الكِتابُ الثَّاني: آبَاءُ شَــعْب الله

الكِتابُ الثَّاني
آبَاءُ شَــعْب الله



1- حدّثنا الكتاب الأوّل عن بدايات الكون والخليقة كما دوّنها الكاتب على ضوء وحي الله. ويحدّثنا الكتاب الثاني عن آباء شب الله: عن إبراهيم الذي آمن بمواعيد الله فبرّره الله بسبب إيمانه، عن إسحق الذي رضي أن يكون بين يدَي أبيه ذبيحة لله ، عن يعقوب الذي التقى الربّ وجهاً لوجه في مجازة بيوق فتحوّلت حياته من رجل الحياة البشريّة، إلى رجل الحكمة الإلهيّة، عن يوسف الذي تحلّى بالحكمة والفضيلة فأنجحه الله حتى في بلاد مصر فصار الشخص الثاني بعد فرعون.
وإذ يذكر الكتاب إسحق لا ينسى أخاه إسماعيل، بل إخوته من امرأة أبيه قطورة، وإذ يذكر يعقّوب يروي لنا ما حدث له مع أخيه عيسو وخاله لابان، وإذ يذكر يوسف لا ينسى يهوذا الذي سيحمل المواعيد إلى داود ونسله. ويرسم الكتاب أمامنا لوحة من هذا الشرق، ينتقل فيها بنا من أور إلى حاران في بلاد الرافدَين، ويسير بناء رجال الله إلى أرض كنعان بمدنها بيت إيل وحبرون وأفراته وبئر سبع، بل يصل بنا إلى أرض مصر حيث يوسف وزير ملكها الأوّل وحيث سيقيم بنو يعقوب ما شاء الله أن يقيموا قبل أن يرجعوا إلى أرفع كنعان بقيادة موسى.
2- في الكتاب الأوّل رافقنا التقليدَين اليهوَهيّ والكهنوتيّ. في الكتاب الثاني سيدخل التقليد الالوهيميّ منذ ف 15، بل سيسيطر في قصّة يوسف؟ ابن شماليّ البلاد حيث وُلد هذا التقليد المطبوع بكلام الأنبياء، أمثال هوشع وعاموس. وهكذا، إلى غنى التقليد اليهوَهيّ بقصصه البسيط وعمقه اللاهوتيّ ونظرته إلى الله القريب الذي يتصرّف كإنسان مع الناس، وإلى غنى التقليد الكهنوتيّ بأسلوبه الرتيب وحبّه للأرقام والأعداد، الذي يشدّد على تسامي الله وسط شعبه، نكتشف غنى التقليد الألوهيميّ القريب من التقليد اليهوهيّ لأنّه وُلد مثله في محيط شعبي، والذي يصوّر الله يكلّم الإنسان عبر أحلام الليل أو بواسطة ملاك ليطلب إليه حياة أخلاقيّة ستجد قمّتها في الوصايا التي يعلنها على الشعب في جبل سيناء.
3- وحين يجمع الكاتب الملهم في زمن الجلاء أو بعده ما دوّنته هذه التقاليد الثلاثة يقدّم لنا خبراً دينيًّا نقرأه عبر أحداث حياة الآباء.
نتعرّف في قسم أوّل (ف 12- 23) إلى إبراهيم الذي دعاه الله فأمره أن يترك البيت والأهل وينطلق في الطريق الذي يدلّه عليه. وفي قام ثانٍ (ف 24- 26) تبرز أمامنا شخصيّة إسحق التي تبدو باهتة إذا قابلناها بشخصيّة إبراهيم ويعقوب، وفي قسم ثالث (ف 27- 36) نرافق يعقوب على دروب الربّ، إلى أرض الآراميّين، ونعود معه إلى كنعان قبل أن تحطّ به الرحال في مصر حيث ينهي أيام حجاته. وفي قسم رابع (ف 37- 50) نسمع الراوي الألوهيميّ يقصّ علينا خبر يوسف صاحب الأحلام في أرض كنعان الذي صار الرجل الثاني بعد فرعون في أرض مصر.
نقرأ هذه الأقسام الأربعة على ضوء الحدث الأهمّ فيها ألاَ وهو دعوة الله لإبراهيم ووعده له بأن يعطيه نسلاً يكون عدده كرمل البحر، وأن يورثه وأبناءَه من بعده، أرضَ كنعان. وولد إسحق، ابن الوعد، فقرّت به عين إبراهيم. وولد ليعقوب اثنا عشر ولداً فبدا في أعين البشر أن لا خوف على سلالة إبراهيم رغم وجودها في أرض ليست لها، بل أرض عدوّة ستضطهدها يوماً من الأيّام. أمّا الأرض فلم تزل بيد الكنعانيّين ولم يتملّك منها نسل إبراهيم إلاَّ مقبرة المكفيلة (23: 1 ي) وقطعة أراض اشتراها يعقوب في شكيم (33: 19). وسوف ينتظرون طويلاً قبل أن تصبح الأرض كلّها أرض إبراهيم، ولكنّ مواعيد الله تتحقّق ولا شيء يقف في وجهها.
4- في الكتاب الأوّل قرأنا أنّ الله تعوّد أن يتمشّى في البستان حيث يقيم الإنسان، عند برودة المساء (3: 8)، وأنّه رضي عن أنوش الذي رفع إليه الدعاء (4: 26)، وأخذ إليه أحنوخ الذي سار بحسب وصاياه، فكأنّه أراد أن لا يمسّه الموت وهو الرجل البارّ. (5: 21 ي) واختار نوحاً وسهّل له طرق النجاة وأقام معه عهداً (9: 12 ي) يريده أن يدوم ما دامت الأرض (8: 22).
أمّا في الكتاب الثاني فأُفق الكتاب يضيق فيحصر كلامه في حديث الله مع شعب واحد تاركاً جانباً سائر الشعوب وإن كان لها اختباراتها مع الله. لا شكّ في أنّ أبيملك هو أيضاً يخاف الله (20: 11) ويتورّع من أن يمسّ امرأة إبراهيم حين يعرف بأمرها، وأنّ لابان يعبد الله كما يعبده يعقوب ومثله يحلف باسم إلهه (31: 45 ي). لا شكّ في أنّ شخصيّة ملكيصادق تفرض نفسها حتى على إبراهيم نفسه (14: 17 ي) الذي أدّى له العشور (عب 7: 4) فحصل منه على البركة.
ولكنّنا هنا أمام علاقات شخصيّة مع إبراهيم وإسحق ويعقوب الذين اختارهم الله، وهو حرّ في اختياره، وبدّل حياتهم وأعدّهم لساعة اللقاء معه. فإبراهيم هو رجل الإيمان وإسحق رجل الطاعة والخضوع، ويعقوب سيصير بعد رجوعه إلى كنعان ذلك المتّكل على الله لا على قوّة زنده (29: 8 ي) أو حدَّة ذكائه (30: 1 ي).
إلى هؤلاء الآباء سنتعرّف وقد شهد الله لهم أنّهم آمنوا به ووعدهم بما وعد، ولكنّنا نفهم نحن المؤمنين أنّ لنا شهادة يسوع، ابن الله، وسيط العهد الجديد (عب 12: 23) الذي فيه كملت مواعيد الله لنا والذين جاؤوا قبلنا (عب 11: 39- 40) بل ولجميع الناس لأنّهم جميعاً مدعوّون إلى الخلاص (1 تم 2: 4).
5- وهنا نطرح السؤال التالي: هل إبراهيم وإسحق ويعقوب شخصيّات محدّدة عاشوا في زمن تاريخيّ محدّد، أم إنّهم تجسيد لنموذج عرقيّ ودينيّ جعلت فيهم الأسطورة تقاليد الشعب الدينيّة والقبليّة؟ وبعبارة أخرى، هل تخيّل الرواة والكتّاب هؤلاء الأشخاص ليؤسّسوا عليهم ماضيهم المجهول ويجعلوا مؤثم قاعدة دستورهم وشرائعهم؟
يبدو أنّه كان للآباء شخصيّة تاريخيّة وصفات خاصّة بكلّ واحدٍ منهم، لأنّ الأسطورة، إن وجدت لا تخلق الأمور من العدم، بل تضخّم الأحداث وتخرجها من التاريخ. لم يخترع الرواة قصّة الآباء، بل جعلوها في إطار أدبيّ ودينيّ ورأوا فيها تكثيفاً وتجميعاً لتاريخ الخلاص. لا شكّ في أنّ تاريخ هجرة القبائل الساميّة أطول من هذا التاريخ الذي وزّعه الكاتب على أربعة أجيال (إبراهيم، إسحق، يعقوب، أبناء يعقوب)، والعلاقات الاجتماعيّة والسياسيّة بين هذه القبائل، بين سني 2300- 1500 ق. م. هي أعمق وأشمل من تلك التي يذكرها الكتاب. ولقد وجد علماء التفسير الكتابيّ رمزاً في عدد سني حياة الآباء: فإبراهيم عاش 175 سنة أي 7 × (5 × 5)، فيكون المجموع 17، وإسحق عاش 180 سنة أي 5 × (6 × 6). فيكون المجموع 17، ويعقوب عاش 147 سنة أي 3 × (7 × 7) فيكون المجموع 17، نرى هنا تدرّجاً متصاعداً من 5 إلى 7، تم تدرّجاً متناقصاً من 7 إلى 5 إلى 3، ولكنّنا لا نفهم رمز هذه الأعداد وتدرّجها، كما أنّ مقابلتها برموز أسترولوجيّة (علم النجوم) بابليّة لم تعطِنا إيضاحاً جديداً. فلسنا إذاً أمام رمزيّة عدديّة، بمعنى أنّ العدد يرمز إلى حقائق، ولسنا أمام رمزيّة قبليّة، بمعنى أنّ الرمز يسبق الجماعة ويمثّلها.
6- نجد في أساس الإخبار الكتابيّ تقاليد شفويّة، وربّما مكتوبة، تورد ذكريات حيّة حملها معهم أبناء يعقوب إلى مصر واستوحوا منها يوم رجعوا إلى أرض كنعان، فكتبوها قصصاً وجرّدوها من عناصرها التاريخيّة والجغرافيّة. نحن أمام التاريخ، وإن نقصت في هذا الإخبار الروح التاريخيّة الحديثة وأساليبها.
يهمّنا أن يتركّز هؤلاء الآباء في التاريخ، ويهمّنا أن نعرف بالحريّ أنّنا لسنا فقط أمام تاريخ كباقي التواريخ، لأنّ هذه الأخبار عن الآباء تحتوي، فضلاً عن الرواية، توضيحاً وتفسيراً روحيّاً لحاضر بني إسرائيل على ضوء ماضيهم. وهكذا يصبح التاريخ نظرة دينيّة تنطلق من أحداث تاريخ الخلاص وتقرأها قراءة جديدة على نور الوحي. ويبدو هذا الأمر معقولاً عندما نعلم أنّ هذه الأحداث كُتبت بعد ألف سنةٍ من وقوعها، وبعد أن أدخل الأنبياء شعب الله في روحانيّة دعوته ورسالته، فشعر أنّ اختيار الله له هو نعمة سوف يتذكّرها، فيجد فيها قوّة تشجّعه على أن يكون أميناً لربّه، وخاصةً في وقت الأزمات الصعبة.
7- إنّ تاريخ الآباء هو في الوقت ذاته تاريخ اختيار الله لبني إسرائيل، وقصّة بداية جماعات عرقيّة وقبائل متعدّدة اتّصل بها شعب الله. هو تاريخ شعب واحد وتاريخ شعوب عديدة ينفصل فيها أبناء الوعد عن أبناء اللحم والدم، وأبناء إبراهيم عن باقي الشعوب، فنرى من جهة أنّ تاريخ القبائل المتعدّدة يرتبط بتاريخ الآباء، لأنّهم أقارب لهم وجيران، ونرى من جهة ثانية الطابعَ الذي يطبع الشعب الإسرائيليّ فيجعله شعباً منفصلاً عن باقي الشعوب ومميَّزاً عنها.
إنّ الكاتب الملهم الذي عاش في عهد الملوك سوف ينظر إلى الوراء ويبيِّن دور قبيلة يهوذا المميَّز حتى داخل شعب إسرائيل. فهذه القبيلة ستكون وارثة الوعد، لأنّ حامل الوعد البشريّ عند أبناء يعقوب ليس حكماً البكر، كما في التقليد البشريّ، بل من يختاره الربّ الذي فضّل يهوذا على رأوبين رغم أنّ رأوبين هو البكر بالجسد. هذه الأمثلة تدلّنا على أنّ هذا التاريخ قد كُتب على ضوء الإيمان، فم يعد كتاب تاريخ فحسب، بل أيضاً كتاب حكمة وتعليم إلهيّ، ينطلق فيه الكاتب من الماضي ليعطي المؤمنين تعليماً في الزمن الحاضر.
8- إله الآباء: نتساءَل قبل الرجوع إلى النصوص: هل كان الآباء يعبدون الإله الواحد، أم إنّهم كانوا مشركين عبدوا آلهة متعدّدة قبل أن يتطوّر إيمانهم فيصل إلى توحيد الله؟ هل عبدوا آلهة الشعوب الذين عاشوا معهم، أم تميّزوا عنهم منذ يوم دعا الرب إبراهيم؟ ونتساءل أيضاً: مَن هو إله الآباء، مَن هو إله إبراهيم وإسحق ويعقوب؟
يقول بعض الشرّاح بتطوّر العقيدة عند الآباء الذين تعبّدوا أوّلاً لإله يرتبط بشخص من الأشخاص ليحميه من الأخطار، ثمّ عبدوا الإله الذي يهتمّ بالعائلة والقبيلة والوطن، قبل أن يصل بهم المطاف إلى تصوّر إله شامل وحيد خلق الكون وما زال يدبّره بعنايته.
وقال البعض الآخر: لا نستطيع من خلال قراءَتنا لسفر التكوين أن نعرف بالضبط ما كانت عليه تصوّرات الآباء الدينيّة، لأنّ معلِّمي اليهود قرأوا النصوص القديمة وزادوا عليها توضيحات وتفسيرات أخذوها من العصور اللاحقة المتمرّسة بعبادة الله الواحد. غير أنّنا لا نزال نلاحظ تأثير عبادة الآلهة المتعدّدة رغم تعاليم الأنبياء، ولنا مثال على ذلك تلك الأصنام الصغيرة التي حملتها معها راحيل من بيت أبيها (31: 19، 30، 34) دون أن يعتبر يعقوب أنّ عملها يتنافى وإيمانه بالله الواحد.
ونقرأ في سفر التكوين أداء مركّبة من "إيل" (الله) ومن صفة تميّز إله هذا المكان عن إله ذلك المكان الآخر: "إيل شداي" أي الإله الشديد القدير (17: 1؛ 28: 3؛ 35: 11؛ 48: 3)، "إيل عليون"، أي الله العليّ الذي تعبّد له ملكيصادق (14: 18). "إيل عولام"، أي الإله الأزليّ أو إله العالم، في بئر سبع، (21: 33). "إيل روي" وإيل، إله إسرائيل في شكيم (33: 20). "فنوئيل" أي وجه الله، الذي تراءى ليعقوب عند وادي يبوق في شرقيّ الأردنّ (32: 25- 33)، "فحد" إسحق (31: 53) الذي يجعل رعبه على أعداء أحبّائه، "أبير يعقوب" (49: 24) الذي يهلك بقدرته من يقف بوجه شعبه.
ونتساءَل: هل هذه الأسماء أسماء آلهة محليّة متعدّدة تعبَّد لها الآباء؟ نقول هنا إنَّ الله يكيِّف وحيه وفق عقليّة الناس ويرافق تطوّر تفكيرهم، ولهذا لا ننتظر أن يكون إيمان الآباء بالله نقيّاً كإيمان الأنبياء، أو أن يكون إيمان العهد القديم كإيمان العهد الجديد. في البداية ظهر الله كإله محلِّي (إله بيت إيل) وبدا إيمان الآباء إيماناً بدائيّاً بإله يرتبط بالقبيلة ويحميها بعد أن يقف بوجه آلهة القبائل الأخرى (في 31: 53 نلاحظ تمييزاً واضحاً بين إله إبراهيم وإله ناحور). وهذا ما حدا ببعض الشرّاح إلى القول بتطوّر الآباء وانتقالهم من عبادة الآلهة المتعدّدة إلى عبادة الله الواحد.
أمّا التقليد الكهنوتيّ الذي ترك بصماته في تدوين الكتاب النهائيّ، فهو يعتبر أنّ الآلهة المتعدّدة التي تذكرها النصوص ليست إلاَّ تعابير مختلفة عن الإله الواحد. وهذا يعني أنّ الآباء دانوا بالتوحيد فقد دعا الله إبرام من أور وحاران إلى أرض كنعان. ومع أنّ الآباء لم يعرفوا الله باسم يهوه، لأنّ موسى تعلّم اسم يهوه عند المديانيّين والقينيّين في صحراء سيناء (خر 6: 3)، فالكاتب الملهم يشدّد على القول بأنّ إيل هو ذاته الربّ يهوه، وأنّ الإله الذي عبده الآباء هو ذاته الذي عبده موسى وشعبه في البريّة. بهذا الكلام ندرك اتّصال تاريخ الآباء بتاريخ شعب الله، ونتبيّن أنّ الله يوجّه مصير شعبه، لا منذ عهد موسى فحسب، بل أيضاً منذ عهد الآباء. وهكذا شعر الشعب أنّ الإله الذي ظهر للآباء في الأيّام السالفة هو ذاته من يحيط اليوم شعب إسرائيل بعنايته ونعمته. وكما كان هيكل أورشليم مركز العبادة ورمز صلاة الشعب الواحدة رغم وجود معابد متعدّدة (شكيم، بيت إيل، حبرون)، كذلك كان يهوه الإله الحقيقيّ الوحيد رغم ظهوره بطرق متنوّعة وأسماء مختلفة لا تمسّ وحدانيّته.
وهذا الإله الذي يحدّثنا عنه الكاتب الملهم ليس إلهاً بعيداً كما تصوّرته الفلسفة اليونانيّة وبعض الديانات الشرقيّة. إنّه الإله القريب إلى الناس الذي يتدخّل في العالم فيدعو إبراهيم ويعده بأرض ونسل. هذا الإله يفعل في الكون ولا يخاف أن يقلب مخطّطات البشر: يختار يهوذا بدل رأوبين ويحوّل الشرّ خيراً والنوايا الخبيثة صلاحاً، فيجعل من يوسف، عبد فوطيفار، سيّد مصر الذي يسجد له اليوم من حسده بالأمس فباعه. قال يوسف لاخوته بعد موت أبيهم (50: 20): "أنتم نويتم عليّ شرّاً والله نوى بي خيراً لكي يصنع ما ترونه اليوم ويخلّص شعباً كثيراً". هذه الفكرة يكرز بها الكاتب فيقول: باطلٌ تخطيط البشر، باطل حساب البشر، باطل كلّ ما يهيّئه الإنسان ليطمئنّ إلى مستقبله. كانت سارة عاقراً، فأراد إبراهيم أن يستعين بشريعة حمورابي لكي يتبنّى عبده أليعازر ثمّ إسماعيل ابن هاجر أمَته المصريّة. ولكنّ مخطّط الله مغاير لمخطّط الإنسان وإسحق سيكون ابن الموعد وهو الذي ستلده سارة لإبراهيم رغم كِبَر سنّها (24: 1 ي) وبعد انتظار طويل. ويهمل الله حقّ البكوريّة فيختار يعقوب بدل عيسو البكر: لن يكون عيسو وارث المواعيد رغم أنّه البكر والابن المفضّل عند أبيه، بل يعقوب ذلك الضعيف المدلّل في حضن أمّه الذي لم تهيّئه الظروف لمثل هذه المسؤوليّة. يقول الربّ على لسان الني أشعيا (55: 8- 9): "إنّ أفكاري ليست أفكاركم ولا طرقكم طرُقي. كما علت السماوات عن الأرض، كذلك طرُقي علت عن طرقكم وأفكاري علت عن أفكاركم." ولكن، هل يرضى الإنسان أن لا تصل مخطّطاته إلى أهدافها؟ هل يقبل بالسير في طريق لا يعرف إلى أين تقوده؟ إنّ هذا الأمر الصعب قد اختبره الآباء وعاشوه بالإيمان. لهن لم يختبره الله لم يعم شيئاً ومن لم يضع رجاءَه كاملاً في الربّ يكون كمن يبني بيته على الرمال (مت 7: 26). هذا ما نتعلّمه نحن المؤمنين من قصّة الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM