الفصل الخامس: مَوَاليدُ سَائِر القَبائلِ وَسُكّانِ أورشَليمَ

الفصل الخامس
مَوَاليدُ سَائِر القَبائلِ وَسُكّانِ أورشَليمَ
7: 1- 9: 44

أ- المُقدّمة.
نقرأ أولاً لمحة عن القبائل التي لم تُذكر بعد: يساكر، بنيامين، دان، نفتالي، منسّى، أفرائيم، أشير. ثم نقرأ من جديد لائحة أنساب بنيامين بطريقة مُطوّلة. فني أرض بنيامين مدينة أورشليم، ومن أرض بنيامين خرج الملك شاول. وهكذا نستعدّ للحديث عن سُكّان أورشليم، وموت الملك شاول.

ب- تفسير الآيات الكتابية.
1- قبائل الشمال (7: 1- 40)
(آ 7: 1- 5)، مواليد يساكر.
يتوسّع الكاتب، إنطلاقاً من عد 36: 23- 25، في الحديث، فيذكر عدد الرجال القادرين على حَمْلِ السلاح. مثل هذا الإحصاء، يرجع إلى زمن داود (21: 1 ي؛ 2 صم 24: 1 ي).
(آ 6- 11) مواليد بنيامين.
ما نقرأه هنا، قريب من تك 46: 21؛ عد 36: 38- 41، ولكنّه يختلف عمّا سنقرأه في 8: 1 ي. إنّ هو إلاّ لائحة بموضع إقامة البنياميين بَعْدَ الجلاء.
نُلاحظ أنّ الكاتب لا يذكر قبيلة زبولون (عد 26: 26- 27)، فاقترح بعض الشُرّاح، أن يُطَبَّق ما قاله النصّ هنا على زبولون.
(آ 12- 13)، مواليد دان ونفتالي.
نحن هنا أمام بقايا لائحة عن قبيلة دان (عد 26: 48- 50؛ تك 46: 23- 24)، ولائحة عن مواليد نفتالي.
(آ 14- 19)، مواليد منسّى.
نجد عناصر تعود إلى عد 26: 29- 34. ونجد أسماء أجنبية: صلفحاد، لقحي... ومن المُدهش أن يذكر المؤرّخ أسماء الأمّهات. ولدت معكة فارش وشارش...
(آ 20- 29)، مواليد أفرائيم.
نجد في هذه الآيات عناصر مُتعدّدة. في آ 20- 21، 25- 27، نقرأ عن نسل أفرائيم. في آ 21- 24، نقرأ خبراً عن حرب مع الفلسطيين. في آ 28- 29، نقرأ عن موضع إقامة ابنَيْ يوسف منسّى وأفرائيم. في آ 23، نقرأ كلمة "بريعة" أي في الشرّ، وفي هذا تلميح إلى قتل بعض أبناء أفرائيم، على يد أهل جتّ.
(آ 30- 40)، مواليد أشير.
نقرأ هذه السلسلة في تك 46: 17 وفي عد 46: 44- 46. كانت قبيلة أشير تُقيم في أقصى الشمال.
بعد هذا يعرض الكاتب أمامنا مجموعة القبائل، مُستوحياً الوثائق المتعدّدة، زائداً عليها معلومات أخذها من تقاليد لم تَرِدْ في أسفار التوراة.
نُلاحظ أن سلسلة القبائل في 2: 1- 2، لا تتوافق والسلسلة في 2: 3- 7: 40. في هذا النصّ الأوّل نقرأ: رأوبين، شمعون، لاوي، يهوذا، يساكر، زبولون، دان، يوسف، بنيامين، نفتالي، جاد، أشير. وفي النصّ الثاني نقرأ: يهوذا، شمعون، رأوبين، جاد، نصف قبيلة منسّى، لاوي، يساكر، بنيامين، دان، منسّى، أفرائيم، أشير. السلسلة الأولى تشبه عد 26: 1 ي، تك 46: 1 ي، وهي تُورد أسماء أبناء يعقوب بحَسَب ولادتهم: أولاً: أبناء ليئة وجاريتها (6 أسماء)، ثم أبناء راحيل وجاريتها. أمّا في السلسلة الثانية، فيتبدّل الترتيب، إذ يتبوأ يهوذا المرتبة الأولى، بسبب أهميّة داود، ويختفي اسم يوسف، فيحلّ محلّه أفرائيم ومنسّى (قسم يقيم شرقيّ الأردن، وقسم يُقيم غربيّه). ولكن، في هذه الحال، يكون عدد القبائل إحدى عَشْرَةَ قبيلةً (رج آ 6- 11).
عظيمة هي مكانة يهوذا، قبيلة داود (2: 3- 4: 23)، ورفيعة هي مكانة لاوي، قبيلة الكهنة. ولكن المؤرّخ ينظر بعين الرضى إلى قبيلة بنيامين، فعلى أرضها تقع أورشليم، لهذا سوف يُكرّس فصلاً كاملاً لقبيلة بنيامين، قبل أن يُورد لائحة بسكان أورشليم.
2- سلسلة نَسَب بنيامين (8: 1- 40)
نُلاحظ أن المؤرّخ زاد لوحة نسب بنيامين، بعد أن قدّم لنا لائحة أولى في 7: 6- 12. وعندما نقابل اللوائح المتعدّدة، أي تك 46: 21؛ عد 26: 28- 41؛ 1 أخ 7: 6- 12؛ 8: 1 ي، نجد أنّها تختلف بعضها عن بعض اختلافاً كاملاً. وكل ما نستطيع أن نقوله في هذا المجال، هو أنّنا أمام تقاليد متعدّدة عن القبيلة الواحدة.
يتوقّف النصّ الذي نقرأه الآن، على مواضع سَكَن بيت بنيامين، وبالأخص أورشليم، حيث يُقيم عدد كبير منهم (آ 28- 32)، ويُورد لائحة بأبناء شاول (آ 33- 38؛ رج 9: 39- 44)، كمُقدّمة للأخبار اللاحقة. فالفصلان 8 و9، يشكلان مرحلة انتقال بين لوائح أنساب القبائل، وبين الأخبار اللاحقة التي تُعرِّفنا إلى داود وسُلالته.
(آ 8: 1- 5)، لائحة أبناء بنيامين.
هناك نقاط مُشتركة بين هذه اللائحة وتلك التي نقرأها في تك 46: 21 أو عد 26: 28- 41، إلا أن الاختلافات تمنعنا من القول، إن المصادر الثلاثة أخذت معلوماتها من التقليد الواحد.
(آ 6- 12)، بنو بنيامين المقيمون في جبع، في أرض موآب، في أونو ولود.
بنو بنيامين المقيمون في أرض موآب، هم الذين هاجروا أو نقلوا إليها. أونو ولود هما مدينتان كنعانيتان قديمتان، تذكرهما الوثائق المصريّة في القرن السادس عشر ق. م. غير أنّ ذكرهما لا يرد في التوراة إلا في عز 2: 33؛ نح 11: 31- 35.
(آ 13- 28)، بنو بنيامين الذين أقاموا في ايالون وأورشليم.
نجد هنا أسماء معروفة في نصوص التوراة، تترّدد عند القبائل المتعدّدة.
(آ 29- 32)، بنو بنيامين المقيمون في جَبْعُون وأورشليم.
هذه اللائحة سنقرأها كاملة في 9: 35- 38.
(آ 33- 38) بنو شاول بن قيش.
هذه اللائحة نقرأها في 9: 39- 44، وهي تشتمل على اثني عشر جيلاً.
نلاحظ أن الأسماء وردت في شكلها الأوّل: أيشبعل (بدل أشبوشت رج 2 صم 2: 8)، مربعل (بَدَل مريبوشت أو مفيبوشت رج 2 صم 4: 2 وكلمة بُوشت تعني العار). ألبعل أو العار يلائم شاول الذي رُذِل، ومَلك بعدَه داود.
(آ 39- 40)، لائحة قصيرة عن بني بنيامين الذين من نَسْل عاشق.
لا نعرف من هو عاشق، أخو اصيل المذكور في آ 38.
3- سُكّان أورشليم (9: 1- 44)
يُقدّم هذا المقطع وثائق عديدة، وبالأخصّ لائحة بسُكّان أورشليم، أمّا هدفه فتبيان التواصُل والاستمرارية، بين القبائل القديمة العهد والقبائل العائشة في أيّامه. هذا ما فعله فيمَا مضى، وهذا ما يفعله الآن، فيُورد أسماء الذين جاؤوا من الجلاء، ليُقيموا بأرض الموعد. وبعد هذا كلّه، سيحدّثنا عن مملكة داود.
(آ 9: 1- 3)، مُقدّمة إلى لائحة السُكّان في أورشليم.
تُورد هذه المقدّمة لائحة بسكان أورشليم العائشين في المنفى (رج نح 11: 3- 63). وما يلفت انتباهنا فيها، هو ذِكْر أفرائيم ومنسّى بين المقيمين في المدينة المقدّسة (آ 3). وهذا يعني أن مملكة الشمال اجتمعت في النهاية مع مملكة الجَنُوب، كما كان في عَهْدِ داود.
(آ 14- 17)، مجموعات السُكّان المُختلفة.
يُورد المؤرّخ اسم بيوتهم (أو عيالهم)، ثمّ يذكر أعدادهم.
يبدأ ببني يهوذا (آ 4- 6)، ثمّ ببني بنيامين (آ 7- 9)، والكهنة (آ 10- 13)، واللاويّين (آ 14- 16) والبوّابين (آ 17).
(آ 18- 26)، كلمة عن البوّابين.
يتوسّع المؤرّخ في الحديث عن البوّابين الذين يحفظون أبواب الهيكل، فلا يسمحون لمُخالف أن يدخلها. في الماضي، كانت وظيفة البوّابين مُحتقرة، ولم يكن القائمون بها من بني لاوي (عز 2: 42، نح 7: 45). أمّا في نظر المؤرّخ فهي سامية، وهي ترجع إلى داود، بل إلى صموئيل (آ 22)، بل إلى زَمَن الحياة في البريّة (آ 19- 23)، وهي وَقْفٌ على بني لاوي (بنو قورح).
(آ 27- 34)، خِدْمات بني لاوي المتعدّدة.
وكما أعاد المُؤرّخ اعتبار مهنة البوّابين، ها هو يُعيد اعتبار سائر الخِدَم التي يقوم بها اللاويّون: الحراس الذين يفتحون أبواب الهيكل عند الصباح (آ 27)، المسؤولون عن آنية العبادة (آ 28)، المُهيئون تقادم الطحين والخمْر والزيت (آ 29)، للكهنة مُقدّميها (آ 30). الخابزون والمسؤولون عن خُبْز التقدمة (آ 31)، المُغّنون المقيمون في الهيكل بحُكْمِ وظيفتهم (آ 33). كلّ هؤلاء كانت مساكنُهم في أورشليم.
(آ 35- 44)، أسماء ذُكرت سابقاً.
يُورد المُؤرّخ، مرّة ثانية، لائحة بيت بنيامين في جَبْعون وأورشليم (آ 35- 38)، وبيت شاول (آ 39- 44)، على مثال لائحة 8: 19- 39. وهكذا نكون أمام تقليدين مُختلفين مُتضاربين. نقرأ في ف 9، أسماء لا نجدها في ف 8، مثلاً: يعيئيل، نير، مقلوت، وقد أوردها الكاتب المُلهم، لأنّه لا يُريد أن يضيعَ شيءٌ من أخبار الآباء.
ج- سلسلة الأنساب في ف -9 ومعناها.
1- هدف الكاتب الأساسي.
تُقدّم الفصول التسعة الأولى من 1 أخ، لوحات أنساب، تبدأ ببداية البشريّة، وتنتهي بعهد شاول وداود. وسيُقدّم الفصل العاشر لوحة تصل بنا إلى عهد الجلاء وبعده. تستقي هذه اللوحات معلوماتها من تك، عد، يش، صم، مل، وترجع أيضا إلى مصادر أخرى، لا نجد لها ذِكرا في التوراة. ونتساءل: ما قيمتها التاريخية؟ ونجيب: هناك قسم يرجع إلى تقاليد قديمة، وهو ذو قيمة تاريخية حقّة، وهناك قسم جمعه الكاتب المُلهم في زمن مُتأخّر، فكان التكرارُ والنواقص والأخطاء. ونتساءل أيضًا: هل جمع المُؤرّخ هذه المعلومات وجعلها في كتابه، أم أنّها جُمِعَت قبله، فاكتفى بتعديل بعضها وتنقيحه وسدّ الثغرات؟ يبدو أنّه ألَّف هذه الفصول، مُنطلقًا من الوثائق التاريخية وغيرها، وأنّه اتبع مُخططًا وضعه أمام عينيه. أمّا الزيادات التي لا تتوافق وفكرة الكاتب الأساسيّة، فيُمكن أن يكون الكاتب وضعها، وهمّه أن لا يضيع شيء من تقليد شعب الله، أو أن يكون أحد تلاميذه قد زادها للسبَب نفسه.
ونظّم المُؤرّخ فُصوله، مُنطلقًا من ثلاث نقاط، تُشكّل مَدار اهتمامه ومِحورَه: الملك داود ونَسْله، العبادة وكهنوت بني لاوي، أورشليم المدينة المُقدّسة. واختار لوحات الأنساب التي تُلقي ضوءًا على هذه النقاط. تخلّى عن نظام سَرْد أسماء القبائل، كما تعودت سائر الأسفار أن تفعل، فبدأ حديثه عن يهوذا، قبيلة داود، ثمّ مرّ سريعًا عند قبائل شمعون ورأوبين وجاد ومنسّى، وتوقّف عند قبيلة بني لاوي الكهنوتية. وبعد أن أورد القليل عن قبائل يساكر وبنيامين ودان، ونفتالي ومنسّى وأفرائيم وأشير، عاد مُطوّلاً إلى قبيلة بنيامين، وإلى سُكّان أورشليم. وهكذا فقبائل يهوذا ولاوي وبنيامين، تُشكّل البنية الأساسية لهذه الفصول التي قرأنا. أمّا سائر القبائل فثانوية، إلى حدِّ أنّه أهمل ذكر زبولون، وثحدّث عن نفتالي في آيةٍ واحدةٍ (7: 12).
بعد هذه المُقدّمة عن القبائل، يستطيع المُؤرّخ أن يُخبرنا عن داود الملك ونَسْله في أورشليم العاصمة التي اختارها، ونَظّم فيها العبادة والكهنوت، بانتظار أن يبني فيها ابنُه الهيكل.
2- بُنية سلسلة الأنساب.
إنّ بُنية سلسلة الأنساب، تختلف بين لائحة وأخرى. فهناك بُنية من النوع الأُفقيّ، وبُنية من النوع العموديّ. في النوع الأُفقيّ يُورد الكاتب اسم الأب، ثمّ أسماء أبنائه، وأبناء أبنائه. نقرأ في 7: 1- 5: بنو يساكر، هم تولاع، فوة، ياشوب، شمرون (4 أبناء). ونبدأ بالبِكْر. بنو تولاع هم: عزى، رفايا... ثم الثاني. إبن عزى هو يزرحيا. وننتقل إلى أبناء الأبناء بنو يزرحيا، هم: ميكائيل، عُوبديا... (رج أيضاً عن قبيلة أشير في 3: 23 ي). أمّا في النوع العموديّ، فيُورد الكاتب اسم أب، ثم اسم ابنٍ واحدٍ من كلّ جيل، إلى أن يصل إلى الشخص الذي يُريد التكلّم عنه. نقرأ في 6: 4- 5، (لائحة عُظماء الكهنة): ألعازار ولد فنحاس، فنحاس ولد أبيشوع، أبيشوع ولد بقّي، فننطلق مع الكاتب من السَلَف إلى الخَلَف (رج أيضاً 7: 20- 21؛ مت 1: 1 ي حيث نبدأ بإبراهيم فنصل إلى يسوع). ونقرأ في 6: 33- 47 (بنو قهات وآساف): هيمان إبن يوئيل، إبن شموئيل، بن القانة... بن قهات، إبن لاوي، بن إسرائيل (أو يعقوب)، فننطلق من الخَلَف إلى السَلَف (رج لو 3: 23 ي، حيثُ نبدأ بيسوع فنَصِلَ إلى آدم).
في الحديث عن قبيلة يهوذا، نجد بُنية من النوع العموديّ (2: 3 ي) نقرأ فيها: وبنو يهوذا هم: عير، أونان، شيلة (ثلاثة أبناء من شوع الكنعانية)، وفارس وزارح (إبنان من تامار). إبنا فارص هما حصرون، حامول. بنو زارح هُم زمرى وإيتان... أمّا بنو حصرون، فهم: يرحمئيل، رام... ونجد بُنية من النوع الأُفقيّ في 2: 10 ي. رام ولد عمينداب، عمينداب ولد نحشون، ويمكننا أن نُقابل 2: 3- 4 مع 4: 1، حيث نقرأ أنّ بني يهوذا، هم فارص وحصرون وكرمي وحور وشوبال. وفي الواقع، حصرون هو إبن فارص، وكرمي (أو كالب) هو إبن حصرون، وحور هو إبن كرمي، وشوبال هو إبن حور... ويمكننا أن نُقابل بين ما نقرأه في عد 26: 35، حيثُ نجد بُنيةً أفقية عن بني أفرائيم: شوتالح، باكر، تاحن، وما نقرأه في 1 أخ 7: 20، حيثُ نجد بُنيةً عمودية عن بني أفرائيم: شوتالح، بارد إبن شوتالح، وتاحت إبن بارد. نُلاحظ التقارب اللفظيّ بين باكر وبارد وبين تامن وتاحت. ونستنتج أنّه عندما بكى أفرائيم أبناءه الذين قتلهم الفلسطيون (7: 21- 22)، فقد بكاهم إلى الجيل الثامن.
3- معنى الأنساب.
ما معنى لوحات الأنساب هذه؟ نكتفي ببعض ملاحظات.
أولاً: على المُستوى التاريخيّ. هذه اللوائح مُهمّة جداً، لأنّها تحمل في طيّاتها تاريخ شعب كامل. يكني أن نذكر أسما، لنتصوّر أمام عيوننا الأحداث التي رافقت هذا الاسم. وعندما يَردُ اسم مع أسماء أخرى سبقته أو لحقته، نحصل على لوحة شاملة، تُلَخّص تاريخاً طويلاً في بضعة صفحات. لقد اهتمّ الكاتب المُلهم بلوائح الأنساب، وهو عارف بما فيها من نواقص وغُموض، لأنّها تُشكّل بالنسبة إليه، وثائق على مِثال تلك التي وصلَتْنا من مصر وبابل، وإن لم تكن لها دِقّة هذه الوثائق. لا ننسى أنّنا أمام شَعْب من البَدْو، تأخّر في معرفة الكتابة والتدوين، فنقل تقاليد شفهيّة، حُفِظَت في ذاكرة رُؤساء البُيوت والعائلات.
ثانياً: على المُستوى الاجتماعيّ. لولا هذه اللوائح، لما استطاعت عائلة أن تُقيم في هذا المكان أو ذاك، لولاها لما استطاع بيتٌ أن يعتبر نفسه من بيوت بني إسرائيل، لولاها لما استطاع الكهنة واللاويّون، والمُغّنون والبوّابون، أن يُؤكّدوا انتماءهم إلى الطبقة المسؤولة عن الخِدَم المُقدّسة. يوم لم يكن تنظيم للأحوال المدنيّة، كانت هذه اللوائح، وستبقى حتّى بعد أن يترك العبرانيون حياة البداوة، ويأخذوا بحياة الحضارة. ولنا شهادة على ذلك في عز 2: 59-63. إن الكهنة الذين لم يُعطوا المعلومات الكافية عن نَسَبهم (هل هُم من بني إسرائيل)، خُلعوا من الكهنوت، ومُنِعُوا من مُمارسة شعائره.
ثالثاً: على المُستوى الدينيّ. بالنسبة إلى المُؤرّخ، لا يُشبه تاريخ شعب الله، تاريخ أيّ شعب آخر. فهو ليس فقط تاريخاً، يُوجهه الله بسُلطانه المُطلق أو العادل، بل تاريخاً يتوافقُ ومخططَ الله، مُنْذُ بِداية البشرية. وبما أن هذا التاريخ، حُفِظَط في تقاليد الشعب القديمة (تك، عد، صم، مل)، فلا حاجة إلى روايته. لهذا يكتفي الكاتب بلوحات أنساب، تدلّ على استمرارية الأجيال البشرية، وتُذكِّرُ القارئ أنّ شعب إسرائيل، يحمل رسالة من أجل مُخطّطٍ يشمل الكون.
ونحن المسيحيين، قد دخلنا في سلسلة الأنساب هذه، عَبْرَ يسوع المسيح الذي هو ابن داود، إبن ابراهيم (مت 1: 1)، الذي هو ابن شيث، إبن آدم، إبن الله (لو 3: 38). تاريخنا بدأ ببداية الكون، وعَرف قِمّتَهُ في يسوع المسيح الذي وُلِدَ من امرأة حين تمّ الزمان (غل 4: 4)، وسيَتِمّ عندما يجمعُ المسيح في شخصه، كلّ شيء في السماوات والأرض (أف 1: 10).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM