الفصْلُ الأوّل: نهَاية عَهْد وَبداية عَهْد آخَر

الفصْلُ الأوّل
نهَاية عَهْد وَبداية عَهْد آخَر
1 : 1 – 2 : 26

أ- المُقدّمة
1- نقرأ في ف 1-2 نهاية مُلك داود، وجلوس سُليمان على عرش أبيه. هذه المقاطع هي امتداد لما قرأناه في 2 صم 9- 20، وهي تُقْسَمُ ثلاثة أقسام: خلافة داود (1: 1-53)، وصايا داود الأخيرة لابنه سليمان (2: 1- 11) وتخلُّص سليمان من أعدائه (2: 12- 46).
2- يتابع 1 مل ما بدأ 2 صم. ولكن مع جلوس سليمان على العرش بَرَزَ شيء جديد. ولهذا بدأ الكاتب الاشتراعي بوقفة، قبل أن يروي قِصّة الملوك في بني اسرائيل، على غرار ما في الدول المجاورة.
3- كيف صار سليمان مَلِكًا مكانَ أدونيا الذي كان له الحقّ في ذلك؟ هذا ما سيُبيِّنه التبديل الذي حمله داود إلى الشعب العبراني بحياته وعمله. صار كلّ من شاول وداود مَلِكًا، بفضل شخصية قوية والقُدرة على قيادة الجيش في القتال. تمنّى شاول أن يكوِّن سلالة ملكية، وهيأ يوناتان ابنه ليخلِفه، ولكنّه لم يوفق إلى ذلك. فخلفه داود، لأنّ العبرانيين احتاجوا، قبل كلّ شيء، إلى قائد حرب قويّ، يُدافع عينهم ضدّ أعدائهم. وحين صار داود ملكًا، إرتبطت بشخصه حياة المملكة وازدهارها. ولكن في نهاية عهد داود، استقلت المَلكيّة عن الملك، وصارت المؤسسة الملكيّة أهمّ من شخصية كلّ ملك. وهكذا كوّن داود سُلالة ملكية، فصار سليمان ملكًا لأنه ابن داود. نجح لا في المعارك الحربية، بل في مُوآمرات البلاط.

ب- تفسير الآيات الكتابية
1- خلافة داود (1: 1-53)

(آ 1: 1- 4) شاخ داود، فما عاد يستطيع أن يُمَارس أمور الحكُم، عكس موسى الذي حافظ على قواه، فارس سُلطانه حتى موته.
جاءه رجال الحاشية بفتاة شونمية تقوم بخدمته
شاخ داود فكان ابن سبعين سنة (2 صم 4:5).
شونم تقع في يساكر (يش 18:19) شماليّ وادي يزرعيل، وهي موطن مُضيفة أليشاع (2 مل 8:4). أمّا الشولمية، حبيبة نشيد الأناشيد، فهي صورة مثالية للتي اهتمّت بالمَلِك يوم شاخ.
(آ 5- 10) أدونيا هو رابع أبناء داود، وقد سمح له والده بأن يجمع حوله مُقاتلين يخدمونه (مثل أبشالوم. رج 2 صم 15: 1). تمنّى أدونيا أن يكون ملكًا، وسنده في طموحه العُنصرُ المُحافظ في المملكة.
أدونيا، أو يهوه هو سيدي، هو ابن حجيت، إحدى النساء الستّ اللواتي يذكرهنّ 2 صم 3: 2- 5. ولد في حبرون بعد أمنون وكلآب وأبشالوم. مات أخواه فأحسّ نفسه أقرب إلى العَرْش من سليمان. نلاحظ هنا أنّ داود ما كان يُغِمُّ أولاده، ولا يرفض لهم شيئًا. من ساند أدونيا؟ يُوآب ابن اخي داود وقائد جيشه، أبياتار الكاهن الوحيد الذي بقي من نَسْل عالي بعد مجزرة نوب (1 صم 22: 20)، والذي كان رفيق داود الأمين.
ولكن لم يكن معه صادوق (2 صم 17:8)، ألذي لا نعرف شيئًا عن أصله سوى أنّه كاهن مع أبياتار، بانتظار أن يصير الكاهن الوحيد لسُليمان. بنايا هو قائد الكريتيين والفلطيين، هؤلاء المرتزقة من فلسطو الذين عرفوا بشجاعتهم وإقدامهم. ناتان هو ذلك النبيّ الذي اشتهر بنبوءته لداود (2 صم 7: 4-17)، وتدخّله لدى داود الزاني (2 صم 12: 1-15)، ودوره في اعطاء اسم لسُليمان (2 صم 24:12-25). أمّا شمعي وريعي فهما مجهولان. وهكذا تكَّون حزبان، ولعبت الموآمرة دورها.
وكما بدأ أبشالوم ثورته (2 صم 15: 7-12)، هكذا فعل أدونيا، فأبان عن عصيانه بإبعاده سُليمان وأصحابه.
عين روجل (عين القصار) تقع في وادي قدرون إلى الجنوب الشرقيّ من أورشليم القديمة. أما حجر زوحلت (حجر الحية أو حجر الزحل)، فيُمكن أن يكون عين أيّوب.
(آ 11-27) تحدّى أدونيا سليمان وأصحابه، فردوا على التحدّي بأفضل منه، وأقنعوا داود بقضيّتهم فاستجاب لهم. تدخّل ناتان رجل القرار: تدخّل عند الملك، نظّم الأدوار فنجح.
لو نجح أدونيا، لكان قتل سليمان وأمّه. تلك كانت العادة عند تبديل الملوك (قض 9: 5؛ 1 مل 29:15؛ 16: 11-12؛ 2 مل 10: 1-17؛ 11: 1). بتشابع هي المرأة المحبوبة، والملك لا يرفض لها شيئًا. والآن فليُعلن رسميًّا القرار الذي اتّخذه بالنسبة إلى ابنها. أمّا الوعد الذي تُلمِحُ إليه بتشابع، فلا نجد له ذكرًا في النصوص.
(آ 28- 31) ونجحت حيلة بتشابع، فعيّن الملكُ سلمانَ ابنَه ليَخلِفَه.
ليحيَ سيدي الملك، قالت بتشابع، وكذا قال أتباع أدونيا (آ 25؛ رج 2 مل 11: 12؛ 1 صم 10: 24؛ 2 صم 16: 16). وسيحيا الملك، ويعرف أيام الازدهار، شرط أن تُحتَرم إرادته في اختياره خَلَفه على عرشه.
(آ 32-40) وصار سليمان ملكًا، وكرَس على طريقة اليبوسيين الذين حكموا يبوس (أورشليم)، قبل أن يحتلّها داود. إستعاد داود الشيخ عزمه وروحَ القرار عنده، ودعا صادوق الكاهن...
كانت البغلة مطيّة الملوك والأمراء (2 صم 13: 29؛ 18: 19)، تأتي إلى بني إسرائيل من بُلدان عديدة (10: 25 ؛ مز 27: 14). جيحون هي عين في قَدرون عند سفح تلّة صهيون، ونسمّيها عين العذراء.
كيف مُسح سليمان ملكًا؟ هناك وَضْع التاج، ألهُتاف، ألموكب الاحتفالي، ألتنصيب على العرش. هذا ما جرى ليُوآش (2 مل 11 : 12-19) وياهو (2 مل 9 : 12-13). إنّ المسحة تجعل الملك "مسيح الرب"، وتُعطيه طابعًا قُدسيًا وحصانة (1 صم 7:24، 11؛ 9:26؛ مز 2:2).
يكون قائدًا على إسرائيل ويهوذا. صار داود ملكًا على يهوذا، وانتظر سنوات قبل أن يصير ملكًا على إسرائيل. فقبائل الشمال حاولت مرارًا أن تنفصل عن يهوذا مع أبشالوم وأدونيا. ولهذا يتمنّى داود أن تبقى البلاد متّحدة في عُهْدة الملك الجديد.
آمين. ما هو ثابت وأكيد ويقين. نستعمل الكلمة لنُعلن موافقتنا على ما قيل (عد 22:5؛ تث 27: 15-26، ار 6:28).
(آ 41- 48) وسمع أدونيا بالخبر، حين سمع صوت البُوق وهُتافات الفرد. أخبره بما حدث، يوناتانُ بن أبياتار الكاهن.
(آ 49-53) فارتاع أدونيا وأسرع فأخذ بقرون المذبح، وهي نتآت عند زوايا المذبح الأربع، وكانت مطبوعة بطابع قُدسيّ (ار 17: 1). من أمسك بها في المعبد، كان كمن يطلب حقّ الضيافة من إله المعبد، فلا يقتله أحد أو يمسّه بسوء. وطلب الأمان من سليمان. فاشترط عليه سُليمان أن يكون رجلاً صالحًا.
2- وصايا داود الأخيرة (2: 1- 11)

تتضمن وصايا داود الأخيرة، تحريضًا لسُليمان حتى يبقى أمينًا للربّ الإله، وتعليمات تتعلّق بيُوآب وشمعي وأبناء برزلاي الجِلعَاديّ.
(آ 2: 1-2) دنا يوم موت داود. يُسمّيه الكتاب: طريق جميع البشر عل الأرض (يش 23: 14).
(آ 3- 4) قال داود: وعد الربّ بالعرش لنسله، إذا خضعوا للفرائض الدينية. هذا هو لاهوت سفر التثنية: حَفِظ المحفوظات، سَلَك في طريق الربّ، حَفِظَ رسومه ووصاياه وأحكامه وفرائضه. وباي روح سيعملون؟ من كلّ قلوبهم ومن كلّ نفوسهم. على ضوء هذا المبدأ، سيحكم الكاتب على الملك: ألله يُجازي الأمناء. أمّا الذين لا يتحلَّون بالأمانة، فسيعاقبهم مع الأخذ بعين الاعتبار رحمته وطول أناته.
(آ 5-9) طلب داود من سليمان، أن يثأر له من يُوآب الذي قتل أبنير (2 صم 3: 27) وعماسا (2 صم 20: 8- 00 )، ويختار الوقت المناسب لذلك. يتحمّل داود مسؤولية هاتين الجريمتين، لأنّه كان القائد والمَلِك. لم يقُم بواجبات العدالة، وهو يطلب من ابنه أن يحلّ محلّه.
أما برزلاي فظل ثابتًا على محبّته لداود يوم الثورة (2 صم 19: 31-32). فليعامله سُليمان بالخير. وشمعي بن جيرا لعن الملك حين كان هاربًا، فاستحق الموت (2 صم 16: 5-13). ولكن داود حلف له (2 صم 19: 17- 24). أما الان وهو على فراش الموت، فهو محلول من حلفه... أَنزِلْ شيبتَه إلى الجحيم أي إلى مثوى الأموات الذي يدخله جميع الموتى، أكانوا أخيارًا أم أشرارًا. أمّا جهنم في اللاهوت المسيحي، فهي "موضع" عذاب الهالكين.
بحوريم (2 صم 16:3؛ 16: 5): هي راس التميم، على الطريق بين أورشليم وأريحا، الى الشمَال الشرقيّ من جبل الزيتون. محنائيم: تقع شرقيّ الأردن وهي تبعُد بضعة كلم إلى الشمَال من نهر يبوق.
(آ 10- 11) ومات داود ودُفن في أورشليم، لأنّها كانت مُلْكه بعد أن استولى عليها. وظلّ قبر داود معروفًا. أمّا ما يقال له قبر داود في أع 2: 29، فلا يُمكن أن نحكم أن يكون هذا قبره حقًا. دُفن داود في مدينته، أي في قلعة صهيون التي أخذها من اليبوسيين وجعلها عاصمته (2 صم 7:5، 9).
صار سليمان ملكًا رغم مُعارضة أدونيا. هذا يعني في نظر المؤرّخ الاشتراعي، أنّ الربّ يرضى عن الذي هيأه من أجل عمل عظيم. وسيقوم سليمان بالمُهمّة على أكمل وجه إلى يوم تُغادره الحكمة.
3- سلمان يتخلّص من أعدائه (2: 12 - 46)

(آ 12-25) وبعد أن جلس سُليمان على العرش، تخلّص أولاً من أدونيا بن حجيت... طلب أدونيا أبيشاج الشونمية، وفي ذلك مُطالبة خفيّة بالعرش... توسّطت بتشابع، ولكن سُليمان عرف مرامي أخيه، فأرسل بنايا فقتله.
(آ 26-27) وعزل سليمان أبياتار ولم يقتله، لأنّه حمل تابوت العهد: عناتوت هي مدينة لاوية في بنيامين (يش 01: 18؛ 1 أخ 6: 45)، وهي موطن إرميا النبي (ار 1: 1)، تبعد 5 كلم إلى الشمال من أورشليم. أيكون إرميا من أبناء أبياتار؟ ألأمر معقول. وسُليمان عزلَ أبياتار شخصيًا، ولم يعزل بيته كلّه.
(آ 28-35) وأرسل سليمان بنايا فبطش بُيوآب المتمسّك بقرون المذبح. وهكذا نفذّ أوامر أبيه.
(آ 36-46) وجعل سليمان شمعي الذي لعن داود أباه، في الإقامة الجَبْريّة. فلمّا ترك مكانه، أرسل أيضًا بنايا فقتله. وهكذا ثَبُتَ الملكُ في يد سليمان.
ج- ملاحظات
1- بدّل داود في عقلية شعبه، فجعلهم يأخذون بطريقة حياة الكنعانيين، بعد أن أقاموا بينهم وأخضعوهم بقوّة السلاح. أجل، دخلت القبائل العبرانية إلى كنعان، كرُعاة يعيشون من رعاية قُطعانهم. أمّا الكنعانيون فكانوا فلاحين في أرضهم، ومواطنين ثابتين في مُدُنهم. كانت حياتهم منظّمة في طبقات: ألفلاحون، ألجنود، ألصنّاع، ألتجار والكهنة. جماعة منظّمة لاستثمار الأرض، ولهذا كان يهمّها الخِصْب، خِصْب الإنسان والحيوان والأرض؛ وهذا الخِصْب يتطلّب، قبل عمل الإنسان، بركةً من الله.
2- ألملك هو في هذا المُجتمع، رئيس الكهنة الذي ينقل إلى الجماعة رحمة الله، ويفرض عليها الخُضوع له. وظيفته أن يؤمّن الخِصْب الذي به ترتبط رفاهية الشعب، وأن يحافظ عليه سنة بعد سنة. من هنا مُشاركته في الطقوس السنوية التي تؤمّن بركة الآلهة. بالمُقابل هو يتطلب وينال خضوعًا مُطلقًا من كلّ أعضاء الجماعة. وهكذا كانت الدولة الكنعانية مكرّسة للازدهار الاقتصادي والمادي والمثال الدينيّ، وكانت مُهيأة لتضحّي بالحرية الفردية، لتصل إلى هذه الأهداف. وهنا نفهم أن تعني البحبوحة للبعض، عبوديةً للآخرين.
3- أمّا المُجتمع الاسرائيليّ الآتي من البرّية، فلم يكن مُنَظّمًا هذا التنظيم الدقيق، ولا كان يتمتعّ بمركزية، وهو المؤلّف من وحدات قبلية، تُحاول كلّ منها أن تعيش الاكتفاء الذاتيّ، وما كان يجمع هذه القبائل هو الديانة. وما كانت تحتاج إليه هو وحدة تساعد الشعب على صدّ هجمات الأعداء. مثل هذه الجماعة، حصلت على مستوى من العيش أدنى من المستوى الكنعاني. وعندما دخل بنو إسرائيل كنعان، رأوا أنّه لا بدّ أن يأخذوا بطرق حياة البلاد، ليُحافظوا على استقلالهم. إحتاجوا إلى جيش كجيش الكنعانيين، والمَلَكيّة كانت العلامة أنهم تكيّفوا مع هذه الحياة الجديدة.
4- ولكن يوم أخذ بنو إسرائيل بنُظُم الكنعانيين، هل أخذوا ديانتهم أيضًا؟ عبد الكنعانيون الأصنام، وجسّم كلّ صَنَم قوّة من القوى. كانت مجموعة من الآلهة، وكل إله أو إلهة جسّم وُجهة من هذه القوّة التي تسيِّر حياة الناس ومصيرهم: إله الحرب، إله العاصفة... أما يهوه إله إسرائيل، فكشف نفسه لشعبه عند البَحْر الأحمر: لم يكن تجسيدًا لقوى الطبيعة. يهوه هو شخص عرَّف عن ذاته بأعماله. ولهذا أخضعت الديانة اليهودية القوّة للشخص. وهكذا تَعارض مُجتمعان دينيان. ولكنّ بني إسرائيل الذين تكيّفوا ونُظُمَ الكنعانيين، أخذوا أيضًا بشعائرهم الدينية. هكذا فعل آحاب وغيره. وكان سليمان أول من سلك في هذه الطريق، فبنى المعابد إكرامًا لنسائه العديدات، فكان انقسام مملكته، نتيجةً لهذا الجُحود الدينيّ الذي مارسه بنفسه، وفرضه على شعبه

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM