يسوع كلمة الله مع القديس يوحنا الصيد العجيب

الصيد العجيب
21: 1- 19

ودنا يسوع، فأخذ الخبز وناولهم، وكذلك ناولهم السمك.
يبدو هذا الظهور في البداية وفي النهاية بشكل "تراءٍ". "تراءى يسوع لتلاميذه" (آ 1). "هذه مرة ثالثة تراءى فيها يسوع" (آ 14). وهكذا نجد التواصل، رغم اختلاف الطبيعة، بين ظهورات يسوع حين كان على الأرض (2: 11؛ 17: 6) وبين ظهور المسيح الممجّد.
إحتفظ يوحنا بذكرى ظهورات يسوع في اليهودية وفي الجليل. وعودة التلاميذ إلى نشاطهم السابق كصيادي سمك، يعود بنا إلى التشتّت الذي سبق موت يسوع والذي أنبأ به يسوع (16: 32: تتفرّقون، فيذهب كل واحد). إنتهت المغامرة، فعاد كل واحد إلى مهنة مارسها قبل أن يلتقي بيسوع. ولكن فشل الصيد يرمز إلى الخيبة وزوال الوهم، إلى عقم (عدم خصب) عملهم في غياب يسوع. المشهد يبدو بشكل "تراءٍ" للتلاميذ. هو الأخير قبل إرسال سمعان بطرس كراعٍ في الكنيسة.
لم يعرف التلاميذ يسوع القائم من الموت. وعدم المعرفة هذه تشدّد على أن القيامة حوّلت ظاهر يسوع. فلا بدّ من علامة لكي تنفتح عينا التلميذ الذي كان يسوع يحبّه. فكلمة يسوع (وإن لم نعرفه) تحتفظ بذات السلطان وذات الفاعلية على التلاميذ وعلى عناصر الكون. وسيكون التلميذ الذي يحبه يسوع هنا كما في مقاطع أخرى (13: 23؛ 18: 16؛ 20: 3) الوسيط بين بطرس ويسرع.
ويهيّئنا المشهد "لفرز" بطرس "لرعاية القطيع". تكلّم يسوع، فعاد بطرس إلى الشبكة، ومارس أولويّته الراعوية: إجتذب الشبكة التي تحمل 153 سمكة.
وحين انتهى الصيد، أعذ يسوع لتلاميذه طعام الغداء، المؤلّف من خبز وسمك. كل شيء مجهّز بطريقة سرّية، وقبل أن تصل ثمار الصيد إلى يسوع. والعبارة "أخذ خبزاً وأعطاهم" هي التي سمعناها في تكثير الخبز (6: 11). عبر هذا الخبر يُفهم يوحنا قرّاءه أن احتفالهم الأفخارستي هو امتداد وتأوين لما عرفه الشهود الأوائل للقيامة.
ونال بطرس تثبيتاً إحتفالياً في مهمته الرسولية الخاصة، كما نال الشروط الضرورية للقيام بها. على بطرس أن يكون تلميذاً (ترد مرتين كلمة "تبع" يسوع)، وأن يمارس خدمته الراعوية في حبّ يسوع. "رعاية القطيع" (أي: قاد، أطعم، حمى) هي رسالة هامة وصعبة. ففي العهد القديم، الله هو راعي شعبه (هو 4: 16؛ إر 31: 10؛ أش 40: 11). طلب يسوع من بطرس: "إرع خرافي". هو يفوّضه، يعطيه سلطاناً. يخلقه من أجل هذا العمل. لهذا عليه أن "يحبّ يسوع" أي أن يكون أميناً له ولعهده. وقيادة القطيع تفترض أن نرعاه بمحبة (كما فعل يسوع) لا بتسلّط. والسؤال المثلّث عن الحب يستعيد النكران المثلّث لبطرس خلال الآلام (13: 38؛ 18: 15- 27). وهكذا يظهر بوضوح أن بطرس ليس أفضل من الآخرين. وأن اختيار يسوع له هو نداء للخدمة لا "وساماً" لاستحقاقاته.
هل نحن أمام قيامة يسوع في هذا الإنجيل؟ ألسنا بالأحرى أمام قيامة التلاميذ؟ أحكموا أنتم: عاد سمعان بطرس ورقاقه فارغي اليدين من ليل من العمل الشاق في الصيد. وليس لهم سمكة يقدّمونها لهذا "الغريب" المجهول الذي وقف ذاك الصباح عند الشاطىء. إنهم لا يملكون شيئاً.
وأخطر من هذا: أُرسل سمعان بطرس في مهمة ليصطاد البشر (لو 5: 10). أما الآن فهو يحتاج إلى شخص يصطاده هو. لقد غرق في مياه نكران المسيح حتى العنق. غرق فخرجت المياه من عينيه، خرجت دموعاً مرّة. تشبّه بآدم الذي تعدّى على شجرة معرفة الخير والشّر، فابتعد عن المعرفة الحقّة، معرفة إرادة الله، وبالتالي ابتعد عن شجرة الحياة. لقد ابتعد عن يسوع الذي هو الحقّ والحياة. لقد أعلن عنه ليلة الآلام: "لا أعرفه"!
وأمام المسيح القائم من الموت، وجد نفسه عرياناً، مثل آدم (تك 3: 7- 13). لا عرياناً كإنسان على شاطىء البحر، بل عرياناً بسبب الشقاء الذي حلّ به: لم تبقَ له كرامة يقدّمها، لم تبقَ له هدية تستطيع أن تربطه بذلك الذي أنكره في الأمس. لم يبقَ له إلا الندم بعد الخيانة والنكران. ولكن يسوع إصطاده من جديد بكلمته. أصعده إلى القارب مع 153 سمكة كبيرة: هذا ما وجدناه في قارب بطرس الذي يمثل الكنيسة.
وهكذا أقام يسوع بطرس بالغفران الذي منحه له: قدّم له مناسبة ليُحل "أنا أحبك" محل "لا أعرفه". وذلك ثلاث مرات. نحن أمام إنطلاقة جديدة، أمام حياة جديدة. وأقام يسوع الرسل: كانوا خائفين، وها هم يواجهون المحكمة العليا والجلاّدين. لم يعودوا يهابون الموت.
في زمن القيامة هذا الذي يمتدّ خمسين يوماً، نحيط بعرش الله ونشكره على كل القيامات: قيامة يسوع، بكر الأموات. قيامة بطرس وسائر التلاميذ. قيامتنا نحن الذين مثل بطرس قد انتُزِعنا من أمواج كل الميتات لنُرفَع في الشبكة العظيمة إلى القارب، لنعبر البحر وندخل إلى الأرض حيث هيّأ المسيح الخبز، وزاد السمك الذي اصطاده التلاميذ. هذا ما فعله على الجبل يوم بارك الخبزات والسمكتين التي قدّمها له ذلك الفتى (6: 9) فأطعم خمسة آلاف.
وهكذا يكوّن الله الكنيسة بالمعمودية، فينزع المؤمنين من مياه الموت وظلمات الليل. ويقدّم لهم في الأفخارستيا طعاماً يوحّدهم به. ينتزعهم من الظلمة ويقيمهم إلى نوره العجيب.
أنت يا رب تدعونا وتغمر بكلمة حنانك ليالي سهرنا وجهدنا وفراغ يدينا من الصيد. أنت يا رب ذاك الذي يهيّىء لنا نار الصداقة وخبز اللقاء. أنت يا رب ذاك المجهول الذي يأخذ الخبز ويعطينا إياه بفعلة تعوّدنا عليها فنهتف ونقول: هذا هو الرب. شكراً لك يا رب على هذا الإيمان الفصحي الذي به نعرف أنك أنت مخلّصنا الآتي إلينا، ساعة الليل يغمرنا والشك يتعبنا فينقلب ليلنا نهاراً وحزننا فرحاً.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM