الفصَل العاشِر: انتِشَارُ البشَرّية بَعدَ الطّوفان

الفصَل العاشِر
انتِشَارُ البشَرّية بَعدَ الطّوفان
(10: 1- 32)

أ- المقدّمة:
1- إنّ الآباء الذين عاشوا بعد الطوفان هم الصلة التي تربط حدث الطوفان بقصّة إبراهيم، وهم يكوّنون سلسلة تشبه سلسلة الآباء الذين عاشوا قبل الطوفان. ننطلق من آدم فنصل إلى نوح عبر الآباء الذين عاشوا قبل الطوفان، وننطلق من نوح لنصل إلى إبراهيم عبر الآباء الذين عاشوا بعد الطوفان، وهكذا ترتبط بداية الشعب العبرانيّ ببداية الكون.
2- بعد الطوفان الكبير الذي أهلك كلّ حيّ، يبدو سام وحام ويافث كآباء البشرّية الجديدة، كما كان قايين وشيت في بداية الكون آباء البشرّية الأولى المتحدّرة من آدم. تذكر الرواية اليهوهيّة أبناء نوح قبل الطوفان (6: 10) وتذكرهم الرواية الكهنوتيّة بعده (9: 18- 19) فنتعرّف إلى آباء ثلاث مجموعات عرقيّة ستتحدّر منهم القبائل والشعوب والأمم التي يذكرها هذا الفصل من سفر التكوين.
3- إذاً نقرأ في هذا الفصل أصل الشعوب والأمم المنتشرة في أصقاع الأرض (آ 32). هكذا تمّت البركة التي وعد الله بها نوحاً وأبناءه يوم قال لهم: "أُنموا واكثروا واملأوا الأرض وتسلّطوا عليها" (9: 1- 7). وهذه الشعوب ترجع كلّها إلى نوح عبر أصول ثلاثة: يافث وحام وسام. وهكذا تبان وحدة الجنس البشريّ في شجرة البشريّة العظيمة.
4- رتّب الكاتب الجماعات البشرّية في ثلاث مجموعات، بالنظر إلى علاقاتهم التاريخيّة والجغرافيّة التي عرفها شعوب الشرق القديم بين القرن الثامن والقرن السادس ق. م. وبما أنّه لم يعرف العرق الأسود والعرق الأصفر فهو لم يذكرهما. ثم إنّه ربط بين شعب وآخر بعلاقة تشبه علاقة الابن بأبيه، فجعل كوشا ابن حام، وحويلة ابن كوش، مع أنّنا نعرف أنّنا أمام شعوب وبلدان يتّصل بعضها ببعض، لا أمام أبناء يتحدّرون من أبٍ واحد.
5- يسرد الكتاب أسماء الشعوب فيعتبرها أداء أشخاص أفراد: مصرائيم اسم جدّ أهل مصر، واسم شعب مصر، وأرض مصر. وصيدون هو جدّ الصيدونيّين، وهو اسم المدينة التي يسكنون فيها. تلك كانت العادة عند الأقدمين في ربط القبائل والشعوب بأجدادهم. فكلمة يعقوب وإسرائيل تعني شخصاً فرداً، هو ابن إسحق بن إبراهيم، وتعني أيضاً لشعب العبرانيّ الحاضر في جدّه يعقوب.
6- يرجع النصّ إلى المرجعَين الكهنوتيّ (1- 7، 20، 22- 23، 31- 32) واليهوهيّ (8- 19، 21، 24- 30) وقد مزجهما الكاتب الملهم في إطار واحد فلم يتجنّب التردادات والاختلافات التي سنذكرها في حينها. ولكنّ همّ الكاتب أن لا يترك جانباً شعباً من الشعوب وهو الذي يدعوهم كلّهم إلى سماع كلام الله لإبراهيم: "بك تتبارك جميع عشائر الأرض" (12: 3).
7- أما تصميم هذا الفصل فيبدو كالآتي: بعد مقدّمة (10: 1) تربطنا بنوح وحدث الطوفان نتعرّف إلى بني يافث (10: 2- 5)، وبني حام (10: 6- 20) وبني سام (10: 21- 31). وينتهي الفصل بخاتمة (10: 32) تُجمل ما قاله الكاتب الملهم: هؤلاء عشائر بني نوح ومنهم تفرّقت الأم بعد الطوفان. أطال الكاتب الحديث على بني حام لأنّهم يمثّلون شعوباً قريبة من شعب إسرائيل، وانتهى ببني سام الّذين منهم ولد أرفكشاد وشالح وعابر آباء الشعب العبرانيّ عبر فالج ورعو وناحور وتارح الذي هو والد إبراهيم.
ب- تفسير الآيات الكتابيّة:
1- مقدّمة (15: 1)
(آ 1) مقدّمة كهنوتيّة تعوّدناها: هذه مواليد أو سجلّ مواليد بني نوح (2: 4):
ترتيب أسماء بني نوح: سام وحام ويافث، ولكنّ سلسلة الأنساب تقلب هذا الترتيب لتنتهي بسام موضوع حديثنا في الكتاب المقدّس.
2- بنو يافث (10: 2- 5)
(آ 2) يعتبر الكاتب الكهنوتيّ أنّ مواطن الساميّين محور الأرض، وفي فلكهم تدور سائر الشعوب. أمّا بنو يافث فيقيمون إلى الشمال والشمال الشرقيّ والغرب من بلاد بني سام. جومر (حز 38: 6): الجومريّون يقيمون في منطقة القفقاس كما تقول النصوص الأشوريّة. ماجوج (حز 38: 2؛ 39: 6): بلد يقيم فيه الليديّون (آسيا الصغرى) أو السيتيّون (على شاطئ الدانوب).
ماداي: فيها المادايون العائشون في منطقة جبليّة تقع شماليّ شرقيّ إيران (2 مل 17: 6؛ اش 13: 17؛ 21: 21).
ياوان: فيها اليونان المقيمون في آسيا الصغرى، أي الإيونيّون (1 ش 66: 19؛ حز 27: 13، 19؛ زك 9: 13).
توبل وماشك: شعوب عاشوا في آسيا الصغرى، قرب القفقاس أو في فريجية (1 ش 66: 19؛ حز 27: 13؛ 32: 26؛ 38: 2؛ 39: 1). نلاحظ التقارب بين توبل وقايين (4: 22).
تيراس: التيرينيّون هم قراصنة أقاموا في بحر إيجة وهم آباء الشعب الأتروريّ الذي أقام في توسكانا بإيطاليا في القرن الثامن ق. م.
(آ 3) أشكناز: السيتيّون العائشون في أرمينيا (ار 51: 27).
ريفات: اسم نجهله.
توجرمة: شعب عاش في أرمينيا الغربيّة (حز 27: 14؛ 38: 6).
(آ 4) أليشة: الشاطئ الشرقيّ لجزيرة قبرس (حز 27: 7).
ترشيش: سمّاها اليونان ترتسوس، وهي تقع على الشاطئ الجنوبيّ الغربيّ لإسبانيا (حز 27: 12؛ اش 2: 16).
كتيم: أهل كتيون أي لارناكا، بل أهل جزيرة قبرس وما حولها من جزر (حز 27: 6؛ ار 2: 10؛ 1 مك 1: 1؛ 8: 5؛ دا 11: 30).
دودائيم: شعب (1 أخ 1 : 7) يعيش في لوقية (المنطقة الجنوبيّة الغربيّة لآسيا الصغرى). ويمكننا أن نقرأ رودائيم (مع اليونانيّة والسامريّة) فنتحدّث عن أهل جزيرة رودس.
(آ 5) هؤلاء هم بنو يافث الذين عاشوا في جزر البحر المتوسّط وعلى شواطئه.
3- بنو حام (10: 6- 20)
(آ 6) الحاميّون يسكنون إلى الجنوب من أرض سام.
كوش: الحبشة (2: 13؛ حز 29: 10؛ 30: 4).
مصرائيم: مصر.
فوط: فونط عند المصريّين، (حز 27: 10؛ 38: 5؛ ار 46: 9؛ نح 3: 9) تقع جنوبيّ البحر الأحمر (بلاد السومال).
كنعان: بلاد أقام فيها بنو إسرائيل بعد أن أخضعوا لهم الكنعانيّين (آ 19). ورد اسم كنعان هنا لأنّ هذه البلاد ارتبطت بمصر مدّة طويلة من تاريخها.
(آ 7) سبأ: بلاد تقع في منطقة النيل الأبيض أو النيل الأزرق، أو هو مرفأ على الشاطئ الأفريقيّ للبحر الأحمر (مز 72: 10؛ اش 43: 3؛ 45: 14).
حويلة: منطقة في الجزيرة العربيّة (2: 11؛ 25: 18).
سبتة، رعمة، سبتكا: مناطق في اليمن.
شبأ: أهل سبأ. عاشوا جنوبيّ الجزيرة العربيّة (حز 27: 22؛ مز 72: 10، 15؛ 1 مل 1: 1 ي) أو في الشمال الغربيّ للجزيرة مع ددان (25: 3؛ اش 21: 13؛ ار 25: 23). سنقرأ عن حويلة وشبأ في آ 28- 29 وهم أبناء سام بحسب التقليد اليهوهي.
(آ 8) هنا يبدأ المرجع اليهوَهيّ وينتهي في آ 19.
كوش هي الحبشة (آ 6)، ولكنّ موطن نمرود بلاد أشور (مي 5: 5)، لذلك كوش هي كشوّ البابليّة أي بلاد الكشيّين في أرض الرافدَين.
(آ 9) كان نمرود جبّاراً في الصيد في نظر الربّ، وبتي عنه هذا القول الشعبي المأثور.
(آ 10) هناك تقليد آخر يعتبر نمرود مؤسس مملكة شاسعة. ولكن من تراه هذا الملك؟ لسنا ندري.
بابل أي باب إيل، باب الله (11: 9).
أرك: مدينة أروك (أو أركو) السومريّة الأكّاديّة (اليوم دركة) الواقعة على الفرات جنوبي شرقي بابل.
كلنة: مدينة مجهولة.
أرض شنعار: أرض بابل (11: 2؛ 14: 1- 9؛ اش 11: 11؛ زك 5: 11؛ دا 1: 2).
(آ 11) أشور: الأشوريّون نسبة إلى مدينة أشور (2: 14) واسمها اليوم قلعة شرقاط.
نينوى: صارت نينوى عاصمة الأشوريّين سنة 705 ق. م. (اليوم قوينجق) وهي تقع مقابل الموصل على الشاطئ الشرقيّ لنادر دجلة.
رحبوت عير: معنى الكلمة: ساحات المدينة. ولكن أيّ مدينة؟ لسنا ندري.
كالح: نمرود اليوم وهي تقع جنوبيّ نينوى.
(آ 12) راسن: مدينة مجهولة.
المدينة العظمى هي نينوى، عاصمة الأشوريّين بعد أشور وكالح.
(آ 13) بنو مصرائيم أي مصر (آ 6)
لوديم (حمع لود. رج آ 22): كلمة. ترتبط بمصر وتتقارب مع فوط، فهي تدلّ على شعب أفريقي لا نعرف موضع إقامته.
عناميم: شعب مجهول.
لهابيم: اللوبيم أي الليبيّون (2 أخ 12: 3؛ 16: 8؛ نح 3: 9؛ دا 11: 43).
نفتوحيم: هم أهل الدلتا كما يقول المصرّيون القدماء.
(آ 14) فتروسيم: أهل فتروس أي سكّان الجنوب في لغة المصريّين، أي الصعيد جنوبيّ ممفيس (اش 11: 11؛ ار 44: 1، 15؛ حز 29: 14؛ 30: 14).
كسلوحيم: شعب مجهول.
كفتوريم: سكّان جزيرة كريت التي منها جاء الفلسطيّون (عا 9: 7؛ تث 2: 23؛ ار 47: 4) فتسمّت أرض كنعان باسمهم (21: 32).
(آ 15) كنعان (آ 6) أعطى اله للكنعانيّين (آ 18- 19، 12: 6).
صيدون (49: 13) الفينيقيّون، وصيدون أي صيدا هي أهمّ مدنهم.
حثّ: جدّ الحثّيّين (15: 20، 23: 3).
(آ 16) اليبوسيّون: قبيلة عاصمتها يبوس (قض 19: 10) أي أورشليم (15: 21؛ تث 7: 1؛ يش 15: 63).
الأموريّون: (14: 7) هم الشعوب العائشون غربيّ الفرات بحسب البابليّين. ولكن بحسب التقليدَين اليهوَهيّ والألوهيميّ هم الشعوب الكنعانيّة وغيرها الذين جاؤوا قبل بني إسرائيل إلى أرض كنعان (حز 16 : 3).
الجرجاشيّون: شعب ربما جاءَ من آسيا الصغرى (15: 21؛ تث 7: 1؛ يشِ 3: 10؛ 24: 11؛ نح 9: 8). وقد اعتبرته النصوص المصرّية حليفاً خاضعاً للحثّيّين.
(آ 17) الحويّون (34: 2؛ تث 7: 1؛ يش 3: 10) شعب أقام في الجبال وسط كنعان، وقد ربطهم البعض بالحوريّين (14: 6).
العرقيّون والسينيّون: قبائل فينيقيّة عاشت على الشاطئ اللبنانيّ قرب طرابلس.
(آ 18) الأرواديّون: سكان أرواد الجزيرة المقابلة لطرطوس على الشاطئ السوريّ.
الصماريّون: سكان صمرة (حمرة الحاليّة) الواقعة جنوبيّ طرطوس.
الحماتيّون: أهل حماة الواقعة على نهر العاصي في سوريا.
(آ 19) جرارة مدينة قرب غزة (20: 1).
سدوم وعمورة وأدمة وصبوئيم: مدن تقع جنوبيّ البحر الميت (14: 2).
لاشع: قد تكون لاشم (يش 19: 47) الواقعة في كنعان من الجهة الشماليّة الشرقيّة.
(آ 20) وينهي المرجع الكهنوتيّ هذه اللمحة عن بني حام بعبارة تُجمل ما قاله عنهم التقليد اليهوهيّ (رج آ 5، 31): هؤلاء هم بنو حام.
4- بنو سام (10: 21- 31)
(آ 21) بعد أن حدّثنا الكاتب عن سائر الشعوب عاد إلى بني سام، لأنّه لن يهتمّ مباشرة إلاَّ بتاريخ بني سام (11: 26 ي).
ترجع هذه الآية إلى التقليد اليهوهيّ وهي تعتبر عابر جدّ الشعوب الساميّة الذي حمل اسم "عبريّ" (14: 13). سنقرأ اسم عابر أيضاً في آ 24- 25.
(آ 22- 24) نصّ كهنوتيّ يقابله نصّ يهوهيّ نقرأه في 22: 20- 22.
عيلام: مملكة العيلاميّين (شعب غير ساميّ) أقاموا شرقيّ بابل وكانت عاصمتهم شوشن.
أشور: بلاد أشور وشعب أشور.
أرفكشاد: يبدو أنّها بلاد الكلداي ومسكن الكلدانيّين.
لود (اش 66: 19؛ مز 27: 20، 30: 5) هو شعب في آسيا الصغرى أو قبيلة من أفريقيا.
آرام: القبائل الآرامية التي أقامت في سوريا وبلاد الرافدَين.
عوص: أرض أيّوب الواقعة بين أدوم والجزيرة العربيّة (22: 21؛ 36: 28؛ اي 1: 1؛ ار 25: 20).
حول، جاشر، ماش: لم يتّفق شرّاح الكتاب المقدّس على معنى هذه الكلمات.
(آ 25- 30) مرجع يهوهيّ يلي آ 21 ويعتبر عابر ابن سام.
فالج: الساميّون المقيمون في الشمال (بلاد الرافدَين). يعود الكاتب إلى اللغات الساميّة فيفسّر فالج بمن شقّ الأرض وقسّمها.
يقطان: الساميّون المقيمون في الجنوب (الجزيرة العربيّة).
أسماء أبناء يقطان هي أسماء قبائل وأماكن في الجزيرة العربيّة.
لا يذكر الكاتب هنا شيئاً عن سلالة فالج لأنّه سيعي إليها في 11: 18- 19، مع المرجع الكهنوتيّ.
حضرموت تقع على الشاطئ الجنوبيّ للجزيرة العربيّة.
يارح : اسم الإله القمر.
أوزال (حز 27: 19): تقع قرب المدينة المنوّرة.
شبأ: بلاد السبَئيّين في اليمن (ملكة سبأ: 1 مل 10: 1 ي).
أوفير وحويلة تقعان في الجزيرة العربيّة.
نلاحظ هنا أن شبأ وحويلة هما أبناء يقطان ومن نسل عابر وسام. أمّا في المرجع الكهنوتي (آ 6- 7) فهما ابنا حام.
ميشا: ربما هي مسّا (25: 14، ام 31: 1): قبيلة في شماليّ الجزيرة العربيّة.
سفار: سفارة: تقع على الشاطئ الغربيّ للجزيرة العربيّة.
(آ 31) ويجمل الكاتب الكهنوتيّ ما قاله اليهوهيّ عن بني سام.
5- خاتمة (10: 32)
(آ 32) ويبيّن الكاتب الكهنوتيّ وحدة الجنس البشريّ بالنسبة إلى نوح من خلال بنيه حام وسام ويافث، كما يبيّن وحدة بني إسرائيل من خلال عابر وسام. ولكنّ هذا التنوّع بين الشعوب ستكون نتيجته تفرّق الألسن وتشتّت المساكن. ولكنّ خبر برج بابل، كما رواه اليهوهيّ، سيعطي تفسيراً آخر لتشتّت الشعوب على الأرض: تمرّدوا على الله فبلبل ألسنتهم وفرَّقهم على وجه الأرض كلّها.
ج- ملاحظات:
1- إنطلاقاً من النصوص المصريّة والأشوريّة والبابليّة استطاع العلماء أن يتعرّفوا إلى هذه الأسماء المذكورة في هذا الفصل. نحن لن نتوقّف على التفاصيل بل نكتفي بذكر الخطوط الكبرى فنرى أنّ أبناء نوح يؤلّفون ثلاث مجموعات.
2- المجموعة الأولى تتحدّر من يافث، وهم شعوب من الشمال يسكنون الكبادوكيا (تركيّا) والجنوب الشرقيّ من البحر الأسود قرب جبال القفقاس. توبل وماشك هما تابالو وموسكو في النصوص الأشوريّة، وتيبارينوس وموسخوس في تاريخ هيرودوتيس اليونانيّ. إن النبي حزقيال (27: 10 ي) يذكر هذه الشعوب المتاجرة مع صور. كانت توجرمة تبيعها الأحصنة والبغال وتوبل وماشك تبادلها العبيد وأواني النحاس. ياوان هي اليونان وكان الفينيقيّون أوّل من اتّصلوا بها. ترشيش هي ترسيوس التي يذكرها هيرودوتيس والتي أَمَّها الفينيقيّون لجلب المعادن منها (حز 27: 12). بدت بلاد ترشيش بعيدة للعبرانيّين وهي تقع في نهاية عالم الغرب، فينطلقون إليها في سفن كبيرة، وهذا ما دفع الكتاب المقدّس (1 مل 10: 22) إلى تسمية السفن الكبيرة سفناً منطلقة إلى ترشيش، ولو كانت وجهتها البحر الأحمر. كتيم استعمرها الفينيقيّون وسمّوها كيتي ولمّا احتلّها اليونان سمّوها كيتيوم. رودانيم هي جزيرة رودس التي تقع على الطريق البحريّة بين الشرق وبحر إيجه.
3- وتتكوّن المجموعة الثانية من أبناء حام وهم شعوب الجنوب. كوش هي بلاد الحبشة، ومصرائيم هي مصر وهي مكتوبة بصيغة المثنّى لتدلّ على التاجَين اللذَين يزيّنان رأس الفرعون. فوط هي بلاد شماليّ الحبشة ذكرها إرميا (46: 9) وحزقيال (30: 5). لماذا جعل التقليد كنعان ابن حام وشقيق مصر رغم أنّه يتكلّم لغة العبرانيّين ويتحدّر كما يتحدّرون من سلالة سام؟ يبدو أنّ أبناء إبراهيم أرادوا أن يشدّدوا على أنّ رفعة مكانتهم الأخلاقيّة والدينيّة تمنعهم من أن يكونوا أقرباء لكنعان. فعبد العبيد الذي لعنه نوح لا يستطيع أن يكون وشعب الله من أصل واحد. أما القرابة بين كنعان ومصرائيم، فنجدها في العلاقات التجاريّة والثقافيّة التي قامت بين مصر وكنعان أجيالاً طويلة.
4- وتتكوّن المجموعة الثالثة من أبناء سام. جعل الكاتب الملهم ساماً وسلالته في المجموعة الأخيرة ليصل إلى إبراهيم الذي يرتبط بالساميّين عبر شالح وعابر وفالج ورعو وسروج وناحور (11: 10- 26). في آ 21 نقرأ أنّ ساماً هو شقيق يافث الأكبر وأبو بني عابر. وعابر هو جدّ العبرانيّين الذين جاؤوا من عبر النهر (يش 24: 2- 5). فالعبرانيّون هم الآتون من عبر الفرات أو من وراء الفرات: كما سمّاهم الكنعانيّون (40: 15، يون 1: 9).
5- في تعداد الشعوب والقبائل، يذكر الكاتب بعض الشعوب ويغفل ذكر البعض الآخر، لماذا أغفل ذكر موآب وأدوم وعمّون رغم معرفته بهم؟ هذا ما لا نعرف له سبباً. إنطلق في تعداده من البحر الأسود في الشمال فوصل إلى الحبشة في الجنوب، ومن ماداي وعيلام في الشرق إلى اليونان وترشيش في الغرب.
ونتساءَل: لماذا عدّد كلّ هذه الأم والشعوب؟ فنجيب: لأنّهم يدخلون كلّهم في مخطّط الله، ومنهم سيختار الربّ القبيلة التي تهيّئ الطريق لمجيئه

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM