الفصَل الثَامِن وَالثَلاثون: قصَّة يَهُوذا وتامـَار

الفصَل الثَامِن وَالثَلاثون
قصَّة يَهُوذا وتامـَار
(38 : 1- 30)
أ- المقدّمة:
1- ونترك يوسف موقتاً لنقرأ قصّة يهوذا وتامار. هذه المرأة مارست الشريعة الموسويّة قبل أن تعلن، والتي تقضي بأن يتزوّج الأخ أرملة أخيه ويقيم له عقباً (تث 25: 5- 10) تهرّب أونان، بن يهوذا، من واجبه هذا لأنّه عرف أنّ النسل لن يكون له (آ 9)، وكذلك فعل يهوذا فلم يعطِ ابنه شيلة لتامار لأنّه خاف أن يموت مثل أخويه (آ 11). أمّا تامار فلم تيأس ولم تتراخَ إلى أن حصلت على ما طلبت: إبنان من يهوذا، وواحد منهما سيكون جدّ داود الملك.
على مثال تامار ستفعل راعوت الموآبيّة فلا ينقطع نسل يرى الملك مسيح الرب.
2- ترجع هذه القصّة إلى التقليد اليهوهيّ الآتي من جنوبيّ البلاد وفيه عناصر إخباريّة من قبيلة يهوذا، والقصّة قصّة يهوذا، وإلى تقاليد القبائل الكنعانيّة، والأبناء الخمسة، رؤساء القبائل، يرجعون بأمّهم إلى نساء كنعانيّات.
3- في المقطع الأوّل (38: 1- 5) نرافق يهوذا الذي ترك إخوته وأسسَّ عيلة مع بنت شوع الكنعانيّ، في المقطع الثاني (38: 6- 11) نتعرّف إلى تامار التي دخلت بيت يهوذا وتزوّجت ابنَيه عيراً وأونان ثم عادت إلى بيتها. في المقطع الثالث يروي لنا الكاتب حيلة تامار مع يهوذا ليكون لها منه ولد (38: 12- 26)، وفي المقطع الأخير (38: 27- 30) نعرف بولادة فارص وزارح من يهوذا وتامار.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة:
1- زواج يهوذا (38: 1- 5)
(آ 1) في ذلك الزمان... إذاً لا تحديد للوقت الذي فيه ترك يهوذا إخوته، مع أنّنا نراه قرب أبيه (43: 3 ي) ومع إخوته (44: 14 ي). ولكنّنا أمام تقاليد مختلفة.
عدلاّم: مدينة كنعانيّة تقع على الطريق التي تربط حبرون بغزّة (يش 12: 15؛ 15: 35).
(آ 2) شوع: إسم كنعانيّ. نلاحظ أنّ مثل هذا الزواج مقبول كما سيكون مقبولاً زواج ابَني أبيملك بامرأتَين موآبيَّتين (را 1: 4).
(آ 3- 5) عير: أحد رؤساء قبيلة يهوذا (46: 12؛ عد 26: 19) وكذا أونان وشيلة. كازيب أو اكزيب: موضع غير بعيد عن عدلاّم (يش 15: 44؛ مي 1: 14).
2- تامار كنة يهوذا (38: 6- 11)
تزوّج يهوذا فتاة كنعانيّة، ثم زوّج بكره أيضاً كنعانيّة اسمها تامار أي النخلة. غير أنّ تامار لم تهنأ بزواجها، فات زوجها، واسمه عير، لأنّه كان شرّيراً في عينَي الرب. فالعمر الطويل علامة بركة الله على أتقيائه، والعمر القصير علامة غضبه على الأشرار.
واتّبع يهوذا الشريعة القائلة بأنّ على الأخ أن يقيم عقباً لأخيه إذا مات وليس له عقب، فزوّج ثاني أبنائه، أونان، بتامار. ولكنّ أونان رفض أن يقيم نسلاً لأخيه بسبب أنانيّته وقساوة قلبه. فحكم الله عليه لفعلته الشنيعة وأماته.
ماذا سيفعل يهوذا بعد ذلك؟ هل يزوّج ابنه الأصغر، شيلة، بتامار، تلك المرأة "النحس" التي مات بسببها اثنان من أولاده؟ أم يتبع القاعدة المتّبعة في ذلك الوقت فيقوم بواجبه تجاه بكره عير وتجاه كنَّته تامار وقد حسبها مسكونة بقوّة قاتلة (طو 3: 7 ي)؟ إختار يهوذا الطريقة التي تؤمّن سلامة ابنه، فتصرّف كما يتصرّف كلّ أبٍ تجاه ابنه (وإن كان تناسى الشريعة). ولكنّ ما فعله بتامار لم يكن لائقاً برئيس قبيلة وبالأحرى لا يليق برجل مؤمن. أعاد تامار إلى بيتها فاعتبر أنّها ليست أرملة حقيقيّة (را 1: 8 ي؛ لا 22: 13)، وكذب عليها عندما قال لها إنّ القرار موقت ريثما يكبر الصبيّ (شيلة) بينما عزم في نفسه على نسيانها.
3- تامار تحتال على يهوذا (38: 12- 26)
(آ 12- 23) في هذا الإطار تجري قصّة تامار. ماتت شوع، امرأة يهوذا، فصار أرملاً لا عقب له بعد الأولاد الثلاثة، وقد مات منهم اثنان. كبر شيلة، ابن يهوذا الأصغر، ولم يعطِه أبوه زوجاً لتامار. وهكذا سينقطع نسل عير، وربّما نسل يهوذا إن لم يتزوّج شيلة. حينئذٍ أخذت تامار المبادرة فأغوت يهوذا وأخذت منه رهناً (خاتمه وعصاه وعمامته) واختفت عن الأنظار. وجاء من يخبر يهوذا بأنّ تامار كنّته هي بغيّ.
(آ 24) علم يهوذا بما فعلت كنّته فأمر بأن تحرق. جريمتها كبيرة ولهذا يكون عقابها كبيراً (لا 21: 1)، وعقاب الزانية هو الرجم. ولكن، بأيّ حقّ يتصرّف يهوذا على هذا الشكل بعد أن أعاد تامار إلى بيتها، فتصرّفت هي وكأنّ لا علاقة تربطها ببيت يهوذا؟ لمّا أعادها إلى بيتها اعتبرها خطيبة ابنه لا أرملته، وها هو الآن يطلب لها العقاب اللازم لأنّه اعتبرها من أهل بيته ولها ما لكلّ امرأة (أرملة) من حقوق وواجبات.
(آ 25- 26) وتصرّفت تامار بشجاعة ساعة أرادوا تنفيذ حكم الإعدام فيها. قدّمت الخاتم والعمامة والعصا... فاعتبرها يهوذا أبرّ منه أي أكثر تقوى ومحافظة على شريعة الربّ، ثم اعترف بها كنّة له وتبنّى ولدَيها. هل أصبحت امرأة شيلة في ما بعد؟ هذا ما لا يقوله الكتاب
4- ولادة فارص وزارح (38: 27- 30)
(آ 27) توأمان في بطن تامار كما في بطن رفقة.
(آ 28) ولا بدّ أن يعرف الوالد مَن هو البكر.
(آ 29) تلاعب على المفردات. فارص، قطع ففرض نفسه بالقوّة على زارح (عد 26: 20- 21؛ را 4: 12؛ 18- 22؛ 2 أخ 2: 5، 9- 17). وهكذا سيتسلّط على أخيه في شخص داود الذي سيملك على أرض كنعان.

ج- ملاحظات:
1- نحن أمام قصّة من قصص القبائل فيها الكثير من الحبّ والشرف وروح الفروسيّة والعاطفة الأبويّة، وفيها عالم إنسانيّ بعاداته وخطاياه وشهواته. هي قصّة عائلة صغيرة، عائلة يهوذا، ستمرّ عبر الموت، ولكنّها قصّة تنتهي النهاية الحسنة بالنسبة إلى يهوذا الذي يحصل على نسل لعير، وبالنسبة إلى تامار التي كان لها نسل سيخرج منه يسوع المسيح.
2- مع قصّة يوسف تبرز قصّة يهوذا. إحتال على يوسف إخوته فاستراحوا من صاحب الأحلام ولكن إلى حين، واحتالت تامار كلى يهوذا مضحّية بكلّ شيء فكان لها نسل مبارك. وتجاه تامار تبرز امرأة فوطيفار: إمرأتان عاشتا الحبّ الزوجيّ كلٌّ على طريقتها. الأولى محافظة على عهدها لعائلة يهوذا، وفي سبيل هذا الحفاظ على العهد ما تورّعت من أن تتصرّف كزانية لتلفت نظر يهوذا إلى واجباته تجاه كنّته. أمّا الثانية فأنكرت عهدها لزوجها وأرادت أن تخونه لو أنّ يوسف وافقها على طلبها. وتجاه يوسفي العفيف النفس الذي رفض أن يفعل سيّئة ويخطأ إلى الله (39: 9) يبرز أونان الذي تلاعب بالزواج (خطيئته تُسمّى في اللاهوت: الأونانيّة) واستهان بالشريعة. كان ليوسف العمر الطويل والنجاح ببركة الربّ عكس أونان. وزال ذكر امرأة فوطيفار، أمّا ذكر تامار فدام لأنّه دخل عبر يهوذا في سلالة المسيح.
3- نقرأ في سفر تثنية الاشتراع (25: 5 ي) عن واجبات الأخ تجاه أخيه الذي تُوفّي بدون نسل، وواجبات السلف تجاه امرأة أخيه الأرملة. فالقاعدة المتّبعة تقول: إذا مات رجل متزوّج ولا أبناءَ له، فالأخ يتزوّج امرأة أخيه ليعطي نسلاً لأخيه، وهذا النسل يسمّى باسم الأخ المتوفّى. غير أنّ الأخ يمكنه أن يرفض القيام بهذا الواجب، إمّا لأنّه لا يحبّ المرأة، وإمّا لأنّه يخاف أن لا يقوم بمعاشها. حينئذٍ تبصق المرأة في وجهه احتقاراً (يحتقره بنو قومه) وتأخذ منه حذاءه لتدلّ على أن لا ميراث له في بيت أخيه. هذا ما يراه سفر التثنية، أمّا سفر اللاويّين فيرى عكس ذلك (18: 16؛ 20: 21) ولكنّ هذه العادة ظلّت متّبعة في زمن يسوع المسيح (مت 22: 23- 28) الذي أعطى اليهود مثل المرأة التي تزوّجت سبعة إخوة، فاستنتج أنّ الناس في السماء لا يزوّجون ولا يتزاوجون.
4- لا نحكم على تامار بحسب قواعد السلوك التي نعرفها اليوم، وهي قد تصرّفت بطريقة لا تقبل بها حتى أخلاقيّة عصرها. غير أنّ الكاتب لا ينظر إلى الوسائل التي أخذتها لتصل إلى غايتها فيكون لها ولد من زوجها عير، بل يتطلعّ إلى أمانتها لزوجها وإلى اهتمامها بأن تؤمّن له نسلاً، وهذا ما لم يفعله أونان سلفها. وبسبب أمانتها هذه واهتمامه بنسل زوجها عذرَها الكتاب على عملها وألغى حكم الإعدام عليها (لا 18: 15)، وأعلن يهوذا براءَتها على الملإ، لا بل أعلنها أبرّ منه بالنسبة إلى ممارسة الشريعة. وهكذا، حصلت تامار، رغم خطيئتها، على البركة نفسها التي حصل عليها إبراهيم وإسحق ويعقوب. هم حصلوا على أرض وعدهم بها الربّ وعلى نسل يدوم بعدهم، وهي حصلت على نسل كبير سيدخل في نسل المسيح (مت 1: 3). نحن لن نتبعها في ما فعلت ولكنّنا لا ننسى ما قاله يسوع: جباة الضرائب والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله (مت 21: 31)

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM