سبّحوه بالعود والكنّارة، صلاة من المزامير : لا لنا يا رب

لا لنا يا رب 115

يسير هذا المزمور مسيرة احتفال ليتورجيّ، فينتهي بمباركة يتلفّظ بها الكاهن المحتفل باسم الربّ (آ 12- 15). طلب المؤمنون هذه البركة (آ 1- 2)، وأعلنوا ثقتهم بالله (آ 3- 11)، فجاءت المباركة كقول نبويّ يحمل الخلاص. وانتهى كل شيء بنشيد الشكر. "أما نحن فنبارك الربّ من الآن وإلى الأبد" (آ 18).
جاء الطلب خفِراً، وسأل المؤمن الربّ أن يفعل من أجل اسمه، لا من أجل برّ الإنسان الذي هو خاطئ ولا يستحقّ شيئاً (آ 1- 2). ذُلّ الشعب فظنّت الأمم أن قدرة الله الخلاصيّة صارت ضعيفة، فقابل الشعب بين قدرة الربّ السامية في السماء وضعف الأصنام على الأرض. وهكذا جعلوا اتكالهم في الله الذي يحقّق ما يريد في السماوات وعلى الأرض (آ 3- 11).
هناك الشعب الذي يخاف الربّ، وهناك الكهنة أبناء هارون. كلهم سينالون بركة الله، الصغار منهم والكبار. وهذه البركة تضاعف قوّة الحياة فيهم وتجدّد وجه الأرض (آ 12- 15). وإذا كان الربّ يُنزل على مختاريه قدرة الحياة هذه، فلأنه احتفظ لنفسه بالسماء عرشاً منها يوجّه العالم كما يشاء. غير أنه يهب الأرض لبني البشر ليملأوها ويخضعوها (تك 1: 28).
عرف المؤمنون وقد باركهم الربّ، أنهم ليسوا مفروزين إلى الموت مثل عباد الأصنام البكماء، وعالم الصمت هو عالم الموت والنزول إلى الجحيم. فأبناء "السكوت" لا يسبّحون الربّ. أما المؤمنون فيباركون الله في نشيد يحمل بركات السماء على الأرض.

هذا هو نداؤنا نرفعه إليك أيها الإله الرحوم
حالتنا سيّئة وهي تزداد سوءاً، فتحمل إلينا القنوط واليأس
لماذا لا تتدخّل، لماذا لا تعمل؟
لماذا ترضى أن يقول الناس إنك ضعيف لا تقدر أن تعمل
أو أنك بعيد لا تريد أن تعمل
أو أنك قاس على شعبك تتركه يقاسي الضيق؟

في الماضي فعلت المعجزات وصنعت العظائم
هل صارت اليوم يدك ضعيفة وذراعك قصيرة فلا تصل إلى أعداء شعبك
في الماضي خلّصت شعبك من عبوديّة المصريين، فما وقف في وجههم نهر أو بحر
بقدرتك عبروا بحر الأحمر كما على اليابسة، ومن أجلهم وقف نهر الاردن
وانتظر أن يجتازه حاملو تابوت العهد.

في الماضي خلّصتنا نحن من ضيقات عديدة، وتاريخنا حافل بالتدخّلات
ولكنك اليوم تبدو ساكتاً، وأمواج البحر تهدّد سفينتنا بالغرق
ألا تعود إلينا، ألا تعود تحيينا بعد أن وصلنا إلى حافة الموت؟

بلى، فأنت الإله الرحوم، الذي غضبه ساعة ورحمته على الدوام
بلى، فأنت الأله الأمين، الذي سيفعل اليوم وغداً كما فعل في الماضي
بلى، فأنت الإله القدير، ولست كأصنام البشر آلهة القوّة والمال
أنت ترى وتسمع، صرخ إليك العبرانيون من عبوديّتهم فبلغ إليك صراخهم
ورأيت الضيق الذي يحلّ بهم بسبب مسخّريهم
فأرست إليهم من يخلّصهم. فمتى ترسل إلينا مخلّصاً يخلّصنا؟
فنشكر لك فضلك مع الشاكرين ونقول: لا لنا، يا ربّ، لا لنا.

لا لنا يا ربّ لا لنا، لكن لاسمك أعط المجد
من أجل رحمتك يا ربّ، من أجل رحمتك وأمانتك
لماذا تقول الأمم: "إين الله إلههم"؟

لا نريد أن ننظر إلى ذواتنا، بل إليك يا خالق السماء والأرض
لا نطلب أن يرتفع اسمنا، بل أن يعظّم اسمُك ويقدّس
لا نبغي المجد لنا والظفر على أعدائنا، بل أن تتمجّد أنت في كل آن وزمان
أن تتمجّد في خليقتك، أن تتمجّد في المؤمنين بك والخائفين اسمك
مجدك يا ربّ عظيم برحمتك التي تعلو الجبال وتصل إلى أعماق عالم الموت
مجدك عظيم بأمانتك، فأنت الإله الصادق في مواعيده، الحافظ عهده، لا يحيد عنه
نحن نخون عهدنا معك، وأما أنت فلا، لأنك لا تستطيع أن تتنكّر لذاتك.

ولكننا يا ربّ نشكّ ونرتاب ونتساءل مع المتسائلين: أين الله إلهكم؟
أين هو لا يدافع عنكم، يترككم تُذبحون كالغنم
أين هو لا يُنهي زمان الضيق الذي يثقل صدوركم؟
نحن بشر يا ربّ، ولهذا نتساءل
نحن ضعفاء يا ربّ ولهذا نكاد نصدّق قول المشكّكين
يقولون: أين إلهكم وهم يغمزون بعيونهم: لا وجود لإلهكم.
أرنا قدرتك يا ربّ، أرنا خلاصك يا ربّ، فتعود إلينا الثقة
ويكون المجد لاسمك لا لحقارتنا، لا لنا.

إلهنا في السماء، كل ما شاء صنع
أصنامهم فضّة وذهب من صنع أيدي البشر.
لها أفواه ولا تتكلم. لها عيون ولا تبصر
لها آذان ولا تسمع. لها أنوف ولا تشمّ
لها أيد ولا تلمس. لها أرجل ولا تمشي.
هي لا تنطق بحناجرها
مثلها يكون صانعوها وجميع المتّكلين عليها.

ونسمع صوتك يا ربّ يدوي من أعلى سمائك، فيدلّنا على حضورك: ترى كل شيء وتعرف كل شيء
ونسمع صوتك يدلّنا على قدرتك: تصنع كل ما تشاء ولا شيء يقف في وجهك
أنت الذي تخترق لجج البحر، وتتخطّى مخادع الغمر، ألا تستطيع أن تفعل شيئاً عند البشر؟
أنت الذي تُطلق العاصفة، وتُنزل المطر، وتخرج الجمد، وتولّد الصقيع، أتخاف أصناماً من فضة وذهب؟
أنت الذي تكوِّن السحاب، وترسل البروق والرعود، بما تهمّك آلهة العدم،
وهل تخاف صانعيها وهم عدم مثلها؟
لا وألف لا، ولكننا لم نعرف بعد، ولكننا لم نفهم بعد.

نريد كالناس اليوم أن نتكل على المال، ونعبد حاملي المال
نريد أن نتكل على القوة، ونتعبّد للذين بيدهم القوة
نريد أن نتكل على الناس، على العظماء
نريد أن يكون لنا إله يسير أمامنا، نلمسه بيدنا، نراه بعيوننا
ولكنك يا إلهنا في السماء، أرفع من كل الخلائق، ونحن نعبدك بالحق والروح،
وعليك نتكل مهما كانت الظواهر سيّئة والمستقبل مظلماً.
أصنام الناس اليوم هم رجال ونساء، هم أفراد وجماعات
لهم أيدٍ وأفواه وآذان وأنوف وأرجل وعيون
ولكن يدهم قصيرة، وأذنهم لا تسمع صراخ المساكين، وعيونهم لا ترى الظلم المحيق بالضعفاء
مثل هذه الأصنام تحطّ من قدر الإنسان، تجعله عبداً، بل آلة لتحقيق مآرب وغايات.
أما عبادك يا ربّ، فمقامهم رفيع، وقد تلت لهم: لا أدعوكم عبيداً
فأنت قلت لهم: العبد لا يعرف ما يعمل سيده
وقلت أيضاً: دعوتكم أحبائي لأني أخبرتكم بكل شيء.

بنو إسرائيل اتكلوا على الرب هو نصيرهم وترسهم
بيت هارون اتكلوا على الربّ هو نصيرهم وترسهم
خائفو الربّ اتكلوا على الرب هو نصيرهم وترسهم
الربّ ذكرنا وباركنا. بارك بيت إسرائيل، بارك بيت هارون
بارك خائفي الربّ، الصغار منهم والكبار.

نهتف لك هتاف الثقة والرجاء، ونعلن أننا نتكّل عليك دون سواك
فالاتكال عليك خير من الاتكال على البشر حتى العظماء منهم
لأن البشر نسمة ريح لا تدوم قوّتهم.
الشعب كله اتكل عليك، الكهنة اتكلوا عليك، الأبرار العائشون في مخافتك اتّكلوا عليك
كلهم اختبروا خلاصك وحمايتك، فعرفوا فيك ناصرهم في الخطر، وترساً يحميهم من كل عدوّ
كلهم فهموا أنك ذكرتهم وما نسيتهم. وهل تنسى أم أولادها؟
وإن نستهم فأنت لا تنسانا يا الله، بل تحملنا كما النسور تحمل صغارها على أجنحتها
كلهم عرفوا أنهم ببركتك عائشون، وبحضورك سعيدون
ونحن نعرف أنه لولا رضاك عنا، لرحنا إلى الموت، وما عاد لنا أن نهلّل لاسمك.

ليزد الربّ بركته عليكم، عليكم وعلى بنيكم
مباركون أنتم من الربّ صانع السماوات والأرض
السماوات سماوات للربّ، والأرض منحها للبشر
الأموات لا يهلّلون للربّ، ولا الهابطون إلى أرض السكون والموت
أما نحن فنبارك الربّ من الآن وإلى الأبد. هللويا.
بعد أن اجتمع شعبك حولك، حول مذبحك، ها هو يتطلّع إلى بركتك
وهذه البركة تأتيه بواسطة الكهنة الذين أوكلتهم بطريقة خاصة على كلمتك وأسرارك
يحمل إلينا الكهنة بركتك، ونحن نحملها إلى الغير، فتعمّ بركتُك كلَّ الناس،
بل كلَّ الخليقة
أنت يا صانع السموات والأرض، بركتك تحيط بالسموات والأرض، وكل مخلوق ترعاه بنظرك
أنت يا من تهتمّ بالعصفور الصغير، أفلا تهتمّ بنا نحن أبناءك؟
أنت الذي تؤمّن الجمال للزهرة والطعام للغربان، كيف نجسر أن نطلب خبزنا اليومي من سواك؟

ولكننا يا ربّ نتساءل ونريد أن نفهم، فتقول لنا إن أسرار السماء أسمى من الأرض
قبلنا حاول أيوب أن يفهم، ولكن سؤاله انتهى بالصمت والعبادة والسجود
عرف فيك مخلّصه وولّي أمره، فاكتفى بذلك
ونحن عرفنا أننا لم نزل أحباء، وأننا لم نزل نهلّل لك ونمجّدك
إن حيينا نحيا لك، وإن متا يكون موتنا ربحا لأننا نكون وصلنا إلى الغاية ونلنا الجائزة التي وعدتنا بها من العلاء
لأجل كلّ ما فعلت لنا، وما ستفعله لأجلنا، سنظلّ نباركك ونقدّس اسمك
ونتمنّى أن يحلّ ملكوتك على الأرض كما في السماء
فلا تسمح أن ينقطع لساننا عن التهليل، وشفاهنا عن نشيد البركة، وأفواهنا عن الدعاء،
أنت يا أرحم الراحمين. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM