القسم الثاني: اســــحق مبارك الرب

القسم الثاني
اســــحق مبارك الرب
( ف 24 – 28 )

1- هذا هو اللقب الذي أعطاه لإسحقَ ملكُ جرار: مبارك الرب. رأينا أنّ الله معك فأردنا أن نقطع معك عهداً. والربّ حقّاً بارك إسحق. أمَا زرع زرعاً في أيّام المجاعة (26: 1) فأصاب في تلك السنة مئة ضعف (26: 12)؟ أمَا ازداد غناه من المواشي إلى حدّ جعل الفلسطيّين يحسدونه؟
2- إسحق هو ابن البركة وقد انتظره والده سنوات، وعلاقته بأبيه إبراهيم علاقة مضاعفة: علاقة جسديّة لأنّ إبراهيم هو أبو إسحق من سارة، وعلاقة روحيّة لأنّ حياة إبراهيم ارتبطت بحياة إسحق في محنة مشتركة عبّر فيها كلّ مكنهما عن إيمانه العميق بالله.
3- أوّل يوم دعا فيه الله إبراهيم وعده بنسل يرث هذه الأرض، وجدّد له هذا الوعد بعد أن افترق عن ابن أخيه لوط (13: 15). تبنّى إبراهيم أليعازر الدمشقيّ (15: 2) ولكنّ الربّ كان ينظر إلى من يخرج من أحشاء إبراهيم. دخل على خادمته هاجر فأعطته إسماعيل، فقدّمه إبراهيم إلى الربّ: لو تشمل إسماعيل برضاك. سيبارك الربّ إسماعيل ولكنّ إسحق هو ابن الموعد (17: 19 ي). ويزداد شوق إبراهيم وامرأته سارة، بل يكادان لا يصدّقان فيضحكان. ولكنّ الربّ يتراءى لإبراهيم: سأعود بعد سنة ويكون لسارة امرأتك ابن (18: 10). وهكذا كان. إنتظر إبراهيم طويلاً، بل كانت حياته انتظاراً لهذا المولود المنتظر، وسوف تتمّ فرحته حين يزوّجه.
4- ولكن هذه الفرحة ستسبقها ترحة، بل محنة ولا أقسى: خذ ابنك وحيدك وأصعده محرقة على الجبل (22: 2). ولكنّ الذبيحة لم تتمّ على طريقة الكنعانيّين بل على الطريقة التي يريدها الربّ فيذبح الكبش عوض الولد. ولكن يبقى أنّه على جبل الموريّا امتحن الله إبراهيم وظهر له، فكان ظهور الربّ ضياء أنار نهاية حياة إبراهيم وبداية حياة إسحق. يتحدّث الكتاب عن بطولة إبراهيم الذي يضحّي بابنه ووحيده، ويتركنا نتأمّل صامتين بطولة إسحق الصبي الذي قال على مثال أبيه: نعم: هاءنذا، لبّيك، فنال على خضوعه لله بركة سترافقه طول حياته.
لم يكن إسحق العنصر الماديّ للذبيحة، كالحمل أو بواكير الأرض بين يدَي الكاهن فحسب، بل أيضاً شارك والده لتكون ذبيحته مقبولة، فاستعدّ استعداداً داخليّاً لكي يكون ضحيّة للربّ، وقدّم إليه ذاته فكرية تنبع من أعماق كيانه. هذا ما نفهمه من الحوار بين الأب وابنه، وهما صاعدان إلى جبل الموريّا. فشجع الواحد الآخر على سلوك طريق الإيمان بالله والاتّكال على القادر أن يقيم الأموات (عب 11: 19).
5- عندما يتحدّث "ترجوم نيوفيتي" على الليالي الأرج انطلاقاً من تفسير خر 12: 40- 44، يتحدّث في الليلة الأولى عن خلق الكون، وفي الليلة الثالثة عن ظهور الربّ على المصريّين يوم هروب العبرانيّين من العبوديّة في تلك الليلة المعروفة، وفي الليلة الرابعة عن وصول موسى والمسيح في نهاية العالم. أما الليلة الثانية فتحدّثنا عن إبراهيم وإسحق. ظهر الله على إبراهيم، وهو ابن مئة سنة، وعلى امرأته سارة، ابنة التسعين، ليتمّ ما قال الكتاب. هل سيولد ولد لإبراهيم، ابن المئة سنة، وهل تنجب سارة ولداً وهي ابنة التسعين؟ وكان عمر إسحق 37 سنة عندما قدّم على المذبح. حينئذٍ نزلت السماوات وانحنت فشاهد إسحق كمالاتها وأظلمت عيناه بسبب هذه الكمالات. وسمّيت الليلة الثانية.
6- هذا القسم الثاني من الكتاب الثاني يمتدّ على خمسة فصول. في فصل أوّل (24: 1-67) يروي الكاتب اليهوهيّ زواج إسحق برفقة، في فصل ثانٍ (25: 1- 34) تطالعنا أخبار عن أبناء إبراهيم من قطورة وعن نسل إسماعيل وإسحق، وفي فصل ثالث (26: 1- 35) عن إقامة إسحق في جرار وبئر سبع. ويموت إبراهيم ويموت إسماعيل ولن يبقى إلاَّ ابن الوعد الذي سيسلّم الأمانة ابنَه يعقوب، ويعقوب سيوصلها إلى أبنائه الإثنَي عشر، أساس شعب إسرائيل.
ويبارك إسحق. يعقوب، لا عيسو البكر، بحيلة من رفقة (27: 1- 46) قبل أن يرسله إلى لابان ليتّخذ له زوجة هناك. تزوج عيسو امرأة من بني إسماعيل أمّا يعقوب فسار إلى لابان برفقة الله الذي ظهر له بشكل سلّم تصعد وتنزل عليه ملائكة الله (28: 1- 22).
7- أجل، كما تواصلت حياة إبراهيم في حياة إسحق، هكذا تداخلت حياة إسحق في حياة عيسو ويعقوب. فكما كان الله مع إبراهيم في بئر سبع (21: 33) هكذا كان مع إسحق فظهر له في الحلم ووعده بأن يكون معه كما كان مع أبيه (26: 23- 24). وسيكون أيضاً مع يعقوب: إنّي أعطي هذه الأرض لك ولنسلك (28: 13).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM