القسمُ الأوّل: إبراهيم أبو المؤمنين وَخليل الله

القسمُ الأوّل
إبراهيم أبو المؤمنين وَخليل الله
( ف 12 – 23 )

1- في هذا القسم من الكتاب الثاني نقرأ سيرة إبراهيم، أبي المؤمنين وخليل الله. في فصلٍ أوّل (12: 1- 20) نسمع نداء الربّ له: إنطلقَ من حاران إلى أرض كنعان، بل قادته تنقّلاته إلى أرض مصر. ولكنّ الربّ أعاده إلى كنعان بعد أن ذلّ في مصر، ثمَّ فصله عن ابن أخيه لوط ووعده بأن يعطيه نسلاً وأرضاً. هذا هو موضوع الفصل الثاني (13: 1- 18). أمّا موضوع الفصل الثالث (14: 1- 15) فمستقلّ عمّا سبق، ولكنّه يروي لنا تدخّل إبراهيم ليخلّص ابن أخيه وحلفاءَه في حرب الملوك الأربعة. وبعد أن اقتبل إبراهيم بركة الله بواسطة ملكيصادق، كاهن شليم (أي أورشليم العتيدة) وملكها، حدّد الله له وعده عبر ذبيحة يمرّ المتعاهدان بين أجزائها (15: 1- 21). ويروي لنا فصل خاسر (16: 1- 16) مولد إسماعَيل بن إبراهيم من جاريته هاجر، وفصل سادس (17: 1- 27) ختانة إبراهيم وابنه وكلّ ذكَر في بيته علامة العهد بينه وبين ربّه. ويتراءَى الله لإبراهيم في ممرا ويقبل تشفّعه في أهل سدوم الخاطئين (18: 1- 33). ولكنّ الربّ لم يجد عشرة أبرار في المدينة فدمّر سدوم وعمورة، بالنار والكبريت ولم ينجُ إلاَّ لوط وابنتاه بفضل تدخّل ملاك الربّ (19: 1- 38). وينتقل إبراهيم إلى جرار ويتعرّف إلى أبيملك ملكها (20: 1- 18). أمّا سارة التي لم تزل جميلة بحيث إنّ الملك أرسل يتزوّجها، فهي سوف تعطي ولداً لإبراهيم: إسحق ابن الموعد (21: 1- 34). وهي التي تطلب إلى إبراهيم أن يطرد إسماعيل فلا يرث مع ابنه إسحق فيطيعها. غير أنّ الله سيطلب إليه أن يتخلّى عن ابنه ووحيده ابن الموعد، فيقدّمه ذبيحة على جبل على طريقة سكّان المكان (22: 1- 24). وفي فصل أخير (23: 1- 20) يروي لنا الكاتب أنّ سارة ماتت، فاشترى إبراهيم مغارة المكفيلة ليدفنها، فكانت هذه المغارة لبني إسرائيل أوّل ملك لهم في أرض كنعان.
2- عندما نقسم الكتاب الثاني أربعة أقسام، لا نعتبر، على الطريقة المنطقيّة، إننا إذا انتقلنا إلى القسم الثاني لن نعود نتكلّم على إبراهيم، وإذا انتقلنا إلى القسم الثالث لن نعود نذكر إسحق. فالأخبار تتداخل بين قسم وآخر، وإن نحن اقترحنا هذا التقسيم فمن أجل تسهيل النصوص على القارئ. لهذا سوف يكون لنا في القسم الثاني حديث عن إبراهيم الذي يرسل عبده ليأتي بامرأة لابنه، والذي يتزوّج قطورة ويكون له منها أولاد.
3- مع إبراهيم ينطلق التاريخ البشريّ انطلاقةً جديدة فتحمل سيرة حياته أبعاداً لا حدود لها. من جهة، نرى فيها تدخّل الله الذي يبادر إلى إقامة حوار مع إبراهيم. ومن جهة ثانية، نرى أنّ إيمان إبراهيم يتجاوب ونداء الله ويخضع له رغم كلّ الحواجز والصعوبات التي تقف بينه وبين سخائه واندفاعه في خدمة ربّه. مع إبراهيم ينطلق تاريخ الخلاص حتى يصل إلى المسيح المتجسّد. وهذا الحوار الذي أقامه الله مع البشريّة، قد بدأ مع إبرام وكانت قمّته حياة يسوع، ولن يزال حاضراً في البشريّة حتى نهاية الأزمنة. أما سمّى ديودور الطرسوسيّ إبراهيم "أباً للكنيسة" كما سمّاه القدّيس بولس "أباً لجميع المؤمنين"؟ فاعلموا إذاً أنّ أهل الإيمان هم أبناء إبراهيم الحقيقيّون. ورأى الكاتب بسابق علمه أنّ الله سيبرّر غير الحدود بالإيمان، فبشّر إبراهيم قائلاً له: بك يبارك الله جميع الأمم. لذلك فأهل الإيمان مباركون مع إبراهيم المؤمن (غل 3: 7- 9).
- ونتساءَل عن الزمن الذي عاش فيه إبراهيم. أيكون القرن 18ً أو 16ً ق. م.؟ ولكنّنا إن جهلنا بالتدقيق الزمن الذي عاش فيه إبراهيم، فنحن نعرف المحيط الأنتروبولوجيّ من خلال الحفريّات التي جرت في أور وماري وأوغاريت.
لا شكّ في أنّ النصوص التي اكتشفناها لا تحدّثنا عن تاريخ الكتاب المقدّس ولا تذكر اسم إبراهيم وإسحق ويعقوب، غير أنّها تورد أموراً تفصيليّة تتعلّق بحقّ البكوريّة ونتائج التبنّي وحقوق الأولاد والعبيد... وهذا ما نجد له أثراً في حياة إبراهيم وإسحق ويعقوب، كما كتبها الكاتب الملهم بعد أن بقيت عالقة في ذاكرة شعب إسرائيل وحياته على مرّ العصور.
من هذا المنطلق يمكننا أن نعتبر أنّ زمن هجرات القبائل الساميّة من الجنوب إلى الشمال قد تمَ بين السنوات 2000 و1700 ق. م.، ويكون إبراهيم قد هاجر مع من هاجر في تلك المدّة من الزمن.
أمّا طريق الهجرة التي أخذها الآباء وعيالهم فهي تسير بموازاة الأنهار، لأنّ مواشيهم المؤلّفة خاصة من الغنم، لا من الجِمَال، لا تسمح لهم بالابتعاد كثيراً عن المياه والتوغّل في الصحراء. ولمّا أقامت القبائل الإسرائيليّة في أرض كنعان جمعت حياة البداوة إلى حياة الزراعة، ولم ينسَ العبرانيّ يوماً أنّ جدّه كان "آراميّاً تائهاً" (تث 26: 5) عاش غريباً وأقام كنزيل في أرض كنعان

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM