الفصَل الثاَني وَالعشرُون: ذبيحَة إبرهيم ابنه اسْحق

الفصَل الثاَني وَالعشرُون
ذبيحَة إبرهيم ابنه اسْحق
(22: 1- 24)

أ- المقدّمة:
1- طلب الله من إبرهيم أن يذبح إسحق، فكان ذلك الطلب أصعب محنة مرَّ فيها إبراهيم. ولكن الله لا يريد أن يذبح الولد، لهذا هيّأ لنفسه ذبيحة حيوانيّة تحلّ محلّ إسحق: كبش عالق بقرنَيه.
آمن إبراهيم فدفعه إيمانه إلى إطاعة الله وتنفيذ ما يأمره به، فاستحقّ أن يجدّد الله له المواعيد التي منحها له ولنسله من بعده: سأباركك وأكثر نسلك كنجوم السماء.
2- وكانت القاعدة أن يقدّم بنو إسرائيل للربّ كلّ ذكرٍ فاتح رحم من الحيوان، أمّا بكر الإنسان فيفتدى على مثال إسحق. كانت تقدمة الأغنياء: شاة أو غيرها من الحيوان. أمّا الفقراء فيقدّمون زوجَي يمام أو فرخَي حمام (لا 5: 7). هكذا صنع يوسف ومريم يوم قدّما يسوع للربّ (لو 2: 22- 24).
3- يرجع النصّ (آ 1- 14) إلى التقليد الألوهيميّ، وهو ببساطته يدخلنا إلى نفسيّة إبراهيم هذا الرجل الذي يتألّم بصمت فلا يفشي بشعوره لأحد. وحده يعرف إلى أين يقود ابنه. وحده يعرف كم يكلّفه هذا العمل الذي قام به ولكن الربّ يجازي إبراهيم لإيمانه وطاعته.
4- كتب التقليد الألوهيميّ هذه الرواية فجاءت آية في الصياغة، وأعطاها معنًى عميقاً عندما ربطها بأحداث حياة إبراهيم، وشدّد فيها على فكرتَين: على عظمة إيمان إبراهيم، وتلك فكرة أساسيّة، ثمّ على رفض الله للذبائح البشرِّية على عادة الكنعانيّين، وتلك فكرة عرضيّة. نقرأ هذه الحادثة في جوّها المأساويّ، ولا نقل إنّ الله يعرف كلّ شيء، كما لا نتخيّل أنّ الأمور ستنتهي بالخير لأنّنا نعرف نهاية القصّة. بل علينا أن ندخل في قلب إبراهيم الذي لا يعرف نتيجة طلب الله، ولا يفهم لماذا طلب منه الله أن يضحّي بابنه وحامل اسمه، وهذا ما يجعل إيمانه يمرّ في صعوبة ويملأ قلبه ألماً عميقاً.
5- في المقطع الأوّل (22: 1- 14) نرافق إبراهيم إلى جبل الموريّا حيث يقود ابنه ليذبحه للرب. في المقطع الثاني (22: 15- 19) نسمع الربّ يعد إبراهيم بالبركة. في المقطع الثالث (22: 20- 24) نتعرّف إلى أقرباء إبراهيم العائشين في آرام النهرَين وسيكون لنا حديث عنهم عندما نورد خبر زواج إسحق برفقة (24: 1 ي).

ب- تفسير الآيات الكتابيّة:
1- ذبيحة إبراهيم (22: 1- 14)
(آ 1) بعد هذه الأحداث، أي بعد أن طرد إبراهيم إسماعيل فلم يبقَ له إلاَّ إسحق ليكون له به نسل، امتحن الله إبراهيم، أي أراد أن يعرف استعداده للمحافظة على وصيّة الله (خر 16: 4؛ تث 8: 2؛ 13: 4).
(آ 2) نادى الله إبراهيم، فأجاب: لبّيك. قال: خذ ابنك، وحيدك الذي تحبّه، إسحق... الذبيحة المطلوبة: ابنه وابن سارة، إبن الموعد الوحيد بعد أن طرد إسماعيل، الابن الذي أحد والذي وضع فيه كل آماله والذي سيرث اسمه وكلّ ماله.
أرض موريه هي الأرض العالية بحسب السبعينيّة اليونانيّة، وأرض الرؤيا بحسب الشعبيّة اللاتينيّة، وأرض الأموريّين بحسب السريانيّة البسيطة. لا نجد اسم موريه إلاَّ في (2 أخ 3: 1)، وهو المكان الذي بنى عليه سليمان الحكيم هيكل أورشليم. لقد سار إبراهيم مدة ثلاثة أيّام إلى الشمال ليقدّم ذبيحته على أحد الجبال القريبة من أورشليم، في أرض الأموريّين (14: 7- 13) الذين جاءُوا في الألف الثالث ق. م. وسكنوا بين البحر والفُرات واحتلّوا القسم الجنوبيّ من كنعان مسكن قبيلة يهوذا في ما بعد (عد 13: 29؛ تث 1: 7؛ يش 10: 5). ولقد ربط سفر الأخبار جبل موريه بمكان هيكل أورشليم فلا يكون شرف الجبل المقدّس أقلّ من شرف بيت إيل ودان وبئر سبع. وهكذا بُني الهيكل، أي المكان الوحيد لذبائح إسرائيل، حيث قدّم إسحق ذبيحة لله، وصار المكان الذي فيه رأى إبراهيم الله مركز حضور الله في شعبه مدى أجيالهم.
لقد تعرّف إبراهيم إلى المحنة يوم تعرّف إلى الله. فقد بدأت المحنة في حياته لمّا سلخه الله من أرضه ومحيطه وأرسله إلى المجهول (12: 1 ي)، ثمّ جاءه الجوع فاندفع إلى أرض مصر ناسياً الأرض التي وعده الله بها (12: 15 ي). ولكنّ المحنة ستأخذ في هذا الحدث بعداً عميقاً ومؤلماً وهدّاماً: وعده الله بأرض تعطى له ونسل يرث هذه الأرض فأعطاه إسماعيل ثمّ اسحق. غير أنّ هذا الإله ذاته طلب إليه أن يسمع لامرأته سارة ويطرد إسماعيل، وها هو يطلب إليه أن يقدّم إسحق ذبيحة له. أين مواعيد الله؟ وما معنى حياة عاشها مع الله؟ وكيف سيكون المستقبل؟
(آ 3) لا يصوّر لنا الكاتب قلب إبراهيم بل يكتفي بأن يذكر لنا طاعته الصامتة. منذ الصباح الباكر أيقظ ابنه والغلامَين، هيّأ الحمار والحطب وحمل النار والسكّين. وقال فيه حك 10: 5، "حفظته الحكمة بدون عيب أمام الربّ، وجعلته يصمّ أُذنَيه عن محبّته لابنه". وقالت عب 11: 17، "بالإيمان قدّم إبراهيم ابنه الوحيد إسحق ذبيحة عندما امتحنه الله".
(آ 4- 5) إنطلق إبراهيم باكراً إلى الموضع الذي دلّه الله عليه. ظلّ يسير ثلاثة أيّام دون أن تتغيّر استعدادات قلبه. وهناك معنى آخر لعبارة "ثلاثة أيّام": هي الزمن اللازم للقاء الربّ (رج خر 5: 3).
ترك إبراهيم الغلامَين وسار وابنه، فلا يشهد أحد الذبيحة التي يقدّمها إلى الله.
(آ 6- 8) سار إبرهيم وابنه على مهل، كمن يسير في احتفال مهيب.
حمل إسحق الحطب، واحتفظ إبراهيم بالنار والسكّين فلا يؤذيا الولد.
وكان صمت ثقيل رهيب قطعه سؤال إسحق: يا أبتِ، هذه النار والحطب، فأين الحمَل للمحرقة؟ مشهد مؤثّر جدّاً وكلام مزّق قلب الوالد. ولكنّ الوالد لا يجيب إلى سؤال الولد. لا حاجة إلى قول الحقيقة الآن، والصمت أفضل طريقة للتعبير عن ألم الأب. وسارا كلاهما كما سيسير إيليّا وأليشاع قبل أن يفترق الواحد عن الآخر (2 مل 2: 1 ي) غير أنّ أليشع كان عالماً بما سيحدث لمعلّمه، أمّا إسحق فلم يكن على علمٍ بشيء.
(آ 9- 10) وصلا إلى الموضع... بنى إبراهيم المذبح، نضّد الحطب، ربط إسحق ابنه، وضعه فوق الحطب، مدّ يده، أخذ السكّين... تشدّد الأب في إيمانه وأطاع الله حتى النهاية، خضع الابن لأبيه، ومن خلال خضوعه لأبيه خضع لمشيئة الله.
(آ 11- 12) تحقق الله أنّ إبراهيم يحبّه. وعندما أمسك بالسكّين ليذبح ابنه، ناداه ملاك الله من السماء: "لا تمدُد يدك إلى الفتى، علمت أنّك تخاف الله وتطيع وصاياه" (20: 11؛ 42: 18؛ 2 مل 4: 1؛ اش 11: 2؛ ام 1: 7؛ أي 1: 1- 8)
(آ 13) تدخّل الله وأعطى إبراهيم كبشاً ليذبحه بدل ابنه إسحق، لأنّه لا يريد الذبائح البشريّة. قال ترتليانوس: "حمل إسحق الحطب للمحرقة وقدّم ذاته ذبيحة كما طلب إليه الله. ولكن هذه الأمور كانت رموزاً ستتمّ في شخص المسيح. سار إسحق مِع الخشب وذبح محلَّه كبش مربوط بقرنَيه في العلّيقة، وحمل يسوع الخشب على كتفيه وعلّق على ذراعَي الصليب وجعل إكليل الشوك حول رأسه".
(آ 14) إنتهى المشهد كما بدأ، إنتهى بكلّ بساطة فما سمعنا هتاف فرح أو صرخة بكاء.
سمّى إبرهيم المكان: الربّ يرى، أو الربّ يتراءَى ويظهر. لقد ظهر الله فرأى طاعة إبرهيم، والطاعة هي ذبيحة حقّة، رأى عظمة إيمان إبراهيم الذي لم يكن كلاماً فحسب، بل أيضاً عملاً وصل إلى حدّ البطولة. وإذا عرفنا أنّ جبل موريه هو جبل الهيكل (1 ش 2: 3؛ 30: 29؛ مز 24: 3)، يمكننا أن نقول: الله يرى حاجات الساجدين له على جبل صهيون، كما رأى قلب إبراهيم وإسحق، وهو يستجيب لهم ويغمرهم ببركاته بفضل إيمان إبراهيم أبيهم.
2- بركة الله لإبراهيم (22: 15- 19)
(آ 15) ونادى ملاك الربّ إبراهيم... هو نداء آخر يقابل ذاك الذي سمعه إبراهيم في آ 11.
(آ 16) بنفسي حلفت. لا يستطيع الربّ أن يحلف بأعظم منه لهذا فهو يحلف بنفسه (خر 32: 13؛ اش 45: 23). ملاك الربّ هو الربّ بالذات.
(آ 17) أباركك وأكثر نسلك. هذا ما قرأناه في 12: 2؛ 15: 5.
من وضع يده على باب المدينة وضع يده على المدينة كلّها (24: 60).
(آ 18) لأنّك سمعت قولي... لأنّك أطعتني، سيكون جزاؤك بركة لك ولنسلك.
(آ 19) ورجع إبراهيم وإسحق إلى الغلامَين، ثمّ رجع الجميع إلى بئر سبع.
3- سلالة ناحور (22: 20- 24)
(آ 20) نحن هنا أمام سلسلة من الأسماء هي امتداد لتلك التي قرأناها في 11: 28- 30 عن أقرباء إبراهيم أبناء ناحور. هم اثنا عشر مثل أبناء إسماعيل (25: 13- 16) وأبناء يعقوب (35: 22- 26). أسماء العلم التي نقرأها هنا تدلّ على قبائل أو مَواطن قبائل أقامت على تخوم الصحراء السوريّة أو شرقيّ لبنان، ملكة وناحور. رج 11: 27- 29.
(آ 21) قموئيل هو أخو عوص وأبو آرام. أمّا في 10: 22- 23 فنقرأ: آرام هو ابن سام ووالد عوص.
بوز (ار 25: 23؛ أي 32: 2): قريب من أدوم وهو يقيم شماليّ الجزيرة العربيّة.
(آ 22- 23) كاسد: جدّ الكاسديّين أي الكلدان (11: 28، 31).
بتوئيل والد رفقة. أورد الكاتب هذا الكلام ليهيّئ القارئ لخبر زواج إسحق برفقة.
بتوئيل هو والد رفقة ولابان بحسب 24: 15؛ 24، 47؛ 25: 20؛ 28: 2- 5.
(آ 24) معكة: قبيلة آراميّة أقامت عند سفح حرمون (تث 3: 14؛ يش 12: 5؛ 2 صم 10: 6).

ج- ملاحظات:
1- محنة إبرهيم
كان أمام الكاتب الألوهيميّ قصة ولد نجا من الموت بعد أن كانت حياته في خطر، فأخرجها بأسلوبه واستنتج منها أمثولة أخلاقيّة ودينيّة في طاعة الله، وصوّر إبراهيم أبا المؤمنين، ذلك الإنسان التقيّ الذي يخضع خضوعاً كاملاً لإرادة الله ويعطي الدليل على أنّه يخاف الله باستعداده للتضحية بابنه.
هذه الرواية الألوهيميّة تجعلنا نفهم ما هي مخافة الله كما يحدّثنا عنها الكتاب المقدّس. الذي يخاف الله يقرّ بسلطته الخفيّة التي لا تقبل الجدل، ويثق بالربّ ثقة كاملة ويطيعه بدون تردّد ليبرهن على خضوعه له. خاف إبراهيم الله فنفّذ أمره من دون أن يحسب حساباً للنتائج أو يهتمّ بما تكلّفه الطاعة لأوامر الله.
إنّ محنة إبراهيم عميقة جدّاً ولا نفهمها إن لم نضعها في إطار تاريخ الخلاص، لأنّها لا تصيبه في عاطفته الأبويّة فحسب، بل في إيمانه أيضاً. لا شكّ في أنّ إبراهيم قد تألّم عندما طلب إليه الله أن يضحّي بابنه وحبيبه لأنّه أب، غير أنّه تألّم بصورة خاصّة لأنّ من طلب إليه الربّ أن يضحّي به هو حامل المواعيد ومنه سيخرج نسل لإبراهيم وفيه وضع إبراهيم كلّ رجائه. هل هناك تناقض في أوامر الله؟ أتراه يسترجع اليوم ما اعطاه البارحة؟ لماذا لجأ البارحة إلى معجزة ليعطيه ابناً سيأخذه منه اليوم؟
ترك إبراهيم أرضه وعشيرته فقطع على نفسه طريق الماضي، وها هو يضحّي بابنه ووحيده فيقطع طريق المستقبل، فيجد نفسه في طريق مسدود. هو لا يستطيع أن يرجعٍ إلى الوراء، بل هو مجبر على السير في الظلام. ها هو يمشي إلى مكان الذبيحة صامتا متألِّماً. إبنه بجانبه، غير أنّه لا يستطيع أن يبتهج بمرآه لأنّه سيخسره. فلم يعد له في تلك الحال إلاَّ أن يتمسّك بإيمانه، هذا الإيمان الذي رافقه قبل أن يولد الولد، والذي شجّعه ساعة طلب منه الولد.
لم يفهم إبراهيم موقفاً الله، ولم يعد يعرف معنى حياته بعد أن طلب الله إليه أن ينطلق إلى جبل الموريا: لقد ضاع كلّ أمل، ووعد الله زال. ولكنّ إبراهيم ينفّذ ما يأمره به الله. يسأله ابنه عن الذبيحة، فيجيبه: الله يرى. لو يرى الله تمزُّق قلب إبراهيم الذي يريد أن يمنع الموت عن ابنه دون أن يعصي أوامر الله الذي يبدو وكأنّه تراجع عن كلامه! أطاع إبرهيم الله مؤمناً ساعة كان الإيمان مستحيلاً، ووضع رجاءه بالله ساعة كان الرجاء جنوناً.
2- ترجوم نيوفيتي في ذبيحة إبراهيم
إنّ ترجوم نيوفيتي لهذا الفصل يسمّي حادثة إسحق "عقد إسحق" ليدلّ على أنّ إسحق أوثق وربط فوق الحطب قبل أن يأخذ أبوه السكّين، ثم حُلّ بحسب طلب الربّ ونجا من الموت.
(1) وكان بعد هذه الأحداث أنّ الربّ (كلمة الربّ) امتحن إبراهيم الامتحان العاشر. فقال له: إبراهيم...
(5) فقال إبراهيم لخادمَيه: امكثا أنتما ههنا مع الحمار. وأنا والصبي نمضي إلى هناك،. فنصلّي ونرجع إلَيكما.
(6) وذهبا كلاهما معاً بقلب كامل لا عيب فيه.
(7) فكلَّم إسحق إبراهيم أباه وقالت: "يا أبتِ". قال: "لبّيك يا بنيّ". قال: "هذه النار والحطب، فأين الحمَل للمحرقة"؟
(8) فقال إبراهيم: "إنّ حمل المحرقة مُعدّ أمام الربّ (أو أعدّت كلمةُ الرب لي حمل المحرقة)، وإلاّ فأنت حمل المحرقة، يا بنيّ (رج يو 1: 29- يسوع حمل الله). ومضيا كلاهما معاً بقلب كامل لا عيب فيه (بقلب هادئ، إبراهيم ليَذبح ابنه إسحق، وإسحق ليُذبح).
(9) فلمّا وصلا إلى الموضع الذي أشار له الربّ إليه بنى إبراهيم هناك المذبح، ونضّد الحطب وأوثق (عقد الحبل على) إسحق ابنه وألقاه على المذبح فوق الحطب.
(10) ومدَّ إبراهيم يده فأخذ السكّين ليذبح ابنه إسحق. حينئذٍ بادر إسحق أباه إبراهيم بالكلام فقال له: "أَوثقني كما يجب لئلاّ أرفسك برجلي فتخسر ذبيحتك قيمتها، وأنحدِر أنا إلى هوّة الهلاك في العالم الاتي". وكانت عينا إبراهيم شاخصتَين إلى عينَي إسحق، بينما كانت عينا إسحق تتطلّعان إلى ملائكة العلاء دون أن يراهما إبراهيم. في ذلك الوقت انحدر من السماء صوت (أو ملاكان يقول الواحد للآخر): تعالوا وانظروا شخصَين لا مثيل لهما في الكون، الكاهن والضحية. الكاهن لا يتردّد، والضحيّة تمدّ عنقها.
(11) فناداه ملاك الربّ من السماء فقال: "إبراهيم، إبراهيم، قال: هاءَنذا...
(14) تم سجد إبراهيم وصلّى باسم كلمة الرب (أو في محل سكن الرب وقال له: أنت يا من ترى دون أن تُرى) فقال: "اتوسّل إلى رحمتك يا ربّ، يا من كلّ شيء معروف وظاهر أمامك: لم يكن أي تردّد في قلي منذ الدقيقة الأولى التي قلت لي فيها بأن أذبح ابني إسحق وأجعله تراباً ورماداً أمامك، بل نهضت في الصباح الباكر ونفّذت أوامرك بسرعة وأتمَمت بفرح ما طلبته منّي. والآن عندما يقع أبناء إسحق في الضيق تذكّر وثاق (عقد) أبيهم إسحق واسمع صوت توسّلهم. إستجبهم وخلّصهم من المصائب، فتقول الأجيال الآتية: على جبل معبد الربّ حيث قدّم إبراهيم إسحق ابنه، على هذا الجبل قد ظهر مجد حضور (سكن) الرب".
3- أمّا ترجوم أورشليم فيبدأ شرحه بمقدّمة طويلة تدخل السامعين والقارئين في قلب إسحق. وكان بعد هذه الأحداث، وبعد أن تجادل إسحق وإسماعيل، أنّ إسماعيل قال: "إليّ يعود الحق في أن أرث أبي لأنّي ابنه البكر". أمّا إسحق فقال: إليّ يعود الحقّ في أن أرث أبي، لأنّني ابن سارة امرأته وأنت ابن هاجر، أمَة والدتي". فأجاب إسماعيل وقال: "أنا أبرّ منك لأني خُتنت في الثالثة عشرة من عمري، ولو لم أرد لما كنت خضعت للختان، وأنت ختنت في اليوم الثامن، فلو كنت مدركاً لربما رفضت الخضوع للختان". فأجاب إسحق وقال: "عمري اليوم 37 سنة ولو طلب منّي القدّوس- تبارك اسمه- كلّ أعضائي لمَا رفضتها له". فلمّا سمع سيّد العالم هذه الكلمات امتحنت كلمة الله إبراهيم...
إنّ نصّ الكتاب المقدّس لا يذكر شيئاً من عواطف إسحق الذاهب إلى الموت. أمَّا الترجوم فيشدّد على أنّ إسحق قبل أن يذبح بملء حريّته، أظهر استعداده لأن يضحّي بذاته إكراماً للربّ، فيكون ذبيحة مقبولة لا عيب فيها

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM