القسم الثالث: رسَالة يسُوع في الجليل الفصل الثاني والخمسون: تجلي الرب البهي
 

لفصل الثاني والخمسون
تجلي الرب البهي
9: 28- 36؛ مت 17: 1- 9، مر 9: 2- 10

إنّ سرّ تجلّي يسوع يقود المؤمن نحو الفصح أي نحو سرّ واحد هو سرّ الموت والقيامة. فالإِنجيليون الثلاثة رأوا في هذا الحدث وقتًا حاسمًا في مسيرة يسوع نحو الآلام. فبعد أن اعترف به التلاميذ مسيحًا، ها هو ينبئ بآلامه وموته، ثم يتجلّى لهم ليثبّت إيمانهم. أو بالأحرى، هو الله الذي أراد أن يقوّي إيمان التلاميذ فكشف لهم بطريقة عابرة مجد ابنه، هذا المجد الذي سيتجلّى عبر الآلام، سيتجلّى في ملئه بالقيامة والصعود.
إنّ حدث التجلّي يشكّل وقتًا مجيدًا وسريًّا في حياة يسوع. لهذا سنحاول أن نكتشف غناه ومدلوله وبُعده. فنحدّد موقعه في مجمل تقليد العهد الجديد ثم في التقليد الإِزائي الذي نعتبره شهادة واحدة، وأخيرًا في سياق كل من الأناجيل الإِزائيّة الثلاثة. من هذا المنظار سنحاول أن نحدّد زمن التجلّي وإطاره اللذين هما عنصران مهمّان لتأويل هذا السرّ.

1- الابن الممجَّد (يو 12: 27- 28).
إن التجلّي الذي يورده الإِزائيون الثلاثة بصورة مشابهة، يقع بعد اعتراف بطرس المسيحانيّ في قيصريّة، والإِِنباء الأوّل بالآلام. يقع في منعطف رئيسيّ من حياة يسوع العامة.
ونلاحظ أنّ يوحنا الذي اهتمّ كل الاهتمام بالتشديد على مجد يسوع، لم يُورد، أقلّه ظاهرًا، حدث التجلّى، كما أنّه يبدو مهملاً لأخبار ولادة يسوع وعماده على يد يوحنا المعمدان وتأسيس الافخارستيا والنزاع في جتسيماني. إنّ علاقة الإِنجيل الرابع بالتقاليد القديمة حول رسالة يسوع يتضمّن عدّة أسئلة لم تزل عالقة، ولكن هناك عدّة أسباب تجعلنا نفكّر أنّ يوحنا لم يجهل هذه الأمور التي لم يتكلّم عنها. بل هو قد فَهم معناها فهمًا كاملاً ونقلها إلى مكان آخر: هذا ما نكتشفه في مطلع إنجيله (في البدء كان الكلمة)، وفي خبر لقاء يسوع بيوحنا، وفي الكرازات العماديّة، وفي الخطبة التي تلي تكثير الأرغفة...
فبعد دخوله المسيحانيّ إلى أورشليم، وخلال حوار مع بعض خائفي الله من اليونانيين، أعلن يسوع: "جاءت الساعة التي فيها يتمجّد ابن الإِِِِنسان ". وزاد قائلاً: إن تلاميذه سيتبعونه في ذلّه ومجده. ثم تفوَّه بكلمات شبيهة بالتي قالها ساعة النزاع: "الآن نفسي مضطربة. فماذا أقول؟ يا أبي، نجني من هذه الساعة! ولكنّي من أجل هذا بلغت إلى هذه الساعة. يا أبي، مجد اسمك " (يو 12: 27).
بعد هذه الكلمات التي تدلّ على الحيرة والتخلّي، وتعبّر عن الخيارين اللذين يجد يسوع نفسه أمامهما (هل أقول: نجني من هذه الساعة، أم أقول: مجّد اسمك)، يشير يوحنا إلى الصوت السماويّ: (حينئذٍ جاء صوت من السماء: مجّدته وسأمجّده أيضًا" (يو 28:12). ليس هذا القول الإِلهيّ هو ذلك الذي سُمع في الجبل، ولكن العارف بالتقليد الإِِزائيّ وبطريقة يوحنا في الكتابة، يكتشف في هذا القول الصوت السماوي ومجد التجليّ، كما يكتشف العلاقة مع مشهد جتسيمانيّ. غير أنّنا نلاحظ أنّ يوحنا قلب الترتيب الذي نجده عند الإِزائيين: بدأ بالنزاع وانتهى بالتمجيد. تشوّهت صورته أوّلاً فصار كالعبد، قبل أنَ يتجلّى في مجد الله الآب.
والسياق الذي دخل فيه التجليّ، أي الإِنباء بمصير إبن الإِِِِنسان، هو تعليم يوجَّه إلى التلاميذ (والشعب كما يقول مر 8: 34) وعدم فهم عند التلاميذ. هذا السياق نجده عند يوحنا في لوحة تدلّ على يد معلّم بارع. بعد هذا يصبح الحدث: الصوت الذي يعلن مجد يسوع دون أن يشير إلى مجد شعّ في وجهه وثيابه. فالتمجيد يعني مباشرة اسم الآب. بعد هذا لن يتركّز التمجيد على فترة قصيرة من الزمن، بل يمتدّ إلى الماضي وإلى المستقبل. إنّه لا يشكّل فقط ذروة وجوده، بل هو مركز شعاعه. يبدو المجد عند الإِزائيين مثل برق يلمع على الجبل. أمّا يوحنا فيراه مشعًّا في كل أقوال يسوع وأعماله ومعجزاته، ولا سيّما في "الآيات " التي نرى من خلالها أعمال الآب ومجده.
قال أحد الشرّاح: "إنّ الإِنجيل الرابع هو تيوفانيا (ظهور) متواصلة حيث لا مكان لمشهد التجلّي كما صوّره الإِزائيون. إنّه فقط لمحة عن المجد الذي يسطع من كل خطب الكلمة المتجسّد وأعماله. ويسوع لم ينحنِ فقط في خضوع كليّ أمام مشيئة الآب من أجل خلاص البشريّة في بستان الزيتون، بل كان في كل حياته يقول: "طعامي أن أعمل بمشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله " (يو 4: 34). ونقول أيضًا: لم يظهر مجد يسوع فقط على جبل التجلّي، بل ظهر في حياته كلّها. إن ذلّ الآلام والمجد السماويّ ظهرا كمعطيين استمرَّا طوال حياة يسوع على الأرض.

2- نجمة الصبح (2 بط 1: 16-18).
يُذكَر حدثُ التجلّي عند الإِزائيين الثلاثة، ويُلمح إليه يوحنا. وهناك إشارة أخرى واضحة إلى التجلّي نقرأها في بداية رسالة بطرس الثانية. إنه يطلب من قرّائه أن يعيشوا بطريقة تليق بدعوتهم ويستحلفهم أن يكونوا مستعدّين للمجد الذي ينتظرهم في ملكوت المسيح الأبديّ. وسيظلّ الكاتب طوال حياته يذكرهم بهذه الأمور، وعند موته سيترك وراءه ما يذكرهم بها (تلميح إلى إنجيل مرقس). ويردف:
"فما اتّبعنا نحن خرافات ملفّقة حين أطلعناكم على قوّة ربّنا يسوع المسيح وعلى مجيئه لأنّنا بعيوننا رأينا عظمته. فحين نال من الله الآب إكرامًا ومجدًا جاءه من مجد الله تعالى صوت يقول: هذا هو ابني الحبيب الذي به رضيت. سمعنا نحن هذا الصوت آتيًا من السماء، وكنا معه على الجبل المقدّس " (2 بط 1: 16- 18).
إنّ هذه اللغة تترجم عظمة السرّ وبهاءه بطريقة تختلف عما في الأناجيل الأربعة. فالمشهد ينحصر في الجوهر: لا غمام، لا خيمة، لا أشخاص سماويون. لم يأتِ الصوت من الغمام بل من السماء. لسنا أمام جبل خاص، بل أمام الجبل المقدّس، بعد أن صار ظهور الرب على سيناء نموذجًا لكل تيوفانيا في العالم اليهودي. يشدّد الكاتب، شأنه شأن مز 8: 6 وعب 2: 6- 9، على مجد يسوع وكرامته. أمّا نقله للإِعلان السماوي الذي يشبه ما في إنجيل متى، فهو يُلغي عبارة: "إسمعوا له ". فالأمر الذي أعطاه الصوت قد وُضع موضع العمل يوم قدّم بطرس شهادته. هل نرى في صيغة المتكلِّم الجمع ("نحن ") إشارة إلى بطرس الذي تُصوِّره "رؤيا بطرس " على جبل الزيتون كشاهد وحيد لتجلّي الرب القائم من الموت؟ أم نرى فيه الشهود الثلاثة الذين ذكرهم الإِزائيون، أم كل شهود المسيح الذي قام وتجلّى؟ من الصعب أن نحدّد. ومهما يكن من أمر، فصفة الشاهد للتجلّي التي ينسبها بطرس إلى نفسه تعطي لتعليمه أهميّة كبيرة.
ولكن من أين للتجلّي هذه الأهميّة بحيث يُذكر حتى قبل القيامة؟ هناك جوابان. الأوّل: التجلّي هو برهان على مجيء الرب القريب: لقد رأى شهوده مسبقًا قدرة يسوع المسيح ومجيئه. الجواب الثاني: إنّ التجلّي يشهد لكلام الأنبياء ويوافق على مجموعة تعاليمهم حول العهد المسيحانيّ. قال بطرس: "ازداد يقيننا بكلام الأنبياء" (2 بط 1: 19). خرج الأنبياء عن صمتهم، بل إنّ كلمتهم التي برّرها التجلي وثبّتها، ستبقى حتى زمن المسيح. إنّها كسراج في مكان مظلم تنشر نور الإِنجيل إلى أن يشعّ في قلب المسيحيين كوكب الصبح ونور المجيء. إنّ لتعليم بطرس هذا بُعدًا كبيرًا. فإن كانت الأخبار الإِنجيليّة عن التجلّي تحتفظ بشهادة العهد القديم للمسيح يسوع، فبطرس يرينا العهد القديم وقد تثبَّت نهائيًّا بالتجلّي.

ب- التقليد الإِزائي.
يستند التفسير الكتابيّ إلى شهادة الأناجيل الإِزائيّة الثلاثة. نحن نعرف أنّ متى ولوقا يرتبطان بمرقس، الذي يرتبط بدوره بمراجع وتقاليد سابقة.
إنّ التجلّي يمثّل في التقليد الإِزائي مكانة أدبيّة ولاهوتيّة أساسيّة على منعطف جوهريّ من حياة يسوع العامة. فلقد كان للتجلّي محتوى خاص في نظر يسوع نفسه، فدلَّ على وعيه لمسسيحانيّته في خط أوقات مشابهة: مثلاً، العماد في الأردن والتجارب في البريّة. حدثَ التجلّي في وقت حاسم أحس فيه يسوع رفض رؤساء إسرائيل الدينيين ولامبالاة الشعب، وعُرف كمسيح بفم بطرس. حدثَ فكشف للتلاميذ كيف سيتمّ عمل يسوع: إنّ تمجيده سيكون قيامة في نهاية عبور في الألم والموت. لم تفهم الجموع يسوع، فطلبت مسيحًا وطنيًّا، واحتقرته سلطات الأمّة فتراجع واهتمّ بتعليم تلاميذه. وسيكشف لهذه المجموعة الصغيرة من المؤمنين سرّ شخصه عبر المصير المحفوظ له. إذن، هدفَ التجلّي إلى إظهار مجد اليوم الأخير مسبقًا أمام التلاميذ الذين ركّزوا أنظارهم على حياته اليوميّة معهم. لقد تكلّم الله إلى هؤلاء التلاميذ الخائفين. فالمجد حاضر منذ الآن في ابن الإِِِِنسان العائش أمامهم. إذن، عليهم أن يسمعوا ليسوع ويتبعوه على الطريق الصاعد إلى أورشليم، نحو المجد، بالصليب. فقبل مرارة الآلام العابرة. نال التلاميذ الثلاثة خبرة مسبقة للمجد النهائي. وهكذا تكوّن رباط متشعّب بين خبر التجلّي والعناصر المختلفة التي تسبقه.
هناك اعتراف قيصرية (18:9- 21= مت 16= 13- 20= مر 8: 27- 30)، والإِنباء الأوّل بالآلام (9: 22= مت 16: 21- 23= مر 8: 31- 33)، والأقوال حول ما ينتظر التلاميذ (9: 23- 26= مت 16: 24 - 27= مر 8: 34- 38)، والقول حول المجيء القريب (لو 27:9= مت 28:16= مر 9: 1): " في الحاضرين هنا من لا يذوقون الموت حتى يشاهدوا ملكوت الله في مجد عظيم ".
يذكّرنا خبر التجليّ ببُعده النبويّ ببعض الصفحات العظيمة في الانجيل. فحضور إيليّا ضمّ إلى الخبر بعض أقوال إسكاتولوجيّة عن رجوع إيليّا. والعودة إلى المحن أقامت رباطًا مع أحداث النزاع والآلام. أمّا رؤية المجد فوجّهت أنظارنا إلى الظهورات الفصحية، إلى اختفاء يسوع الاحتفالي بالصعود، إلى انتظار مجيء الرب بالمجد. ففي قلب التقليد الإِزائيّ عينه يجعل خبرُ التجلُي صورةَ الرب تشعّ فتجمع فيها أهمّ مراحل تدخّله الخلاصي.
ولكن لكل إنجيليّ طريقته في التأمّل بحدث التجلّي. وأنوار تفسيرهم ستساعدنا على الولوج إلى فهم السر.

1- التجلّي حسب القدّيس متى.
سنحلّل نص متى مشدّدين على ما هو خاص به، تاركين جانبًا العناصر المشتركة، أي نواة الخبر الأولى التي سنجدها في إنجيل مرقس.

أوّلاً: بهاء ابن الإِِِِنسان.
يجعلنا متى نستشفّ تفسيرًا جليانيًّا واضحًا للتجلّي. فالله رأى أن يكشف في شخص ابنه سرَّه لتلاميذ اختارهم. لذلك فتح عيون هؤلاء الشهود ليروا بنعمة الوحي المجد الإِلهي المخفي في وضع بشريّ أخذه الابن على عاتقه، وليعرفوا فيه ابن الإِِِِنسان الذي أنبأ به دانيال من أجل نهاية الأزمنة.
ويبرز الطابع الجليانيّ في الفن الأدبيّ ومواضيع الخبر والرباط مع القول الإسكاتولوجيّ الذي يلعب دور المقدّمة المباشرة، ومع اعتراف بطرس الذي يتفرّد متى فيشدّد على طابع الوحي الإِلهي فيه. كان يسوع قد سأل تلاميذه عن رأي الناس فيه، ثم سألهم رأيهم الخاص. حينئذٍ هتف بطرس: "أنت المسيح ابن الله الحي " (مت 16:16). وأورد متى وحده جواب يسوع بما فيه من بركة ومواعيد: "طوبى لك يا سمعان بن يونا، لأنّ هذا الوحي جاءك، لا من اللحم والدم، بل من أبي الذي في السماوات " (مت 16: 17).
اهتمّ متى بالتشديد على الوحي الإِلهيّ المجانيّ وغير المنتظر الذي نجده في إعلان إيمان بطرس. وهذا الوحي سنجده من جديد خلال التجلّي الذي صار فيه يسوع منظورًا في بهائه. وبرز بطرس مرّة أخرى حين اقترح بأن ينصب ثلاث خيام. ما اكتشفه في قيصريّة بإلهام إلهيّ، ها هو يتأمّله في مجد المسيح المتجلّي بنعمة فريدة من الله.
يبدأ خبر التجلّي بقول إسكاتولوجيّ ينهي في الوقت عينه تعليم يسوع حول الشروط الضروريّة لاتباعه. فعبر المحن والصليب سيكافأون حتى في هذه الدنيا. وإنّ حدث التجلّي الذي شهده بطرس ويعقوب ويوحنا، يبدو وكأنّه أمر مسبق. قال مر 9: 1: "وقال لهم: الحق أقول لكم: في الحاضرين هنا من لا يذوقون الموت حتى يشاهدوا مجيء ملكوت الله في مجد عظيم ". أمّا متى فحوَّر النص بصورة مميّزة "الحق أقول لكم: في الحاضرين هنا من لا يذوقون الموت حتى يشاهدوا مجيء ابن الانسان في ملكوته " (مت 28:16).
إنّ نص متى يتوافق مع قول يسوع السابق الذي أشار إلى مجيء ابن الإِِِِنسان القريب في مجد أبيه مع ملائكته. ففي آ 27 و28 يستعمل متى صيغة الحاضر فيلغي ذكر المجيء النهائيّ لملكوت السماوات ليُحلّ محلَّه مجيء ابن الإِِِِنسان الداخل إلى ملكوته. هو منذ الآن سيد ملكوت الله. وهكذا يمتدّ مشهد المجيء ويتّخذ شكلاً دراماتيكيًّا. يبدو أنّ متى أراد أن يبيّن لبني عصره من المسيحيين المتهوّدين الذين دهشوا من تأخّر المجيء، أراد أن يبينّ لهم أنّ المجيء هو هنا، وحضور (باروسيا) الرب يتحقّق الآن. إنّ يسوع إبن الإِِِِنسان يسير مسيرته فينكشف مجده. الدينونة وملكوت الله يتحقّقان.
حين تحدّث متى عن التجلّي استعمل لفظة"هوراما" (رؤية) (مت9:17) التي نجدها في دانيال (8:7؛ 10: 1)، ووسّع خبره حسب الرسمة العاديّة وكليشاهات الأدب الجليانيّ. نحن أمام مشهد من "صوت وضوء". ينتج عن هذا أنّنا لن نبحث عن موضع محدّد للجبل العالي، جبل التجلّي: فالجبل هو الموضع الذي يجعلنا قريبين من الله (آ 1).
إذ أراد مرقس أن يصوّر تجلّي يسوع، اكتفى بالحديث عن بهاء ثيابه البيضاء "بحيث لا يقدر قصار على الأرض أن يبيّض مثلها". أمّا متى فكتب لنا: إنّ ثياب يسوع كانت أيضًا بيضاء كالنّور. وزاد: إنّ وجهه كان مشعًّا كالشمس (آ 2). هذا يقربنا من الأدب الجليانيّ (دا 10: 6) ولا يبعدنا عن صور قدّمها يسوع نفسه عن مجيء ابن الإِِِِنسان المجيد. اكتفى متى بأن يوضح مرقس في خط تسامي المسيح. فجاءت الرؤى اليوحناوية تؤكّد هذا الخط (رؤ 1: 12- 16).
وأعلنت الرؤى اليهوديّة أنّ وجوه الأبرار ستتحوّل إلى جمال مشعّ فتصبح ساطعة كالملائكة الذين يشبهونهم ويمتلئون مجدًا (رؤيا باروك 51: 3 - 10). هذا ما يقوله لنا متى في التفسير الإِسكاتولوجيّ لمثل الزؤان: "وأمّا الأبرار فيشرقون كالشمس في ملكوت أبيهم " (مت 43:13).
وظهور موسى وإيليّا يرتبط أيضًا بسيناريو المجيء والظهور الإلهي في آخر الأزمنة. فالرؤى اليهوديّة تتضمّن عددًا من التلميحات إلى ظهور أبطال قدماء حين يأتي المسيح: عزرا، باروك، إرميا وغيرهم. "ترون أخنوخ ونوحًا وسامًا وابراهيم واسحق ويعقوب يقفون عن يمين الفرح " (وصية بنيامين 10: 5- 6). وتُبرز رؤيا بطرس المسيح المتجلّي يحيط به لا موسى وإيليّا وحسب، بل كل أبرار العهد القديم. ولكن كان اهتمام خاص بالأشخاص الذين انتقلوا إلى الآخرة دون أن يموتوا، حسب الكتب المقدّسة، مثل اخنوخ وإيليّا. نحن نعرف أنّ إيليّا نُقل إلى السماء وأنبأ ملاخي بعودته كسابق للمسيح (ملا 23:3-24). هذا ما اعتقده الشعب في أيام يسوع. أمّا عن موسى، فالتقاليد غير واضحة. قال تث 34: 6: "لم يرَ أحد قبره ". سيتحدّث انتقال موسى عن وجوده السابق وعن دوره كمتشفّع. ثم إنّ رؤيا يوحنا (11: 1- 13) ترى في موسى وإيليّا الشاهدين والسابقين لمجيء ابن الإِِِِنسان.
وترافق الرؤية الجليانيّة عادة كلمة وحي: هو صوت يأتي من الغمام كما في المعموديّة عند متى الذي احتفظ بالعبارة: "به رضيت " (آ 5؛ رج 2 بط 1: 17). إنّ سبب الرضى الإِلهيّ الذي قد يرتبط بنص أش 42: 1 كبداية قول إلهي، نجده أيضًا في قرائن جليانيّة.
وتفرّد متى بملاحظة الخوف عند الرسل الذين وقعوا على وجوههم (آ 6- 7). نحن لسنا أمام لوم يُوجّه إلى بطرس ويعقوب ويوحنا. فالرعب المقدّس هو الموقف العادي في العالم الجليانيّ (دا 7:10-9). أنهضهم يسوع، وهذا فعل معروف، وفرض عليهم (بأسلوب مباشر عند متى) بأن يحتفظوا بسر هذه الرؤية التي نعموا بها.

ثانيًا: عظمة موسى الجديد.
يصوّر لنا إنجيل متى يسوع على أنّه موسى الجديد ومشترع العهد الجديد وإسرائيل الجديد. وينتظم تعليم يسوع في خمس خطب أخرى مثل أسفار الشريعة الخمسة. ثم إنّ يسوع يؤكّد بوضوح أنه جاء يتمّ الشريعة ويعلن الشريعة الجديدة حسب روح الله: "لا تظنّوا أنّي جئت لألغي الشريعة والأنبياء، ما جئت لألغى بل لأكمّل " (مت 17:5).
والتعارضات الاحتفاليّة في ف 5، تدلّ على إرادة يسوع هذه. وعلى هذا الضوء يُذكِّرنا جبلُ الخطبة الكبرى التي تدشّن رسالة يسوع (مت 5- 7، عظة الجبل) بسيناء حيث أعطى الله الشريعة لموسى. وتجارب يسوع في البريّة ارتبطت هي أيضًا بخروج إسرائيل، وهناك عرف موسى التجربة والمحنة حتى جبل نبو حيث مات تجاه الأرض المقدّسة.
إقتيد يسوع في بداية رسالته إلى جبل عالٍ جدًّا (مت 8:4). هناك رفض أن يسجد للشيطان ليحصل منه على قدرة لا يعطيها إلاّ الله. وتجاه هذا الإِكرام الأوّل لله، جاء الصوت السماويّ على جبل التجلّي العالي. أعلن أنّ هذا الرجل هو ابن الله فأكّد على التعليم الجديد والمصير الذي ينتظر عبد الله، وشدد على طريق المجد السماويّ عبر الذلّ والاحتقار. والسموّ على السماء والأرض الذي ناله يسوع من الآب سينقله إلى التلاميذ المجتمعين على جبل الصعود (مت 18:28- 20).
إقتدى متى ببولس في 2 كور3- 4 وبصاحب عب 3: 1- 6 فأراد أن يقنع قرّاءه أنّ شريعة يسوع المسيح تجاوزت شريعة موسى. وهكذا وجدت عدّةُ تفاصيل في التجلّي الفصحيّ. فالخيام تذكّرنا بالإِقامة في البريّة، والجبل بسيناء، والأيّام الستة بتلك التي تسبق التيوفانيا حين صعد موسى الجبل مع رفاق اختارهم فظللتهم غمامة مضيئة (فقط عند متى) وسمع صوت الله. ونزل موسى من الجبل بوجه مضيء لم يستطع بنو إسرائيل النظر إليه (خر 24؛ 34؛ 40).
أشار مرقس إلى حضور إيليّا وموسى بجانب يسوع (مر 9: 4)، أمّا متى فبينّ أنّ موسى هو الأوّل على مستوى التاريخ ومستوى التراتبيّة. ففي موسى وإيليّا جاءت الكتب كلّها تشهد ليسوع وتكرّمه، ومعه موسى. أمّا الصوت السماويّ فطلب من التلاميذ أن "يسمعوا" "للابن الحبيب " الذي تجلّى. هنا نعود إلى تث 18: 15 (رج أع22:3؛ 37:7؛ يو 1 :45؛ 6: 14؛ 7: 40) مع نبوءة قرأتها الكنيسة الأولى: "سيقيم لك الرب إلهك من وسطك وبين إخوتك نبيًّا مثلي فله تسمعون ".
هذا النبيّ الشبيه بموسى والأعظم من موسى هو يسوع. واختفاء موسى وإيليّا بعد الاعلانَ الإِلهيّ يدلّ على أنّ صور العهد القديم، بل أكرمها، قد زالت أمام حقيقة الإِبن. فيسوع يكفي وهو معلّم الناس ومشترع البشريّة النهائيّ. "فرفعوا عيونهم، فما رأوا إلاّ يسوع وحده " (آ 8). وسنجد في أيقونات التجلّي المسيحَ المجيد يبارك التلاميذ باليمنى ويمسك باليُسرى الإِنجيل الذي جاء يعلنه والذي بحسبه سيدين ابن الإِِِِنسان الأحياء والأموات.

ثالثًا: تكريم الرب.
حدّد متى موقع حدث التجلّي في إطار حياة يسوع العامة، ولكن بُعده الإِسكاتولوجيّ يكشف ولا شك آثار الإِيمان ولاهوته الفصحيّ. يستعمل كلمة "الرب " (كيريوس)، لا "رابي" كما فعل مرقس. هذا اللقب الذي تستعمله السبعينية لتنقل اسم "يهوه" العبريّ، قد أعطته الكنيسة الأولى للمسيح القائم من الموت، فدلّت على بنوّته الإِلهيّة وانتصاره على الموت (أع 34:2- 36). ونجد أثرًا آخر للإِيمان الفصحيّ في البرهان الكتابيّ الذي نجده في القول السماويّ والذي يشبه الكلام في معموديّة يسوع. نحن نرى في ابن الإِِِِنسان حسب دانيال وفي موسى الجديد ابن الله حسب الطريقة التي بها قرأت الكنيسة الأولى نبوءات عبد الله والمزمور الثاني. ولقد شدّد متى خلال إنجيله على نبوءة يسوع الإِلهيّة (مت 14: 33؛ 16: 16؛ 22: 2؛ 27: 40، 43). والأثر الثالث نجده حين اقترب يسوع من تلاميذه ليساعدهم على النهوض بعد أن سقطوا إلى الأرض. "دنا منهم " (آ 6-7؛ 28: 17- 18، ظهور يسوع القائم من الموت). ونجد هذا الفعل أيضًا في خبر السير على المياه (مت 22:14 ي). كل هذا يدلّ على قرب المسيح المنبعث من تلاميذه. إنّه حاضر بينهم رغم غيابه الظاهر في عالم القيامة. ونلاحظ أيضًا فعل "قام " للتحدّث عن قيامة يسوع (آ 9) وإنهاض التلاميذ الذين وقعوا على وجوههم. إنّ قوّة القيامة تعمل في حياة رسل المسيح وإيمانهم.
وهناك ملاحظات ترتبط بهذا البُعد الكنسيّ للتجلّي ولإِنجيل متى كلّه. فالتجلّي يجد مكانه وسط أحداث تسبق وتهيئ خطبة يسوع الكبرى الرابعة التي تسمى "الخطبة الكنسيّة" (مت 18). ومن جهة ثانية، إنّ الأمر للرسل بأن يسمعوا ليسوع، يُعدّ الطريق لأن يسمع الناسُ للرسل (مت 15:18 -17). والكلمة التي تفهمنا ف 17 في متى هي "الابن ": يسوع ابن الإِِِِنسان هو أيضًا ابن الله وذلك الذي جاء يمنح أخصاءه البنوة الإِلهيّة ويجعلهم أحرارًا (مت 26:17). واختيار الرسل الثلاثة المميّزين جزء لا يتجزّأ من تنشئة يحتفظ بها يسوع لعُمُد الكنيسة في المستقبل. يشير متى إلى أنّ يوحنا هو أخو يعقوب ويحافظ على كرامة الرسل، فلا يشدّد على عدم فهمهم للقيامة (آ 9) ورجوع إيليّا (آ 13)، ويبرّر رعبهم حين سمعوا الصوت السماويّ. حين عرض بطرس أن ينصب ثلاث خيام، وكان أسلوبه مفعمًا بالاحترام. وأخيرًا ألغى ما قاله مر 9: 6: "وكان لا يعرف ما يقول من شدّة الخوف الذي استولى عليه هو ورفاقه ".
ففي نظر متى الإِنجيليّ، يسوع المتجلّي الذي يرى فيه أيضًا الرب المنبعث وموسى الجديد وابن الإِِِِنسان المنتظر في المجيء، هو أيضًا مؤسس كنيسة هي مجموعة مؤمنين حمل إليهم التعليم والحياة قبل أن ينقلهم إلى ملكوته. وحين رسم متى وكنيسته التجلّي استعملا اللغة التي استعملها الرسل أمام أولى ظهورات القائم من الموت.

2- التجلّي حسب القدّيس مرقس.
سبق مرقس متى ولوقا، لهذا لا نستطيع أن نحلّل نصه على ضوء نموذج أو مرجع عرفناه. ولكن يمكن أن نستخلص تدريجيًّا الإِطار الأدبيّ واللاهوتي، وهذه هي الوسيلة الوحيدة لكي نقترب من التقليد السابق لمرقس، وبالتالي من الحدث الذي كان في أساس الخبر.

أوّلاً: مركز مضيء في الإِنجيل.
كيف يبدو تأليف مرقس؟ بعد مقدّمة نقرأ فيها كرازة يوحنا المعمدان وعماد يسوع، يبرز قسم أوّل يتألّف من أسفار في الجليل (1: 14- 23:7) وقسم ثانٍ من أسفار تتمّ خارج الجليل (24:7- 9: 5) ثم قسم ثالث مركزه أورشليم (ف 10- 15) وأخيرًا خاتمة فيها اكتشاف القبر الفارغ وخوف النسوة. فوق هذا التقسيم التاريخيّ حيث يبدو التاريخ رسمة مبسّطة، هناك تقسيم حسب المواضيع نجد فيه: سلسلة أولى من خمس مجادلات، في الجليل (2: 1- 6:3). سلسلتان من الأحداث تُروى بطريقة متوازية حول موضوع الخبز (6: 35- 8: 26). سلسلة ثانية من خمس مجادلات، في اليهوديّة (11: 27- 12: 37). أخيرًا فصل الآلام. كل هذا لا يقدّم لنا بناء تاريخيًّا ولا لاهوتيًّا، بل صورة مدهشة، وجه يسوع المسيح ابن الله.
ألّف متى ولوقا خبرًا. أمّا مرقس فقدّم رسمة كرازية بسيطة. لا نجد عنده خبر الطفولة (ولكن نتذكّر أنّ الكنيسة الأولى تجعل الشهادة الرسوليّة تبدأ مع عماد يوحنا: أع 1: 21-22). كما غابت ظهورات القائم من الموت، لأنّ إنجيل مرقس ينتهي في 8:16 بصورة مفاجئة كما بدأ: "فخرجت النسوة من القبر فارّات من شدّة الحيرة والفزع، ولم يقلن لأحد شيئًا لأنّهن كُنَّ خائفات".
وتساءل الشرّاح: هل كانت هناك خاتمة أوّلانيّة ثم غابت لسبب نجهله. فجاءت هذه الخاتمة التي نعرفها (16: 9- 20) تسد هذا الفراغ؟ وأعلن آخرون أنّ مرقس توقّف عند آ 8 وهو الذي قاسم الجيل المسيحيّ الأوّل أمل عودة المسيح القريبة: بما أنّ الجوهر هو عودة الربّ في المجد، فالقيامة التي تدشّن حقبة من المحن المسيحانيّة، محن الكنيسة ومحن المسيح، هي استباق لهذا المجيء. حينئذٍ ارتبط الرجاء بوعد يسوع (14: 28) الذي ذكر في 7:16: "بعد قيامتي أسبقكم إلى الجليل" . وحين ركّز لوقا إنجيله على أورشليم، كوّن مرقس إنجيله حسب مخطط جغرافيّ ولاهوتيّ جليليّ.
بعد أن أعلن الإِنجيل في الجليل، صعد يسوع إلى أورشليم من أجل آلامه كما يليق بأكبر الأنبياء. ثم ظهر من جديد في الجليل (جليل الأم ورمز العالم) حيث كان ظهوره الأوّل، في أزمنة النهاية التي دشنتها القيامة وفي زمن المجيء المجيد في نهاية الأزمنة. من هنا ظهورات المسيح في الجليل مثل تكثير الخبز والسير على المياه والتجلّي.
كما أنّ يسوع تقدّم التلاميذ في الماضي من الجليل إلى أورشليم (10: 32)، هكذا سبقهم الآن القائم من الموت من أورشليم إلى الجليل (14: 28؛ 16: 7). لقد كانت رسالة يسوع الجليليّة ابيفانيا خفيّة. ورسالة الجماعة المرقسية الحاليّة هي رسالة في وضح النهار، لأنّ السرَّ المسيحانيّ قد كُشف بالقيامة (9: 9). جعل مرقس الجليل في حاضر الكنيسة فأعطاه أساسًا يتوجّه إلى الأمام وإلى الوراء، وذلك حين نظم مداه بأبعاد ثلاثة.
أوّلاً: الوعد: "يسبقكم إلى الجليل ". هذا يعني في الوقت عينه حاضر الرسالة وماضي ظهورات القائم من الموت ومستقبل المجيء المنتظر. إنطلق الإِنجيليّ من وضع كنيسته الحالي (الرسالة لدى الوثنيّين) فأسّسها في حياة المسيح (الرسالة في الجليل والظهورات) وفتح لها مدى مطلقًا (المجيء).
حين بدا مرقس متحفّظًا بالنسبة إلى القيامة التي جعلها نسبيّة بانتظار المجيء، فهو قد دلّ على فن رفيع ولاهوت عميق. وهكذا يقيم خبر التجلّي في مسيرة كرازيّة توجّه الإِنجيل كلّه. لم يكن من الضروريّ حقا لخطبة مرقس الإنجيليّة أن تعطينا خبر القيامة، لأنّ التجلّي يشكّل له استباقًا، ولأنّ 9: 9 تربط بين الخبرين رباطًا واضحًا. فهناك في قلب الإِنجيل ديناميّة خاصّة وحركة فكر تجد ذروتها في الوحي على الجبل العالي ساعة التجلّي. وإنّ فضَّل مرقس أن يضع الثقل كلّه في قلب إنجيله، فهذا عائد إلى نيّته الأولى: أن يشدّد على المدلول الحالي لحياة يسوع ابن الله وموته وقيامته للجماعة الكنسية.

ثانيًا: ملكوت الله يأتي بقوّة.
إنّ إنجيل مرقس يجعلنا نستَشفّ بنية يلعب فيها التجلّي دورًا مركزيًّا. فنحن نستطيع أن نقتلع خبر التجلّي من مكانه دون أن تتأثّر البنية. فإن ربطنا قول يسوع حول قرب المجيء (9: 1) بالجدال حول عودة إيليّا كالسابق (9: 11 - 13) لن يكون انقطاع في الفكر ولا في الشكل الأدبيّ.
فيسوع، بعد أن تحدّث عن متطلّبات قاسية فرضها على تلاميذه لكي يتبعونه، زاد: "الحق أقول لكم: في الحاضرين هنا من لا يذوقون الموت حتى يشاهدوا ملكوت الله يأتي بقوّة (بمجد عظيم) " (9: 1). إنّ مجيء ملكوت الله هو موضوع الانجيل. "وبعد إعتقال يوحنّا، جاء يسوع إلى الجليل يُعلن بشارة ملكوت الله ويقول: تمّ الزمان واقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالبشارة" (14:1- 15). أمّا قوّة الله فستظهر في وضح النهار ساعة المجيء. هذا ما يؤكّده يسوع مرارًا في جدال حول القيامة والزواج (12: 18- 27) وفي خطبته الاسكاتولوجية (13: 24- 27) وخلال الدعوى المقامة عليه: "وسأله رئيس الكهنة ثانيًا: هل أنت المسيح ابن المبارك؟ أجابه يسوع: أنا هو. وسترون إبن الانسان جالسًا عن يمين القدرة وآتيًا مع سحاب السماء" (14: 61- 62).
وإذا وضعنا جانبًا حدث التجليّ، نرى الجدال التالي يعالج عودة إيليا: "ثم سألوه: لماذا يقول معلّمو الشريعة: يجب أن يجيء إيليا أوّلاً؟ فأجابهم: نعم، يجيء إيليا أوّلاً ويُصلح كل شيء. فكيف يقول الكتاب ان ابن الانسان سيتألّم كثيرًا وينبذه الناس؟ لكني أقول لكم: إيليا جاء وفعلوا به على هواهم، كما جاء عنه في الكتب " (9: 11-13).
ان التماثل الدقيق بين المعمدان ويسوع بالنسبة إلى إيليا وانبياء إسرائيل القديم هو موضوع يشدّد عليه مرقس هنا وفي 14:6- 16 و27:8- 29. وكان لهذا الجدال قبل كل شيء بُعدٌ اسكاتولوجي، بعد أن أعلن ملاخي عودة إيليا كالسابق للمسيح (ملا 23:3- 24). لقد أقرّ يسوع بهذه الوظيفة وهذه القوة ليوحنّا المعمدان كما يقول مرقس (2:1- 8) ولوقا (7:1). وبمختصر الكلام، إن الجدال حول مجيء إيليا المماثل لمجيء المعمدان يرتبط بكلمة يسوع حول مجيء الملكوت.
يمكن أن يكون خبر التجلّي قد أُقحم هنا بسبب لاهوت مرقس والبنية التي حاول أن يعطيها لانجيله، وكتعليق يفسّر تأخر مجيء يسوع الثاني. لقد حقّق مرقس في هذه الفرضية تناسقًا عجيبًا لأن قول يسوع الاسكاتولوجي قد وجد له صورة مسبّقة في حدث التجلّي. وظهور إيليا المذكور أولاً يدفع الرسل الى طرح السؤال عن دور إيليا.

ثالثًا: سر التجلّي
إكتشف بعض الشرّاح تضمينًا أدبيًّا في آ 2، 8 من المقطوعة التي ندرس. من جهة، كتب مرقس أن "يسوع أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحّنا وأخذهم إلى جبل مرتفع وحدهم على إنفراد" (إنفرد). ومن جهة ثانية يقول: "وتلفّتوا فجأة حولهم، فما رأوا معهم إلاّ يسوع وحده ". هذا التضمين يجعل آ 9- 10 خارج الاطار، لانهما تحويان موضوعين خاصين بإنجيل مرقس: السرّ المسيحاني الذي فرضه يسوع، وعدم فهم التلاميذ.
لقد فرض يسوع السرّ على التلاميذ بعد التجلّي كما في أماكن عدّة من إنجيل مرقس: "وبينما هم نازلون من الجبل، أوصاهم يسوع أن لا يخبروا أحدًا بما رأوا، إلاّ متى قام ابن الإِِِِنسان من الأموات. فحفظوا وصيّته... " (9: 9- 10). نجد هذا "السرّ " في أخبار المعجزات، في طرد الشياطين، في الجدالات والأمثال. فالآيات التدوينيّة وترتيب المقطوعات تشهد على أن السرّ هو حاضر بصورة واعية طوال الانجيل. فكيف نفسّر موقف يسوع هذا او طريقة مرقس في عرض رسالة يسوع؟
"السرّ" هو موضوع عقائدي في الجماعة الأولى، أتاح لمرقس أن يخفي المسافة بين يسوع التاريخ ومسيح الإِيمان الجديد. إهتمّ يسوع باتباع طريق التواضع، طريق انبياء إسرائيل وعبد الله الذي أخذ على عاتقه مصير إسرائيل، ليتجنّب كل تجربة مسيحانية سياسية وكل إكراه في الإِيمان، فأخفض كرامته المسيحانية والالهية حتّى ساعة الفصح. ولكن غداة الفصح، قرأت الكنيسة الفتية حياته على ضوء وضعه كالسيد والربّ. لام اليهود يسوع لأنّه لم يحقّق مواعيد مسيح مجيد، فأجاب المسيحيّون: إنّ رسالته كانت مجيدة، ولكنّ يسوع عارض شهرة متنامية ولكن قد تكون ملتبسة. وهكذا" يقابل السرّ المسيحاني إنشدادًا أراده مرقس بين ظهور الملكوت ظهورًا لا يُقاوَم وبين إرادة يسوع بأن يخفي هذا الاجتياح الاسكاتولوجي حتّى الساعة المسيحانية. ولكن النيّة اللاهوتية والدفاعية ترافقها نية تعليمية ورعاوية. حين ميَّز مرقس إعلان إنجيل يسوع وتعليمه، وحين شدّد على مختلف درجات هذا التعليم الموجّه إلى الجمع أو التلاميذ أو الرسل الثلاثة المميّزين، وحين أبرز ما رفض يسوع أن ينقله الى الآخرين، حين فعل مرقس هذا دعا قرّاءه وسامعيه إلى فهم متدرِّج لمجيء المخلّص وإنجيله.
إن ظهور (ابيفيانيا) المسيح السريّ يتطلب تنشئة بطيئة، ونحن نجد رمزه في سر التجلّي: رؤية محفوظة لبعض الرسل اختارهم وانفرد بهم على الجبل. نداء سماوي بأن لا يستمعوا إلاّ للابن. وأخيرًا أمر بأن يحفظوا السرّ (مر1 :25، 34، 44؛ 3: 12؛ 43:5؛ 7: 36؛ 8: 26- 30).
يسوع هو في نظر متّى الربّ الذي نعبد. وفي نظر مرقس هو المسيح الذي لم يفهمه الناس. ويشير الانجيل الثاني إلى المسافة التي تفصل الانسان عن سرّ يسوع. تفرّد مرقس فزاد هذا الاعتبار عن "السر" الذي فرضه يسوع: "فحفظوا وصيته، ولكنّهم أخذوا يتساءلون: ما معنى: قام من بين الأموات " (9: 10).
نلاحظ أن مرقس لم يورد موضوع حوار يسوع مع إيليا وموسى. فالرسل الثلاثة، وهم من عالم الأرض، ظلّوا بعيدين. لذلك حين وجّه بطرس كلامه الى يسوع سماه فقط "رابي" (يا معلّم)، وعرض عليه أن ينصب ثلاث خيام، فدلّ على حيرته. وشدّد مرقس على هذه الحيرة فقال: "وكان لا يعرف ما يقول من شدّة الخوف " (6:9؛ رج 14: 40: وحاروا بماذا يجيبونه في جتسيماني). وهذا الخوف الذي يشبه خوف النسوة حين ظهر عليهن ملاك القيامة (16: 5- 8)، يدلّ على استصعاب التلاميذ بل عجزهم عن فهم البعد المسيحاني لأقوال يسوع وأعماله. لقد فسَّر بطرس تفسيرًا خاطئًا الظهور المسيحاني على الجبل. كل ما يستطيع أن يقوله ليس في محلّه بسبب الخوف أمام إجتياح عالم الله لحياته. وحين يلاحظ مرقس في آ 8 ان التلاميذ تلفّتوا فجأة حولهم فما رأوا معهم إلاّ يسوع وحده "، فهو يرى لومًا موجَّهًا إلى الرسل لأنهم لم يستمرّوا في النظر إلى يسوع في الإِيمان برفقة قديسي العهد القديم وفي حياة حميمة مع الآب. وحين تساءل هؤلاء الرسل أنفسهم حول قيامة الموتى، لم يكونوا أمام مسألة عامة، لأن القيامة هي عقيدة يقول بها الجميع ما عدا الصادوقيّون. إن التلاميذ يعثرون بالموت الذي سيمرُّ فيه يسوع. هل سيُخطف المسيح إلى السماء على مثال إيليا موسى؟ هل سينحدر في الموت قبل أن يقوم؟ لقد أبرز مرقس عدم فهم الرسل لهذا الأمر في كتابه (13:4، 40- 41؛ 6: 50- 52؛ 17:8- 21؛ 32:9؛ 10: 24، 26، 32، 38). وسيلاحظ يوحنّا من جهّته أن التلاميذ لم يدركوا البعد الكتابي والمسيحاني لفعلات يسوع إلاّ بعد القيامة التي ستدخلهم في سر إبن الله (يو 22:2؛ 12: 16؛ 7:13؛ 26:14؛ 20: 9).

رابعًا: آثار العيد.
ها قد وصلنا إلى ما سمي "النواة السابقة لمرقس"، إلى تقليد لا نجد فيه إعتبارات مرقس وطريقة أخباره. نتوقّف عند المحيط الحياتي وعند تاريخيّة الحدث مع العلم أنّنا في جوار قيصرية فيلبّس، وأننا في منعطف من حياة يسوع العامة.
يلفت نظرنا ثلاثة تفاصيل: عرضُ بطرس بأن ينصب ثلاث خيام (آ 5)، إشارةٌ زمنية إلى ستة أيام، الجبل العالي (آ 2).
لن نفهم عرض بطرس إن لم نجعله في الاطار التاريخي لعيد المظال الذي يذكر بني إسرائيل بإقامتهم تحت الخيام أربعين سنة في البرية في خدمة الربّ وفي ظل حضوره (الغمام المضيء). قد يكون هذا العيد تيوفانيا سيناء. وقد يكون إمتدّ حتى دخول أرض الميعاد. لقد ظلّ اليهود يحنّون إلى هذه الحياة البدويّة، وقد جسَّدوها في عيد المظال الذي يمتد اسبوعًا كاملاً فينهي دورة الفصح والعنصرة، والذي به إرتبط إنتظار مجيء المسيح. ويشهد العهد الجديد في موضع آخر عن تجمّع خيام الابرار قرب الخيمة السرية، قرب مسكن الله (لو16: 9؛ عب 8: 2-5؛ رؤ 7: 15؛ 21: 3).
أعلن رايزنفلد أن عيد المظال صار تنصيب الله ملكًا. وهكذا يكون هذا العيد الإِطار الملموس للتجلّي، حيث يبدو يسوع ملكًا في مناخ عبادي.
وأعطى بلتنسوايلر قيمة سِيَرويّة لخبر التجلّي. فاليوم السابع من عيد المظال، يوم الهوشعنا العظيم، يشكّل قمّة العيد. كانوا يقيمون في الخيام ويرتدون الثياب البيضاء ويجعلون الهيكل يفيض نورًا وفرحًا. والإشارة الكرونولوجيّة (ستة أيام) في مرقس تجد معناها لانها لا ترد إلاّ هنا وفي خبر الآلام. هي ترتبط بالخيام فتعطينا مفتاح اللّغز. ففي اليوم السابع، صعد يسوع الى الجبل في جوّ وطني ومسيحاني. والمكان يوافق المكان الذي إعتزل فيه يسوع بعد معمودية يوحنا وخلال أولى تجارب حياته، كما يوافق جتسيماني حيث إختار أن يختلي قبل توقيفه مع ثلاثة من تلاميذه. إن سحر مسيحانيّة سياسية يُفهم في إطار عيد المظال. ولكنّ يسوع وقف جانبًا. لم يكن أحد ينتظر التجلّي الذي هو علامة معطاة ليسوع نفسه. إذ هو يتأمّل في معنى رسالته، جاء النور والعزاء من السماء. فرح بطرس حين رأى السماء تنفتح وظنّ أن العيد وصل الى نهايته فأعلن السعادة المسيحانيّة: "حسن لنا أن نكون هنا. فلننصب ثلاث خيام " (آ 5). أراد أن يحدّد موقع السر، أن يجعل الساعة المباركة تمتد طويلاً، أراد أن يثبت التاريخ في مكانه. ولكنّ يسوع أبعده عن هذه الأفكار. أنزله إلى السهل وجعله يتوجّه نحو أورشليم والفصح الذي يدشّن المرحلة الأخيرة من التدخل المسيحاني.
ويرى ترال في هذا الحدث نمطية عيد المظال كما طُبِّقت على يسوع (وهذا ما نقوله عن دخول يسوع المسيحاني إلى أورشليم) بفم مؤمنين وجّهوا أنظارهم إلى المجيء ثمّ إنّ عيد المظال يساعدنا على الإِِحاطة بحدث التجلّي في حياة يسوع كما على مستوى التفكير المسيحي.
وتوقَّف بعض الشرّاح أمام عيد ظهور المسيح المتجلّي في قمة عيد المظال، فميّزوا عنصرين من عناصر الوحي: تجلّي يسوع وظهور شاهدين في السماء، الاعلان الالهي. قال بلتنسوايلر: إنتهت الرؤية السماوية مع إختفاء إيليا وموسى في الغمام كما في وقت إختطاف إيليا (2 مل 2) أو صعود يسوع (أع 1). وجاء القول السماوي فطبّق على الحدث لاهوت الجماعة الأولى حول القيامة وبنوّة يسوع الالهيّة. ورأى ليون دوفور اليسوعي أن ذروة الخبر هنا كما في عماد يسوع تكمن في الاعلان السماوي. أمّا الرؤية السابقة فهي إطار تُعلن فيه بإحتفال كلمة الله. لن نميّز بين الرؤية والسماع لأنهما يتكملان ولا ينفصلان في ظهور العماد كلما في سائر الرؤى. ولكنّنا سنميِّز عناصر الرؤى من عناصر السماع من أجل الوضوح.

خامسًا: السماء مفتوحة
لا يخبرنا مر 4:9 كيف ظهر موسى وإيليا بجانب يسوع المتجلّي ليتحاورا معه. بل هو يلاحظ في آ 7 أن "الغمام غطَّاهم بظله"، وأنّ يسوع كان وحده معهم (آ 8). ذُكرت الغمامة في قلب الرؤية، فكانت خلفية بدا يسوع متجلّيًا عليها، ومنها ظهر إيليا وموسى ليُحدِّثا يسوع، ومنها سُمع صوت الآب. إختفى إيليا وموسى، ومع الغمام إمّحى مجد يسوع. فالسحابة (في الخروج وعند الأنبياء) ترمز إلى حضور الله، وقرب العالم السماوي من عالم البشر. هي غطاء يفصل واقع الأرض عن واقع السماء. نرى غمام السماء يتمزّق حين جاء يسوع الى هذا العالم وفي العماد، وعلى هذا الغمام سيظهر من جديد، كما يقول دانيال، في نهاية الأزمنة يحيط به البلاط السماوي ليجمع مختاريه من أقطار الكون الأربعة.
على هذا الغمام ظهر غير المدرك في يسوع إبن الانسان المتجلّي. ويكتفي مرقس بأن يصوّره حسب شكل ثيابه "التي صارت تلمع كالثلج ببياض ناصع لا يقدر على مثله أي قصّار في الأرض " (آ 3). إذن، هذا البياض ليس أبيض بالمعنى العادي للكلمة. إنّه لمعان. هو لون الواقع السماوي والاسكاتولوجي: ويعجز اللسان البشري أن يصوّره، وهذا ما يشدّد عليه مرقس. ليس التجلّي نتيجة مجهود الإِِِِنسان، بل حدث يصوَّر في صيغة المجهول (آ 2) فيدلّ على أن الله هو الفاعل الوحيد. فهو الذي يتم آمال العالم اليهودي التي ذكَّرنا بها يسوع.
ظهر إيليا وموسى قرب يسوع فإحتلاَّ مكانًا هامًّا في خبر الرؤية القصيرة. كيف عرفاهم، وبمَ تكلّما مع يسوع؟ هذا ما لا يحدّده مرقس. ذكر إيليا ثم موسى (سيذكر موسى قبل إيليا في 9: 5) متتبعًا التقليد، وإيليا يحتل مكانًا أهم في الإِنجيل الثاني. ثمّ إن إيليا صورة جليانية ومسيحانية تتفوق على صورة موسى: فالتقليد اليهودي يعتبره السابق للمسيح في ملكوته. وجعل موسى مع إيليا مع أن إنتظار عودته لم يكن واضحًا كل الوضوح. غير أن نص الربانيين يورد الحدث التالي: "قال يوحنّا بن زكاي: قال الله لموسى: حين أرسل إيليا النبي، ستأتيان معًا". إن ظهور الشخصين معًا يشهد على أن ملكوت الله صار على الأبواب، صار قريبًا.
وقال بعض الشرّاح: يمثل إيليا كل الانبياء وموسى الشريعة. ولكن موسى هو أكثر من مشترع: إنّه النبي وصورة ذلك الذي يستمع إليه الشعب. لقد كلّم الله فمًا إلى فم، ورآه وجهًا إلى وجه. وإيليا هو أكثر من نبي: إنّه السابق الأخير للمسيح وذلك الذي رسالته وحيدة في إعادة بناء الشعب ("يصالح الآباء مع الأبناء"، لو 1 :17). لقد حيّى ملاخي في إيليا مجدِّد عهد سيناء (ملا 22:3- 24): لهذا فهو يرافق موسى ليحيي في يسوع مجدَّد العهد في السلام.
وقد نفسِّر أولوية إيليا بسبب الآلام والمحن التي إحتملها فصوَّر مسبقًا يوحنا المعمدان الذي قُطع رأسه كما صوَّر المسيح المتألّم (مر 9: 11-13).
عاش إيليا وموسى لله وتحدّثا معه على الجبل. خدماه وتأّلما من أجله في التاريخ وظلاَّ على الدوام خادمَين له. والآن فهما يجيئان لا كشخصين عابرين على المسرح، بل يرتبطان برباط حيّ مع المسيح ويقولان له إنّ حضورهما يدلّ على علاقته بالعالم السماوي.

سادسًا: كلمة نور.
تقوم ذروة نص التجلّي في الكلمة السماوية التي تدلّ على هدف الكاتب الأخير وبالتالي على هدف الروح القدس. إذا كنّا لا نفصل الرؤية عن السماع، إلاَّ أنّنا نقرّ بأهميّة الاعلان السماوي في قمة الوحي. فالكلمة التي هي وسيلة وحي أسمى من الرؤية، تشكّل نواة الرؤية الأساسية، ولهذا إهتمّ بها أيضًا يو 12: 28 و 2 بط 1: 17- 18.
إن يسوع رأى بعد العماد السماء تتمزّق وسمع صوتًا يقول: "أنت إبني الحبيب عنك رضيت " (مر 1: 11). وحين طُلب من بطرس أن يقول رأيه في دور يسوع هتف: "أنت المسيح " (مر 19:8). وأعلن الصوت السماوي للرسل الذين اختيروا ليشهدوا المتجلي: "هذا هو ابني الحبيب، فله اسمعوا" (مر 7:9). فبالنسبة إلى صوت المعمودية، لا يزيد هذا الاعلان شيئًا جديدًا ليسوع الذي ثبَّت في كرامته البنوية والمسيحانية. ولكن حدث التجلّي يقدم إيضاحًا مهمُّا لفعل إيمان بطرس. إكتفى الرسول بأن يعترف بأن يسوع هو المسيح. وشهدت السماء أنّه ابن الله الحبيب، وشدّد مرقس على هذا التعارض أكثر مما فعل متّى. فإذا كانت رؤية المسيح المتجلي تستبق مجد المجيء، فالصوت يشهد لحياة يسوع البنوية والحميمة مع الآب ويشير إلى وجوده الالهي الازلي. والوصية الأخيرة تنقل إلى المستوى الثاني حوار إيليا وموسى مع يسوع: منذ الآن لن يستمع المؤمنون إلاَّ إلى يسوع وحده. إنّه الوسيط الوحيد لعهد جديد أُدخل فيه إيليا وموسى وكل الأنبياء. فيه يسمع التلاميذ لابن الله، ويحفظون كلماته عن آلام تقود إلى المجد (مر8: 31- 9)، ويتأملون في مراحل الخلاص السريّة التي يكشفها لهم يسوع (مر 9:9-13).
في مر 8: 11- 12 نسمع الفريسيين يطبلون من يسوع آية من السماء. تأوّه يسوع من مكرهم فأجاب: "ما لهذا الجيل يطلب آية؟ الحق اقول لكم: لن يعطى هذا الجيل آية". فعلامة السماء المحفوظة للتلاميذ هي كلمة النور هذه (في يسوع المتجلّي) التي إنتظرها الشعب اليهودي والبشرية كلّها.

3- التجلّي بحسب القدّيس لوقا.
يختلف خبر لوقا عن خبر مرقس إختلافًا كبيرًا، وهذه لم تكن حال متّى الذي إكتفى ببعض التوضيحات اللاهوتيّة يزيدها على نص مرقس. ومن الصعب أن نعرف هل عادت اختلافات لوقا إلى مراجعه أم إلى حريّته في التدوين. لقد أدخل لوقا في خبر التجلّي عنصرين أثَّرا على تفسير الحدث تأثيرًا هامًّا: من جهة، ثمَّ التبدّل في يسوع حين كان يصلّي. من جهة ثانية يقرِّب الحوار مع موسى وإيليا بوضوح التجلي من الآلام. لا يهتم لوقا بالخوف الذي يذكرنا بسيناء، بل بهدوء ابن الانسان الملتحف بحضور الآب.
خبر لوقا تأمل على المستوى الروحي، وهذا ما نلاحظه في القول الاسكاتولوجي الذي يسبق التجلّي والذي فيه يلغي فعل "جاء" فيقوي بُعد فعل "رأى": "الحق أقول لكم: في الحاضرين هنا من لا يذوقون الموت حتى يشاهدوا (يروا) ملكوت الله " (27:9). إن فعل "شاهد" هو صدى لما في آ 32 و36 الخاص بلوقا: "شاهدوا مجده والرجلين الواقفين معه "؛ "ما أخبروا أحدًا في تلك الأيام بشيء مما شاهدوه".
ونزيد أيضًا: إهتمّ لوقا بأن يروي ويشرح. وإهتمَّ بأن يقدّم كتابة أنيقة. وإليك بعض سمات كتابته:
- الاشارة الكرونولوجيّة. قال مرقس بصورة مفاجئة: "وبعد ستة أيّام ". أمّا لوقا فكتب: "وبعد هذا الكلام بنحو ثمانية أيّام " (آ 28).
- لا يصعد يسوع "جبلاً عاليًا وغير محدد"، بل "صعد إلى الجبل ليصلي" (آ 28). لا يهتم لوقا كثيرًا بالطوبوغرافيا وأسماء الأمكنة، فلم يحدّد موقع إعتراف بطرس في قيصرية فيلبس. وهو ينقلنا هنا إلى تلّة من تلال الجليل حيث إعتاد يسوع أن يختلي للصلاة.
- يتحدّث لوقا عن ثوب يسوع في صيغة المفرد (آ 29) وهذا أقرب إلى الواقع. أمّا متّى ومرقس فاستعملا الجمع في هدف أدبي ولاهوتي.
- عرض بطرس أن ينصب ثلاث خيام لأن التجلّي حدث في الليل (آ 32، النعاس؛ آ 37، في الغد) ولأن الرسل أرادوا الاهتمام بضيوف السماء: طال حديث يسوع مع موسى وإيليا وقد يتغلّب عليهم التعب.
- وأخيرًا، أوصى يسوع تلاميذه بأن يحفظوا السرّ المسيحاني. أمّا لوقا فاعتبر هذا الحفظ أمرًا واقعًا: "سكت التلاميذ وما أخبروا أحدًا في تلك الأيام بشيء ممّا شاهدوه" (آ 36). تحيّر التلاميذ جدًّا وصُعقوا من الوحي فلم يتكلّموا. وهكذا صارت وصية يسوع زائدة، أو هي حُفظت حفظًا تامًّا.
خبر سيروي دقيق دوَّنه لوقا إنطلاقًا من مراجعه. هذا ما إنتظره منه قرّاؤه، وهذا ما أراد أن يقدّم لهم.

اولاً: ظهور في وقت الصلاة
حين قال لوقا إن يسوع صعد إلى الجبل "ليصلّي " وإن هيئة وجهه تحوّلت خلال تلك الصلاة (آ 28- 29)، فهو يحدّد موقع التجلّي بالنسبة الى حياة يسوع الباطنية. لقد تتبّع لوقا سيرة يسوع فلحقه وهو يعلن إنجيل الله، وبحث عن بشريّته وعن الصراع الحميم الذي اجتازه ليدرك في الموت والقيامة ملء مصيره. فمسيرة حياته الخارجية تُخفي محنًا روحيّة شارِك فيها يسوع تلاميذه.
وسيشدّد لوقا طوال إنجيله على صلاةَ يسوع التأملية، على طلبه للعزلة والحياة الحميمة مع الآب. ففي عمر 12 سنة لبث يسوع في الهيكل (2: 41- 50). وتيوفانيا المعمودية حدثت "بينما هو يصلّي" (3: 21). وكانت الجموع الكثيرة تتراكض لتسمع يسوع وتشفى من أمراضها، أمّا هو "فكان يعتزل في البراري ليصلي " (5: 15- 16). وقبل أن يختار يسوع الاثني عشر ذهب إلى الجبل "وقضى ليله في الصلاة لله " (12:6). وكان يصلّي مرّة على إنفراد والتلاميذ معه، فطرح عليهم السؤال الذي سيطلق إعتراف إيمان بطرس (9: 18 -21). هنا تقع ليلة الصلاة على الجبل حيث تبدّلت هيئة يسوع. وارسال السبعين ترافقه توصية بالصلاة، وعودتهم حرّكت في قلب يسوع نشيدًا من التهليل عجيبًا (2:10، 21- 22). وُينَشِّئ يسوع تلاميذه على الصلاة (11: 1- 13) ويوصيهم بها بالنظر إلى المحنة الكبرى (36:21؛ 22: 31- 32) ويرفق القول بالمثل (22: 39- 46).
وعلى الصليب صلّى يسوع إلى أبيه طالبًا المغفرة للذين صلبوه ومسلّمًا إليه حياته (43:23- 44). وفي الفصح، حين ترك القائم من الموت اخصّاءه رفع يديه وتلفّظ بصلاة المباركة، وحدث ذلك خلال الليل على طريق بيت عنيا في جبل الزيتون (24: 50- 51).
إن التجلّي، شأنه شأن الظهور العمادي، يرتبط بحياة يسوع الروحية. جعلت النعمة هالة على حياة الصلاة لديه فدلّت على عمق إتّحاده بالله. هي نعمة الشفافية التي سنجدها مثلاً في فرنسيس الاسيزي.
ونلاحظ أيضًا الموازاة مع النزاع في بستان الزيتون. ففي مجد التجلّي تحدّث موسى وإيليا مع يسوع عن الخروج (أو العبور، اكسودوس) الذي سيتمّه في أورشليم: وفي صراع يسوع في جتسيماني نراه كأنّه متروك: هل يقبل كأس الآلام التي صب فيها نزاع الحب؟ في التجلّي وفي النزاع يصلّي يسوع خلال الليل يحيط به تلاميذ سيغلب عليهم النعاس. تحدّث خبر التجلي عن التعب، وخبر النزاع عن الحزن. وفي الحالتين تشع نعمة الوحي: مجد المتجلّي والرؤية والصوت السماوي من جهة، ورؤية الملاك والعرق والدم في ظلمة جتسيماني من جهة ثانية. يُعلن يسوع ابن الله بالصوت السماويّ في التجلّي، وفي صلاته في جتسيماني يسلِّم ذاته بروح بنويّة إلى إرادة أبيه.
وأخيرًا يقيم لوقا توازيًا بين التجلّي والصعود: مشهدان في الليل مع خلفية سماوية واحدة وغمام واحد. رجلان يظهران في المجد. عودة الى القيامة والمجيء وفي الحالتين يشير لوقا الى حيرة الرسل.
التجلّي والنزاع والصعود: ليال مرَّ عبرها النور، ليال عجيبة مع الضياء الالهي بظلمته حيث بدا مجدُ يسوع السماوي في بشريّته، في شعاع تجلّيه، في جو نزاعه وفي غياب صعوده. فإذا كان لوقا وضع نزاع يسوع المؤثر في الوسط، فقد اهتمّ أن يحيط بسر الآلام درفتان مضيئتان تحيطان به وتصوّر "أمجاد المسيح " (1 بط 1: 11).
إذا كان لوقا قد لمّح مرارًا الى صلاة يسوع فقد أخذ هذه التلميحات من التقليد، والصورة التي أعطانا إياها مرقس عن يسوع الذي يصلّي قبل طلوع الفجر في مكان مقفر (مر 1 :35)، هي مثال ونموذج. فمن المعقول أن يكون لوقا أعطانا خبرًا حقيقيًا حين فسَّر لنا حدث التجلّي تفسيرًا لاهوتيًا. أجل، كان يسوع وحده مع تلاميذه بعد الإِنباء الاول بالآلام، كان منقسمًا بين الآلام والخضوع. وحين مال بإرادته الى الطاعة ظهر له المجد السماوي.

ثانيًا: الآلام
لا يهتم لوقا مثل متّى ومرقس بظاهرة التجلي: إنّه يربط هذه الانارة بصلاة يسوع. ويتجنّب كلمة "تحول" لئلا يخلط قراؤه بين تجلّي يسوع والتحولات الملتبسة والسحرية التي عرفتها الميتولوجيا القديمة. ويكتفي بأن يكتب أن هيئة وجهه تغيّرت (آ 29). ويجعل الحدث نسبيًا حين يضم موسى وإيليا اولاً ثم الرسل أنفسهم إلى المجد الذي نعم به يسوع (آ 31-32). غير أن لوقا يهتم أكثر من الانجيليين الآخرين بحضور موسى وإيليا: يتكلّم وحده عن موضوع حوارهما مع يسوع.
ويحاول لوقا هنا أيضًا أن يجعل الخبر معقولاً: يشير أولاً إلى ظهور رجلين (آ 30، 32) سيعرفهما فيما بعد. ظهرا في المجد مثل ملاكي الفصح (4:24؛ أع 1: 10) وشاركا في مجد يسوع (آ 32). إن لاهوت المجد هذا الذي تتوسّع فيه التوراة من سفر الخروج إلى سفر دانيال هو موضوع يوحناوي. فلوقا قريب هنا من يوحنا. فعلى طريق عماوس سيفسر القائم من الموت للتلميذين الحزينين أن على المسيح ان يحتمل الآلام ليدخل في مجده، حسب موسى وكل الأنبياء (24: 25- 27).
لا يكشف مرقس ومتّى شيئًا عن الحوار، وفن الخبر فن جلياني: جاء إيليا وموسى ليشهدا لمسيحانية يسوع، ولهذا شدّد الانجيليان على تمجيد المسيح. أمّا عند لوقا فموسى وإيليا هما شاهدان للآلام، شاهدان متجليان جاءا يثبتان يسوع في المحنة التي سيتحمّلها في أورشليم: "كانا يتكلّمان عن خروجه " (آ 31). تتوضّح المقابلة بين موسى ويسوع بصورة خاصة عند متىّ، ولكن التعبير عن موت يسوع وقيامته بلفظة "خروج " هو أمر فريد في كل العهد الجديد. وهذا ما يقابل "ايسودوس " (دخول) في أع 13: 24 التي تدل على تجسّد المسيح كما تدلّ على دخوله في المجد السماوي (24: 26). دخول إلى هذا العالم، خروج من هذا العالم ودخول في المجد: نحن هنا أمام نمطية فصحية. إن لوقا يفترض بوضوح أن يسوع هو موسى الجديد المستعد لان يعبر بحر الموت ليخلص شعبه ويعود بإسرائيل الجديد إلى ملكوت أبيه. في 12: 50 يتكلّم يسوع عن موته بلفظتي المعمودية أو الغطس. ويضم إلى هاتين الصورتين صورة الكأس التي نجدها في النزاع. فالمجد والغمام والصوت السماوي، كل هذا يعيدنا إلى وحي سيناء. وحين يطلب الصوت من التلاميذ أن يسمعوا ليسوع لا ننس التلميح إلى تث 15:18. إذن يسوع هو موسى الجديد، لا لأنه مشترع فحسب (كما في متّى) بل لأنّه يقطع العهد الجديد في نهاية خروج جديد: بعبوره من هذا العالم إلى الآب دشَّن الفصح الجديد. هذا ما يقوله أيضًا القديس بولس (1 كور 7:5- 8) والقديس يوحنا (يو 13: 1؛ 16: 28).
وفي الوقت عينه يقدّم لوقا يسوع على أنّه إيليا الجديد، وبتجنب في الوقت عينه كل تماثل بين يوحنّا المعمدان وإيليا. لهذا، ترك جانبًا الجدال حول دور إيليا (مر 9: 11- 13) الذي لا يفهمه قرّاؤه اليونانيون، وألغى في الوقت عينه الطابع الاسكاتولوجي للتجلّي. وهناك عدّة سمات من حياة يسوع توافق حياة إيليا. مثلاً، الكلمة "جئت لالقي نارًا على الأرض " (49:12) تجعل يسوع شبيهًا بإيليا. وهذا ما جعل الناس يقولون عن يسوع: "هو إيليا قد ظهر من جديد" (9: 8). ترك التلاميذ كل شيء ليتبعوا يسوع (5: 11) كما طلب إيليا من اليشاع ان يفعل. ومثل ايليا أقام يسوع إبن أرملة (15:7). وان تحدّث لوقا عن "خروج " يتمّه يسوع ففكر بموسى، إلا أنه سيتكلّم فيما بعد عن أيام ستتم فيُرفع فيها يسوع من هذا العالم (9: 51). نحن أمام تذكّر واضح لإِختطاف إيليا. أخيرًا لاحظ لوقا بعناية في أع 3: 20- 21 ان المسيح، لا إيليا، هو الذي يُصلح كل شيء. ظهر إيليا وموسى في التجلّي كشاهدين تألمّا من أجل إلههما وشعبهما. بهذه اللغة اعطي لهما أن يكلما يسوع عن آلام سيتحملها " قبل أن يدخل في مجده ".
وموضع هذه الآلام يكون أورشليم، عاصمة إسرائيل، والمدينة التي تقتل الأنبياء، ومحور إنجيل لوقا: في اورشليم يبدأ إنجيل الطفولة. وتبدو حياة يسوع صعودًا كبيرًا من الجليل إلى أورشليم السماوية. وفي أورشليم ينزل الروح القدس على الرسل قبل الانطلاقة الكبرى من أجل رسالة الكنيسة الشاملة (24: 45- 49؛ أع 1: 8).

ثالثًا: نور الأمم.
يورد لوقا أسماء الرسل في ترتيب خاص به (بطرس، يوحنا، يعقوب، 28:9؛ رج 8: 51؛ أع 1: 13) يوافق أهميّة كل واحد في الجماعة المسيحيّة. بعد هذا يتحدّث عن "بطرس والذين كانوا معه " (32:9؛ رج أع 2: 14، 37) ويلاحظ تعب هؤلاء التلاميذ الذين غلب عليهم النعاس. ولكن بطرس ويعقوب ويوحنّا شاهدوا مجد يسوع كما شاهدوا موسى وإيليا اللذين ظهرا في هذا المجد. كاد بطرس يموت من التعب وما كان يدري ما يقول، فعرض أن ينصب ثلاث خيام (مظال). إن كلمة " ابيستاسيس " (سيد، رئيس) التي تشير إلى يسوع، نجدها فقط في لوقا (5: 5؛ 8: 24- 45؛ 9: 33، 49؛ 17: 13) التي يحتفظ بها للمسيح. زال كل تلميح محدَّد إلى عيد المظال. وعَرضُ يسوع في ليلة التجلّي يقابل عَرض ضيافة تلميذيّ عمّاوس في المساء للقائم من الموت الذي يسير معهما. ولكن تجاه هذه الدعوة يُطلقها بطرس في غير محلّها، يبرز الظهورُ الالهي.
جاءت سحابة وغطّتهم كما غطّت موسى وإيليا: سحابة الحضور السماوي والسر الالهي (رج 1: 35)، سحابة التجسّد والعماد والصعود والمجيء، سحابة تحيط بكل شيء فتعلن تجمّع كل المختارين قرب الربّ في العالم السماوي. إختار لوقا هذا الوقت ليلاحظ خوف التلاميذ الذي ظهر حين إقترب الله نفسه، لا أمام الصور السماوية. خوف مليء بالقداسة والتأمل نراه في الايقونات: انطرح التلاميذ على الأرض وخلعوا نعالهم (مثل موسى أمام العليقة الملتهبة). ونجح بطرس وحده فالتفت إلى يسوح المتجلّي بين موسى وإيليا. هذا الخوف سيفتح قلوب التلاميذ ليسمعوا الصوت السماوي، ويفسّر لماذا حفظوا السر فلم يبوحوا به قبل أحداث القيامة.
سُمع صوت من الغمام السماوي: "هذا هو ابني، مختاري، اسمعوا له " (آ 35). يفترق هذا الاعلان عن إعلان المعمودية حيث أعلن الصوت: "أنت ابني، أنا اليوم ولدتك ". استعمل المسيحيون الاوّلون مرارًا استشهاد مز 7:2 ليثبتوا ألوهية المسيح القائم من الموت (أع 33:13؛ روم 1 :4؛ عب 1: 5؛ 5:5). لقد أثر الدفاع المسيحي المتهود على نص لوقا (نجد "عنك رضيت " في محاولة للتنسيق مع متىّ ومرقس).
في إعلان التجلّي إكتشف الشرّاح علاقات مع مز 7:2 أش 42: 1؛ تث 18: 15. ان ترجمة "عبد" (أش 42: 1) بلفظة "بايس" (خادم أو فتى أو إبن) اتاحت استعمال هذا الاستشهاد مع كلمة "ابن " (هويوس). ان اعلان التجلّي يماثل بين يسوع والمسيح الذي هولا عبد الله المختار وحسب، بل ابنه بحصر المعنى.
دعا الله يسوع واعلنه ابنه المختار وسمّاه عهد الشعب، عهد الأمم الوثنيّة التي سيكون نورها. هذا التفسير يثبت بالعودة الى 32:2 وفيه يعلن سمعان الشيخ أنّه شاهدَ "نور الأمم" (أش 42: 6).
هناك تكامل بين حوار موسى وإيليا مع يسوع والاعلان الآتي في السحاب من جهة، وتوافق كل النبؤات من جهة أخرى: سيكون يسوع المسيح المتألم ولكنّه أساسًا الابن الحبيب الذي حفظ له الله مجده فصار عهد الشعب ونور الأمم الذي أشع بصورة منظورة على جبل التجلّي.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM