الفَصل الحَادي عَشرَ: شَريعَةُ المَرأة بَعدَ الوِلادَة

الفَصل الحَادي عَشرَ
شَريعَةُ المَرأة بَعدَ الوِلادَة
12 : 1 – 8

أ- مقدّمة
يتطرّق هذا الفصل القصير الى حالات النجاسة الموقّتة، وأهمُّها ما يحصل للمرأة بعد أن تضع طفلها. وفي هذا لا يختلف العبرانيّون عن الشعوب الكثيرة التي تعتبر نجاسةً كلَّ ما يتعلّق بإنجاب الأولاد: يخسَرُ الإنسان بعضاً من حيويّته، فعليه أن يستعيدها باتّحاده عبرَ الذبيحة بالإله الذي هو مصدر الحياة ذاتِها. هذا من جهة، ومن جهة ثانية إنّ ما يجعل المرأة نجسةً هو سيَلانُ دمها، والدمُ عنصرٌ يبعث على القلق. ثم إنّه بولادة الأولاد يتمّ انقلاب في حياة المرأة، وحياة الولد، وحياة الجماعة التي تستقبل مخلوقًا جديدًا. من أجل هذا يجب تقدمةُ الذبيحة اللازمة.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
(آ 1-3) ولادة الذَكر: تنتظر المرأة أربعين يومًا قبل أن يتطهّر دمُها. هي نجسة بحسب الشريعة لأنّ الدم حرامٌ .
(آ 5-8) ولادة الأنثى: الأنثى محتقرة في الأزمنة القديمة، وما تزال محتقرة في مجتمعات عديدة. لهذا فولادة الأنثى يفرِض على الأمّ وقتًا أطولَ لتعود إليها طهارتُها: ثمانون يومًا.
في الابن قوة ليست في البنت، وهذا يعني أنّه أخذ حياةً من أمّه أكثرَ ممّا أخذته أخته. ولقد ذهب هيبو كراتيس، أبو الطبّ اليونانيّ، إلى القول: إنّ المرأة تحتاج الى وقت أطولَ لتستعيد قواها بعد ولادة الفتاة. وهو بذلك يفسّر الطبّ على الطريقة التقليديّة التي تعتبر الأنثى أقلَّ كرامة من الذكَر.

ج- ملاحظات عن الختانة
يقول سفر اللاويّين (3:12): "وفي اليوم الثامن يُختن الولد". ما هي الختانة؟ الختانة طقس قديم عرفه قبلَ الزواج أهلُ بلاد الرافدَين وأوغاريت. أمّا كلمة "ختن" وهي تعني في العبرانيّة الصِهر وزوجَ البنت، فهي تدلّ على من يتحمّل أصلاً عمليّة الختان، بمعنى أنّ من يريد أن يتزوّج فتاة من بنات إسرائيل، عليه أن يُختن (راجع قصة شكيم بن حمور، تك 34: 15 ي). وكلمة "خاتن" تعني والد العروس، وهو الذي يقوم أصلاً بعمل الختان. وهذا الأمر نجده في العربيّة، حيث تعني عبارة "ختن الرجل" تزوّج إليه وصاهره. في اللغة الأكّاديّة "ختنو" تعني زوج الفتاة. وفي الأوغاريتيّة "ختن" يعني زواج. وكذا نقول عن السُريانيّة حيث "حتن" يعني تزوّج بالمرأة، و"اتحتن" يعني خاتنَ فلانًا في ابنته وصاهره.
في القديم، كان والد الفتاة يقوم بطقوس الختان استعدادًا لحفلة الزَفاف. ولقد انتشرت هذه العادة فامتدّت من الشرق ووصلت الى أفريقيا، فما عاد العلماء يعرفون أصلها ومصدر انتشارها.
أمّا بالنسبة إلى العبرانيّين، فقد ارتبط الختان في ما بعدُ بالطفولة، وطبع بطابعه حياةَ الطفل الذكَر في يومه الثامن. ولكن كيف انتقلت ممارسة هذه العادة من استعداد للزواج الى استعداد لحياة جديدة؟ يبقى الأمر غامضا بالنسبة إلينا. أيكون ما نقرأه في سفر الخروج (4: 24-26) عن ختانة ابن موسى هو ما يوضح لنا الأمر؟ على كلّ حال، فالختانة إن تمّت بعد الطفولة فهي تتمّ في اليوم الثامن للولادة، وإن تمّت بعد الزواج فهي تتمّ في اليوم الثامن للزواج، وكانت التقاليد تعتبر أنّ اليوم الثامن هو اليوم الأوّل في الحياة الجديدة.
بعد الجلاء صار الخِتان بالنسبة الى العبرانيّ مسارة تدخله في حياة شعبه الدينيّة. ثم صار علامةَ العهد (تك 17: 1-7)، ومُورِس في وقت مبكّر قبل أن يستطيع الإنسان أن يختار أو يرفض. وهذا ما حدث بالنسبة إلى المعموديّة في المسيحيّة. كانت المعموديّة العلامة الخارجيّة لانضمام المؤمن الى إسرائيل الجديدة أي الكنيسة ، فارتبطت بالولادة.
ونودّ القول إن جماعة المتهوّدين ، أي المسيحيّين المتحدّرين من أصل يهوديّ ، أزادوا أن يفرضوا الختان كسبيل لا بدّ منه للدخول في إسرائيل الجديد. ولكن بولس عارض هذا الموقف بشدّة وقال: "ففي المسيح لا الختانُ ولا عدمُه ينفع شيئًا ، بل الإيمان العامل بالمحبة" (غل 5 :6).
يَروي القديس لوقا (2: 21 ي) أنّ الطفل يسوع خُتن في اليوم الثامن وسمّي يسوع وأن أهله صعدا به الى أورشليم ليقدّماه الى الربّ، وكان ذلك أربعين يومًا بعد ولادته. نرى هنا كيف أنّ والدَي يسوع اهتمّا بممارسة الشريعة، لا بل زادا عليها ما لم يكن مطلوبا، فصعدا بيسوع إلى الهيكل. كانت الشريعة تفرض على والدي كل ذكَر فاتح رحِم أن يقدّما تقدمة للرب ليفتدياه. أمّا التقدمة التي قدّمت لتطهير مريم ، فكانت تلك المفروضةَ على الفقراء

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM