أحكام الله عادلة

أحكام الله عادلة
المزمور التاسع والمزمور العاشر

1. ملاحظة: يجمع هذا المزمور التاسع والعاشر (حسب التقسيم العبراني). وهما يُنشدان الله الملك في أحد أعياد شعب اسرائيل.
القسم الأول أو المزمور 9 بحسب العبراني، هو مزمور شكر ينشده المرتّل لله من أجل أحكامه التي تحفظ حقّ البائس والمسكين. والقسم الثاني (أو المزمور 10 بحسب العبراني) هو صلاة توسّل ضد الخاطئ الذي رفض وجود الله وتمرّد على وصاياه فجار على قريبه، وسفك الدم الزكي وداس حقّ البائس.

2 أ. أحكام الله عادلة.
آ 2- 3: البداية: صلاة الشكر يعبّر فيها المرتّل عن فرحه بسبب الخلاص الذي حصل عليه.
آ 4- 7: موضوع هذا الشكر: حكمُ الله على الأمم الوثنية علامةُ انتصاره على الشرّ.
آ 8- 12: حقائق معروفة من الناس: حكمُ الله يجري على جميع الأمم، الله ملجأ البائسين.
آ 13- 17: أحسّ المرتّل بضيق جديد، فتوسّل إلى الله الذي التفت إليه، فابتهج المرتّل بالخلاص الآتي من عند الربّ.
آ 18- 21: الخاتمة: طلبُ المعونة ضد الأمم الوثنية: ألق عليهم الرعب، وليعلموا أنهم بشر

2 ب. صلاة المرتّل البائسة إلى الله العادل.
آ 1- 2: البداية: دعاء وتشكٍّ ضدّ المنافق ورجل المكايد.
آ 3- 11: تصوير للمنافق الخاطئ: إنه صاحب حيلة ومكايد، وهو متكبّر متعجرف.
آ 12- 15: توسّلٌ لينتقم الله منه ويحفظ البائس والمسكين من شرّه.
آ 16- 18: شكر مسبق يرفعه المرتّل حامدًا الله الملك على أحكامه العادلة.

3. ينطلق المرتّل من اختبار حصل له ولجماعة الرب المؤمنة: أعطاهم الربّ النصر، ولكنّ ذاك النصر لم يكن كاملاً. وما تزال الأمم العدوّة تهدّد السلام. فالمؤمنون يعتقدون أن سلطان الله هو سلطان على التاريخ، وأن الله هو سيّد الأحداث قبل أن يكون سيّد عناصر الكون. إنه سيّد الأمم، قبل أن يكون سيد الطبيعة. الرب هو السيّد لأنه المخلّص، مخلّص شعبه وخصوصًا البائسين والمساكين. إذا كان الوثنيّون في الخارج يهدّدون إسرائيل، فالأشرار في الداخل يشكّلون خطرًا أكبر لأنهم متغلغلون بين الشعب وبيدهم السلطة والحكم. ولهذا فالله الملك معنيّ بأعداء الخارج وأعداء الداخل، معنيّ بسلوك الجماعات وسلوك الأفراد، وهو يدين البشر كلَّهم أفرادًا وجماعات. ويتوقّف المرتّل على شخصية المنافق الكافر الذي يُنكر الله وعملَه في العالم، ويعتبره إلهًا ضعيفًا لا يعرف، إلهًا ينسى ويحجب وجهه فلا يهتمّ بالبائس ولا بالمسكين. ويتشكّك المؤمنون من نجاح المنافق وتكبّره، وتتبلبل أفكارهم عندما يرون آلام أحبّاء الله الذين يحفظون وصاياه. من جهة، يعلّمهم إيمانهم أن الله قدير وعادل، وبأنه يجازي كل انسان حسب أعماله، وينظر بالرحمة والعطف إلى أحبّائه. ومن جهة ثانية، يريهم الاختبارُ غير ذلك. جواب الله نقرأه في مز 37 وهو جواب يؤكّد على عدالة الله ويشدّد على أن نجاح الأشرار لا يدوم طويلاً.

4. صلّى يسوع هذا المزمور باسمه وباسم شعبه في العهد الجديد. فما عملَه الله في العهد القديم، لا يزال يعمله من أجل ابنه يسوع الذي صلّى: "أشكرك يا أبت لأنك استجبتني" (يو 11: 41). إستجابه لما أقام لعازر، واستجابه خصوصًا عندما أقامه من بين الأموات فأعطاه النصر النهائيّ على الخطيئة والموت وقوّات الجحيم. أما شعبه، شعب العهد الجديد، فلم ينجُ بعدُ تمامًا من القوى المعادية التي هي الشيطان والخطيئة والموت، ولكنه منذ الآن قد نال نعمة الخلاص في شخص المسيح الممجّد، وهو ينتظر ساعة يُنشد نشيد الظفر: لإلهنا الخلاص والمجد والكرامة والقوّة، وأحكامه حقّ وعدل. آمين، هللويا.

5. "اعترف لك، يا رب، بكل اتساع قلبي، وأحدِّث بجميع عجائبك". هناك نوعان من الاعتراف. واحد فيه نقرّ بخطايانا. وآخر هو شكر نرفعه إلى الله. في هذا النوع الأخير فهم الملك النبيّ لفظة "اعتراف". ما معنى هذه الكلمات "بكل قلبي"؟ في حرارة نفسي ومسارعتها. لا أمدحه فقط من أجل الخيرات التي نلتها، بل من أجل المحن المعارضة أيضًا. فعلامة النفس الحكيمة والعارفة بالجميل هي أن تشكر الله حتى في وسط الضيقات، وأن تمجّده في كل ظروف الحياة. لا من أجل حسناته وحسب، بل من أجل المحن التي يرسلها أيضًا. مثل هذا السلوك يجعلنا جديرين بأجر كبير...
تأمّلوا كيف يشير داود هنا إلى قدرة الله. "يسقطون ويهلكون أمام وجهك". يجب أن لا تثير هذه العبارة لديكم أية فكرة ماديّة. فداود لا يريد أن يتحدّث إلاّ عن عمل الله، عن ظهوره، عن السهولة التي بها يمارس الله قدرته. وهذه الحقيقة عينها يعلنها الملك النبيّ في مكان آخر: "نظر إلى الأرض فجعلها ترتعش" (104: 2). فنظرة الله وحدها تكفي لكي تهلك الأشرار. فإذا كان حضور القدّيسين يجعل مجهودات الشيطان بلا جدوى، فكم يفعل حضور الله؟...
"أهلكت المنافق، أبدت اسمه إلى الأبد والى دهر الدهور". تأمّلوا أيضًا في حكمة الملك القدّيس. هو لا يفكّر في الانتقام من أعدائه، ولكنه يترك الله يهتمّ بالقضاء، ويتعلّق مسبقًا بوصيّة الرسول: "لا تنتقموا بأنفسكم" (روم 12: 10). وليست هذه الشيء الوحيد الذي نستطيع أن ننظر إليه. فنحن نرى أيضًا أن داود كان ضحيّة أعدائه. فلو لم يتألّم جورًا، لما كان الله اهتمّ بالدفاع عنه.
"تجلس على كرسيك وتدين حسب العدل". حين تكلّم الملك النبيّ هنا عن الكرسي والمحكمة، فقد تكيّف ولغة البشر العاديّة. حين قال لله "تدين حسب العدل" عرّفنا إلى إحدى صفاته الخاصّة المرتبطة ارتباطًا قريبًا بطبيعته الإلهيّة. لا نستطيع أن نقدّم المديح عينه للبشر. فلو كانوا أبرارًا ألف مرة، فلن يقضوا بحسب العدل، لأنهم لا يستطيعون أن يميّزوا ما هو عادل، إمّا عن جهل وإمّا بتأثير الاهمال. أما الله الذي هو منزّه عن هذه النقائص، فهو يحكم دومًا بحسب العدل، لأنه يعرف ما هو عادل فيجعل دينونته موافقة لشخصه... (يوحنا فم الذهب).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM