يسوع كلمة الله مع القديس يوحنا : تكثير الخبز
 

 

تكثير الخبز
6: 1- 15

أخد يسوع الأرغفة وشكر، ثم وزّع على التلاميذ، والتلاميذ وزّعوا.
نكتشف في هذا النص أن يسوع هو موسى الجديد الذي جاء يسير في مقدّمة شعبه من أجل خروج جديد. أمر لا يصدّق. يكثر الأرغفة بهذه الكمية العجيبة. إنه حقاً النبي العظيم الآتي إلى العالم!
وهكذا نبدأ قراءة هذا الفصل السادس من إنجيل يوحنا. يحيط بالخبر كلمتان. الأولى، الآية: إن آية الخبزات تتجاوز تجاوزاً بعيداً آية الأشفية وتجعل من يسوع النبي المنتظر. الثانية، الجبل. إنه موضع اللقاء بالله (هناك تقترب الأرض من السماء). وسيصبح في النهاية موضع العزلة الذي يتيح ليسوع أن يتفلّت من الجموع. ويحدّد يوحنا موقع العيد: عيد الفصح. هو العيد الثاني بين أعياد الفصح التي يذكرها الإنجيل الرابع. إذن نحن في وسط حياة يسوع العلنية. وهذا يحدّد أيضاً موقع الخبر بين عمل الخروج المحرّر والمن من جهة، وبين موت يسوع مع الحمل الفصحي والعشاء السري من جهة أخرى.
تفرّد يوحنا فذكر تدخّل فيلبس واندراوس اللذين يعتبران قريبين من اليونانيين (12: 22). إن هذا الخبر هو خبر يشدّد على الشكر أي الافخارستيا. إنه يتوجّه إلى عالم يوناني، وهو بعيد عن أسلوب "المباركات" الذي عرفه العالم اليهودي. يلعب يسوع دور "الموسوس" ليكتشف عقليّة تلاميذه المأخوذة بالتجارة. تحدّث النص عن "عطاء" أما فيلبس فعن "شراء". وأخرج اندراوس الجماعة من الحالة الصعبة. أدخل على "المسرح" فتى (وقد يكون "عبداً") فقيراً يحمل خسة أرغفة وسمكتين صغيرتين. هذه التفاصيل الخاصة بالإنجيل الرابع تضفي على المشهد نكهة مميّزة: فقير صغير يعطي خبزه الرديء وسمكاته الحقيرة من أجل الخير العام. دعاه أندراوس فقبل بمبدأ المقاسمة، بل رضي أن يُعطي كل ماله.
وزّع يسوع الخبزات مباشرة على الناس. هذا عند يوحنا. أما الإزائيون فجعلوا التلاميذ وسطاء معيّنين ومسؤولين عن خدمة الموائد. قد يكون فيلبس واندراوس لعبا هذا الدور عينه.
وجمع التلاميذ الكسر. ملأوا إثنتي عشرة قفة. جمعوا ما تبقّى بعد أن أعطوا كل شيء. نحن هنا أمام عطاء ومقاسمة. أربع حركات في الافخارستيا: أخذ، شكر، كسر، أعطى. لم يتحدّث يوحنا عن الكسر. فخبره يعني خبزات الشعير وخبز الكلمة.
إمتلأ بطن الجموع، ولكنهم لم يشبعوا (آ 12). إنهم يحتاجون إلى مخلّص يعتني بهم. ويسوع لا يأكل الآن من هذا الخبز، هو الذي لا يحتقر ما يحمله الفقير. لقد تواضع على مستوى الفقير. كان وحده ضدّ الجميع ومن أجل الجميع. إختفى في الجبل وترك الناس في "جوعهم". إنه هذا الخادم الذي يؤمّن وحده "التوزيع". إنه وحده الرب الذي فيه يجد الجميع قوتهم. إنه وحده مع أبيه للصلاة. ففي نظر يوحنا، المهم هو رفض كل ما هو "برّاق" لكي نبني الكنيسة. فيسوع يعطي ذاته نفساً وجسداً من أجل عالمنا.
نستطيع أن ننظر حيث نريد، في داخل جماعاتنا المسيحية أو إلى المهمّات التي تنتظرنا في العالم. وفي كلا الحالين نحسّ بالضعف حين نسمع نداءات الله ورسله. مثلاً، يقول لنا بولس (أف 4: 1- 6): "إحتملوا بعضكم بعضاً بمحبة، واسعوا للمحافظة على الوحدة في الروح". ويسوع نفسه لا يني يرسل الجماعات: "كما أرسلني أبي، أنا أرسلكم أيضاً" (يو 20: 21). ولكن كيف يبدو الواقع؟ هل جماعاتنا هي موضع أخوّة؟ أين هي شهادتنا تجاه الذين يجهلون الإنجيل؟ هل تحمل ثمراً؟ هذا ما لا نستطيع أن نقوله.
حين نحسب حساب إمكانياتنا وإلتزاماتنا الرسولية، نشبه التلاميذ أمام الأرغفة الخمسة (من نوع رديء) والسمكتين. "ما هذا لكل هذا الجمع"؟ نحسّ أنه لا نسبة بين الهدف الذي يجب البلوغ إليه والإمكانيات التقنية التي بين أيدينا. فإمكانياتنا الإقتصادية هزيلة: "لا تكفي أجرة مئتي يوم من العمل" (الدينار هو أجار يوم).
ومع ذلك حين كان يسوع على الجبل، لم يبحث في مكان آخر عن خبز أفضل وعن كمية كبرى. ولكن حين يتدخّل، يأتي روحه فيحوّل كل ما نضعه في تصرّفه. صارت خبزات الشعير طعام جمع كامل بعد أن أشع ضياء يسوع عليها. طعام وفير ووفير جداً، وقد بقي منه ما ملأ 12 قفة. وطعام ثمين وثمين جداً. يجب أن نجمع الكسر "لئلا يضيع منها شيء".
هذا هو الخبر المفرح الذي يحمله ظهور المسيح في قدرته: ولقد تأثّر التلاميذ تأثّراً كبيراً بهذه الآية، فردّدوا الحدث ست مرات في الأناجيل الأربعة. منذ فصح يسوع عاشوا هذه الخبرة الحاسمة: القائم من الموت يعيش في جماعة المؤمنين، هو في وسطنا، هو فينا، هو يجمعنا. يجعلنا نعبر البحر ليحرّرنا من كل عبودياتنا، يقودنا إلى الجبل، جبل القيامة الذي كان منذ ثلاثة أيام جبل الفصح. حينئذ يصبح فقرنا غنى من حضوره فينا. وتمتلىء الصحراء عشباً. ويتحوّل الشعب التعب والجائع إلى كنيسة الله برسلها الإثني عشر (12 قفة): فعلى كل رسول أن يملأ قفة، فيكون بهذا الشكل راعي جزء من الشعب أوكل إليه أمر العناية به.
كل هذا نختبره في إجتماعنا الأسبوعي: نقف مع كل ضعفنا أمام المعلّم. نعبرّ له عن صعوباتنا. وقد ينبّهنا هو إلى صعوبات العالم كما فعل مع فيلبس. ثم نشكره فنذكر تدخّلاته في حياة شعبه، في جماعاتنا، في حياتنا الشخصية. ونعلن بدورنا: "حقاً، هذا هو النبي العظيم". فيطلقنا من جديد، ويرسلنا بعد أن ينفخ فينا روحه.
أيها الرب الإله. أنت تعرف الرغبات التي فينا وتعرف فراغ حياتنا. تعال إلينا وأطفىء عطشنا وأشبعنا من حبّك. فقلبنا لا يزال قلقاً مضطرباً حتى يسكن فيك.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM