سبّحوه بالعود والكنّارة، صلاة من المزامير : سبحانك يا الله
 

 

سبحانك يا الله 109

موضوع قديم نقرأه في هذا المزمور: شخص حُكم عليه، فجاء يدافع عن براءته أمام منبر الله. جاء قسمه الأوّل (آ 2- 20) في هذا الاطار. أما قسمه الثاني (آ 21- 31)، فبدا بشكل تشكٍّ قريب ممّا في مز 22 (إلهي، إلهي لماذا تركتني؟)؛ 69 (خلّصني يا الله لأن المياه وصلت إلى منافسي)؛ 102 (يا ربّ استمع صلاتي، وليصل إليك صراخي).
يبدو المؤمن ضحيّة اتهامات كاذبة، فيرفع دعواه إلى الله. هذا ما نجده في مز 7 (ممّن يضطهدني نجّني)؛ 17 (إسمع يا ربُّ الحق، وأنصت إلى صيحتي)؛ ولا شيء يبرّر مثل هذا الموقف، وهو الذي كان خيّراً مع متّهميه، بل صلّى لأجلهم في ضيقهم. لماذا يردّون له الشرّ لا الخير؟
ويأتي الدعاء بالشر: عارضَ السلام، فلتكن له "لحرب" والموت. أيام قصيرة، يخسر "وظيفته"، يخسر ماله لدى المديّنين، يموت فتصبح امرأته أرملة وأولاده يتامى. هذا يعني أن الله تخلّى عنه، والبشر تركوه وشأنه. لا سبيل له إلى الغفران، ولا أمل له بالعمر الطويل. وهكذا يحصد هذا "الشرّير" ما زرع.
ومع آ 21، تبدأ الصلاة: ليفعل الله من أجل صفيّه البائس والمسكين. وهو يلحّ على الله بأن يتدخّل فيعرف الكون ما فعلته يد الربّ. حينئذٍ يفرح عبادُه، ويخزى خصومُهم. وينتهي كل شيء بالشكر بعد أن برّأ الله ساحة صفيّه: وقف عن يمينه كالترس فخلّصه ممّن يحكمون عليه.

نتلو اليوم صلاتنا يا ربّ، ونبوح لك بما في قلوبنا
من أعماقنا تخرج نار جارفة تريد أن تدمّر الأعداء الذين حولنا
نرى البغض والحقد من حولنا، نحسّ بالخطر يحيط بنا من كل جانب
نشعر بضعفنا وعجزنا أمام الأعداء، وقلّة عددنا أمام الآلاف الزاحفة
فلا يبقى لنا من مُدافع إلاّك في الضيق الذي نتخبّط فيه
لهدا نرفع إليك صلاتنا، ونرجو أن يبلغ إليك صراخنا.

نطلب منك يا ربّ أن تخلّصنا من غضب الغضوبين وحقد الحقودين
نسألك يا ربّ أن تنجّينا من كلا شرّ ومن الأشرار الذين يسيئون إلينا
أين وعدك لنا بعد أن سمّيتنا القطيع الصغير، أين عهدك لنا نحن شعبك وميراثك
هل تريد أن يباد اسمك ولا يذكر الناس من بعد أولئك الذين حملوا انجيلك
أما ترى الخوف يدخل حتى إلى مفاصلنا، أما ترى القلق يصل إلى أعماق قلوبنا
لهذا نرفع إليك صلاتنا، ونرجو أن يبلغ إليك صراخنا.

الخطر لا يحيق بشخص واحد، بل بشعبك كله، بعد أن كثر الأعداء حولهم
والضيق لا يهدّد هذه المنطقة أو تلك، بل يضع الوطن كله على شفير الهاوية
أين أنت لا تسمع، أين أنت لا ترى، أين أنت لا تشعر
أما يهمك أنين البائسين، أما تحرّك أحشاءك لهفةُ المساكين
هل أنت السيد الجالس في العلاء، ولا تهتمّ لما يحدث على الأرض
أما أنت الملك الذي يهتمّ بالصغار من شعبه وبالوضعاء من الناس
ولهذا نرفع إليك صلاتنا، ونرجو أن يبلغ إليك صراخنا.

سبحانك يا الله لا تصمت، فالأشرار الماكرون جميعاً
فتحوا أفواههم عليّ وتكلّموا بلسان كاذب
بكلام بغض يحيطون بي وبلا سبب يقاتلونني.

أنا أصرخ يا ربّ، والأشرار يصرخون، وأنت لماذا تصمت ولا تتدخّل
أصغ إليّ يا ربّ، واسمع صوت خصومي الذين حفروا هوّة لنفسي
أنا لا أريد أن أفرض عليك إرادتي في أن تعاقبهم كما أشاء
ولكني أسألك أن تحكم عليهم حكمك العادل، لأنهم اضطهدوا أصفياءك، وضربوا المتّكلين عليك
أريد في أعماق قلبي أن أقول لك: لا تباركهم، ولكنني أخاف منك يا ربّ البركات
فأنت قلت لنا: باركوا ولا تلعنوا.

يبادلونني الحبّ بالخصومة، وأنا من أجلهم أصلي
يكافئونني الشرّ بالخير، والبغض بمحبتّي لهم.

إياك أدعو يا ربّ لتخرج من صمتك، إياك أدعو لتتحرّك، وتفعل شيئاً من أجل عبيدك
لو أنت تدخّلت لأخرجتني من الضيق الذي أنا فيه
في النهار أدعوك، لماذا لا تجيبني، وفي الليل أناديك وأنت لا تحرك ساكناً
إذا أنت بقيت أصم، فأنا سأشبه الهابطين إلى الجحيم الذين لا تسمع صلاتهم
إذا أنت بقيت ساكتاً سيقول الأشرار: نعّما لنا، لتهد ابتلعناه.

ولكنك تقوم وتدافع عن حقّي، وتخاصم لخصومتي
تصغي إلى صراخي، ولا تسكت عن دموعي، وتعاملني كضعيف فأقيم في جوارك
ولكنك آتٍ كنار آكلة، وحولك عاصفة شديدة، آتٍ ولا تصمت، آتٍ لتدين الشعوب
تقول للأقوياء: كالبشر تموتون، وللعظماء تسقطون كأي إنسان ضعيف.

أنا أسبّحك وأمدحك في جماعة الأتقياء، وأعدك بأن أوفي نذوري لك
أسبّحك يا من عليك اعتمدت، وأمدحك يا حماي ومعتصمي
وأقدّم إليك براءتي، فيحنّ قلبك عليّ، وتتدخّل لخلاصي
فأنت تعرف أن ما يقولونه كذب، وأنت تعلم أنهم أشرار ماكرون
فلا تبقَ عني بعيداً، بل تعال وأسرع إلى نصرتي.

أنا ما بادلتهم الشرّ بالشرّ، أما هم فكافأوني الشرّ بالخير
قدّمت لهم محبّة قلبي، فبادلوني البغض والخصومة
أنا صلّيت من أجلهم، وما أردت إلاّك قاضياً عادلاً أرفع إليك دعواي
أنا عاملتهم معاملة الأخ والصديق، أما هم فما أرادوا أن يسالموني
فكيف تريدني أن أعاملهم بعد أن تكلّموا علي زوراً.

ولكني أنظر إلى ابنك يسوع، الذي استقبل من سلّمه بقبلة، وصلّى من أجل صالبيه
أرى الشعبَ أعمالاً حسنة فأرادوا أن يرجموه، لأنه قال الحقّ وأعلن أنه ابن الله
فقال فيهم وهو متألّم في قلبه: إنهم أبغضوني مجاناً
وأودّ أن أسير على خطاه كما فعل اسطفانس، ولكنني لا أستطيع، وأريد أن أرى انتقامك سريعاً.

وأنت أيها الربّ سيدي، أحسن إليّ إكراماً لاسمك
نجّني لطيب رحمتك. أنا مسكين وبائس وقلبي من داخلي جريح
كظل مائل أمضي، وكجرادة في مهبّ الريح
وهنتْ ركبتاي من الصوم، ولحمي هزيل بلا شحم
صرت عاراً عند الناس، يرونني فيهزّون رؤوسهم.

أعود إليك يا ربّ بعد هذا البركان في قلبي، وأتكل على اسمك، وأعتصم بمجدك
فأنت صخرتي وحصني. أرشدني واهدني إكراماً لاسمك القدوس
فتعال إلى نصرتي وافتدني من أجل جودك ورحمتك
أنا ذليل، وأنت تخلّصني إكراماً لمجد اسمك، وتنقدني وتغفر خطاياي.

حالتي تدعو إلى الشفقة، وأنا أحمل خطيئتي وخطيئة شعبي
من جهة جسدي صرت إلى الفناء واللائي، صرت كظلّ مائل عند المساء
صرت كالعشب اليابس الذي يحمله الهواء
ضعف جسمي من الحرمان الذي فرضته عليه، ووهنت ركبتاي من الأصوام
لصق جلدي وعظمي ممّا قاسيته، ألا تنظر إليّ، ألا تسمع أنيني؟

ومن جهة نفسي وشعوري، أحسّ بالتعب والألم:
هزء المستهزئين، وكبرياء المتكبرين، وتعالي المرتاحين
صرت عاراً عند الناظرين إليّ، ومثلاً يرونه فيهزّون الرؤوس.

هكذا كنت أنت يا يسوع، حين رآك الشعب على الصليب:
رأوك حين وهنت ركبتاك وضعف جسمك
ولكنهم لم يروك يوم قمت من القبر فتحوّل جسدك إلى جد مقدّس مشعّ.
ولهذا أرفع إليك دعائي مع المرتّل: أنصرني أيها الرب، خلّصني يا إلهي
أرفع إليك يديّ، فأنقذني من أعدائي الذين يضطهدونني، وأنر بوجهكِ عليّ.

أنصرني أيها الربّ، خلّصني يا إلهي برحمتك
فيعرفوا أن يدك يا ربّ هي التي فعلت ذلك
هم يلعنون وأنت تبارك. يقاومونني ويفشلون، فيشمت بهم عبدك
خصومي يلبسون الهوان ويغطيهم عارُهم كالرداء
أحمد الربّ كثيراً بفمي، وبين الكثيرين أهلّل له.

أين عدالتك أيها الربّ؟ لماذا لا تتدخّل من أجل صفيّك، ولا تعمل من أجل أحبّائك؟
أين عدالتك لا تنقلب على الأعداء فيحلّ بهم الشرّ الذي هيّأوه لمن اخترتهم لك؟
تدخّلتْ في الماضي فأجبرت فرعون وسحَرَته أن يقولوا: نعم، إصبع الله هو هنا
فأين قدرتك الآن، وهل ضعفت يدك، وكلّت يمينك؟
فلو فعلت، مدحتُك بين الجماعة، وهلّلتُ لك وسط الكثيرين.

إبنك يسوع مات، ولكنّ العار غطّى خصومه، فرأوا مكان عبادتهم مهدوماً وهيكلهم محروقاً
أما قبره فهو موضع تكريم إلى الأبد
ابنك يسوع تألّم، وهُزىء به، وجُلد، وكُلّلَ بالشوك، ولكن هذا كان لعارهم
فهو ما تذمّر منهم، ولا قال فيهم كلمة، بل صلّى لهم وأشفق عليهم
وكم نتمنّى أن يصلّي لنا ويشفق علينا ويخلّصنا ممن يحكمون علينا.

أنا أعرف يا ربّ أنك تقف بجانبي، تقف عن يميني فتدافع عني
أحسست أنك تتهمني فخفت وارتعبت، ولكنك شاهدٌ تبرّئني وتعيد إليّ حقي
هذه هي صرخة إيماني، ولهذا أهتف منذ الآن هتاف الفرح لخلاص لا بدّ أن يتمّ
أجل أهتف، وماذا يصنع بي البشر حتى وإن ارتفع مقامهم وعظُم سلطانهم
حتى وإن لعنوا، فلعنتهم تنقلب بركة، فما أعظم سعادتي بك يا الله!

عندما أتلو هذا المزمور، أفكّر بذاتي، بشعبي المضطهد، بوطني الجريح
أتلو هذا المزمور فأودّ أن أردّد كلماته وهي السلاح الوحيد بيدي أنا الضعيف
وأفكر بك يا يسوع أنت الذي اتهموك ظلماً ولعنك الرؤساء
وأفكّر بك يا يسوع أنت الذي لاحقوك ببغضهم أمام الوثنيين حتى الموت على الصليب
وأتأمّل كلماتك في تلك الساعات الرهيبة فأتَّخذ منها أمثولة لحياتي
وأعرف أننا معك وسط العالم، وأننا سنقاسي الاضطهاد من أجلك
نحن الذين سمعناك ونلنا عطاياك وأحببناك، ألم نفهم بعد ما عملتَ وما قلت؟

ونعود إلى نفوسنا، نحن الطالبين عدالتك ضد الخاطئين الذين يريدون بنا شراً
لا شكّ أن خمرة غضبك حاضرة منذ الآن على القساة القلوب
وأنك ستكون بدون شفقة على الذين ما عاملوا قريبهم بالشفقة
وستقول لنا أيضاً: بالكيل الذي تكيلون به يُكال لكم وازود.

ونعود إلى نفوسنا نحن المؤمنين ونتساءل: هل نحن بجانبك أم بجانب الآخرين؟
هل كنا أعداء صليبك أيها المسيح، وهل سرنا سيرتهم؟ إذاً ستكون لنا عاقبتهم
عملنا أعمالاً صالحة وأعمالاً شريرة لنرضي العالم ومنهم بيلاطس وهيرودس
مزجنا الطالح بالصالح، فدللنا أننا لسنا لك، وأننا نستحي منك وعند المحنة نقتلك
فإليك نرفع أبصارنا، ونتلو إليك صلاتنا، ونقدّم لك ضعفنا.

أنت يا من سمحت أن تخرج كالمجرم أمام بيلاطس
أن يبادلوك الشرّ بالخير والبغض بالمحبة وكلام الغضب بالصلاة،
خلّص البائسين من أبناء كنيستك الذين يغمرهم الشرّ كالموج العارم
وأكّد لهم أن يدك حاضرة وهي تفعل وتعرف متى تفعل
فتمجّدك كنيستك بصوت أبنائها من الآن وإلى الأبد. آمين.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM