الفصَل التَاسع وَالثلاثون: إقامة يوُسف في مِصْر: نجَاح وَصُعوَبات

الفصَل التَاسع وَالثلاثون
إقامة يوُسف في مِصْر: نجَاح وَصُعوَبات
(39: 1- 23)

أ- المقدّمة:
1- إشترى يوسفَ رجل مصريّ (39: 1)، فرضي عنه حين رآه ناجحاً (39: 2- 6) فسلَّم إلَيه كلّ شيء في بيته. ولكنّ امرأة الرجل افترت على يوسف فجعله سيّده في الحصن مع سجناء الملك (39: 7- 20) ولكن ما عتّم يوسف أن حاز على ثقة رئيس السجن فترك له أن يدبّر أمور السجناء. (39: 21- 23).
2- يرجع هذا الفصل إلى التقليد اليهوَهيّ (ما عدا آ 1 ب، 4 أ، 20 ب، ألوهيميّ) وهو تتمة لما قرأنا في 37: 1 ي، وسنقرأ في 40: 1 ي الخبر الألوهيميّ عن إقامة يوسف في السجن، إلاَّ أنّنا نلاحظ منذ الآن كيف نسّق الكاتب الملهم النصوص فلم يكرّر هنا ما قاله هناك، بل جعل منها خبراً مشوّقاً متتابعاً.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة:
1- يوسف عند فوطيفار (39: 1)
(آ 1) فوطيفار هو رجل مصريّ وهو متزوّج. هذا ما يقوله اليهوهيّ. أمّا الألوهيميّ فيزيد خصيّ فرعون ورئيس الحرس (أو رئيس الطهاة. رج كلمة طبخ في العربيّة)، وهكذا تتناسق بداية هذا الفصل مع بداية الفصل التالي (40: 3 أ، 4).
2- نجاح يوسف عند فوطيفار (39: 2- 6)
ها هو يوسف عبد في بيت أحد عظماء مصر. جَمَاله سيجتذب إلَيه قلب امرأة فوطيفار. ذكاؤه وتواضعه وضميره الحيّ وحسن معشره (نقرأ صورة مماثلة في 1 صم 16: 15) سيجعله مقرَّباً إلى ربّ البيت الذي يثق به كلّ الثقة فيجعل كلّ ماله في يدَي يوسف. مثل هذه الصفات ترفع الشابّ إلى مركز عالٍ بين البشر، وحضور الله معه يجعل البركة تنتشر في المحيط الذي يعيش فيه. وهذا ما حدث ليوسف الذي كان رجلاً ناجحاً.
3- يوسف وامرأة فوطيفار (39: 7- 20)
(آ 7- 9) نقرأ في هذه الآيات بداية قصّة يوسف مع امرأة فوطيفار. طلبت إليه أن يضاجعها فرفض إكراماً لسيّده الذي وثق به كلّ الثقة وإكراماً لربّه، والزنى خطيئة كبيرة في شعب الله (خر 20: 14؛ لا 18: 20) حتى مع امرأة مخطوبة، ويكون الموت عقاب تلك الفعلة الشنيعة (تث 22: 23 ي؛ رج تك 38: 24). يمكن الرجلَ أن يقيم علاقات جنسيّة مع نساء بيته وجواريه وسبايا الحرب، (16: 2؛ تث 21: 10 ي) أمّا المرأة فقد فرضت عليها الأمانة الزوجيّة، ولهذا لا يحقّ لها أن تكون إلاَّ لرجل واحد. وعندما يحدث فعل زنى، فعلى الشعب أن ينزع الشرّ من أرضه (تث 22: 22). ويعاقب الرجل الزاني الذي أخطأ إلى زوج المرأة فمسّ ما يملكه، والمرأة مُلك الرجل (تث 22: 24) وقد اشتراها ودفع ثمنها يوم خطبها.
(آ 10-19) مرّت فترة بين نداء المرأة ومحاولتها مضاجعة يوسف. كلَّمته فلم يجبها. أمسكت بثوبه فترك الثوب في يدها وهرب. حينئذٍ انقلبت فيها الرغبة الجنسيّة حقداً وبغضاً (نقرأ الشيء ذاته في 2 صم 13: 15)، فجعلت من الثوب الذي بيدها دليلاً على يوسف، ودعت الخدم ليشهدوا معها على فعل هذا العبد الذميم. واتّهمته مرّة أولى أمام الخدم، ومرّة ثانية أمام زوجها، وسمّته ذلك العبرانيّ، تعبيراً عن احتقارها له، وذكرت كلمة "لاعب" لتدلّ على فعل الزنى.
(آ 20) وجعل يوسف في الحصن مع سجناء الملك
4- نجاح يوسف مع السجناء (39: 21- 23)
(آ 21) وتتردّد الكلمة: وكان الربّ مع يوسف (آ 2، 3، 23).
وتتردّد العبارة الأخرى: رضي عنه رئيس الحصن كما رضي فوطيفار (آ 4) لأنّه كان ناجحاً في كلّ ما يعمل.
(آ 22) مَن هو رئيس الحصن؟ لا يذكر اليهوهيّ اسمه، كما لا يذكر اسم فوطيفار الذي هو بالنسبة إلَيه "المصريّ" الذي اشترى يوسف.
(آ 23) كما عامل فوطيفار يوسف فجعل كلّ شيء تحت سلطانه، كذلك لم يهتمّ رئيس الحصن بشيء بل ترك أمور السجن ليوسف.

ج- ملاحظات:
1- ونتساءل: لماذا لم يعاقب فوطيفار هذا العبد بقساوة؟ فإن كان عقاب الرجل الحرّ الذي يزني بامرأة هو الموت، فما يكون عقاب عبد استفاد من ثقة سيّده وعرّض بكرامة ربّة البيت. ولكنّ الكاتب لا يتوقّف عند هذه الاعتبارات، بل يهتمّ بأن يفهمنا أنّ الربّ كان مع يوسف، لا ليدفع عنه الضيق، بل ليكون معه في وقت الضيق. لا شكّ في أنّ يوسف انحدر إلى أسفل الدركات، ولكنّ الله يحيطه بعنايته. يمكن للمحن أن تتوالى، ولكنّ يوسف يواجه هذه المحن بصبر وثبات وتواضع وهو يؤمن إيماناً عميقاً بعناية الله وحضوره في حياته وهذا ما جعله يربح ثقة الناس ورضى الله.
2- نقرأ في قصّة يوسف كلمة "عبرانيّ" خمس مرات (39: 14، 17؛ 40: 15؛ 41: 12؛ 43: 32) ويذكر سفر الخروج العبرانيّين العائشين في أرض مصر، كما يذكرهم سفر صموئيل الأوّل في حربهم مع الفلسطيّين.
لم تكن كلمة "عبرانيّ" تعني شعباً بل جماعة من الناس، وطبقة حقيرة كانت تنتقل من مكان إلى آخر (كالغجر) فتشكّل خطراً على الأمكنة التي تمرّ بها. فالعبرانيّون في نظر الشعوب هم طبقة من الناس تقوم بالأعمال الشاقّة والسخرة (خر 1: 2 ي؛ 1 صم 14: 21). أمّا في نظر بني إسرائيل فالعبرانيّون شعب (يون 1: 9) يُعرَفون بأرض أعطاها الله لهم ميراثاً (40: 15: التقليد الألوهيميّ يتكلّم عن أرض العبرانيّين، تث 15: 12)، ولهم تاريخ عريق يرتبط بتاريخ شعوب العالم كلّه (10: 25 يذكر اسم عابر في لائحة الشعوب المتحدّرة من سام).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM