في كتابه.
2- داود يحتلّ أورشليم (11: 1- 9)
يروي المُؤرّخ الأمين لمراجعه (2 صم 5: 1- 10)، حدثين هامّين. الأوّل: مَسْحُ داود ملكًا على كلّ شعب إسرائيل. الثاني: إحتلال أورشليم. ولكنّه يترك جانباً، ما يُورده 2 صم 5: 1- 4 من بُكاء على شاول...
(آ 11: 1- 3)، داود يُمْسَح مَلِكًا.
لا يذكر المُؤرّخ السبع سنوات التي ملك فيها داود في حبرون، قبل أن يملك ثلاثا وثلاثين سنة على كلّ يهوذا وإسرائيل، بل يُرينا فيها داود منذ البداية، وكأنّه ملك على كلّ شعب إسرائيل. لهذا، عندما تنفصل القبائل العشر، يبقى يهوذا شعب الله الحقيقيّ، ويكون الآخرون قد انشقّوا وانفصلوا.
سمّى المؤرخ داود ملكًا (آ 3)، وقد مسحه صموئيل، وشاول حيّ بعد (1 صم 16: 1 ي). هي إرادة الله، لا إرادة الشعب، أن يكون داود ملكًا. ولو فرض الشعب إرادته على الملك، لفرضها على الله.
(آ 4- 9): إحتلال أورشليم.
إحتلال أورشليم عمل قام به "كلّ بني إسرائيل" (آ 4)، لا الملك ورجاله فقط، كما يقول 2 صم 5: 6، لأنّ أورشليم ستكون العاصمة العتيدة للشعب كلّه. يُشدّد المُؤرّخ على دور يوآب، ويجعل الاحتلال يتم حالاً، بعد أن مُسِحَ داود ملكًا.
نُلاحظ هنا أنّ الم أورشليم هو يبُوس، وسكّانها اليبُوسيون. ونُلاحظ أيضاً أنّ المُؤرّخ 1 يُورد الكلمات الجارحة التي قالها اليّبوسيون في بني إسرائيل (2 صم 5: 6). المُهمّ أنّ أورشليم صارت عاصمة داود، منذ بداية عهده، وأنّ داود صار ملكاً على كلّ إسرائيل، حالاً بعد موت شاول.
3- رجال داود الأشدّاء (11: 10- 12: 41)
نحن هنا أمام مقطع طويل، يتكوّن من أجزاء عدّة: جزء أول (11: 10- 47)، يُقدّم لنا لائحة برجال داود الأشدّاء، جزء ثان (12: 1- 13)، يذكر الأشخاص الذين التحقوا بداود، جزء ثالث (12: 24- 41)، يذكُر المُقاتلين الذين أعلنوا داود ملكًا عليهم.
(آ 11: 10- 47)، لائحة برجال داود.
في آ 11 ي، نجد جماعة من ثلاثة رجال أو ثلاثين رجلاً (2 صم 23: 8- 39)
في آ 41- 47، نقرأ ستة عشر اسمًا، لا نجد لها مُقابلاً في 2 صم 23، وهي مأخوذة من منطقة شرقيّ الأردن (موآب، رأوبين، عروعير). أوردها المُؤرّخ ليُبيّن لنا أنّ الذين تبعوا داود، جاؤوا إليه حتّى من المناطق البعيدة عن أورشليم.
في 2 صم 23: 1 ي، نقرأ أنّ هؤلاء الرجال التحقوا بداود، خلال الزمان الذي صار فيه مَلِكًا. اما 1 أخ، فيقول إنّهم التحقوا به، منذ بداية عهده بالمُلك، وهم الذين أقاموه مَلِكًا، بأمرٍ من الربّ، وساعَةَ أراد الربّ.
(آ 12: 1- 23)، معلومات عن الذين التحقوا بداود.
إلتحقوا بداود يوم هرب من وجه شاول، وعاش في البريّة أو صقلا (آ 1، 9، 17). هم رجال من بنيامين (آ 1- 8) وجاد (آ 9- 16)، ثمّ من بنيامين ويهوذا (آ 17- 19) ومنسّى (آ 20- 23). جاؤوه كلّهم من بنيامين (قبيلة شاول) ومن قبائل شرقي الأردن.
(آ 24- 41)، لائحة جديدة بالرجال في كلّ قبيلة، وهم الذين أعلنوا داود ملكًا في حبرون، ثمّ على كلّ شعب إسرائيل. لا يذكر المُؤرّخ أسماء بل أعدادًا.
نُلاحظ أولاً أنّ القبائل، هي 13 قبيلة لا 12، والسبب في ذلك هو أنّه يَعُد لاوي قبيلة كسائر القبائل. فكيف يُمكنه أن يغفلها، ولها هذا الدور المُهمّ في الخدمة الكهنوتية: ثم يفصل قبيلة يوسف، فيجعلها قبيلتين، هما. منسّى وأفرائيم. نلاحظ ثانيًا، أنّ القبائل الأربع ذات النفوذ الواسع (أي يهوذا وشمعون ولاوي وبنيامين) تَعُدّ خمسة وعشرين ألف محارب، وقبائل الشمال والوسط، تَعُدّ 314400. كانوا مع داود يوم اعتلى العرش، وسينفصلون عنه في عهد يَرَبْعام.
منذ البداية، ملك داود على كلّ إسرائيل، ومنذ البداية، إجتمع رجاله حوله من كلّ القبائل: هذا هو مُخطّط الله. حلّ روح الربّ على عماساي (أحد قوّاد داود)، فقال: "نحن لك يا داود، نحن معك يا ابن يسّى. سلام، سلام لك، سلام لمُناصريك، لأنّ إلهك ناصرك" (12: 19- 20). أعلن هذا القائد إرادة الله الراضية على داود، فالتفّ حوله مُعاونوه وأصدقاؤه

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM