الفصَل الحادي وَالثلاثون: هَرب يعقوب وَرجوعه إلى كنعَان

الفصَل الحادي وَالثلاثون
هَرب يعقوب وَرجوعه إلى كنعَان
(31: 1- 54)

أ- المقدّمة:
1- هذا هو الخبر الأخير من النزاع بين يعقوب ولابان يرويه الكاتب الملهم في ثلاثة مشاهد. في المشهد الأوّل (31: 1- 21) هرب يعقوب من عند لابان. في المشهد الثاني (31: 22- 42) لحق لابان يعقوب ودار النقاش بين الاثنَين. في المشهد الثالث (31: 43- 54) عقد يعقوب ولابان عهداً ورجع كلّ منهمَا إلى مكانه.
2- يرجع المشهد الأوّل إلى التقليد الألوهيميّ، إلاَّ أنّ الكاتب الملهم أقحم فيه الآيات 1، 3، 21 التي أخذها من اليهوَهيّ والآية 18 من الكهنوتيِّ، ثم زاد من عنده الآيتين 10، 12 من أجل سياق الخبر. والمشهد الثاني يرجع أيضاً إلى الألوهيميّ مع إقحام الآيات 25، 27، 31، 36 أ، 38- 40 من اليهوَهيّ. أمّا المشهد الثالث فيرجع إلى التقليدَين الألوهيميّ واليهوهيّ. فالألوهيميّ (آ 43- 45، 49- 50، 53 ب- 55) يروي أنّ المتعاقدَين أقاما نصباً في المصفاة، واليهوَهيّ (آ 44، 46- 48، 51- 53 ب) يروي أنّهما جمعا حجارة في جلعاد.
3- كومة الحجارة تكون شاهدة على يعقوب ولابان (يش 7: 26. 8: 29) لأنّ ما فعله الاثنان ستذكره الأجيال في ما بعد. والطعام الذي أكله المتعاقدان فوق الكومة يرافق ما اتّفقا عليه: لا يتخطّى الواحد منهما هذه الكومة التي تعتبر حدود بني يعقوب العبري ولابان الآرامي. في اللغة الآرامية "يجر سهدوتا" تقابل في اللغة العبرّية "جل- عد" أي كومة الحجارة. وهكذا يعود الكاتب إلى الاشتقاق اللغويّ ليذكر جبل (يش 22: 34) ومنطقة جلعاد (هو 6: 8؛ 12: 12) بمدينتها الواقعة شرقيّ الأردن.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة:
1- وهرب يعقوب من عند لابان (31: 1- 21)
(آ 1- 3) خدم يعقوب لابان ستّ سنوات جديدة فصار عمره 40 سنة بعد أن عاش عند خاله عشرين سنة (31: 38). اغتنى يعقوب فصار له غنم كثير وجوار وعبيد وجمَال وحمير. وإذ خاف أن يمنعه خاله من الذهاب، هرب مع عائلته ومواشيه فلحَق به لابان ولكنهمَا أبرما اتّفاقاً بينهمَا ورجع لابان إلى مكانه، وتابع يعقوب سيره.
أجل، عزم يعقوب على الرجوع إلى البيت. من جهة، جمع كلاماً قاسياً من بني لابان، ومن جهة ثانية سع كلام الربّ: إرجع إلى أرض آبائك وأنا أكون معك.
(آ 4- 13) فاجتمع بامرأتَيه، ليئة وراحيل، وسرد لهما الوقائع وخيّرهما: أتبقيان مع والدهما، أم تتبعان زوجهما؟ عندما أخبر يعقوب امرأتَيه بما حدث له مع والدهما أخفى بعض الأمور ليظهر في أعينهما بمظهر المظلوم وشدّد على صدقه وإخلاصه في خدمة لابان. أيكون أنّ التقليد الألوهيميّ أراد أن يعطي السامعين نظرة إلى يعقوب تدلّ على استقامته وسموّ أخلاقه؟
(آ 14- 18) ولاقى نداء يعقوب آذاناً صاغية عند ليئة وراحيل اللتَين اتّفقتا على القول بأنّ والدهما عاملهما كما تعامل الجواري الغريبات، لا كما تعامل البنات، فباعهما وقبض ثمنهما دون أن يعطيهما شيئاً. واستفاد يعقوب من بُعد خاله عنه وانطلق هارباً.
(آ 19- 21) كان لابان مشغولاً في جزّ غنمه خلال فصل الربيع (1 صم 25: 2- 11؛ 2 صم 13: 23)، فسرقت له راحيل آلهته، وفرّ يعقوب دون أن يخبره بفراره.
2- ولحق لابان بيعقوب (31: 22- 42)
(آ 22- 23) علم لابان بفرار يعقوب مع عياله ومواشيه، فأراد أن يستردّ كل شيء. فلحق به وأدركه في جبل جلعاد.
(آ 24- 25) ولكنّ الله الأمين في مواعيده ليعقوب ظهر على لابان في الحلم وحذَّره من أن يسيء إلى يعقوب بالقول أو بالفعل. ووصل لابان إلى حيث نصب يعقوب خيامه على جبل قرب ساقية يبوق (الزرقاء اليوم) الفاصلة بين آرام وإسرائيل.
(آ 26- 30) عاتب لابان يعقوب: لماذا أخذ ابنتَيه كما تؤخذ السبايا؟ كان بودّه أن يرافقهما بالأغاني والموسيقى. وهدّده: لو لم يظهر الله عليه لاقتصَّ منه. وسأله عن "الترافيم"، هذه الأصنام الصغيرة التي جاءت بها راحيل معها لتحرس لها بيتها وتبارك عيالها.
(آ 31- 35) إنّ يعقوب لم يودعّ لابان لأنّه يخاصم أن يحتفظ ببناته فلا يعطيه أيّاهنّ. أمّا الترافيم فمن وجدت عنده يُقتل قتلاً. هكذا تكلّم يعقوب. بحث عنها لابان فلم يجدها، لأنّ راحيل جلست فوقها متذرّعة بمرضها.
(آ 36- 42) عندئذٍ أخذ يعقوب يخاصم لابان فذكّره أنّه خدمه عشرين سنة بصدق وإخلاص، وأعلن له أنّه لولا تدخّل الله لأكل له حقّه وأرسله إلى بيت والدَيه صفر اليدين.
3- وتعاهد الرجلان يعقوب ولابان (31: 43- 54)
وقطع الاثنان عهداً يذكره تقليدان مختلفان: تقليد أوّل يجعل قيام العهد في جلعاد حيث جمع الحاضرون حجارة واشتركوا في الوليمة المقدّسة. وتقليد ثانٍ يجعله في المصفاة حيث رفع الحاضرون النصب ليكون شاهداً على الاثنَين. وإن حصل أن زال النصب أو تبعثرت الحجارة فالعهد باق لأنّ الله يبقى الشاهد الأوّل على المتعاقدَين. ينصّ هذا العقد على أنّ يعقوب يحترم ابنتَي لابان وأنّ لابان لا يتعدّى هذا النصب أو كومة الحجارة التي تكوّن الحدّ بين أرض يعقوب (إسرائيل) وأرض لابان (آرام).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM