الفصل السابع عشر: شجرة التين

 

الفصل السابع عشر
شجرة التين
21: 29- 33، 37- 38

في المقاطع السابقة، أنبأ يسوع بالمصير المريع الذي ينتظر شعب أورشليم عندما تدمّر المدينة المقدّسة والهيكل. سيكون الوضع هائلاً بحيث رأى فيه الرب صورة مسبقة عن الأيام الأخيرة والدينونة، على ما في مر 13 حيث الإنباء عن مصير أورشليم امتدّ في نبوءات حول الأيام الأخيرة. جاءت خطبة لوقا في هذا المجال قصيرة، ولكنه فصل دمار أورشليم عن الدينونة الأخيرة. فبعد أن عاد في آ 24 إلى الحقبة التي فيها تتمّ أزمنة الأمم، أي إلى نهاية الزمن الحالي (وسيطرة رومة)، إنتقل إلى ما يتعلّق بالأزمنة الأخيرة التي تسبق مجيء يسوع وترافق هذا المجيء.
نحن هنا في مقطع طويل يمتدّ من آ 25 حتى آ 38. توقفّنا في فصل سابق عند مجيء ابن الإنسان (آ 25- 28). ثم انتقلنا إلى تحريض أخير حول السهر (آ 34- 36). وها نحن نتأمّل في مقطع أول حول "شجرة التين" (آ 29- 33)، وننهى ف 1 2 بخاتمة مع آ 37- 38، وهكذا نكون قد انتهينا من موضوع إقامة يسوع في أورشليم وقبل أن نبدأ التأمّل في مسيرة الآلام والموت والقيامة.
1- قراءة إجمالية (21: 8- 38)
صار مجيء ابن الإنسان قريباً، وهذا ما توسّع فيه مثل التينة التي أورقت (آ 30- 31؛ رج آ 8- 20)، ودلّت عليه علامات تاريخيّة أشارت إلى هذا المجيء (إذا رأيتم هذه وقعت، آ 31: 32- 36؛ رج آ 7- 9). ونسمع صيغة الأمر كما في آ 29- 31، 34- 36: "قفوا وارفعوا رؤوسكم، لأن خلاصكم قريب" (آ 28).
نجد هنا دعوة ملحّة لكي نرى في اضطهادات التلاميذ (آ 12: 19) ودمار أورشليم (آ 20: 24) علامة عن اقتراب الملكوت، واعلاناً للفداء النهائي. إن كلمة "فداء" (ابوليتروسيس) معروفة جداً عند القديس بولس. إنها تدلّ على الخلاص الذي يحقّقه يسوع (روم 3: 24) ويجعله في تصرّف الإنسان (1 كور 1: 30؛ كو 1: 14؛ أف 1: 7). يجب أن "نرى" على الأرض مجيء ابن الانسان، لا في السماء: هذا ما يذكرنا به كلام الرجلين للرسل ساعة الصعود: "ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء" (أع 1: 11)؟
إن مثَل التينة التي تفرخ تعطي صورة ملموسة عن إعلان آ 28: الرجاء الذي يجعلنا نرفع رؤوسنا، يستند إلى خبرة شخصيّة (إذا ما رأيتموه بأنفسكم، آ 3) من التمييز الذي يدرك اقتراب ملكوت الله. وهكذا ندرك "الاسكاتولوجيا" (نهاية الأزمنة) في الواقع اليومي، كما تقول آ 32 التي تلمّح أيضاً إلى "الكل" أي إلى اضطهاد التلاميذ ودمار أورشليم. في هذا الكل الذي يتمّ، ترتبط حياتنا بمصير يسوع الذي هو ابن الإنسان الذي يلجِ كل شيء حتى الكون، بقدرته الفدائية. هذا هو معنى القول الإحتفالي في آ 32- 33: "إن هذا الجيل لا يزول... السماء والأرض تزولان ...".
"هذا الجيل" يعني بالأحرى "الجنس البشري" (وهناك من يقول: اليهود الذين حُكم عليهم من خلال دمار مدينتهم). رج 16: 8: "إن أبناء هذا الدهر أكثر فطنة من أبناء النور". نحن هنا أمام الذين لا يعرفون إلا العالم الحاضر ويعملون له. ونقرأ في أع 2: 40: "تخلّصوا من هذا الجيل المعوجّ". الجيل يدلّ على معاصري يسوع، كما يدلّ على معاصري لوقا.
نلاحظ هنا أن. لوقا ألغى القول الذي يتحدّث عن جهل الابن لزمن المجيء. نقرأ في مر 13: 32 (وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعرفهما الابن) ومت 24: 36. إن هذا السؤال هو زمن (مع أل التعريف) المجيء، وهو خارج نظرته. ولكنه يتحدّث في أع عن جهل التلاميذ حول "الأزمنة والأوقات" التي حدَّدها الله في سلطانه (أع 1: 6- 7). نحن هنا بالتحديد أمام مراحل مجيء الملكوت في قلب التاريخ.
أما خاتمة الخطبة (آ 34- 36) فتدعو إلى اليقظة مثل مر 13: 33- 37 ومت 24: 37- 44. إنها تشدّد على فجائية مجيء ابن الإنسان (آ 35) كما في أمثال السهر (12: 35- 36) أو إعلان يوم ابن الإنسان (17: 22- 36). إن صورة الشبكة التي تسقط (مثل فخ سيطبق) تذكّرنا بنصّ أش 24: 17 (الرعب والفخ لكم يا سكان الأرض). هذا السهر الذي يجعل القلب دوماً مستعداً نترجمه بممارسة على مستوى العفة والوعي والهدوء (1 تس 5: 2- 8). إن مجيء ابن الإنسان يعني البشرية كلها (إر 25: 29). لن يفلت أحد. ولكن قد نُفاجأ بالأحداث فلا ندري أنها تسبق حضور ابن الإنسان الآتي.
وهكذا تستعيد آ 36 كل ما سبق: "كل ما سوف يقع". هذا هو موضوع الخطبة كلها (رج آ 7 متى يكون هذا. متى يقع هذا): أحداث تاريحنا المضطرب الذي فيه يجري موت يسوع صارت شكاً لغير المؤمنين. يجب أن نكون "واقفين أمام ابن الإنسان"، لأنه هو المعيار الذي بالنسبة إليه نُدان (أع 10: 42؛ 17: 31). إنه الكلمة التي تلفّظ بها الله كلمة أخيرة في حياتنا. لهذا، يجب منذ الآن "أن تبقى عيوننا مفتوحة دوماً وأن نصليّ في كل آنٍ". منذ ف 17 ولا سيّما منذ 18: 1- 8 بدت الصلاة موقفاً أساسياً نقفه في المحنة، محنة الايمان. ولقد صارت صلاتنا صلاة يسوع. قال يسوع لبطرس (وبالتالي للتلاميذ وكل واحد منا): "صلّيت لأجلك لئلاّ يزول إيمانك" (22: 32).
وتستعيد نهاية هذا القسم (آ 37- 38) الانشداد بين جبل الزيتون والهيكل. وهو انشداد كان حاضراً في 19: 29- 48. فالهيكل هو موضع التعليم (19: 45، 47- 48؛ 20: 1) خلال النهار. وبدا جبل الزيتون الذي يرتبط بمجيء يسوع إلى الهيكل (19: 29- 37) والذي هو موضع الزيارة الليلية (21: 37: في الليل يخرج ويبيت في الجبل)، بدا موضع السّر الذي فيه يلتقي يسوع بأبيه. في الصلاة (22: 39) عبر مواجهته لمصيره، فيدلّ على صدق تعليمه في الهيكل.
2- تفاصيل النصّ
أ- وتكون علامات في الشمس (آ 25- 28)
قدّم يسوع جواباً أيجابياً (بعد الجواب السلبي: لا تتبعوهم، لا تخافوا) لسامعيه (آ 7 ج) فأشار إلى "العلامات"، علامات كونيّة. ما أنبيء به في آ 10- 11 (حروب، ثورات) يجب أن لا يُفهم فهماً خاطئاً، وإن وجب أن يقع أولاً. إن يسوع يتكلّم عن الشيء نفسه، ولكن في معنى مختلف. كلمات يسوع في لوقا هي ملخّص لما في مر 13: 24- 25، وقد جعلت في شكل آ 10- 11. تستعمل لغة جليانية تشبه لغة يوء 3: 3-4: "أصنع عجائب في السماء والأرض، دماً وناراً وأعمدة من دخان، فتنقلب الشمس ظلاماً والقمر دماً". مثل هذه العجائب مشتركة في أقوال التوراة النبويّة. رج أش 13: 10 (نجده في مر 13: 24 ب- 25 أ)؛ 34: 4؛ حج 2: 6، 21؛ حز 32: 7.
"وكرَب للأمم على الأرض". إن العلامات الكونيّة في السماء تقابل الكوارث التي تقع على الأرض. قد نكون أمام تلميح إلى أش 24: 9 الذي نقرأه في السبعينية: "تتضايق الأرض تضايقاً، وتضطرب اضطراباً" (في العبرية: تنكسر الأرض، تتطاير الأرض، تتحطّم تحطماً)؛ رج مز 65: 8 (عجيج البحار، عجيج أمواجها وضجيج الأمم). وهكذا نكون مع قول لوقا حول عجيج البحر. نتذكّر مز 46: 4: "تدفّقت مياهها وجاشت، وارتعشت من ارتفاعها الجبال"؟ رج مز 89: 10 (لك سلطان على هيجان البحر، فتهدّئ أمواجه عند ارتفاعها). إن قوّة العناصر على الأرض صارت سنداً للغة الجليانية.
"وتزهق الناس من الخوف" (آ 26). لن يعودوا يستطيعون أن يتنفَّسوا. إمّا يُغمى عليهم وإمّا يموتون. هذا ما يعارض موقف المسيحيين الذين يقفون منتصبين ومرفوعي الرؤوس (آ 28). "ما سيأتي على المسكونة" (الأرض المسكونة، المأهولة، رج 4: 5). رج أع 11: 28 (مجاعة ستعمّ المسكونة، اويكوماني). هذه العبارة التي لا نجدها عند مت ولا عند مر، قد زادها لو ليفخر الخطبة الأولى التي عنت أورشليم واليهودية. إن مثل هذا الحكم على المسكونة، يتميّز عن الحكم على أورشليم، وإن يكن هذا صورة مصغّرة عن ذاك.
"قوّات السماوات تتزعزع". نحن هنا في تلميح إلى أش 34: 4 (يعني كل جند السماء، وفي السبعينية: كل كواكب السماء). ولكن هناك اختلافة في السبعينية (في الفاتيكاني) تقرأ 1: كل قوات السماء تنحلّ. كانوا يتصوّرون الافلاك وكأنها جيوش. أخذ لوقا قوله من مرقس وحوّله بعض الشيء. في أشعيا، شكّلت هذه الكلمات جزءاً من قول نبويّ حول نهاية أعداء الله المريعة الذين يصوّرون رمزياً كجيوش السماء. هذا ما يتضمّن انقلاب نظام الخلق والعودة إلى الخواء (رج أع 17: 26).
"حينئذٍ يشاهد الناس" (آ 27)، حرفياً: يُشاهَد). نتذكّر هنا ما قاله الرجلان للتلاميذ خلال الصعود في أع 1: 11: "يسوع هذا الذي صعد عنكم إلى السماء سيعود مثلما رأيتموه ذاهباً إلى السماء". "ابن الإنسان آتياً في السحاب". أخذ لوقا هذه العبارة من مر 13: 26، وحوّل الاسم من الجمع (الغيوم) إلى مفرد (غيم، سحاب). يشير النصّ إلى دا 7: 13 الذي نقرأه في السبعينية: جاء فوق سحاب السماء مثل ابن الإنسان. في خطبة لوقا الاسكاتولوجية، يعود القول إلى "مظهر" المسيح القائم من الموت، الآتي للدينونة كابن الإنسان (12: 8- 9: من اعترف بي... من أنكرني) لينجّي أخصّاءه. إن وظيفة ابن الإنسان في مر 13: 26- 27 هي وظيفتان: الدينونة (آ 26)، جمع المختارين (آ 27). إحتفظ لوقا بالوظيفة الأولى وتطلّع إلى نجاة التلاميذ (آ 28). "في كثير من القدرة والمجد". رج مر 13: 26. كل اهتمام لوقا يتوجّه إلى مجيء المسيح المجيد.
"إنتصبوا، إرفعوا الرؤوس" (آ 28). لا يليق بتلاميذ المسيح أن يشاركوا الناس في الخوف والتلاشي اللذين تتحدّث عنهما آ 26. بل يكون موقفهم موقف الرأس المرفوع والانتظار المفعم بالفرح. إنهم يستعدّون لاستقبال نجاتهم القريبة.
"النجاة". الفداء. تظهر هذه الكلمة عند لوقا. ولكنها لا تحمل معها مدلول "الفدية". إن نصيحة يسوع الآن تعارض ما قاله في آ 21 عن الهرب من أورشليم. غير أن الفداء (النجاة) لا يرتبط هنا بموت المسيح وقيامته، بل بعودته الثانية (أع 3: 19- 21؛ روم 8: 23؛ أف 4: 30). والمثل الذي سيرد الآن يعطي صورة عن اقتراب هذه النجاة.
ب- وضرب لهم مثلاً (آ 29- 33)
قدّم يسوع مثلاً كما في 6: 39 (أيقدر أعمى أن يقود أعمى) أو 18: 1 (ضرب لهم مثلاً عن وجوب المداومة على الصلاة). "أنظروا إلى التينة". هنا نتذكر مثل التينة التي لا تثمر (13: 6- 9). في مر 13: 28 ومت 24: 32، تؤخذ ثمرة التين من أجل درس يُعطى للتلاميذ. ولكن يسوع زاد كعادته: التينة "وسائر الشجر". هو يحبّ لفظة "كل" (3: 16؛ 4: 15؛ 9: 1). ثم هو لا يرى أمثولة في التينة وحدها، بل في جميع الأشجار. هذا لا يعني أن لوقا لم يعرف كيف تنمو التينة، أو أنه يكتب لأشخاص لما يروا التينة في حياتهم. بل نحن أمام طريقة بلاغية. في يوء 2: 22- 23، شجرة التين والخمر هما علامة عن بركة الرب لشعبه. غير أن هذا المعنى الذي يقدّمه العهد القديم، لا يدخل في مدلولا المثل.
"إذا رأيتموها برعمت" (آ 30). هناك براعم فتيّة تدلّ على زمن الصيف وثماره. "تستطيعون أن تروا وتقولوا في ذواتكم". لسنا بحاجة إلى تعليم وتدريب. ترون بدون مساعدة أحد. "إن الصيف قريب". هذا هو مرمى المثل: "البراعم" تدلّ على اقتراب الصيف.
"فلذلك أنتم أيضاً" (آ 31). أنتم الذين تسمعون كلامي وتزنونه. نجد العبارة عينها في 17: 10 (وهكذا أنتم أيضاً، إذا فعلتم كل ما أمرتم به). "حين تشاهدون كل ما يحدث". يستخلص يسوع النتيجة فيطبّق أمثولة المثل على الآيات التي ذكرها في آ 11، 25.
"ملكوت الله قريب". هكذا يبرز لوقا المعنى الرمزي للمثل فيتحدّث عن الملكوت، وهذا ما لا نجده في مر 13: 29 (يقول: ابن الإنسان قريب).
الملكوت قريب قرب الصيف، وهو يأتي بصورة أكيدة كما الصيف يأتي بعد براعم الشجر. نتذكّر هنا كلمات يسوع حول اقتراب الملكوت في 10: 9- 11 (ملكوت الله اقترب منكم... ملكوت الله اقترب): 19: 10 (ملكوت الله سيظهر في الحال). وما تقوله آ 28 عن "النجاة" تؤكّده الآن هذه الآية عن الملكوت. فتأكيد يسوع حول اقتراب الملكوت يتعارض مع "الزمن المناسب" الذي أعلنه الأنبياء الكذبة في 21: 8. قرب الملكوت يشبه قرب دمار أورشليم (21: 20). وهكذا ارتبط ظهور الملكوت بمجيء يوم ابن الإنسان (آ 25: 28).
"الحق أقول لكم". حرفياً: آمين، أقول لكم. أي: صدّقوني. أخذ لوقا هذه العبارة من مر 13: 30. ولكنه اعتاد أن يغفلها. "إن هذا الجيل لا يزول ما لم يتمّ (يحصل، يحدث) الكل". عاد لوقا إلى مر 13: 30 وترك لفظة "توتا" (هذه): هذا كلّه. نحن هنا في صدى لما في 9: 27 (في الحاضرين هنا. من لا يذوقون الموت حتى يشاهدوا ملكوت الله). إن هذا القول الاحتفالي لا يعود فقط إلى أورشليم، بل إلى حماية العالم أيضاً. فدمار أورشليم هو نموذج عن نهاية العالم، ومجيء الملكوت، ويوم ابن الإنسان. إن لفظة "الكل" ليست أداة بلاغيّة في لوقا. بل هي تعود إلى مر. غير أنها لا ترتبط بالمستوى الجلياني كما هو الأمر بالنسبة إلى "نهاية" أورشليم أو حماية العالم.
إلى مَ تعود لفظة "هذا الجيل"؟ سؤال صعب في هذه الخطبة الاسكاتولوجية. وقد قدّمت له أجوبة عديدة. (1) الجيل المعاصر ليسوع. (2) الشعب اليهودي. (3) البشرية شكل عام. (4) جيل الذين يرون آيات النهاية. إذا توقّفنا عند الجواب الأول، فهمنا الإنجيل على المستوى الأول، مستوى يسوع المسيح. نترك الجواب الثاني، ونتوقّف عند الجواب الثالث والرابع. فلوقا يكتب بعد دمار أورشليم. وهكذا نكون في المستوى الثالث. و"هذا الجيل" يدلّ على البشرية كلها (رج 7: 31؛ 9: 41).
"السماء والأرض تزولان" (آ 33). السماء والأرض، أي العالم كله، المخلوقات كلها تعود إلى العدم. هذا أمر مستحيل (رج ر 1: 17). إذن، يستحيل أن تزول كلمات يسوع. إن يسوع يماثل بين استمرارية كلماته النبويّة وكلمة الرب التي نجدها في العهد القديم (أش 40: 8: كلمة إلهنا تبقى إلى الأبد: 55: 10- 11؛ مز 119: 89). كلماته ثابتة ثبوت السماء والأرض. وهي تدوم حتى "النهاية". أما معرفة الأوقات والأزمنة فليست لنا. الآب حدّدها بسلطانه وهو يكشفها لنا.
خ- وكان في النهار يعلّم (آ 37- 38)
استعمل يسوع هذه العبارة ليدلّ على عادة يسوع بأن يعلّم كل يوم في الهيكل. هذا ما سبق وقاله لنا لو في 19: 47- 48. وفي الليل، كان يخرج. هل خاف من اليهود؟ على كل حال، سوف يمسكونه خلال الليل. "كان يقيم في الجبل". هذا لا يعنى أنه كان يقضي ليله في العراء. قد تكون هناك مغارة يأوي إليها. نجد شيئا قريباً من هذا في مت 21: 17: "خرج من المدينة إلى بيت عنيا وبات فيها".
"الجبل المدعو جبل الزيتون". رج 19: 29. جبل الزيتون يقع شرقي أورشليم. إن هذه الملاحظة تهيّئ الطريق لنصّ 22: 39- 47: خرج ومضى كعادته إلى جبل الزيتون... وفيما هو يتكلّم إذا بجماعة أقبلت (إلى جبل الزيتون).
"كان جميع الشعب يقوم باكراً ليأتي ويسمع له في الهيكل". الفعل "اورتريزاين": بكّر، نهض في الصباح الباكر. نجده في السبعينية في حز 24: 4؛ 32: 6؛ 34: 4؛ 2 مل 6: 15.
بعد هذه الآية تورد مخطوطات أسرة 13 (13، 69، 124، 346، 788، 826، 983) خبر المرأة التي أخذت في زنى (= يو 7: 53- 8: 11). نستطيع أن نقابل سياق يو 8: 1- 2 مع إجمالة لوقا لنفهم إقحام هذا المقطع في هذا الجزء من إنجيل لوقا.
3- تعلّموا من التينة
تابع يسوع خطبته الاسكاتولوجية، فاتخذت كلماته بُعداً آخر. كان قد أنبأ "بنهاية" أورشليم التي دمّرها الوثنيون وداسوها. وها هو ينتقل إلى نهاية أخرى، إلى ما سوف يحصل للعالم. كان القسم الأول من الخطبة نبوياً، وقد عبرّ عنه الإنجيل وهو ينظر إلى نهاية أورشليم التي تمت سنة 70 ب. م. والقسم الثاني عاد إلى موضوع مجيء ابن الإنسان، وقد سبق ولامسه في 17: 22- 37.
وإذ أراد أن يبرز الحاجة إلى ردّة فعل على ما سيحصل للعالم، وعلى قرب النجاة (أو الفداء)، زاد يسوع مثلاً عن شجرة التين (21: 29- 33) واستخلص منها كثر من درس.
نجد المثل في آ 29- 30. ثم تطبيق المثل في آ 31. وارتبط بهذا التطبيق بعض أقواله يسوع التي كانت مستقلة أو داخلة في قرائن أخرى. قال بعض الشّراح: لا شكّ في أن هذا المثل جزء من الخطبة الاسكاتولوجية. ولكن، هل قاله يسوع حرفياً، أو هل نبع من التقليد اليهودي أو المسيحي؟ وقال شارح آخر: إن مر 13: 28 يعود إلى يسوع، أما آ 29 فقد زيدت لتكيّف المثل مع المسيحيّة الأولى العائشة في جوّ جلياني كما نجده في 1 تس 4: 16 (الرب سينزل... يقوم الموتى) و 1 كور 16: 22 (مارانا تا، تعال أيها الربّ). ليس من سبب حقيقي يدفعنا لأن ننكر صحة الشكل المرقسي للمثل نفسه. أما هل كان جزءاً من الخطبة الاسكاتولوجية، فهذا شيء آخر.
في الشكل اللوقاوي، استخلص يسوع درساً من التينة وسائر الأشجار. ما إن تظهر البراعم حتى يعرف الإنسان أن الصيف صار قريباً. فالبراعم والأزهار تدلّ على الصيف وثماره. ويستنتج: تعلّموا أن تقرأوا العلامات الأخرى. حين ترونها، إفهموا أن ملكوت الله هو قريب. هكذا يجري مثل لوقا وخاتمته.
وإذ أراد يسوع أن يبرز كلامه، أورد أيضاً قولين شدّد بهما على اقتراب مجيء الملكوت (وبالتالي مجيء ابن الإنسان) وعلى جدّية ما يقوله من كلام. في القول الأول احتفظ لوقا بشيء من الاسكاتولوجيا المقبلة، مع أنه ميّز في خطبته بين ما حدث أولاً (سنة 70) وبين "النهاية". مهما كان مجيء الملكوت قريباً، فهذا لا يعني أن أحداً يعرف "متى". في أي حالة، نحن أمام تنبيه إلى "هذا الجيل" (7: 31؛ 9: 41؛ 11: 29- 32، 50- 51؛ 16: 8؛ 17: 25؛ أع 2: 40).
ما حُفظ لنا هنا هو ولا شكّ قوله من يسوع حول شيء يجب أن يعيشه "هذا الجيل". ولكن ما هو؟ هذا ما لا نعرفه. وقد حُفظت لنا أشكال لهذا القول في مت 10: 23؛ مر 9: 1. أن يكون هذا القول قد استعمل في قرائن إنجيلية مختلفة، يدلّ على أن المسيحية الأولى طبّقته (وربّما دوّنته) من أجل أهداف خاصة بها. وقد جُعل هنا لكي يوافق انتظار المسيحية الأولى لمجيء الملكوت القريب. هي قد ورثت من يسوع انتظاراً لشيء هام، فحدّدت طبيعته حسب حاجاتها بعد أن تأخّر مجيء المسيح.
خاتمة
ما أجمل أن نعرف أن نهاية تاريخ البشرية، ليست فوضى وشقاء، ينحدر فيهما انحداراً الكون بعد أن تسيطر عليه الخطيئة والاثم. نهاية الكون تكون في سيادة الله عبر مسيحه الممجّد في مجيئه الثاني. وهي سيادة الحب والبر.
وكل مرة تحدّث يسوع عن مجيئه الثاني والأحداث التي تسبقه، كان ينبّههم إلى السهر بإيمان يهيّئ مجيئه هذا. ولم يكن مرمى انباءاته عن النهاية لكي ترضي فضول البشر حول برنامج القرون الآتية، أو لكي تفرح تلاميذه لدى سقوط الأشرار وهلاكهم. ما أراده في تشديده على الأحداث الأخيرة، هو دعوة إلى التوبة والأمانة في السهر اليومي. ما أراد الربّ أن يقدّم لنا عرضاً مفصّلاً عن الأحداث المقبلةِ، بل تعليماً من أجل حياتنا اليومية. في مثل هذا التعليم نجد الثقة والشجاعة من جهة، كما نجد من جهة أخرى مخافة تدفعنا إلى السهر منتظرين مجيء المسيح الثاني.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM