القِسم الثالِث
الطّاهِرُ وَالنجِسُ بحسَبِ الشَريعَة
11 : 1 – 16 : 34
بعد تنصيب بني لاوي كهنةً، سيعطي القسم الثالث في فصوله الستّة (ف 11-16) التعليماتِ التي تساعد الشعب على التمييز بين ما هو طاهر وما هو نجِس، وهذا أمر يتعلّق أوّلاً بالكهنة (8:10- 11). إنّ هذه الفصول تشدّد على أهميّة الطهارة التي تسمح لنا بالاشتراك في الطقوس، وتحذّرنا من النجاسة. فهدف تعليم الكهنة هو أن يطمئنّ الإنسان أنّه قد أتّم الشروط اللازمة التي تسمح له بالمشاركة في عبادة تحافظ على الرباط بين الله القدّوس والجماعة المقدّسة. من هنا نجد مجموعات متعدّدة يرجع أصلُها الى تعليم شفهيّ، وإلى وعظ نظّمه الكهنة في معابد بني إسرائيل. غير أنّ هذه الموادّ التعليميّة قد نسّقها الكاتب الكهنوتيّ كعادته، ونظّمها ووحّدها في رؤية لاهوتيّة واضحة. وهكذا نستطيع أن نتصوّر كيف انتقل هذا التعليمُ من الطور الشفهيّ إلى الطور الكتابيّ، قبل أن يصل إلى نصوص شرائع الطهارة الخاصّة بالمعلّمين الذين عاشوا في الأجيال القريبة من المسيحيّة.
يبدأ الفصل الحادي عشر، فيورد أساس الطاهر والنجس عبرَ خلائق الله. ويتطرّق الفصل الثاني عشر إلى الولادة وبداية الحياة. وتعدّد الفصولُ 13-15 الحالاتِ المتنوعةَ التي تنجّس الفرد والجماعة. وينهي الفصل السادسَ عشرَ هذا القسم، فيرسم لنا الاحتفال العظيم الذي يقام كلّ سنة، فيزيلُ من الشعب كلّ أثر نجاسة، ويجدّد علاقة الجماعة بربّها. كلّ هذا وضع في قانون تشريعيّ تقطعه سلسلة من الخُلاصات، فتعطيه بُنْيته الأساسيّة.
نقرأ مثلاً في (11: 46-47): هذه شريعة البهائم والطير. بها تميّزون بين النجس والطاهر. ونقرأ في (7:12): هذه شريعة الولادة للذكر والأنثى. ونقرأ في (13: 59): هذه شريعة بلوى العفن (رج 14: 54-57؛ 15: 32-33؛ 29:16-34).
ترجع موادُّ هذه الفصول الى زمن بعيد جدًا ، وهي تعبّر عن تصوّرات دينيّة قديمة يصعب علينا أن نحيط بها أو نفهمها. كما لا نستطيع أن نقول إلى أيّ حدّ كانت هذه التصوّرات حيّةً يومَ دُوّن سفر اللاويّين. في اليهوديّة المتأخّرة كانت شرائع الطهارة تعتبر كرباط بين الله وإلانسان، لأنّ الله أوصى بها الإنسان. أمّا في سفر اللاويّين فالنجاسةُ هي واقع ملموس يحمل الخطر في ذاته. النجاسة تدلّ على شيء سيِّىء أصلاً. من أجل هذا لم يرسم لنا الكهنة الحدودَ الواضحة بين النجاسة الطقسيّة والخطيئةِ التي هي نجاسة أخلاقية