الفصل الثَالِث عَشَر: رجُوع إبراهيم إلى كنعَان وَانفِصَاله عَن لوُط

الفصل الثَالِث عَشَر
رجُوع إبراهيم إلى كنعَان وَانفِصَاله عَن لوُط
(13: 1- 18)

أ- المقدّمة:
1- لم يوفّق إبراهيم في أرض مصر، فخرج من هناك طرداً، ولولا تدخّل الله من أجله لآلت إليه الحال على غير ما آلت. لا شد في أنّه رجع ومعه الغنم والبقر والحمير، فصار "غنيّاً جدًّ" ولكن متى يكون غنى المال بذي قيمة لمن باركه الله وجعله بركة لكلّ شعوب الأرض.
2- يرجع هذا الفصل إلى التقليد اليهوهيّ، وهو امتداد لما قرأناه في الفصل السابق، ولكنّه طعّم ببعض الآيات من التقليد الكهنوتي. تلك كانت طريقة الكاتب الملهم الذي أوصل إلينا النصّ الكتابيّ في صيغته النهائيّة: أخذ من هذا التقليد أو ذاك فقدّم لنا خبراً مشوّقاً دون أن يهمل أيّ تفصيل ورد في نصوص شعب الله القديمة.
3- في مقطع أوّل (13: 1- 4) نرافق إبراهيم في تنقّلاته من مصر إلى كنعان، وفي مقطع ثانٍ (13: 5- 18) نشاهد خصومة رعاة إبراهيم ورعاة لوط على أرض أخذت تضيق بهم وكلإٍ قليل وعيون شحَّ ماؤها.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة:
1- تنقّلات إبراهيم (13: 1- 4)
(آ 1) ويتابع النصّ ما قرأناه في الفصل السابق.
كان أبرام في مصر ورفيقه كالعادة لوط ابن أخيه.
(آ 2) كان غنيّاً، وخاصّة بالفضّة والذهب اللذَين جاء بهما من مصر بفضل امرأته سارة. أمّا لوط فلم يكن حظّه كحظّ عمّه!
(آ 3- 4) وتنقّل أبرام من مصر إلى بيت إيل... وهناك بنى مذبحاً ودعا باسم الربّ. هكذا تال الكتاب عن أنوش (4: 26)، وكذلك سيقول عن رجال الله.
2- انفصال إبراهيم عن لوط (13: 5- 18)
(آ 5) يذكر الكاتب لوطاً، وقد كان غنيًّا مثل عمّه يملك الغنم والبقر ولكن لا فضَّةَ له ولا ذهب.
(آ 6) تعلّل هذه الآية انفصال إبراهيم عن لوط بقلّة المراعي وكثرة المواشي.
(آ 7) تعيد هذه الآية (وهي من التقليد الكهنوتيّ) ما قالته الآية السابقة (تقليد يوَهيّ)، وتقول إنّ سبب انفصال إبراهيم عن لوط خصومة جرت بين رعاة كلِّ مهمَا. والخصومات بين الرعاة أمر عاديّ، خاصة قرب الآبار أو الينابيع (26: 20). وإذا عرفنا أنّ رعاة إبراهيم ولوط ليسوا وحدهم في بلاد يسكنها الكنعانيّون والفرزيّون، (34: 30؛ يش 17: 15؛ قض 1: 5) نفهم مدى هذه الخصومات. عندما يكثر السكّان في رقعة أرض ضيقة قليلة الموارد يكون الخلاف والتناحر أمراً عاديّاً.
(آ 8- 9) يُظهر إبراهيم نحو ابن أخيه نبلاً وكرَماً وحبّاً للسلام، ويفكّر: إذا كانت الخصومة بين الرعاة تجعل الحياة المشتركة مستحيلة فلينفصل الشيخ عن ابن أخيه. وطلب إبراهيم إلى لوط أن يختار الجهة التي يريدها لينصب فيها خيامه.
(آ 10) وقف الرجلان على جبل بيت إيل حيث يستطيع الناس أن يروا البحر من الغرب، والأردنّ من الشرق، وجبل موآب والبحر الميت في الجنوب. ونظر لوط إلى وادي الأردنّ الخصب الممتدّ من البحر الميت حتى صوعر، فرأى فيها جنّة الربّ مثل أرض مصر.
(آ 11- 12) إختار لوط الأرض الخصبة والحياة السهلة. نزل إلى المدينة مركز الفساد، إلى سدوم المعروفة بفجورها، بينما بقي إبراهيم بعيداً عن المدينة يتنقّل كالبدو من مكان إلى آخر.
(آ 13) يذكر الكاتب شرّ أهل سدوم ليهيّئ القارئ إلى ما سيرويه في 18: 1 ي عن خراب سدوم وعمورة.
(آ 14- 17) مضى لوط فظهر الربّ لإبراهيم وشجّعه في وحدته وجدّد وعده في شكيم: يعطيه البلاد التي يقيم فيها (12: 7). أمّا الآن فهو يريه الأرض الواسعة التي سيرثها والنسل الكبير الذي سيأتي بعده: "سيكون نسلك كتراب الأرض كثرة".
(آ 18) إنطلق إبراهيم إلى ممرا، وهناك سيقيم إقامةً متواصلة، اللَّهمَّ وقت ذهب مع رجاله لنصرة لوط (14: 1 ي). في ممرا سيظهر الله له ليجدّد الوعود التي قطعها له وليقيم عهده معه (15: 17)، كما سيزوره الملائكة (18: 19). في ممرا يولد إسحق ابن الموعد (21: 1 ي) و يموت إبراهيم وسارة، ويقيم إسحق ويعقوب أيّاماً طويلة. وهكذا أصبحت ممرا مركزاً مهمّاً، يتذكّر فيها بنو إسرائيل الكثير من تاريخ آبائهم مع الله

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM