الفصل الأول: من آدَمَ إلى إسرائيلَ أيْ يَعقوبَ

الفصل الأول
من آدَمَ إلى إسرائيلَ أيْ يَعقوبَ

أ- المُقدّمة.
يفترض القسم الأوّل من 1 أخ، أن ما حدث قبل داود، معروف لدى الجماعة، ولا حاجة إلى ترداده. لذلك يعمد إلى رَسْمِ لوحات سريعة، يستقي موادّها من أسفار موسى الخمسة والكتب المُسمّاة تاريخيّة (1 و2 صم، 1 و2 مل)، فيُبيّن لنا أن أحداث التاريخ حلقات متّصلة، منذ بداية الكون إلى الآن، وأنّ الله ما زال يعمل اليوم، كما كان يعمل منذ خَلْقِ العالم.
في اللوحة الأولى، يقدّم إلينا الكاتب أبناء آدم حتّى يصل إلى يعقوب (أو إسرائيل) أبي الأسباط الاثني عشر. يستقي معلوماته من سِفْر التكوين، ويُدخل إليها بعض التعديلات: يُوجز النصوص، ويتوّقف عند جوهر الأمور دون الأعراض.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة.
1: 1- 54
(آ 1: 1- 4) الآباء الأوّلون.
يذكر المُؤرّخ شيتا ولا يذكر قايين ولا هابيل، فشيت هو بداية الخطّ الذي يُوصله إلى الشعب المُختار. في آ 4، نقرأ أبناء نوح، كما تقول الترجمة اليُونانيّة، وإلا كان حام ابن سام، ويافت ابن حام.
(آ 5- 7) بنو يافت.
يعطي الكاتب لمحة قصيرة عن الوجوه القليلة الأهميّة، قبل أن يُلفت أنظارنا إلى الوجوه التي سيحتفظ بها. لهذا يبدأ بيافت وحام، قبل أن يعود إلى سام. وعندما سيتحدّث عن إبراهيم، سيذكر أبناء هاجر وقطورة، قبل أن يصل إلى إسحق، كما سيذكر عيسو (أي أدوم)، قبل يعقوب (أي إسرائيل)، عندما يَصِلُ إلى إسحق.
إنّ آ 5- 22 توجز تك ف 5، 10، مُكتفيةً بذِكْر الأسماء دون الشروحات.
لا يُورد المؤرخ من بني يافت، إلا نَسْل جُومَر ونَسْل ياوان.
(آ 8- 16) بنو حام.
يحكي الكاتب عن بني حام مع بعض التفاصيل (رج تك 10: 1 ي)
الفلسطيون هم أبناء كفتور، لا أبناء كسلوج (رج تث 2: 23؛ ار 47: 4؛ عا 9: 7).
في آ 6، ترشيش هي إسبانية، ورودانيم رودس. لكن يصعب علينا، أن نتعرّف إلى كلّ الأسماء الواردة في هذا النص، والكاتب يسرع في سردها، ليَصِلَ إلى بني سام من دون تأخير.
(آ 17- 23) بنو سام.
وأخيراً وصل الكاتب إلى الخط الذي يهمّه: سام، أرفكشاد...
في آ 17، نقرأ مع الترجمة اليونانية (رج تك 10: 23): أمّا بنو آدم فعوص وحول وجاشر وماشك. الفعل من "فالج" يعني قسم (رج في السريانية والعربية "فلج").
(آ 24- 28) أبرام وإبراهيم.
وصل الكاتب في ما يورده إلى تك 11: 10- 26. ذكر إبراهيم واسحق ولديه إسحق وإسماعيل. ذكر أولاً إسحق، لأنّه وارث الموعد، ثمّ ذكر إسماعيل البِكْر.
نجد طريقتين في سَرْد نَسَبِ سام. طريقة أفقية (آ 17- 23)، تورد أبناء سام ثمّ أبناء آرام، ثمّ أبناء أرفكشاد، وطريقة عمودية (آ 24- 27)، تورد ابناً دون الأبناء الآخرين: أرفكشاد، شالح، عابر...
أبرام هو إبراهيم (آ 27). يرد هذا التبدّل في تك 17: 5.
(آ 29- 54) بنو إبراهيم وإسحق.
عندما يُحدّثنا المؤرّخ عن إبراهيم، فهو يذكر أسماء يعتبرها ثانوية، فلا يعود إليها. يذكر نسل إسماعيل، ثمّ نسل إبراهيم من قطورة، كما سيذكر نسل عيسو، مع لمحة تاريخية قصيرة عنه، قَبْلَ أن يتفرّغ نهائياً، للحديث عمّا يتعلّق ببني إسرائيل (2: 1 ي).
كيف اختار الكاتب الأسماء الواردة هنا؟ قرأ سِفْر التكوين على ضوء الحالة التي عاش فيها. إنَّ آ 29- 31، تردّد تك 25: 12- 16. في آ 32 نقرأ "ابني يقشان" وهما شَبَا ورَدَان. يقشان هو يقطان (آ 19- 20). ونُلاحظ من خلال هذا المَثَل، أنّه كانت تقاليد متوازية، أخذ بها الكاتب، وما سعى إلى التوفيق بينها. في آ 34، نقرأ اسم إسرائيل الذي تُفضّله أخبار الأيام، على اسم يعقوب (المذكور فقط في 16: 13- 17)، بسبب الخِداع المُرتبط باسم يعقوب (تك 27: 35 ي؛ هو 12: 3 ي). يعقوب اسم أعطي من عند البشر، أمّا إسرائيل، فمن عند الله (تك 32: 28).
في آ 35- 54، تحدّث الكاتب عن بني أدوم، وأطال الحديث، فخرج عن خطّه الذي يقوم على التركيز، على الشعب المُختار، مُتناسياً العداء المُستحفل بين بني أدوم وبين بني إسرائيل (مز 137: 1 ي). يجب على بني إسرائيل أن يعرفوا أنّهم لا يعيشون وحدهم، بل قُرْبَ شعوب أخرى، خلقها الله، كما خلق شعبه، وأن يفهموا أنّ الله اختارهم، ليحملوا رسالة إلى الآخرين، لا لينعزلوا عنهم خوفاً أو كبرياء.
سعير (آ 38): اسم جبل جنوبيّ البحر الميت، واسم شعب حوري، أقام في هذا المكان، قبل أن يطرده بنو آرام.

ج- ملاحظات حول الفصل الأوّل.
1- لوحة الأنساب هذه تبدأ بآدم وتنتهي بابني إسحق: عيسو وإسرائيل (أي يعقوب). ويعقوب هو أبو الأسباط الاثني عشر، الذين سيتحدّث عنه الكاتب في الفصل الثاني. رجع إلى سِفْر التكوين، واختار ما أراد، بحسب الهَدَف الذي وضعه أمامه. أخذ بالمراحل الكُبرى: آدم، نُوح، إبراهيم، إسحق وإسرائيل. وترك الفروع المُلحقة التي تُبْعِدُه عن هَدَفه. ذكر أنساباً، وترك أخرى، أورد أنساب سام مرّتين، واهتم بنَسْل إبراهيم من قطورة، وأطال الحديث عن بني عيسو، وسُلالة ملوك وأمراء أدوم. فما كان هدفه في كلّ ذلك؟
2- لا نعرف إنْ أخذ بعين الاعتبار، الشعوب الذين ما زالوا في عصره، فربطهم بالآباء الأقدمين، ولكنّنا نعرف أنّ أخبار الأيّام هو كتاب شعب إسرائيل، بل كتاب قبيلة يهوذا وبيت داود. ونعرف أنّ مخطّط الله يتحقّق منذ البدايات، وسلسلة الأنساب تُبيّن أن الصدفة والاتفاق، لا مكان لهما في هذا المخطط. فالاتصال بين الآباء والأبناء يدلّ على أنّ التاريخ لا يعرف انقطاعاً، وأنّ بِذار مُخطّط الله موجودة فيه منذ البدء. وإذا كان الكاتب اكتفى بالخطوط الكُبرى، فلأنّه افترض أنّ قارئه يعرف هذه التفاصيل الموجودة في سفر التكوين. وبما أنّه يكتب مُقدمة تاريخ أورشليم، فقد أورد سريعاً هذه اللوحات من الأنساب، وهمّه الأمانة لفكرته اللاهوتية، ألا وهي أنّ الله اختار منذ الابتداء مَلِكاً على أورشليم.
3- جعلت أسفارُ موسى الخمسة، إبراهيم وِسَط جميع الأمم التي تتبارك فيه (تك 12: 3)، أمّا في سِفْري الأخبار، فداود هو مِحْورُ الكتاب، يحيطُ به الكهنة وبنو لاوي، والمُغنّون والعازفون. هذه الطريقة في العرض، نجدها أيضا في بداية إنجيل متى: "نَسَبُ يسوع ابن داود، ابن إبراهيم" (1: 1). غير أن متى سيُهمل التنظيم الكهنوتيّ، فلا يُورد أسماء بني لاوي. ونجدها أيضا في إنجيل لوقا الذي جعل يسوع ابن انوش بن شيت بن آدم، ابن الله (3: 38). ولكنّه يسبق هذه اللائحة بفصلين عن كهنوت بني لاوي، فيحدّثنا عن زكريا الذي من فرقة أبيا (1 أخ 24: 10)، واليصابات التي من بنات هارون (لو 1: 5).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM