الفصل الثاني والعشرون: صلاة يسوع من أجل بطرس

الفصل الثاني والعشرون
صلاة يسوع من أجل بطرس
22: 31- 34

1- سياق النصّ
بعد أن روى مرقس (14: 26- 31) ومتّى (26: 30- 35) البركة على الخبز والكأس في العشاء الأخير، أوردا ما قاله يسوع لتلاميذه وهو في طريقه إلى الجسمانية: في هذه الليلة تشكون بي كلكم (ستقعون كلكم بسببي). فقد كُتب: أضرب الراعي فتتبدّد الخراف. حينئذٍ احتجّ بطرس قائلاً: لو سقطوا كلهم، فأنا لا اسقط. فأنبأه يسوع بانكاره المثلّث له: "تنكرني ثلاث مرات".
أما عند لوقا فتأسيس الافخارستيا (22: 24- 38) يتبعه حوار طويل جدّاً: وهذا الحوار الذي يتضمّن فيما يتضمّن الانباء بإنكار بطرس ليسوع، يتمّ كلّه في العلّية (رج آ 12) حيث تئم العشاء السري. بدأ الحوار بجدال بين الرسل (آ 14): أرادوا أن يعرفوا من هو الأعظم بينهم، تدخّل يسوع فذكرهم في مثل، بواجب مفروض على الرؤساء بأن يخدموا. غير أنه وعد محاوريه بمركز كبير في ملكوته، شرط أن يثبتوا معه في محنه. "أنا أعدّ لكم الملكوت كما أعدّه لي إبي. وهكذا تأكلون وتشربون على مائدتي في ملكوتي، وتجلسون على عروش لتدينوا أسباط إسرائيل الاثني عشر (آ 29- 30).
إذن، تهيّأ الانباء بإنكار بطرس ليسوع في لوقا، بشكل يختلف عمّا في متّى ومرقس. لا ينبّه يسوع تلاميذه بانهم سيسقطون كلهم، بل يؤكّد عكس ذلك: "أنتم الذين ثبتّم معي في محنتي". إن اتجاه لوقا بأن يخفي "سقوط" التلاميذ هو واضح هنا. ولا نجد عنده تلميحاً غير مباشر إلى سقوطهم في آ 31- 32 اللتين تهماننا الآن، واللتين تشكّلان المقدّمة المباشرة للإنباء بإنكار بطرس ليسوع. نقرأ في هاتين الايتين: "سمعان، سمعان! هوذا الشيطان قد طلب في إلحاح أن يغربلكم كالحنطة، وأنا صلّيت لأجلك لكي لا يزول إيمانك. وأنت متى عُدت، فثبّت اخوتك".
أول سؤال نطرحه: من أين جاءت هاتان الآيتان؟ هل أخذهما لوقا من التقليد أم صاغهما بنفسه؟ فإن لم يكن هو الذي دوّنهما، أيكون سياقهما الادبيّ أولانياً؟ إن غياب هاتين الآيتين عند مرقس ومتّى، لا يفرض علينا أن نجيب سلباً (كلا) على السؤال الأخير. فقد يكون لوقا عاد في خبر الآلام إلى مرجع مستقلّ. وقد يكون هذا المرجع قد تضمّن خبراً طويلاً عن العشاء الأخير. وبما أن الآيات التي تأتي حالا قبل آ 31- 32 (وهي آ 25- 26، 30) تجد ما يوازيها عند متّى (20: 25- 26 و19: 28)، فهذا ما يجعلنا نعتقد أن الإنجيلي الثالث جمع هنا مواد تخصّ مستقبل الرسل.
وهناك إشارة أخرى تدلّ على أن لوقا أقحم هاتين الآيتين في السياق الحالي. هناك صيغة الجمع (أنتم) الغريبة في آ 31، نجدها في جملة تتوجّه إلى سمعان وحده، وتشبهها صيغ في المخاطب المفرد (أنت: صلّيت لأجلك) في آ 32. إن آ 31 تتوجّه إلى سمعان كممثّل لمجموعة الرسل. غير أن العبور من "سمعان" إلى "أنتم" (صيغة الجمع) يبقى مميّزاً. ولكننا وجدنا في الاّيات السابقة صيغة المخاطب الجمع (22: 15، 16، 18، 19، 20، 26، 27، 28، 29، 31، 35، 37)، لأن يسوع كان يتوجّه حينذاك إلى التلاميذ. بعد هذا، يجب أن نتساءل: أما توجهت العبارة "طلب الشيطان أن يغربلكم كالحنطة" في الأصل إلى الرسل جميعاً؟ إن كان الأمر كذلك، يكون بناء لوقا مهلهلاً. والعبارة التي استعملها يسوع توافق في التقليد اللوقاوي ما نقرأ عند مرقس ومتّى: "ستشكون (ستسقطون) كلكم بسببي".
ونعود الآن إلى الشق (آ 31- 32) الذي فيه يتوجّه يسوع إلى بطرس: سمعان، سمعان... هل هذه الكلمة هي سابقة للوقا؟ إن تكرار المنادى قد يجعلنا نعتقد هذا، لا سيّما إذا وازينا مع استعمال "بطرس" في إعلان الانكار. غير أن يد لوقا تبدو بوضوح لا سيما مع استعمال فعل "ثبّت" (ستاريزاين). حين نتفحّص النصوص التي تعني بطرس في متّى، نلاحظ أن الانجيلي الأول قد أعاد صياغة تقليد سابق وكتفه بأسلوبه الخاص. أما هكذا فعله لوقا؟ إن هذا القول (ما عدا: متى عدت) يمثّل تقليداً قديماً لا يروي نكران بطرس ليسوع. وقد صلىّ يسوع من أجله لكي لا يسقط. وقد جعل لوقا عبارة "متى عدت" لكي يتوافق هذا القول القديم مع تقليد الانكارات الثلاثة.
كل هذا يبقينا على مستوى الفرضيات. ومهما يكن من أمر، فنحن أمام كلمة من كلمات يسوع تعظّم شأن بطرس ودوره المقبل.
2- مدلول هذه الكلمة
وننتقل الآن إلى مدلول هذه الكلمة على مستوى التدوين اللوقاوي كما نجده الآن. إن سمعان هو عضو في الحلقة الرسولية. وهو الذي طلب الشيطان أن يهزّه في الغربال كما تهزّ الحنطة. فالرسل هم تحت الغربال، أي تحت التجربة، شأنهم شأن بطرس. هل نحن أمام مقابل جزئي لما نقرأه قي مر 8: 33: "فوبّخ بطرس وقال له: إذهب خلفي يا شيطان". هذا ما نشكّ فيه، لأن لوقا قد ألغى هذا المقطع حين تحدّث عمّا حصل في قيصرية فيليبس (مر 8: 27- 33 وز). فهل يعود ويدخل هذا القول الذي يقلّل من قدر بطرس؟ هذا ليس بمعقول. ثم إن يسوع قد صلىّ من أجل سمعان. ولهذا نستنتج أن الشيطان لم يتغلّب عليه.
إن صلاة يسوع من أجل بطرس تتضمّن نتائج إيجابية. أولاً: لم يسقط بطرس. ثانياً: حين عاد ثبّت أخوته. أن يكون إيمان بطرس قد احتاج إلى صلاة يسوع، هذا ما يربطنا بتقليد متّى. ففي مت 14: 28- 31 نرى الرسول "ذاك الرجل القليل الايمان" الذي نجا بيد يسوع من الغرق. كما يربطنا بالصيد العجيب حيث يبدو بطرس خاطئاً يحتاج إلى قدرة يسوع.
ما معنى "متى عدتَ"؟ أولاً: متى عدت إلى الله بالتوبة. ثانياً: متى عدت إلى أورشليم بعد تشتّت التلاميذ. ثالثاً: متى عدت "واقفاً على رجليك" (غير متزعزع). رابعاً؟ متى أعدت اخوتك. خامساً: عد وثبّت اخوتك، أي ثبتّهم مرة أخرى.
أما آ 32، فلا نرى كيف جعلها لوقا موافقة لفاعلية صلاة يسوع مع التلميح إلى السقوط الذي تتضمّنه القاطعة "متى عدت". بما أن هذه الآية تسبق بشكل مباشر الإنباء بالنكران، ففكرة العودة تنطبق على الزمن الذي يلي هذا النكران. فقد تعني فكرة لوقا أنه فضل صلاة يسوع، لن يبقى نقص إيمان يتضفنه نكران بطرس ليسوع. وأن إيمان بطرس سيحيا من جديد بعد القيامة (24: 34).
هذا أمر مهمّ. وأهمّ من ذلك هو النتيجة الثانية لصلاة يسوع: سمعان سيثبّت أخوته. من هم هؤلاء "الأخوة"؟ يبدو أنهم الرسل للوهلة الأولى: فهم الذين طلب الشيطان أن يغربلهم كما الحنطة. هل تعني هذه الفكرة أن سمعان لم يسلّم وحده إلى الشيطان بفضل صلاة يسوع، أن إيمانه لم يعرف انكسافاً دائماً؟ فوجب عليه والحال هذه أن يثبّت الاخرين، أن يعود بهم إلى الإيمان بيسوع المسيح. ولكن لوقا لا يقول في أي مكان بأن التلاميذ خسروا إيمانهم بيسوع. فحين روى خبر العشاء الأخير، أغفل كلمة يسوع التي تتحدّث عن سقوط التلاميذ وتشتّت القطيع (مر 14: 27 يورد زك 13: 7). وأورد كلمة أخرى قال فيها المعلّم: "أنتم الذين ثبتّم معي في محنتي" (22: 28). ولا يقول لنا لوقا أيضاً إن جميع التلاميذ تركوا يسوع وهربوا (رج مر 14: 50). بل يجعلنا نشعر أنهم لبثوا كلهم في أورشليم خلال الآلام. فنحن نقرأ في 23: 49 أن "جميع معارفه" كان ينظرون إلى الصلب (رج 24: 33).
وهكذا نستنتج أن لوقا عنى بـ "إخوة" سمعان مجموعة أوسع من الاثني عشر رسولا. وان أمر يسوع بأن "يثبّتهم" لا يعني بالضرورة أن "يعيدهم إلى الإيمان".
إذا عدنا إلى سفر الأعمال، نجد أن للفظة "إخوة" معنى واسعاً جداً. ففي 1: 15 نجد بطرس واقفاً "في وسط الأخوة". لقد كانوا حوالي 120 شخصاً. وحسب 15: 23، أرسل كتاب من قبل "الإخوة"، أي الرسل وشيوخ أورشليم، "إلى الإخوة الذين من أصل وثني والموجودين في أنطاكية، في سورية وفي كيليكية". وفعل "ثبت" (ستاريزاين) يتضمّن تشجيعاً للجماعات المسيحية لا سيّما بالوعظ والتعليم. من هذا القبيل يبدو أع 15: 32 مهمّاً جداً: "أما يهوذا وسيلا، فإذ كانا هما أيضاً نبيّين، وعظا (حرّضا) الإخوة (جماعة أنطاكية) بكلام كثير، وشدّداهم". إذن نظنّ أن كلمة يسوع الواردة في لو 22: 32 تعلن عن مهمة بطرس الرسولية كما صوّرها أع 1- 15. نجد في هذا الفصول، الرسول يتحدّث باسم جماعة أورشليم وشاهداً على إيمانه (أع 1- 5)، ذاهباً يزور المرتدين الجدد في السامرة (ف 8)، ثم في لدة ويافا (9: 32- 43)، وفي النهاية خاطياً الخطوة الحاسمة حول عماد كورينليوس (ف 10- 11).
غير أننا نلاحظ أن لوقا جعل سمعان جانباً في مهمّة تثبيت الاخوة. أما في سفر الأعمال فهناك أشخاص أخر عديدون يقومون بهذا العمل: بولس. برنابا، يهوذا، سيلا. وحين يلعب بطرس هذا الدور، فهو يلعبه برفقة يوحنا. فلماذا نجد تعارضاً في لو 22: 32 بين "سمعان" و "أنتم" في آ 31؟ هل لأن لوقا قد عرف التقليد الذي يجعل بطرس أول الاثني عشر؟ إن صلاة يسوع ووعده يستبقان الأمور فيتحدّثان عن الاولويّة التي اعترف بها لبطرس بعد القيامة. نحن هنا أمام تهيئة من نوع أدبي يشبه ما في الصيد العجيب (5: 1- 11).
هل نكتشف علاقة بين كلمة الربّ كما دوّنها لوقا، وتلك التي يوردها مت 16: 17- 19؛ قال كولمان: إن ما دوّنه لوقا خلال العشاء الأخير قد يكون شكل الإطار الأولاني لوعد يسوع لبطرس كما نقرأه في متى. فمن جهة كما في أخرى، طابع إيمان بطرس هو هو: فهو لا يستطيع أن يستند إليه (ولا إلى استحقاقاته) ليؤكّد اعتماد يسوع عليه، عند لوقا: بفضل صلاة يسوع لم يزل إيمان بطرس إلى الأبد. عند متى: هذا الإيمان هو عطية نالها بطرس من الآب الذي في السماوات. ولكن الدور المعطى لبطرس هو هو في كلا الحالتين. عند لوقا: أن يثبت الأخوة، أن يثبت المؤمنين بالتحريض والتعليم. عند متّى: بطرس هو الصخر الذي يستخدم كأساس. الدور الأول يجد امتداده ونموّه. الدور الثاني قد ناله بطرس مرة واحدة.
وهناك صورة ثانية عند متّى: وُعد بطرس بسلطان المفاتيح، بسلطان الحلّ والربط. وهذه الصورة تتضمّن نشاطاً متواصلاً. ولكنها ليست قريبة بشكل خاص من تلك التي نجدها عند لوقا. هناك موازاة أدقّ مع يو 21: 15- 17 حيث ينال سمعان بن يونا أمراً مثلّثاً بأن يرعى قطيع يسوع.
خاتمة
إن هذا المقطع القصير يُبرز عنصرين. الأول: هو المهمّة الخاصة التي أوكل بها بطرس على خطى معلّمه في خدمة إخوته: تأمين رباط الأخوّة حيث تفسّخت بسبب التنافس والمزاحمات. وهذه المهمة تجد ما يشابهها في سفر الأعمال (20: 28): كل مسؤول عن الجماعة يستلم المهمة التي تسلّمها بطرس وهي تثبيت الأخوة.
والعنصر الثاني هو فاعيلة صلاة يسوع: فمنها تفجّر من أجل بطرس قدرة على التوبة أو على السير في طريق التوبة على خطى يسوع. فالحياة التي يعطيها يسوع هي أقوى من السقوط ومن الموت. فإذا أراد التلميذ أن ينتصر على الشيطان الذي بدأ عمله بقوّة مع بداية الآلام (آ 3)، يجب عليه أن يسلّم ذاته للآب كما فعل يسوع على جبل الزيتون. إن الشيطان يريد أن يضلّ بطرس والتلاميذ حول معنى الآلام: يجعلهم لا يفهمونها، يجعلهم يرفضونها كشرط للسير على خطى المسيح. ولكن الربّ قال: "أنا صلّيت لأجلك".

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM