الفصل الأول : الرابطة الكتابية الكاثوليكية

الفصل الأول

الرابطة الكتابية الكاثوليكية
الأب لودجر فلدكمبر

اسمحوا لي أن أُقدّم لكم الرابطة من زاويتين تعوّد عليهما مفسّرو الكتاب المقدّس: زاوية سنكرونية أو إجمالية، وزاوية دياكرونية أو تفصيلية: الرابطة في وظيفة التنظيم والدفع، الرابطة في وضعها الحالي وفي نموّها.

أ- الرابطة كتنظيم
سنفسّر في هذا السياق ثلاثة عناصر تشكّل طبيعة رابطتنا. وإذا أردتم معلومات إضافية فعودوا إلى دستورنا.
يصوّر الدستور طبيعة الرابطة كما يلي:
* الرابطة هي منظّمة كاثوليكيّة عالميّة مؤلفّة من منظّمات تلتزم خدمة الرعاية البيبلية على المستوى الدولي والمحلي، وقد اعترفت بها السلطات الكنسيّة.
* يعترف الكرسي الرسولي بالرابطة التي تتصّل به عبر المجلس البابوي لوحدة المسيحيين.

1- الرابطة
نحن رابطة، أي تجمّع من أعضاء مستقلّين ينقسمون إلى فئتين: الأعضاء الكاملون والأعضاء المشاركون.
- العضو الكامل في الرابطة الكتابية الكاثوليكيّة هو الذي تعترف به الحلقة الأسقفية أو سلطة مماثلة مع مهمّة رسمية بخدمة الرعاية البيبلية. ولا بدّ له من أن يقدّم طلب إنتساب.
نجد في منطقة الشرق الأوسط أربعة أعضاء كاملين: مصر (1979)، سورية (1987)، لبنان (1992) إيران (1992). ونحن ننتظر إنضمام سائر بلدان الشرق الأوسط.
- العضو المشارك هو كل منظمة أو تجمّع يُعنى بخدمة الرعاية البيبلية. يقدّم طلباً إلى الرابطة فتوافق عليه الهيئة التنفيذية.
هناك عضوان مُشاركان في الشرق الأوسط: مركز أم الكنيسة في طبريا، مركز التكوين البيبلي "هوذا الرجل" في أورشليم. لا يلتزم هذان المركزان مباشرة بخدمة الكنيسة المحليّة، بل يضعان خدماتهما بتصرف الكنيسة الجامعة.
عدد الأعضاء الكاملين في العالم: 77 عضواً.
عدد الأعضاء المشاركين: 170 عضواً.
البلدان التي تتمثل فيها الرابطة: 95 بلداً.
وحسب طبيعة تنظيمنا كرابطة، يتعاون الأعضاء حسب روح التضامن والتعاضد. إنهم يشاركون في تبادل غناهم، أي إختباراتهم ووسائلهم المالية. ولكن هذا العون المتبادل لا يخلق تبعية من عضو لآخر. فالعضو لا يستطيع أن يفرض شيئاً على عضو آخر. وما يستطيع أن يصنعه عضو، لا تعمله هيئة أعلى منه.
الجمعية العامة هي أهمّ هيئة في الرابطة، وهي تنعقد مرة كل ست سنوات. تتألف اللجنة التنفيذية من تسعة أعضاء، وهي تهيئ إجتماع الجمعية العامة. أما مجلس الإدارة والأمانة العامة، فهما يتحمّلان المسؤولية أمام اللجنة التنفيذية. رئيس الرابطة هو اليوم ألبرتو أبلوندي، مطران ليفورنو بإيطاليا. هو عضو فعلي في الهيئة التنفيذية مع ممثِّل للمجلس البابوي لوحدة المسيحيين.
وما هو مهّم، بل أكثر ما يهم العمل الملموس للرعاية البيبلية المحلية، هو بنية الرابطة الأفقية، أي تقسيم الأعضاء إلى مناطق وأقاليم. فالأعضاء الأربعة الكاملون والعضوان المشاركان الذين تحدثنا عنهم، يؤلفون إقليم الشرق الأوسط. كان المنسق الأول الأب انطونيوس نجيب أسقف المنيا (مصر) للأقباط الكاثوليك. وقد خلفه منذ سنتين الأب بولس الفغالي الذي تعرفونه جيداً.
يشكّل إقليم الشرق الأوسط مع ثلاثة أقاليم أخرى (أوروبا اللاتينية، أوروبا الوسطى، روما) منطقة أوروبا والشرق الأوسط. تضم هذه المنطقة 22 عضواً كاملاً، 69 عضواً مشاركاً. أما سائر المناطق فهي: أفريقيا (20 عضواً كاملاً، 9 أعضاء مشاركين)، أميركا (مع إقليمين: 19 عضواً كاملاً، 46 عضواً مشاركاً)، آسيا وأوقيانيا (مع 4 أقاليم: 16 عضواً كاملاً، 46 عضواً مشاركاً).
لا يتمّ العمل المشترك فقط بين أعضاء الرابطة في إطار المنطقة أو الإقليم من أجل حسن التنظيم وسير العمل. فأعضاء الإقليم الواحد أو المنطقة الواحدة لا ينتمون فقط إلى وضع جغرافي واحد، بل إلى إطار حضاري يجعل البلد قريباً من البلد الآخر. وبما أن أعضاء الإقليم يستطيعون أن يفهموا مشاكلهم فهماً أفضل، فهم يستطيعون أن يتعاونوا بطريقة أفضل. وهكذا يعملون معاً لكي تتجذّر كلمة الله وتتجسّد في إطار محلي.

2- الرابطة الكتابية
تهتم رابطتنا بالبيبليا، بالكتاب المقدّس. تهتمّ بالعمل الرعائي البيبلي. وهدفها الأول أن تضع موضع العمل توصيات الجمع الفاتيكاني الثاني حول الكتاب المقدس في حياة الكنيسة. نجد هذه التوصيات في الدستور العقائدي في الوحي الإلهي (ف 6) كما في وثائق مجمعية أخرى. والمادة الثالثة من دستورنا تصوِّر هدف الرابطة كما يلي: "هدف الرابطة هو تشجيع ومساندة المنظّمات الكاثوليكية التي تعمل في خدمة الرعائيات البيبلية، والتي تشارك الأساقفة في مهمة جعل كلمة الله في متناول الجميع" (الوحي الإلهي، ف 6).
ولكي ندرك هذا الهدف، أي "خدمة الرعاية البيبلية" يرتبط دستورنا إرتباطاً متيناً بهذه الوثيقة المجمعية. وهكذا نعبّر عن تطلّعات الرابطة بكلمات مأخوذة من دستور الوحي الإلهي.
* نشجع ترجمة الكتاب المقدّس ونشره، "ليكون الكتاب المقدّس في متناول جميع المؤمنين" (الوحي الإلهي 22).
*نشجّع دراسة البيبليا والبحث فيها واستعمالها لدى شعب الله والإكليروس الكاثوليكي، لأنه من الضروري أن يهتم بالكتب المقدسة الكهنة وسائر المؤمنين العاملين في خدمة الكلمة، وذلك بقراءة متواترة ودراسة معمّقةً "وأن يقتني كلُ المؤمنين بالمسيح، بقراءة متواترة للكتب المقدّسة، معرفةَ يسوع المسيح السامية" (الوحي الإلهي 25).
*نشجِّع العمل الرعاوي المتجذّر في الكتاب المقدّس. "فعلى الديانة المسيحية أن تغذّيها الكتبُ المقدّسة وتوجّهها" (الوحي الإلهي 22).
*نشجّع كل الإمكانيات "بحيث يستطيع أكبر عدد من خدّام الكلمة بأن يقدّموا لشعب الله طعام الأسفار المقدسة بصورة مثمرة" (الوحي الإلهي 23).
إن هذه التطلعات الأربعة تعمر عن المجالات الأساسية في الرعاية البيبلية. وهناك مهمّة أخرى تنتظرنا: نفهم أن الكتاب المقدس ليس فقط روح اللاهوت (الوحي الإلهي 24)، بل أساس حياة الكنيسة كلّها (الوحي الإلهي 22). وبسبب الإهمال الطويل الذي لقيته البيبليا في الكنيسة الكاثوليكية، يجب أن نشدِّد على هذا الوعي لأهمية الكتاب المقدّس لدى الإكليروس والعلمانيين. ونشير أخيراً إلى ضرورة العمل لتعميق الفكر اللاهوتي حول مكانة الكتاب المقدّس في عمل الرعاية وفي مجال "البشارة الجديدة" كما قال مؤتمر بوغوتا (كولومبيا) الذي انعقد سنة 1990.

3- الرابطة الكتابية الكاثوليكية
نفهم صفة "كاثوليكية" في معنيين: في المعنى "الطائفي" وفي المعنى "الأصلي"، حيث كاثوليكية تعني جامعة وشاملة.

أولاً: في معناه "الطائفي"
إن أعضاء الرابطة (كاملون ومشاركون) هم منظّمات كاثوليكية. وينظر دستورنا في الوقت عينه إلى مشاركة مع جمعيات الكتاب المقدس وسائر المنظّمات التي تتوخّى الأهداف المماثلة (المادة 3).
ما هي بواعث هذه المشاركة بين "الطوائف" أو "الكنائس"؟ إن أهداف الرابطة البيبلية الكاثوليكية هي عينها أهداف رابطات الكتاب المقدس. فمن أولويات جمعيات الكتاب المقدس ترجمة البيبليا ونشرها وتوزيعها. أما الرابطة الكتابية الكاثوليكية فتُعنى بأن تجعل تعليم الكتاب المقدس في متناول الجميع، تعنى بقراءة البيبليا في قلب الجماعة الكنسية وفي قلب تقليدها. هي لا تتوقف فقط عند نص بيبليا، بل تدخل المؤمنين إلى عالم الكتاب المقدّس وترافقهم من أجل قراءة النصوص قراءة مسؤولة ومثمرة. فالرباط بين الكتاب المقدّس والتقليد، والرباط بين الكلمة والإفخارستيا هو عنصر أساسي في فهمنا الكاثوليكي للكتاب المقدّس، في تقرّبنا من الكتاب، في عمل الرعاية البيبلية على مثال مريم العذراء التي أصغت الى الكلمة ووضعتها موضع العمل. غير أن هذا لا يمنعنا من المشاركة مع المسيحيين الاخرين، حسب توصية فاتيكان الثاني، في مجال الترجمة والنشر والتوزيع، وفي مجال الشهادة المشتركة.

ثانياً: في معناه الأصلي
قلنا أعلاه، إن جميع أعضاء الرباطة المنظَّمين في مناطق وأقاليم، يحاولون أن يتقربوا من الكتاب المقدّس في إطارهم الحضاري والثقافي. منٍ جهة، يأخذون بعين الإعتبار صعوبات الناس في قراءتهم البيبلية (مثلا إسم اسرائيل في البلدان العربية). ومن جهة ثانية، ينطلقون من أوضاعهم الخاصة على المستوى التاريخي والحضاري، ومن مفاهيمهم السابقة، فيكتشفون وجهات من التعاليم البيبلي تغيب عن أناس يعيشون في ظروف أخرى. مثلاً، اكتشفت أميركا اللاتينية إنطلاقاً من البيبليا أهتمام الله الخاص بالفقراء. فحين نقاسم الآخرين هذا الكنز الجديد الذي نستخرجه من غنى كلمة الله، ونجعله في متناول الجميع، ندلّ على وُجهة هامة من العمل الكاثوليكي في رابطتنا.

ب- الرابطة في وظيفة الدفع
أولاً: إن دستور الوحي الإلهي ينتهي بهذا التمني: وهكذا، بقراءة الكتب المقدّسة ودراستها "تكمّل كلمةُ الله جريَها وتمجَّد" (2 تس 3: 1)، ويملأ كنزُ الوحي المسلَّم إلى الكنيسة أكثر فأكثر قلوبَ البشر. فكما أن حياة الكنيسة تنال نمواً من معاشرة متواترة للسرّ الأفخارستي، كذلك يجدر بنا أن نرجو إنطلاقة جديدة للحياة الروحية حين نكرم كلام الله "الذي يبقى إلى الأبد" (اش 40: 8؛ رج 1 بط 1: 23- 25) (الوحي الإلهي 26).
وتبزر هذه الرغبة بيقيننا أن كلمة الله تتضمّن قوة كبيرة. فهذه الكلمة تشكّل للكنيسة عَضَداً وتقدّم لها عزماً. وهي تقدّم لأبناء الكنيسة متانة لإيمانهم وغذاء لنفوسهم وينبوعاً صافياً وأبدياً لحياتهم الروحية. وهكذا ينطبق ما قيل بصورة سامية على الكتب المقدسة: "كلمة الله حية وفاعلة" (عب 4: 12) "وهي تقدر على أن تشيد البنيان وتؤمِّن لنا الميراث مع جميع المقدَّسين" (أع 20: 32؛ رج 1 تس 13:2) (الوحي الإلهي 21).
ولقد تحققت أمنية الآباء المجمعيين بشكل لم يكونوا يتوقعونه أو يأملونه. فنحن نلاحظ في العالم كله جوعاً حقيقياً إلى كلمة الله لدى العلمانيين ولا سيّما في حركات التجديد. يُترجَم الكتاب المقدّس اليوم ويوزَّع ويُقرأ بشكل لم يشهده تاريخ الكنيسة من قبل. وهذه الحيوية تعود بالطبع إلى الروح القدس الذي ينفخ في قلب الكنيسة كما نفخ في الوثيقة المجمعية.
ثانياً: بما أن الروح القدس لا يكتفي بأن ينفخ حيث يريد، بل يستعين ببُنى الكنيسة، أراد أن يستعين بالكردينال بيا والبابا بولس السادس، لكي يؤسّسا سنة 1969 الرابطة الكتابية الكاثوليكية لتضع موضع العمل التوصيات المجمعية حول الكتاب المقدس في حياة الكنيسة. ونلاحظ أن دستور الوحي الإلهي ليس فقط ثمرة مناقشات آباء المجمع، بل نتيجة خبرات تنظيمات الرعاية البيبلية.
حين تأسست الرابطة في 16 نيسان (ابريل) سنة 1969، تحدّث البابا بولس السادس عن رسالة الأساقفة ومهمة الرابطة التي تساعدهم فقال: "إن المجمع أبانَ بأوضح ما يكون أننا وإخوتنا الأساقفة في العالم أجمع مسؤولون بأن نعمل ما في وسعنا لنسهّل الطريق أمام المؤمنين ليتقرّبوا من الكتب المقدّسة. وحين يأتي أناس غيورون مثلكم (أعضاء الرابطة) لكي يساعدونا في هذه المهمة، نبتهج ونقدّم لهم شكرنا الصادق". وقال البابا يوحنّا بولس الثاني كلاماً مماثلاً في خطابين وجَّههما إلى الهيئة التنفيذية في الرابطة (1983، 1986) وفي رسالتين بعث بهما إلى الجمعية العامة في مؤتمرَيْ بنغالور (الهند، 1984) وبوغوتا (كولومبيا، 1990).
ثالثاً: إن الجمعية العامة التيْ تنعقد مرة كل ست سنوات هي مناسبة تعي فيها الرابطة نموّها وتعود الى رسالتها في جذورها، وتواجه المهمات الجديدة بحزم وعزم. وحين نتطلّع إلى الماضي، نجد أن الجمعيات العامة كانت محطّات هامة في طريق الرابطة فساعدتنا على التعرف إلى نموها.
فعلى أساس الأرقام والبلدان المشاركة، والأماكن التي عقدت فيها هذه الجمعيات، نستطيع أن نكوّن فكرة صحيحة عن نموّ الرابطة وتوزعّ أعضائها في العالم. في سنة 1972، شارك في فيينا (النمسا) في الجمعية الأولى، عشرون شخصاً جاء معظمهم من أوروبا. بعد ست سنوات (1978) التأمت الجمعية في مالطة، وكان عدد المشاركين 67 شخصاً آتين من 44 بلداً. وانعقدت الجمعية الثالثة سنة 1984 في بنغالور (الهند) مع 119 مشاركاً آتين من 53 بلداً. والجمعية الأخيرة التي انعقدت في بوغوتا (كولومبيا) سنة 1990 ضمت 140 مشاركاً جاؤوا من 70 بلداً.
ولكننا لا نستطيع أن نعبّر عن نمو الرابطة وحيويتها بالأرقام. فحماس المشاركين وتجنّدهم لكلمة الله هما جزءٌ لا يتجزأ من هذه المشاعر القوية التي جمعتُها من مشاركتي في هذه الجمعيات. ويستطيع أن يشهد على ذلك المطران انطونيوس نجيب والأب متري هاجي اثناسيو.
وينكشف توسع آخر في مواضيع الجمعيات العامة، أي تفهّم أفضل للمضامين المتعددة لكلمة الله، للبيبليا، للرعاية البيبلية في الكنيسة ومن أجل الكنيسة.
في الجمعيتين الأوليين برز دورُ الكتاب المقدس وعملُ الرعاية البيبلية في حياة الكنيسة. اهتمَّت الجمعية الأولى (1972) بصياغة دستور الرابطة. إنعقدت في فيينا مع تقليدها الريادي في المجال البيبلي والليتورجي منذ أيام بيوس بارش فكان موضوعها: "البيبليا والليتورجيا". وفي سنة 1978 (مالطة) توقف المؤتمرون حول موضوع: "الروحانية البيبلية والتعليم البيبلي".
وحدث تبدّل سنة 1984 مع موضوع بنغالور: شعب الله النبوي: "يا ليت جميع شعب الله أنبياء"! إنفتحت الطريق إلى الكتب المقدسة أمام شعب الله. فشعب الله الذي تغذّى بالكتب المقدسة، سيكون شعباً نبوياً يُعلن البشارة ويندّد بما يعارضها. وهكذا يُحمل الإنجيلُ إلى كل طبقات البشريّة، فتتحول البشرية من الداخل وتتجدد: "ها أنا أجعل كل خليقة جديدة". حين تكلمت جمعية بنغالور عن "الرسالة البيبلية في مهمة الكنيسة الإنجيلية"، وعن مكانة الكتاب المقدس "في قلب عمل الكنيسة الإنجيلي"، كانت قد هيأت الطريق أمام موضوع اجتماع بوغوتا: البيبليا والتبشير (الأنجلة أي نشر الإنجيل) الجديد: "ها أنا أصنع كلَّ شيء جديداً" (رؤ 21: 5).

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM