الفصل السَّابعَ والثَلاثون: يوُسُف وَأخوَتهُ

الفصل السَّابعَ والثَلاثون
يوُسُف وَأخوَتهُ
(37: 1- 36)
أ- المقدّمة:
1- بهذا الفصل تبدأ قصّة يوسف وإخوته، وبه تتمّ قصّة يعقوب أبي القبائل الاثنتَي عشرة. وإذا جعلنا جانباً خبر يهوذا وتامار (38: 1 ي) سيكون وجه يوسف حاضراً في كلّ الفصول المتبقّية من سفر التكوين. باعه إخوته فأخذه الشارون إلى مصر. فحالفه الحظّ هناك وصار وزير مصر الأوّل الذي استقبل إخوته في زمن المجاعة ثمّ هيّأ لهم مكاناً في أرض جاسان. وها هو الخبر يبدأ بالبداية: أحبّ يعقوب يوسف أكثر من جميع إخوته.
2- نجد هنا في هذا النصّ دمجاً للتقاليد الثلاثة التي ذكرناها. لماذا يبغض يوسف إخوته؟ التقليد الأوّل يقول: لأنّه أخبر أباهم بفعلتهم الشنيعة (37: 12) والتقليد الثاني يقول: لأنّ أباه فضَّله عليهم فصنع له قميصاً جميلاً كقميص الملوك، فحسدوه (37: 3- 4) والتقليد الثالث: يقول: لأنّه رأى أحلاماً تبيِّن لإخوته أنّه سيكون سيّداً عليهم (37: 5- 11). ونتساءل مع تقليد أوّل لا يخاف من أن يشدّد على خطيئة الآباء: هل باعه إخوته للإسماعيليّين (37: 27- 28) الذين اقتادوه إلى مصر (39: 1)؟ أم نتساءل مع تقليد آخر يسعى إلى إعطاء صورة جميلة عن حياة الأباء فنقول: هل إنّ تجّاراً مديانيّين خطفوه دون علم إخوته (37: 28- 30، 40: 15) وأخذوه معهم إلى مصر حيث باعوه لفوطيفار، رئيس حرس فرعون؟ لا ننسَ أنّ الإسمعاعيليّين يتحدّرون من إسماعيل ابن هاجر (تك 16)، بينما المديانيّون يتحدّرون من قطورة التي تزوّجها إبراهيم بعد موت سارة (25: 1- 2).
3- يرسم لنا الكاتب صورة عن يوسف بين إخوته (37: 1- 4)، ثمّ يروي لنا أحلاماً رآها يوسف تدلّ على المصير الذي ينتظره في المستقبل إذ يسجد له والده وإخوته كما لملك (37: 5- 11). حسد الإخوة أخاهم الأصغر واستفردوه يوماً في البريّة فباعوه للتجار (37: 12- 36) وكان باستطاعتهم أن يقتلوه. وحمل التجار يوسف إلى مصر وباعوه لفوطيفار خصيّ الفرعون.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة:
1- يوسف حبيب قلب أبيه (37: 1- 4)
(آ 1- 2) ترجعان إلى التقليد الكهنوتيّ بسبب العبارة التي تعوّدنا سماعَها: هذه مواليد.
(آ 3- 4) أحبّ إسرائيل يوسف. هكذا يبدأ التقليد اليهوهيّ فيذكر القميص الموشَّى الذي ميَّز يعقوب الولد المفضّل.
2- وحلم يوسف... (37: 5- 11)
(آ 5- 8) حلم أول: الحزم في الحقل.
(آ 9- 10) حلم ثانٍ : الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً.
(آ 11) وهذا ما جعل إخوة يوسف يبغضونه ويضمرون له شرّاً.
رأى يوسف حلمَين، الواحد يؤكّد الآخر، ويشدّد على أنّ ما رآه لا محالة يتحقّق. أمام هذه الأحلام نتساءل: هل نحن أمام فكرة لاهوتيّة لأحلام يمكن أن تكون رسالة من عند الربّ، أو تصوّرات رجل متكبّر رأى في نومه ما لا يستطيع أن يحقّقه في يقظته؟ غير أنّ هذه الأحلام هي طريقة يوحي بها الله. قصده إلى أحبّائه. وهكذا فهمها يوسف وتاكّد أنّها ستتحقّق وعاش على هذا الرجاء. أمّا إخوته فرفضوا أن يروا في هذه الأحلام صوت الله، فتصرّفوا مع يوسف وكأنّه ليس أخاهم. ولكنّ يعقوب وقف بين الاثنَين: وبّخ يوسف لأنّه أخبر إخوته بأحلامه، وأخذ يتأمّل بمضمون هذه الأحلام دون أن يفهم سرّ الله، ولهذا يقول عنه الكاتب: وكان أبوه يحفظ هذا الكلام (37: 11) على مثال ما سيقول عن مريم العذراء أمام سرّ ابن الله ( لو 2: 19، 51). هذا هو موقف المؤمن: التأمّل في الأحداث وانتظار ساعة الله.
3- حسَده إخوتُه فباعوه (37: 12- 36)
(آ 12- 17) نقرأ أنّ يعقوب أرسل يوسف مسافة ثلاثة أيّام إلى إخوته، فتأخذنا الدهشة ونتساءل: ألاَ يعرف مدى بغضهم له؟ وستلاقي يوسف الأخطار في الطريق فتصوّر لنا مسبقاً الأخطار التي ستعترضه عندما يذهب في الصحراء مع الذين سيبيعونه في مصر.
(آ 18- 19) هنا نسمع أقوال إخوة يوسف ونعرف ما يفعلونه بأخيهم. "تعالَوا نقتله ونطرحه في البئر ونقول إنّ وحشاً ضارياً افترسه، ونرى ما يكون من أحلامه". هل خافوا أن تتحقّق هذه الأحلام، أم أرادوا أن يبيّنوا بطلانها وتفاهتها؟ أمَا هكذا قال اليهود عن يسوع المصلوب مستهزئين به: "يا هادم الهيكل وبانيه في ثلاثة أيّام، إن كنت ابن الله فخلِّص نفسك وانزل عن الصليب" (مت 27: 40)؟
(آ 21- 22) رأوبين هو البكر والمسؤول عن إخوته. يريد أن يخلّصه من أيديهم فلا يقتلوه، لأنّ خطيئة القتل والدم جرم كبير لا يمكن طمسه أو التعويض عنه (4: 10). لقد أبغض يوسف إخوته لأنّ أباه فضّله عليهم، فأرادوا أن يستريحوا منه ومن أحلامه، فما دام يوسف حيّاً سيحبِّه أبوه، وما دام حيّاً ستبقى أحلامه تهديداً دائماً لهم.
(آ 23- 24) ثمّ يكتفي إخوة يوسف برمي أخيهم في أحد آبار البريّة (هذا ما سيحدث لإرميا 38: 6، لمّا أراد القائد إهلاكه)، وبعدها يسحبونه من البئر ويبيعونه لتجّار يحملون بضائعهم بين الشرق ومصر (يذكر الكاتب دوتان وهي مدينة تقع شماليّ السامرة وهي على الطريق بين دمشق وجلعاد).
(آ 26- 36) باعه إخوته بعشرين من الفضّة، وهذا المبلغ هو ثمن الإنسان العاديّ بحسب سفر اللاويّين (27: 5)، وستروا خطيئتهم ثم بالكذب: ذبحوا تيساً من المعز وغمسوا قميص يوسف في دمه، وأرسلوا القميص المغمّس بالدم إلى أبيهم. بهذه الطريقة أعطَوا الوالدَ الدليلَ القانونيّ على أنّه مات، عندما أرسلوا إلَيه بقايا يوسف، ليرتاحوا من أيّة ملاحقة (خر 22: 12) فيتركهم أبوهم وشأنهم.

ج- ملاحظات:
1- تأكّد يعقوب أنّ القميص قميص يوسف فترك العنان لحزنه: شقّ ثيابه، لبس المسح وناح أيّاماً كثيرة ورفض أيّة تعزية. هو لا ينتظر بعد شيئاً (رج 2 صم 12: 23) إلاَّ أن "ينزل إلى الجحيم"، أي أن يموت فيستريح من هذه الحياة... ولكنّ يوسف لم يمت، بل هو يعيش عند فوطيفار رئيس شرطة الملك فرعون. بعد أن يتوقّف الكاتب على قصّة يهوذا وتامار سيعلمنا بما سيحدث ليوسف.
2- لا شكّ في أنّ الكاتب أراد أن يبيّن لنا أن يعقوب ينال عقاب أعماله الماضية. فكما كذب على أبيه وسرق من أخيه حقّ البكوريّة، هكذا كذب عليه أبناؤه، فحرموه من ابنه المفضّل وغمروا شيخوخته بالحزن والألم. لقد ربط شعب الله بين الخطيئة والألم، والألم هو عقاب الخطيئة، إن لم يكن هو ما ينبّهنا إلى خطيئتنا. والكاتب الملهم لا يكتفي بأن يذكر عقاب الله للبشر، بل يشدّد على قوّة الله الذي يوجّه الأحداث من أجل خير المتّكلين عليه، وفي سبيل تحقيق مخطّطه الخلاصي

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM